السجن في اسكتلندا والتنازل عن العرش :
بين 21 و 23 أبريل 1567، كانت آخر زيارات ماري لابنها في إستيرلينغ. وفي 24 أبريل عند عودتها إلى إدنبره، اختطفها اللورد بوثويل وهو برفقة رجاله واقتادوها إلى قلعة دنبار، حيث يعتقد أنه اغتصبها هناك.وفي 6 مايو، عادت ماري ومعها بوثويل إلى ادنبره وتزوجا في 15 مايو، إما في قصر هوليرود أو دير هوليرود، وفقا للطقوس البروتستانتية.وكان بوثويل قد طلق زوجته الأولى جان جوردون أخت اللورد هنتلي قبل اثني عشر يوما.
كانت ماري تعتقد أن النبلاء قد أيدوا زواجها، لكن سرعان ما تحولت الأمور بين بوثويل الذي حصل على منصب عالي حديثًا (دوق أوركني) وبين أقرانه السابقين، وثبت أن الزواج لا يحظى بشعبية. ويعتبر الكاثوليكيين أن هذا الزواج غير قانوني، لأنهم لم يعترفوا بطلاق بوثويل أو صلاحية الخدمة البروتستانتية. وقد صُدِم البروتستانت والكاثوليك من أن ماري ستتزوج الرجل المتهم بقتل زوجها.بدأت تعصف الرياح بهذا الزواج، وأصبحت ماري يائسة.انقلب 26 من النبلاء الاسكتلنديين، المعروفين باللوردات الكونفدرالييين، ضد ماري وبوثويل، وتحرك الجيش ضدهم. حصلت مواجه بين ماري وبوثويل ضد اللوردات في معركة كاربيري هيل في 15 يونيو، لم يحدث عراك بسبب هروب قوات ماري بعيدا أثناء المفاوضات.أعطي بوثويل الأمان للذهاب بعيدا عن الميدان، وأخذ اللوردات ماري إلى أدنبره، وهاجمها جموع من سكان المدينة ونعتوها بالزانية والقاتلة.في الليلة التالية، سجنت في قلعة بحيرة ليفين، على جزيرة بوسط بحيرة ليفين.بين 20 و 23 يوليو، أجهضت ماري توأميها.في 24 يوليو، أجبرت على التنازل عن عرشها لصالح ابنها جيمس البالغ من العمر سنة واحدة.وأصبح موراي هو الوصي،بينما طرد بوثويل إلى المنفى. وتم سجنه في الدنمارك، ويقال أنه أصبح مجنونا ومات في 1578.
الهروب والسجن في إنجلتر :
في 2 مايو 1568، هربت ماري من قلعة بحيرة ليفين بمساعدة جورج دوغلاس، شقيق السير وليام دوغلاس، مالك القلعة.بعدها حشدت جيش من 6,000 رجل، وقابلت جيش موراي من 4,000 رجل في معركة لانغسايد في 13 مايو.لكنها انهزمت وهربت إلى الجنوب بعد قضاء ليلة في دير داندرينان ,وفي 16 مايو عبرت لسان سولواي البحري إلى إنجلترا بواسطة قارب صيد .بعد ذلك وصلت شمال إنجلترا عند ووركينغتون في كمبرلاند وبقيت كل الليل في ووركينغتون هال.وفي 18 مايو، أخذها المسؤولين المحليين إلى الحجز الوقائي في قلعة كارلايل .
توقعت ماري أن الملكة إليزابيث ستساعدها على استعادة عرشها.لكن إليزابيث كانت حذرة، وأمرت بإجراء تحقيق في سلوك تحالف اللوردات والمساءلة ما إذا كانت ماري مذنبة بجريمة دارنلي.في منتصف شهر يوليو من عام 1568، نقلت السلطات الإنجليزية ماري إلى قلعة بولتون ,لأنها بعيدة عن الحدود الاسكتلندية، لكنها ليست قريبة من لندن.بين أكتوبر 1568 ويناير 1569 عُقدت لجنة تحقيق، أو مؤتمر كما كان معروفًا، في يورك وفيما بعد في وستمنستر.أما في اسكتلندا، فقد كان أنصار ماري يخوضن حربًا أهلية ضد ريجنت موراي وخلفائه.
صندوق الرسائل :
رفضت مارى الاعتراف بأي سلطة لمحاكمتها لأنها كانت ممسوحة بالزيت المقدس، ورفضت الحضور للتحقيق في يورك (وبدلا من ذلك أرسلت ممثلين لها)، وقد حرمت إليزابيث حضورها بأي حال.واحضر موراي دليلا ضد ماري، عبارة عن ثمانية رسائل غير موقعة يزعم أنها من ماري إلى بوثويل، وعقدين للزواج، وسوناتة للحب،وقد وجدت داخل صندوق بحجم 30 سم مذهّب بالفضة ومزين بمونوجرام للملك فرانسوا الثاني.وقد انكرت ماري أنها كتبتها بحجة أن خطّ يدها سهل تقليده،وأصرت بأنها مزورة.والكل يعتقد أن هذه الأدلة حاسمة على أن ماري مشاركة بجريمة قتل دارنلي.يصف رئيس لجنة التحقيق دوق نورفولك، الرسائل بأنها فاضحة وقصائد الغرام متنوعة، وتم إرسال نسخة إلى إليزابيث، يخبرونها بأنه إذا كانت حقيقية قد تثبت ذنب ماري.أصبحت حقيقة صندوق الرسائل الفضي مصدر للجدال بين المؤرخين، ومن المستحيل حاليا إثبات كلا الاحتمالين. والنسخ الأصلية منها التي كانت مكتوبة بالفرنسية، قد تكون أتلفت في عام 1584 من قبل ابن ماري جيمس.أما النسخ الباقية، التي بالفرنسية أو مترجمة إلى الإنجليزية، لا تشكل المجموعة الكاملة. وهناك نسخ مطبوعة غير مكتملة باللغة الإنجليزية، والإسكتلندية، والفرنسية، واللاتينية من العقد 1570.وشملت الوثائق المفحوصة الأخرى طلاق بوثويل من جان جوردون. وفي سبتمبر أرسل موراي رسولا إلى دنبار للحصول على نسخة من الإجراءات من سجلات المدينة.
استنتج كتاب سيرة ماري، مثل أنطونيا فريزر، وأليسون وير وجون غاي، إلى أن الوثائق إما كانت مزورة بالكامل،أو أنه تم إدراج مقاطع تجريم في رسائل حقيقية،أو أن الرسائل كانت مكتوبة إلى بوثويل من قبل شخص آخر أو من ماري إلى شخص آخر.يشير جون غاي إلى أن الرسائل مفككة، وأن اللغة الفرنسية والقواعد المستخدمة في السوناتات ضعيفة جدًا بالنسبة لكاتب يحظى بتعليم ماري.ومع ذلك، فإن بعض العبارات من الرسائل (بما في ذلك الأشعار بأسلوب رونسار) وبعض الخصائص من الاسلوب ستكون متوافقة مع كتابات ماري المعروفة.
لم تُكشف رسائل الصندوق للعلن حتى موعد مؤتمر 1568، بالرغم من أن مجلس العموم الاسكتلندي قد اطلع عليها في ديسمبر 1567،ولم ينشرها لتأكيد سجن ماري وتنازلها القسري. وقد كانت المؤرخة "جيني ورمالد" مؤمنة بهذا التردد للاسكتلنديين في جلبهم للرسائل وإتلافها في عام 1584، مهما كان محتواها، بأنها تشكل إثباتا باحتوائها على أدلة حقيقية ضد ماري،في حين أن "أليسون وير" يعتقد أنها توضح بأن اللوردات كانوا يحتاجون وقتا لتلفيقها.وعلى الأقل فإن بعض المعاصرين لماري ممن اطلع على الرسائل ليس لديهم أدنى شك في أنها حقيقية، ومن بينهم الدوق نورفولك،الذي كان ممن خطط سرا على الزواج من ماري خلال اللجنة، بالرغم من أنه قد نفى ذلك عندما ألمحت إليزابيث إلى خطط زواجه، بقولها "لم يكن يعني الزواج بأي شخص، عندما لا يستطيع التأكد من وسادته".
اعتبر غالبية المفوضين بأن رسائل الصندوق صحيحة بعد أن فحصوا محتوياتها وقارنوا أسلوب الخط بنماذج من كتابات ماري.وكما كانت إليزابيث تتمنى فقد اختتم التحقيق بأنه لم يثبت شيء ماري واتحاد اللوردات.ولأسباب جوهرية سياسية لم تكن إليزابيث ترغب في إدانة ماري أو عدم تبرئتها من الجريمة، ولم تكن هناك نية للمقاضاة؛ وقد كان الهدف من المؤتمر هو ممارسة سياسية. وفي النهايه، عاد موراي إلى اسكتلندا كوصي لماري، وهي بقيت في انجلترا تحت الحراسة. نجحت إليزابيث في الحفاظ على الحكومة البروتستانتية في اسكتلندا، بدون أن تدين أو تطلق سراح منافستها.تعتقد المؤرخى فريزر، أن هذه احد أغرب "المحاكمات" في التاريخ القانوني، انتهت بدون ذنب ضد طرفين احدهما ذهب إلى موطنه أسكتلندا بينما الآخر لا يزال في الحجز.
موتها :
وصف الكاتب النمساوى ستفين تسفايج عملية إعدام الملكة الأسكتلندية مارى ستيوارت فى 8 فبراير لعام 1587 فى كتابه الشهير "مارى ستيوارت"، الذى نشره عام 1935: اختارت مارى ملابس احتفالية رائعة لآخر خروج لها على منصة الحياة، وكان فستانها الجميل المخصر مصنوع من المخمل البنى الغامق، مع قطعة فراء جميلة وياقة بيضاء وأكمام متدلية وعباءة سوداء من الحرير تحيط بهذا اللباس الرائع الفاخر، وعلى الرغم من أن طرف عباءتها كان طويلاً وثقيلاً، لكن كان على حاجبها ميلفيل أن يحمله بكل احترام.
لقد كانت مارى بلباس الأرملة، وهو عبارة عن غطاء أبيض كالثلج وقد غطى جسدها من رأسها حتى أخمص قدميها.
أما المسبحة الثمينة والمزخرفة، فقد كانت بديلاً عن زينتها المرصعة بالذهب والألماس، حتى أن حذاءها الأبيض المغربى لم يكن يسمع له صوت حتى لا يحدث اضطراباً فى هذا الصمت الهامد فى اللحظة التى توجهت نحو منصة الإعدام.
وهنا أخرجت الملكة بنفسها المنديل الذى سيغطى عيونها. وتحسباً للحظات الأخيرة الدامية، ارتدت مارى ستيوارت ثوباً من الحرير القرمزى، وأمرت أن يصنع لها قفازات نارية اللون طويلة حتى كوعها، وذلك من أجل ألا يتلوث فستانها من الدم الذى سيكون على الفأس. وهذه هى المرة الأولى التى تستعد فيها سجينة لتنفيذ حكم الإعدام بهذا الشكل.
وفى الساعة الثامنة صباحاً، قُرع الباب، لكن مارى ستيوارت لم تجب، إذ أنها مازالت واقفة على ركبتيها، راكعة أمام منبر وتقرأ الصلاة. وبعد أن انتهت وقفت، ولدى قرع الباب مرة أخرى فتحته، فدخل الشريف، وأخذ يقول بكل احترام ووقار شديدين: "يا سيدتى لقد أرسلنى اللوردات وهم فى انتظارك". فأجابته مارى ستيوارت وهى تستعد للخروج "هيا بنا".
صعدت مارى درج المقصلة ورأسها مرفوع بكل فخر، بنفس الصورة التى اعتلت فيها عرش فرنسا لمدة 15 عاماً، وكان لها أن تصعد بنفس الصورة عرش إنجلترا، لو أن القدر وقف إلى جانبها.