في محراب العشق

By malkrohi89

510K 10.9K 358

احمل قلبي في حقيبة وأرحل . . أقف في مفترق طرق . . البحر من امامي . . وهاوية حب لا قرار لها من ورائي . . خيارا... More

المقدمة
الفصل الاول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون والاخير

الفصل الثامن

14.1K 319 3
By malkrohi89

:- ألن تحكي لي عما فعلتماه أنت وكمال طوال النهار معا ؟؟؟
قالت أسيل دون أن تحرك عينيها عن كتاب تقرأه :- لا
كانت قادرة على الإحساس بفضول أرزو يكاد يفتك بها .. إلا أنها ما كانت مستعدة أبدا لإخبارها الحقيقة .. لن تورط قريبتها في قصة جديدة من قصص عائلة دار أوغلو .. إن عرفت أرزو بأن أسلان لا يحب زوجته .. قد تسمح لنفسها بأن تعود للتفكير به مجددا كحبيب محتمل .. وقد لاحظت أرزو جيدا ليلة الحفلة الطريقة التي تورد فيها وجه أرزو أثناء رقصها مع أسلان .. أرزو ما تزال تكن المشاعر نحوه مهما كان نوعها .. وأسيل لن تتحمل مسؤولية تشجيعها وتطويرها ..
:- احكي لي على الأقل عن المكان الذي زرتماه معا
قالت أسيل بنزق :- أنا لا أشعر حقا برغبة في تقديم نشرة سياحية لك .. كما أنك تعرفين قصر توب كابي جيدا على ما أظن
لاحظت أرزو وهي تتأمل ابنة عمتها بانتباه مدى توتر أسيل واضطرابها .. قالت بغموض :- لا .. أنا أيضا لا أريد نشرة سياحية
كانتا تجلسان في غرفة الجلوس .. علي كان في غرفته منهمكا في أعمال غامضة أمام حاسوبه .. وفريد ولمعان كانا قد خرجا لزيارة بعض الأصدقاء منذ نصف ساعة ..
تنقلت أرزو بين القنوات التلفزيونية دون أن تركز حقا فيما يعرض على الشاشة .. بينما اندمجت أسيل في تظاهرها بالقراءة .. وجاهدت لتركز في فحوى الكتاب علها تتوقف قليلا عن التفكير متأملة في أن يهاجمها النعاس أخيرا فتهرب إلى النوم من أفكارها الصاخبة
قالت أرزو فجأة :- لم لا نخرج غدا في رحلة بحرية ؟
أخفضت أسيل الكتاب قائلة بعبوس :- ماذا ؟
اعتدلت أرزو قائلة بحماس :- لم لم أفكر بهذا قبل الآن ؟؟؟ سيسعد خالي عثمان بأخذنا في جولة بمركبه غدا صباحا .. ما رأيك ؟؟ سنقضي وقتا ممتعا .. ها .. لا تعترضي أرجوك .. أرجوك
لم تعترض أسيل التي قالت بابتسامة باهتة :- أناأعرف بأن خالك رجل مشغول .. لم تراه سيكون متفرغا في الغد لأجلنا
:- غدا هو الأحد .. وهو يقضي دائما عطلته الأسبوعية وسط البحر على مركبه .. لن يمانع في بعض الصحبة ..
ضحكت أسيل قائلة :- أوافق بشرط ... ألا يصمنا بكلامه الذي لا ينتهي عن فخره بعزوبيته ..
شقيق لمعان الأصغر .. والذي بلغ الثامنة والثلاثين من عمره ... ما يزال عازبا حتى الآن .. ومضربا بكل حماس عن الزواج .. مازالت أسيل تتذكر حكايا أرزو القديمة عن صديقته التي كسرت قلبه في الجامعة عنما تزوجت رجلا أكثر ثراءا .. بالنسبة إليه كان جنس النساء عالة على الكون .. عنصر من الأفضل لغيره لو أنه اختفى .. كان يردد شعاراته هذه أمام أرزو وأسيل عندما كانتا ما تزالان مراهقتين في الرابعة عشرة .. فيلتفت ليرى نظرات الذهول والانبهار في أعينهما المتسعة فيقول بحنان :- إلا أنتما يا صغيرتي .. أنتما .. بالإضافة لوالدتيكما .. الاستثناء الوحيد عن القاعدة ..
عندما قابلته أسيل مجددا بعد سنوات طويلة لم يكن عثمان قد تغير كثيرا .. إلا من خطوط أنيقة من الشيب لونت فوديه .. إذ أنه ما يزال الرجل الأنيق والوسيم .. والنافر من النساء والذي عرفته أسيل دائما
قالت أرزو باسمة :- شرطك هو حلم إبليس في الجنة .. سأتصل به ليأخذنا غدا صباحا .. إنه الأحد ولن يمانع أبدا في قضاء عطلته معنا .. سنمرح كثيرا
تناولت هاتفها فقالت أسيل مفكرة :- علي لن يكون متفرغا في الغد .. سمعته يتحدث عن انشغاله بشيء ما
:- لا نحتاج إلى رفقة علي ... سنوفر على أنفسنا الكثير من سخريته اللاذعة .. وسماجته التي لاتطاق
قالت أسيل بلهفة :- كمال إذن ... هل تظنين خالك يمانع إن رافقنا ؟
أخفضت أرزو هاتفها ونظرت إلى أسيل بغضب هاتفة :- ما حكايتك مع كمال ؟؟؟ ألا تستطيعين قضاء يوم واحد بدونه ؟؟؟ أما عدت كافية الآن لمنحك الوقت الجيد الذي تنشدين ..
اصفر وجه أسيل قائلة دهشة :- لم أقصد هذا أبدا وأنت تعرفين ... إن صحبة كمال ممتعة .. لا تستطيعين إنكار هذا ..
وقفت أرزو وهي تجري الاتصال بخالها قائلة بسخرية :- نعم .. هذا صحيح .. غزله أيضا ممتع جدا ... صحيح ؟؟ هل تظنين نفسك الوحيدة التي سبق لها الوقوع في سحر كمال ؟؟ العشرات أذلين أنفسهن خلال دراسته الجامعية كي يبادلهن الحب آخذات غزله العفوي محمل الجد فجرحن أنفسهن ..
قالت أسيل بانزعاج :- بحق الله يا أرزو .. ما يربط بيني بين كما مختلف تماما عما تظنين ..
:- أنا لا أهتم حتى لو أعلنت بأنك ستتزوجين به غدا .. ألو .. صباح الخير خالي .. هل أقاطع موعدا غراميا ؟؟؟
راقبتها أسيل متوترة وهي تضحك ردا على كلام عثمان الحاد .. منزعجة جدا لتلميحات أرزو المتهكمة والجافة حول علاقتها بكمال .. لم تجد أسيل حتى الآن أي دليل على تبادل صديقي الطفولة أي مشاعر تفوق الأخوة ..إلا أن غيرة أرزو من اهتمام كمال بها لا تطاق .. قررت أسيل أن تبتعد قليلا عن صحبة كمال خلال الأيام القادمة عل أرزو ترتاح قليلا .
أنهت أرزو المكالمة واستدارت قائلة بجذل :- غدا في الساعة الثامنة صباحا .. سنقابله على المرفأ .. تعالي لنقرر ما سنرتديه .. إذ أنني متأكدة بأنه سيأخذنا بعد ذلك للعشاء
وكأن انفجار أرزو وجنونها لم يكونا قط .. إلا أن أسيل لم تمانع .. فقد كان حماسها للرحلة البحرية كبيرا .. كانت تأمل أن تتمكن من نزع عائلة دار أوغلو بجميع أفرادها عن عقلها تماما .. أن تستمتع بوقتها كما كانت تفعل في الأسابيع الأولى لوصولها إلى استانبول .. دون أن يعذبها ذكرى عينين زرقاوين غاويتين .. وأخرى حزينتين تسألانها دون كلمات ألا تحطم حياة صاحبتهما


:- أسرعي وإلا تأخرنا
سقطت حقيبة أسيل من يدها لتتبعثر محتوياتها على الأرض فوق الرصيف .. فانحنت تجمعها بينما تأففت أرزو قائلة :- لقد كدنا نصل .. عثمان كان واضحا معي .. إن لم نصل في تمام الثامنة رحل بدوننا
قالت أسيل بغيظ :- اسبقيني إذن كي لا يفعل وسألحق بك حالا
أسرعت أرزو تتابع طريقها على الميناء فوق الرصيف الذي حاذت حافته مياه البحر الزرقاء .. وتراصت أمامه الزوارق بمختلف أشكالها وألوانها .. برطمت أسيل بانزعاج وهي تنهض مدركة بأن سبب تعكر مزاجها يعود إلى قلة ساعات النوم التي حظيت بها ليلة الأمس بعد الأرق الشديد الذي سلبها راحتها واسترخائها .. لقد قضت الليلة كلها تفكر بدنيا .. بحديث دنيا .. وبزوج دنيا .. كرهت أن جزءا منها يتعاطف مع أسلان لتورطه في زواج لا يريده .. إلا أنها أبدا لن تفهم كيف له أن يجرح امرأة برقة دنيا .. التي سحبت أيضا إلى هذا الزواج سحبا هي الأخرى .. حتى لو كانت مشاعرها مختلفة تاما عن مشاعر زوجها .. وكانت غارقة في حبه منذ زواجهما وحتى الآن بيأس بدا واضحا لأسيل
اعتدلت أخيرا وهي تأخذ نفسا عميقا .. من الأشياء التي ضايقتها أيضا تألق أرزو التي أيقظتها في وقت مبكر جدا على غير عادتها هذا الصباح .. ورغم رغبة أسيل الدفينة في إلغاء الرحلة وقضاء ما تبقى من يومها في البيت .. إلا أنها لم تقو على خذلان ابنة خالها السعيدة .. والتي نادرا ما بدت بهذه السعادة مؤخرا
قبل أن تخطو خطوة أخرى للحاق بأرزو .. أحاطت يد كبيرة بفمها تكتم أنفاسها بحزم أثار رعبها وهي تتخبط مطلقة صراخات مكتومة .. محاولة أن تفلت من قبضة آسرها .. أحاطت ذراع قوية بخصرها ورفعتها عن الأرض بسهولة جعلت رعبها يستحيل إلى هيستيريا وهي تنظر إلى أرزو التي بدت بعيدة جدا وهي تهرول محاولة اللحاق بخالها قبل أن ينطلق بدونها .. تخبطت قدميها في الهواء .. وسالت دموعها كالسيل ذعرا من عينيها وهي تتخيل أبشع السيناريوهات .. وخاطفها يعتلي مصطبة خشبية مؤدية إلى أحد المراكب المرصوفة على المرفأ .. دون وجود شهود تستنجد بهم في هذا الوقت من الصباح ..
أخيرا تركها آسرها فوق سطح المركب الخشبية .. فانزلقت على الأرض عاجزة عن الوقوف وقد أفقدها الرعب صلابتها .. التفتت لترى ظهر خاطفها العريض ينحني في مؤخرة المركب ليحل الحبل الواصل بينه وبين المرفأ .. فصرخت به :- إياك أن تبتعد بي إلى أي مكان .. سأصرخ وأجمع نصف المدينة إلى هنا في لحظة إن لم تتركني أذهب
أتاها صوته المألوف دون أن ينظر إليها وهو يقول :- من الأفضل أن توفري أنفاسك لأن أحدا لن يسمعك .. كما أننا سنكون قد ابتعدنا بما يكفي في الوقت الذي يدرك فيه أحدهم بأنك تصرخين طلبا للنجدة وليس حماسا للرحلة البحرية التي تقومين بها
حدقت مذهولة بالجسد الذي بدأت تتعرف إليه.. إلى القامة الفارعة الطول والكتفين العريضين .. إلى الشعر الفاحم السواد الذي شعثه هواء البحر .. لقد كان هو .. الرجل الذي أخافها ليليا بتسلله إلى أحلامها دون استئذان .. كما أخافها حتى الموت لتوه عندما ظنته غريبا يختطفها ..
رغم شعورها بالطمأنينة لأنه لم يكن مغتصبا ما .. أو مهووسا ما .. إلا أن كل خلية في جسدها كانت ما تزال ترتعش من صدمة اختطافه لها .. من إثارة ورعب وجودها معه في هذه اللحظة .. لذا .. وعندما وقف أخيرا ليستدير نحوها والمركب يبتعد عن اليابسة ببطء .. عندما تمكنت من رؤية وجهه شديد الوسامة والتعير المصمم في العينين الزرقاوين .. أجهشت في البكاء
توقفي أيتها الغبية .. هتفت لنفسها وهي تحاول مسح دموعها التي أبت أن تتوقف .. وإيقاف شهقاتها التي أفلتت منها بلا استئذان .. تلاشت صرامته خلال لحظة .. وتشوشت نظراته بارتباك وهو يقترب منها ببطء قائلا :- لا تبك .. أنا آسف إذ لم أقصد إخافتك .. لم أفكر قط بأن ..
أخفت وجهها وهي تنأى بجسدها بعيدا فسمعته يشتم ساخطا .. أحست بيديه تمسكان بكتفيها وتديرانها نحوه .. أبقى مسافة كافية بينهما وهو يقول مطمئنا :- أنا لا أفكر بإيذائك .. صدقا ... أنا غبي إذ لم أفكر بأنني سأخيفك حتى الموت بتصرفي ... لقد تحركت بدون تفكير عندما رأيتك .. كل ما أردته هو الاستئثار بك وبصحبتك ..
صوته الرجولي الدافيء .. نبرته المنخفضة هدأتها قليلا .. توقفت دموعها وهي تشعر بأنها تبدو كالحمقاء مسحت وجنتيها المبللتين ونظرت إليه هامسة :- أنا آسفة لتصرفي كالأطفال .. لو عرفت بأنه أنت لما خفت بهذه الطريقة
ابتسم متسليا :- أعرف .. ربما كنت قاتلتني كالقطة المتوحشة .. وشوهت وجهي بأظافرك .. لهذا السبب أخذتك على حين غرة .. عرفت بأنك ما كنت لترافقينني عن طيب خاطر ..
كان قريبا منها للغاية إلى حد استنشاقها رائحة عطره الممزوجة بعبير البحر المنعش .. كان يرتدي قميصا رياضيا قطنيا أسود اللون .. أظهرت أزراره المفتوحة عنقه الأسمر القوي وصدره الصلب المكسو بالشعيرات القاتمة .. ارتجفت وساقيه القويتين المثنيتين أمامها وهو يقرفص مطلا عليها .. واللتين أظهرهما سرواله القصير أبيض اللون .. تستفزان أنوثتها ..
ابتعدت عنه بسرعة واضحة وهي تقول بجفاء :- مازلت رافضة لمرافقتك .. أنزلني لو سمحت .. فأرزو في انتظاري
اعتدل واقفا .. وابتعد عنها.. راقبته يدور حول مقصورة اليخت الذي ابتعد قليلا عن اليابسة بسبب حركة الأمواج ورياح الصباح .. فظنت بأنه سيلبي أمرها .. ويدور بالمركب عائدا بها وقد استشعر رفضها .. غضبت لإحساسها بالخيبة لأنه لم يعترض ولو قليلا على رفضها ..
وقفت أسيل تعدل ملابسها وهي تنظر حولها باحثة عن مركب عثمان المميز بلونه الأحمر .. متساءلة عما ستقوله أرزو إن عرفت بلقاءها بأسلان ..
انتفضت عندما دوى صوت المحرك صاخبا تبعه اهتزاز اليخت قبل انطلاقه مبتعدا عن اليابسة أكثر فأكثر .. لحقت به إلى المقدمة بحذر من اختلال توازنها وهي تهتف به ساخطة :- ما الذي تفعله .. ظننتك ستنزلني إلى اليابسة
هز كتفيه دون ان ينظر إليها وهو يوجه اليخت الذي أخذ يشق طريقه في قلب المياه قائلا :- لم أمنحك أي إشارة على انصياعي لطلبك ...
هتفت بغضب عاجز :- لا يحق لك أن تفعل هذا .. أنا لا أرغب بصحبتك .. كما أن أرزو ..
قاطعها ببرود وهو ينظر إليها من فوق كتفه :- على أرزو أن تبحث عن صحبة أخرى لهذا النهار .. أما عن رغبتك في مرافقتي .. فأنا متأكد بأنك ستغيرين رأيك فور مرور القليل من الوقت
رفع حاجبيه الداكنين مستفزا إياها أكثر وهو يقول :- صدقا ... لن تندمي في النهاية .. فأنا لست سيئا إلى هذا الحد
أطلقت صرخة سخط وهي تهتف به :- أنا لا أصدق هذا ... هل تعرف ما يمكن أن تفعله أرزو إن اكتشفت اختفائي؟ .. قد تظنني سقطت في الماء ... يا إلهي قد تبلغ الشرطة وخفر السواحل
قال بنزق :- توقفي عن التصرف بهستيرية .. يمكنك الاتصال بها وطمأنتها إلى أنك برفقتي ..
حدقت إليه وكأنه قد أخبرها لتوه بأن لون شعرها أخضر .. وقالت باستنكار :- هل تتوقع مني أن أخبرها بأنني معك بهذه البساطة ؟
تأفف وهو يسيطر على حركة اليخت ببساطة شخص عاش حياته فوق البحر قائلا :- أنا لا اهتم في الحقيقة إن أخبرتها عني .. يمكنك أن تختلقي كذبة إن شئت .. فقط توقفي عن النواح وانسي أمر العودة
أرادت حقا أن تضربه بحقيبتها الكبيرة والثقيلة وقد ملئتها بمختلف الأغراض التي قد تحتاج إليها خلال نهارها مع أرزو وعثمان .. إلا أنها أخذت نفسا عميقا مهدئا مدركة بأن التصرف بهستيرية وجنون لن يفيدها .. أخرجت هاتفها .. واتصلت بأرزو وهي تتحرك مبتعدة عن الرجل الوسيم المثير للسخط .. وقفت في مؤخرة اليخت .. مستندة إلى حافتها المعدنية وهي تتحدث إلى أرزو الثائرة .. تظاهرت بالتعب وهي تعتذر لأرزو بأنها أصيبت بصداع منعها من اللحاق بها .. وأنا تفضل العودة إلى البيت .. وتعويض ما فاتها من النوم متمنية لأرزو نهارا ممتعا مع عثمان ..
أنهت المكالمة على عجل قبل أن تسمع اعتراضات أرزو وصياحها الساخط .. وأقفلت الهاتف كي لا تعاود الاتصال بها .. ثم جلست على أحد المقاعد الموصولة بحافة اليخت وهي تتنهد شاعرة بالإرهاق الفكري .. إنها هنا .. على متن يخت كبير وحدها برفقة أسلان دار أوغلو
سمحت لنفسها أخيرا بتأمل اليخت الكبير اللامع والمرفه .. لقد كان مختلفا تماما عن مركب عثمان الصغير والحميم .. الذي اعتاد الاهتمام به وطلائه بنفسه .. لقد كان مميزا ككل ما يتعلق بصاحبه ..
يا إلهي .. ماذا عليها أن تفعل ؟؟ غريزتها الأولى .. والتصرف الأول الذي كانت لتقوم به لو أن مرافقها رجل آخر سوى أسلان .. كمال مثلا .. هو محاولة الاستمتاع بوقتها قدر الإمكان .. ولكن .. هل تستطيع فعل هذا معه ؟
أحست بأن المركب قد توقف فجأة في عرض البحر .. عندما أصبحت اليابسة بالكاد ظاهرة لها .. رأته يقترب منها فحبست أنفاسها لجمال طلته .. ولنظرة القلق والاهتمام الظاهرة .. فجأة .. لم تعد صحبته بالأمر المخيف والمنفر بالنسبة إليها
جلس إلى جانبها قائلا :- أمازلت غاضبة مني ؟
تنهدت قائلة :- لا .. أنا محبطة فقط .. من المزعج أن يفقد المرء سيطرته على تحركاته
أومأ برأسه قائلا ببطء :- أفهم ما تقولين ..
هل يفهم حقا ؟؟ نظرت إليه فوجدته ينظر إليها بدوره .. التقت نظراتهما فلم تتمالك نفسها عن الابتسام .. رقت عيناه وأطلت منهما نظرة فاضت بالعاطفة وهو يقول :- ابتسامتك جميلة جدا .. كل ما فيك جميل وخلاب إلى حد مؤلم .. أظنك تعرفين هذا .. لابد أن مئات الفتيان قد أغرقوك بكلمات الغزل في الوطن
احمر وجهها تأثرا بغزله .. قالت بحرج :- لا .. ما كانوا بهذه الكثرة قط .. لا اعني أن المعجبين كانوا قلة .. إلا أنني كنت أخيفهم بطريقة ما فأبعدهم بها عني
هز رأسه قائلا :- أصدقك .. فأنت تمتلكين شيئا مخيفا لأي شاب مهما كان قوي القلب .. كما النحلة عندما ترى شباك العنكبوت .. مغزولا بجمال وأناقة ليجذب أمثالها .. إلا أن غريزتها تخبرها بأن ما تراه مهما كان جميلا .. فما هو إلا فخ .. لا نجاة لمن يقع فيه
كلامه أزعجها .. وأثار اضطرابها وهي تقول :- هل تشبهني بالعنكبوت ؟
ضحك بانطلاق فهزت ضحكته الرجولية أعماقها وهو يقول :- لا .. بل بشباك العنكبوت .. من السهل أن يقع الإنسان في شراكك .. إلا أنك لا تقعين بسهولة .. صحيح ؟
قالت بتوتر وهي تحاول الابتعاد عنه جسديا دون أن تشعره بحركتها :- لا أفهم ما تعنيه
:- أعني الإجابة عن سؤالي التالي .. هل سبق لك وبادلت أحد معجبيك الكثر الإعجاب ؟
هتفت بحدة لم تعنيها :- هذا ليس من شأنك
ظهر عليه الرضا .. وكأنها قد أجابته بسخطها .. ابتسم قائلا :- لا بأس .. هلا استرخيت قليلا لنتمكن من قضاء وقت ممتع معا .. لا أنوي افتراسك .. إن لم تطلبي مني بالتأكيد .. فقط أريد قضاء الوقت معك .. ما رأيك ؟؟
فكرت بكلامه قليلا .. ثم تجاهلت تلميحاته وهي تقول فجأة :- ما الذي تفعله هنا على أي حال ؟ ظننت رجال الأعمال أكثر انشغالا من أن يضيعوا أوقاتهم في القيام برحلات بحرية يختطفون خلالها الفتيات .. ويجبروهن على مرافقتهم
قال باسما :- اليوم إجازتي الرسمية
:- إجازتك ؟؟
لاحظ دهشتها فقال متفكها :- نعم .. إجازتي .. يحق لرجال الأعمال مهما كانوا منشغلين أخذ قسط من الراحة للترفيه عن انفسهم .. نحن بشر كما تعلمين .. ولنا حقوق حتى ونحن أصحاب العمل .. ورفقة فتاة جميلة مثلك .. أقصى ما يتمناه المرء ليحظى بشيء من السلوان والراحة .. خلال حياته الحافلة بالمشاكل
فكرت يائسة ( زوجتك امرأة جميلة .. لم لا ترافقها هي ؟ ) .. إلا أنها استبعدت دنيا من عقلها على الفور بما أنها مرغمة على مرافقته حتى يقرر إعادتها .. فهي لن ترهق نفسها بالذنب على ذنب لم ترتكبه .. ألم تفعل ؟؟
أشاحت بنظرها عنه وهي تتأمل اليخت قائلة :- يختك جميل
:- حقا ؟؟ إنه منزلي فعليا .. أقضي فيه من الوقت أكثر مما أقضيه في بيتي
لم تشعر بالحزن الذي أطل من عينيها وهي تسمع عبارته .. وكأنه قد قرأ أفكارها .. وعرف بالضبط بأن زوجته الوحيدة في المنزل هي ما يشغل فكرها .. أسرع يقول مغيرا الموضوع :- إذن .. ما الذي جئت تفعلينه في استانبول غير زيارة أقاربك ؟
تمكن من جرها إلى الحديث عن نفسها .. استمع إليها باهتمام وهي تحكي عن والديها ووفاتهما المفاجئة .. عن شقيقتها جهان وزوجها المقيمين في مكان بعيد عنها .. أمسك يدها مواسيا وهو يقول :- من الواضح أن فريد يحبك كثيرا وكأنك ابنته
هزت رأسها قائلة :- لقد أحب والدتي كثيرا.. كانت أخته الوحيدة وشكلت وفاتها صدمة له .. شبهي بها يمنحني مكانة خاصة في قلبه .. أشعر أحيانا بأن حبه لي لا يقل أبدا عن حبه لأرزو ..
عند ذكر أرزو .. حدقت في يده السمراء الكبيرة المحيطة بيدها .. وأجفلت لشعورها بدفئها فسحبت يدها على الفور .. أظلمت عيناه دون أن تتغير لهجته الهادئة وهو يقول :- من الواضح أيضا أنه يخاف عليك كثيرا .. وأنه سيقتلني إن عرف بأنك هنا الآن .. معي دون رفيق ..
قالت بهدوء :- لن يعرف أبدا
حدق في وجهها متفحصا .. ثم قال :- ألست خائفة مني ؟؟ لابد أنك قلقة بعدما عرفته عني وعن أرزو .. لابد أن خالك قد حذرك مرارا من الاقتراب مني
حدقت في سطح المركب الخشبي وهي تقول :- لا .. لم يفعل بهذه الصراحة .. في الواقع .. أرزو هي من حكت لي ما حدث قبل سنوات .. وقد نفت عنك أي نوع من المسؤولية .. وأقرت بأنها المذنبة كليا فيما حدث ..
ساد صمت لم تجرؤ على مقاطعته .. كما لم تجرؤ على النظر إلى وجهه .. لم تعرف السبب الذي دعاها لطمأنته بأن نظرتها إليه لم تكن بذلك السوء ..
قال فجأة بهدوء :- هل فعلت أرزو هذا حقا ؟
أومأت برأسها إيجابا .. فرد مفاجئا إياها :- حسنا .. لمعلوماتك .. أرزو لم تقل الحقيقة كاملة ..
رفعت رأسها مصدومة .. فالتقت عيناها بعينيه الزرقاوين الصارمتين وهو يقول :- أنا أتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية .. في الواقع أنا أتحمل معظم المسؤولية عما حدث قبل خمس سنوات

قال عثمان كابتا ضحكته :- توقفي عن التذمر واستمتعي بوقتك .. وإلا ظننت بأنك لا تحبين صحبتي
نظرت أروز إليه ساخطة .. مانعة نفسها بصعوبة من الرد على خالها المفضل .. ذي المكانة الكبيرة لديها .. قالت بضيق :- أنا غاضبة فقط لأنها لا تخبرني الحقيقة .. من أين ظهر هذا الصداع المزيف ... كانت بخير عندما تركتها وأسرعت للحاق بك قبل أن تتركنا ورائك
نظر إليها من فوق كتفه بينما يقود مركبه الصغير بمهارة فوق صفحة المياه الزرقاء وقال :- هل يهم حقا سبب تخلفها عن الحضور ؟ .. ربما ما قبلت بالذهاب إلا إرضاءا لك ووجدت أمامها فرصة جيدة للهرب عندما تركتها ؟
قالت أرزو من بين أسنانها :- لا .. الأمر مختلف بالتأكيد .. أكره أن يستغبيني الآخرون
تنهد يائسا من إرضائها .. ثم قال :- لماذا لم يأت علي ... أو حتى كمال ؟؟ لطالما قضينا وقتا ممتعا في الماضي كلما اجتمعنا ..
قالت بضيق :- علي منشغل مع أصدقائه وبالكاد يراه أحدنا هذه الأيام ... أما كمال فقد بات مزعجا أكثر منه مسليا .. ليس من الضروري أن يرافقنا في كل مرة نخرج فيها .. لقد بدأ الأمر يصبح مملا
ضحك قائلا :- هل تشاجرتما مجددا ؟؟؟ آخر مرة تشاجرتما فيها توقف عن مخاطبتك لأشهر .. لقد أثرت جنون الجميع خلال تلك الفترة .. تنفسنا كلنا الصعداء عندما قبل كمال توسلك وعاد صديقا لك من جديد
قالت بشيء من الحدة :- هل تستمتع بتذكيري بكل ما يزعجني ؟ ام أنك تخطط لدفعي لإلقاء نفسي عن سطح مركبك غضبا
ضحك مجددا ثم غير الموضوع قائلا :- كيف حال شقيقة كمال ؟ ماذا كان اسمها ؟؟؟ لقد رافقتنا مرة أو مرتين في الماضي .. أذكر انها كادت ترمي نفسها من المركب هي الأخرى سخطا وخوفا من سرعة قيادتي .. عرفت بأنها قد خطبت مؤخرا .. ألم تتزوج ؟
قالت بإحباط وهي تنظر إلى المياه الزرقاء باحثة بين المراكب المتناثرة من بعيد هنا وهناك :- ليس بعد .. أظنها ستتزوج في الشتاء .. عندما ينتهي خطيبها من إعداد منزل الزوجية
نظر إلى وجه ابنة أخيه مليا قبل أن يوقف المحرك في عرض البحر قائلا :- حسنا .. أنا جائع .. ما الذي أحضرته معك كفطور
ظن بأنه قد نجح في إلهائها وهي تخرج من حقيبتها الكبيرة الفطائر التي أعدتها شقيقته الكبرى بيديها الماهرتين .. دون أن يدري بأن عقل أرزو لم يهدأ لحظة واحدة وهي تفكر بأسيل ... وبمن عساه يرافق أسيل في هذه اللحظة

Continue Reading

You'll Also Like

769K 22.5K 38
لقد كان بينهما إتفاق ، مجرد زواج على ورق و لهما حرية فعل ما يريدان ، و هو ما لم يتوانى في تنفيذه ، عاهرات متى أراد .. حفلات صاخبة ... سمعة سيئة و قلة...
11.6M 919K 70
صرت اهرول واباوع وراي شفت السيارة بدأت تستدير ناحيتي بمجرد ما يجي الضوء عليه انكشف أمامهم نجريت من ايدي وگعت على شخص ردت اصرخ سد حلگي حيل بعدها أجان...
7.3K 485 44
العالم بيننا..والزمان لم يكن أبدًا حليفنا.. فلا عتاب ولا رجاء سيمنع قدرنا.. لذا لا تراجعي ولا تمنعيني.. وبهذه العيون لا تغويني.. لا مفر لفراقنا...
170K 4.4K 26
رواية بقلم الكاتبة المبدعة والمتألقة نيفين ابو غنيم.. الجزء الأول من سلسلة مغتربون في الحب حقوق الملكية محفوظة للكاتبة نيفين ابو غنيم..