تطور مكانة المرأة عبر التاريخ_5_

241 12 7
                                    


ثالثاً: لمحة عن أوضاع المرأة في العصر الحديث.

بدأت المحافل الدولية منذ عام (1972) على وجه الخصوص تهتم بقضايا المرأة، فأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام (1975) سنة دولية للمرأة، كما أعلنت الفترة من (1976-1985)عقداً دولياً للمرأة، ثم اعتمدت الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة في عام (1979) واعتمد مؤتمر نيروبي الدولي عام (1985) الاستراتيجيات المرتقبة للنهوض بالمرأة خلال الفترة (1986-2000) وأكدت منظمة  اليونسكو في مؤتمرها العام سنة (1989) وفي خطتها المتوسطة للأعوام (1990- 1995) على ضرورة تحسين أوضاع المرأة وتخفيض نسبة الأمية خاصة بين النساء.

أكد المؤتمر العالمي المعني بحقوق الإنسان الذي عقد في فيتنام عام (1993) مجدداً على ضرورة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في كافة الحقوق وضرورة مكافحة التمييز القائم في كافة المجالات على أساس نوع الجنس، كما أكد مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية المنعقد في كوبنهاجن حتى عام (1995) أن تمكن المرأة من تحقيق كامل إمكاناتها يعتبر عنصراً حاسماً في إستراتيجية تسعى إلى حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. هذا وقد كان المؤتمر الدولي الرابع الذي عقد في بكين أيلول عام (1995) لتقييم مدى التقدم الذي أحرزته المرأة في البلدان المختلفة منذ عام (1985) و لتعبئة كافة الجهود في سبيل النهوض بها وتعزيز دورها حيث كان هذا المؤتمر من أكبر المؤتمرات الدولية، حضره (17.000) مشارك يمثلون (189) دولة ومنظمات دولية وهيئات غير حكومية وأجهزة إعلام مختلفة، إلى جانب مشاركة أكثر من

(30.000) شخص في المنتدى العالمي للهيئات الأهلية للمرأة الذي انعقد في المكان ذاته وفي الفترة ذاتها، وقد أشار الإعلان العالمي الصادر عنه إلى مختلف أشكال التمييز ضد الفتيات والنساء وحدد أهدافاً أساسية على المجتمع الدولي أن يبلغها في هذا الصدد لضمان رفع مستوى المرأة وتعزيز المكاسب التي حققتها، فأكد مجدداً على ضرورة حماية حقوق المرأة باعتبارها جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان، وإزالة كافة أشكال التميز ضدها والعمل على مكافحة فقرها وإزالة كافة العقبات التي تحول دون مشاركتها الكاملة في الحياة العامة وفي مواقع اتخاذ القرار على كافة المستويات، ومكافحة كل أشكال العنف الممارس ضدها، ورفع مستوى الخدمات التعليمية والصحية المقدمة لها وتمكينها من الحصول على الاستقلال الاقتصادي والوصول إلى المصادر الاقتصادية والمساهمة في عمليات الإنتاج.

بذلت كل الجهود الدولية للفت النظر إلى ضرورة تحسين أوضاع النساء، وإزالة العقبات التي تعترضهن وتمنع تقدمهن، وللتأكيد على ضرورة منحهن فرصاً متكافئة مع الرجال في مختلف المجالات التعليمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وضمان إدماجهن التام في كافة الجهود التنموية لبلادهن وإفساح المجال أمامهن للمشاركة في عملية رسم السياسات واتخاذ القرارات، وقد أسهمت المؤتمرات الدولية بشأن المرأة والتنمية إسهاماً كبيراً في زيادة وعي المجتمع العالمي بقضايا التفاوت بين الجنسين، وحدث قدر كبير من الاستثمار في تعليم المرأة في العقدين الأخيرين، وضاقت التفاوتات بين الجنسين في مجال معرفة القراءة والكتابة بين البالغين وزاد معدل معرفة القراءة والكتابة بين النساء بشكل ملحوظ،، كما نجحت عدة بلدان ومناطق نامية في بناء القدرات البشرية الأساسية لكل من المرأة والرجل بدون تفاوت كبير بين الجنسين مثل هونغ كونغ وجزر البهاما وسنغافورة وأورغواي وتايلاند وتمكنت عدة دول فقيرة من أن ترفع معدلات القراءة والكتابة بين الإناث إلى أكثر من 70 % مثل زمبابوي وسيريلانكا وذلك بموارد محدودة ولكن التزام سياسي قوي، هذا الالتزام جعل البلدان التي تطبق النماذج الاشتراكية تستخدم التعبئة الاجتماعية والسياسية لتحقيق تقدماً سريعاً ومتعادلاً في التعليم والصحة للرجل والمرأة ولتوسيع الفرص المتاحة أمام النساء، والجدير بالذكر أن تحقيق نوع من التحسين في حياة المرأة لا يرتبط بالضرورة بارتفاع النمو الاقتصادي ولا يتوقف على ارتفاع الدخل والمقارنة بين الدول تبين أن إزالة التفاوت بين الجنسين لا تتوقف على وجود دخل مرتفع، بل على وجود التزام سياسي راسخ.

ورغم كل الجهود التي كانت تبذل لتحقيق تساوي الفرص بين المرأة والرجل، ما تزال الفجوات بين الجنسين كبيرة في مختلف المجالات، ولا يزال يتعين على المرأة في كثير من الدول العربية أن تقطع شوطاً طويلاً للحصول على حقوقها، فالنساء يشكلن 70 % من فقراء العالم وعدد النساء الأميات في العالم يفوق عدد الرجال بنسبة اثنين إلى واحد، وتشكل البنات ما نسبة 60% من الأطفال الذي يفتقرون إلى الحصول على التعليم الأساسي وكثيراً ما تعمل ساعات أطول من ساعات عمل الرجل دون تقدير لعملها أو اعتراف به، ويخيم خطر العنف بمختلف أشكاله على حياتها في العديد من المجتمعات.

هذا وقد شاركت سوريا- كغيرها من الدول- في العديد الجهود الدولية، فساهمت في مؤتمرات المرأة الدولية، وصادقت على الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة بالإضافة إلى الكثير من المنظمات والهيئات الحكومية وغير الحكومية، التي تعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية والوصول إلى تمكين المرأة في كافة المجالات، وشمول الخطط الخمسية في سوريا للكثير من الجوانب التي تتعلق بتمكين المرأة من أجل حصولها على حقوقها كاملة، فبذلت المؤسسات الحكومية وغير الحكومية جهوداً واضحة في السنوات القليلة الماضية لتحسين أوضاع المرأة وتعزيز مكانتها، فقد انخفضت نسبة الأمية بين النساء وارتفعت معدلات التحاق الإناث بمراحل التعليم المختلفة وتحسنت الأوضاع الصحية للمرأة فارتفع معدل العمر المتوقع للإناث عند الولادة وانخفضت معدلات الوفيات لدى الأمهات والأطفال وازدادت مشاركة النساء في قوة العمل وتوصلت المرأة السورية إلى تقلد العديد من المناصب القيادية وأثبتت جدارتها فيها. لكن رغم التقدم الذي حققته المرأة السورية في التعليم والصحة وفي المجالات الأخرى خلال العقد الماضي، إلا أن المنجزات بقيت متواضعة، ولا تزال الحاجة ماسة لبذل المزيد من الجهود المكثفة في مجالات التعليم والصحة والعمل والمشاركة السياسية والحد من تأنيث الفقر، فلا تزال مشاركة المرأة في قوة العمل منخفضة، ومعدلات البطالة مرتفعة كما لا تزال مشاركة المرأة في مواقع اتخاذ القرار ضئيلة، وهي تتعرض لأشكال عديدة من العنف، وتتأثر في حياتها العامة والخاصة بالتطرف الديني وبالاتجاهات والقيم وأنماط السلوك السائدة في المجتمع التي تعدها دون الرجل في القدرات الجسدية والعقلية، والتي تنقلها وسائل الإعلام وتعمل على تثبيتها، فكل هذا يستدعي اتخاذ إجراءات حاسمة، ووضع إستراتيجية شاملة للتنمية البشرية في سورية لتحسين موقعها بين الدول بطريقة ملموسة وبأقصر مدة ممكنة ولذلك علينا إذا أردنا أن نصلح من أحوالنا أن نعمل على ارتقاء شأن المرأة عامة و السورية بشكل خاص. وسيحاول الباحث من خلال هذه الدراسة والتي تحمل عنوان ( أثر تمكين المرأة ودوره في تحسين مستوى المعيشة- دراسة ميدانية محافظة الرقة نموذجاً ) تسليط الضوء على أهم الجوانب المتعلقة بتمكين المرأة مثل التمكين الاجتماعي والاقتصادي و السياسي ومدى قدرة المرأة على المشاركة في اتخاذ القرارات وأثر تحقيق التمكين في هذه الجوانب على مستوى المعيشة للمرأة وأسرتها بشكل خاص، وعلى التنمية بجوانبها المختلفة بشكل عام.

المرأة عبر التاريخ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن