الفصل الثامن والعشرون

15K 321 1
                                    

هبت أسيل مستيقظة من نومها مرة واحدة هاربة من كابوسها الأزلي وهي تطلق شهقة عنيفة واسمه يتردد همسا بين أنفاسها المبهورة :- أسلان
غرفة النوم كانت مضاءة بالمصباح الصغير المجاور للسرير ... فتمكنت من رؤيته يجلس على مقعد كبير قريب من السرير ... ينظر إليها مسندا مرفقيه إلى ذراعي المقعد .. عاقدا يديه أمام وجهه ... والحزن مرتسم بوضوح على وجهه الذي ظهر عليه الإرهاق ..كان ما يزال يرتدي ملابس العمل التي تجعدت . . بدون سترته أو ربطة عنقه .. ذقنه نامية ..مما جعله يبدو شبيها بقرصان حزين .. سحبت الملاءة لتغطي نفسها وهي تتذكر انهيارها ليلة الأمس ... وجوده المفاجيء ليضمها إليه ويواسيها ويحملها إلى السرير.... اغرورقت عيناها بالدموع وهي تتذكر سبب انهيارها .. فأخفضت رأسها عاجزة عن النظر إليه ... عن رؤية تلك الندبة البشعة ... عن رؤية آثار فعلتها به ... قال بهدوء :- هل كثيرا ما أكون بطلا لكوابيسك ؟
لم ترد .. فتابع :- هل رأيتني هذه المرة أيضا أسقط في الماء ؟
غمغمت :- هذا ما أراه كل ليلة تقريبا منذ سنتين ..
لاحظت بأنها ما تزال ممسكة بالورقة التي تجعدت من فرط ضغط أصابعها عليها ... سالت دموعها وهي ترتجف هامسة بانهيار :- أنا آسفة .. آسفة .. لو أنني عرفت .. لو ان أحدا أخبرني
قال باكتئاب :- ما الذي كنت ستفعلينه أسيل ؟؟ ما كانت معرفتك لتغير شيئا .. ما حدث قد حدث .. وقد انتهى الآن .. ولا معنى للتفكير به
قالت بصوت مختنق :- كيف تقول هذا ... لقد كدت تموت بسببي أنا .. أنا كدت أقتلك بفعلتي
تنهد وهو يمرر أصابعه عبر خصلات شعره قائلا :- أنا لا ألومك أسيل .. ما عدت ألومك ...ما حدث كان بسبب تهوري وغبائي أنا .. من الظلم تحميلك أنت المسؤولية
نظرت إليه من بين دموعها قائلة باستنكار :- لماذا تفعل هذا ؟؟ من حقك أن تكون غاضبا مني .. أن تلومني .. أن تعاقبني على ما فعلته .. لا تكن متفهما بهذا الشكل
قال بابتسامة شاحبة :- أهذا يعني أنك قد سامحتني على ما فعلته في دبي ؟
أشاحت بوجهها فسمعت زفرته القوية .. أحست به يتحرك .. ويجلس إلى جانبها على طرف السرير ... قال بحزم لطيف :- انظري إلي أسيل
فعلت .. وليتها لم تفعل .. فق كان أول ما لمحته عيناها من وجهه الوسيم القريب منها جدا ... تلك الندية الغير منظورة للرائي من بعيد ... قال بهدوء :- صدقي أو لا .. لم يكن الانتقام دافعي ذلك النهار .. لم أفكر به قط منذ عرفت بأنك حية .. لقد كنت غاضبا .. كنت انفعاليا وقاسيا .. كنت مصمما على الاحتفاظ بك مهما كانت وسيلتي .. كنت وحشيا وكريها في معاملتي لك .. إلا أن كل ما عانيته في غيابك ذهب أدراج الرياح فور أن رأيتك مجددا ... فور أن أصبحت زوجتي .. إلى جانبي
تمتمت ودموعها تسيل غزيرة :- أنا لا أستحق غفرانك
مرر أنامله على وجنتها يمسح دموعها قائلا برقة :- وأنا لا أستحق دموعك
تلاقت أعينهما .. بذلك التواصل الحارق الذي لطالما كان بينهما ... تواصل بدأ بصريا .. قبل أن يلحقه التواصل الفطري بين جسديهما ... تلاقت ذبذبات التجاذب صارخة بينهما .. جعلته ينتفض مقاوما رغبته الضارية في احتضانها .. ابتعد عنها فجأة .. وهب واقفا وهو يقول :- سأتركك لتكملي نومك .. فأمانا غدا يوم طويل .. تخطط أمي لجمع بعض معارف العائلة وتقديمك إليهم بشكل رسمي
نظرت إليه بلوعة قائلة :- إلى أين تذهب ؟
نظر إليها واجما وهو يقول باقتضاب :- سأعمل قليلا في مكتبي .. لن أزعجك بوجودي
:- لا تذهب ... ارجوك
نظر إليها متوترا وهي تناجيه بطفولية :- ابقى .. قليلا فقط .. حتى أنام على الأقل .. أخشى أن .... لن أطيق أن ... ليس مجددا
نظر إليها مترددا وقد فهم كلماتها المتقطعة والغير مفهومة ... لقد كانت تخشى أن تحلم به يسقط في الماء مجددا .. فهمها لأنه هو ولعامين كاملين كان يخشى كل ليلة أن يحلم بها .. لأن الألم كان يتضاعف في كل مرة كان يراها فيها
تحرك ببطء لينضم إليها فوق الفراش .. فأبعدت الملاءة وقد اعتلت اللهفة ملامحها .. كانت جائعة لملمسه .. لإحساسها بقوة جسده .. لضياعها في رائحته .. ضمت نفسها إليه بسرعة فور أن تمدد إلى جانبها .. تستوسد صدره الصلب .. تحيط خصره بذراعها .. تمرغ وجهها في قميصه .. فانتفض جسده وهو يقول بخشونة :- أسيل .. أتدركين ما تفعلينه بي ؟؟ أنا مجرد إنسان لا أكثر
رفعت نفسها لتنظر إلى وجهه الوسيم .. إلى عينيه اللامعتين بوحشية الرغبة .. إلى شفتيه اللاهثتين .. واختفى كل حذرها .. كل قلقها وخوفها .. كل الصور البشعة تراجعت لتقف في الظل .. لم يكن هناك سوى رجل أحبته بكل جوارحها .. رجل كادت تفقده وعاد إليها بمعجزة .. قالت بصوت أجش وهي تمد يدها لتلامس وجهه وملامحه :- أنا أراهن على هذا
سرعان ما أحاطت بها يداه وجذبتاها نحوه .. وتعانقت شفاهما بلقاء يائس .. وكأن كل منهما يبحث عن الخلاص من عذاب الآخر بين أحضانه .. عارفا بأنه لن يزداد إلا غرقا به


في محراب العشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن