تطور مكانة المرأة عبر التاريخ_4_

368 17 118
                                    


ثانياً- مكانة المرأة في الجاهلية والإسلام:

1- مكانة المرأة في الجاهلية:

مَّر وضع المرأة في الجاهلية بمراحل متفاوتة ومتناقضة، حيث كانت بعض القبائل في الجاهلية تعد المرأة كالسائمة فهي تورث كما تورث السوائم ويتصرف بها الذي يرثها كيفما يشاء، يتزوجها أو يرغمها على البُغاء والفجور، أما بالنسبة لمهر المرأة فكان ثمناً لها يقبضه ولي أمرها وكان المهر عدداً من الإبل يسوقها الخاطب إلى خيمة أهل مخطوبته فيسمى السياق، وكان عدد هذه الإبل يقدر على مقدار مكانة المرأة في قومها وحظها من الحسن والجمال، ولم يكن هناك حد لتعدد الزوجات عند عرب الجاهلية، وما حدث من أمور شاذة في الجاهلية واختلاط بالأنساب ووأد البنات… قد تصدى لها الإسلام بقوة وعلم وحكمة فمنع نكاح الزنا ونكاح المحارم أما نكاح البغايا فمنعه الإسلام من جملة ما منع عاداً إياه من الزنا. ويمكن ملاحظة ذلك مما ورد في سورة النور(وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء ). وأن هناك الكثير من العوائل التي كانت تدفع بجواريها وبناتها إلى البغاء طلباً لسعة العيش وسد الرمق، وكان حب الرجل العربي للمرأة في الجاهلية ترجمان حاجته الغريزية فقط،، أما بالنسبة لعادة وأد البنات لقد صور القرآن الكريم خبر ولادة البنت في الجاهلية بقوله تعالى:

(وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ* وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ).

لكن إذا تمت العودة إلى استعراض عادة الوأد في الجاهلية فإنها لم تكن سارية إلا في بعض بطون قبيلتي تميم وأسد وليس عند كل القبائل العربية، كما أن هذا الكلام لم يكن ليسري على بنات السادة وزعماء القبائل والأغنياء- بل كانت نساء هذه الفئات تتمتع بحرية كبيرة سواء في ما يتعلق بالزواج وحتى الطلاق- فكانت المرأة منهن لا تتزوج إلا برغبتها ومتى سئمت زوجها تركته من خلال تغيير اتجاه باب الخيمة التي تسكنها فيعرف الرجل أنها لم تعد راغبة به، يذكر التاريخ مثالاً على ذلك ( أم خارجة التي تزوجت أكثر من أربعين رجلاً). بالإضافة إلى أن الكثير منهن كانت لهن مكانة رفيعة في قومهن، فقد يكنى آبائهن بهن ( أبي سفانة حاتم الطائي، وأبي الخنساء أبي سلمى) والبعض من سادة الجاهلية كانوا يكَّرمون بمدح بناتهم، لكن كل هذا لا يعفي من القول أن المرأة عاشت معانة كبيرة في الجاهلية.

2- مكانة المرأة في الإسلام:

أتى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لتصحيح الأوضاع الخاطئة في الجاهلية ولتقويم السلوكيات غير الصحيحة وإبراز الوجه الإنساني الصحيح لهذه العلاقات المقلوبة والمفاهيم الخاطئة ولم يكن نهجه معتمداً على الوصايا والتعليمات فحسب، إنما من خلال القدوة الحسنة سواء فيما يتعلق بكيفية معاملة الزوجة بشكل خاص والنساء بشكل عام، ولقد جاء الإسلام ليجعل مكانة المرأة لا تقل عن مكانة الرجل، فهم متساوون في الحقوق والواجبات، فالقرآن الكريم يخاطب المؤمنين والمؤمنات في عشرات الآيات، ويؤكد أن الرجل والمرأة من أصل واحد (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، ويقول تبارك وتعالى (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)، وقال تعالى: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى)، وقال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ  لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، فهي صلة مودة ورحمة وليست صلة مادية وإنما أدبية وإنسانية رائعة بنيت على أسس متينة من المودة والرحمة والسكن والتقارب والالتزام وقال تعالى (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). شدد الإسلام على تكريم المرأة على أساس من الإنسانية المجردة الشاملة لكل من الرجل والمرأة على السواء وذكر أيضاً أن قيمة الإيمان والعمل – عند الذكر والأنثى- واحدة كما أن الثواب واحد يشملهما معهاً: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ  وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).

المرأة عبر التاريخ Where stories live. Discover now