نيـوتروبيـا

By Die-Nacht

268K 18.5K 24.1K

"أعطـني لأعطـيك" هـذه قصـة الطـفلة التي اعتمدت هذا القانون كحل وحيد وأوحد للنجـاة في عالمـها المشـوّه. هي تل... More

-1- بداية السقوط
-2- مجمع القطب
-3- مصيدة الثعلب
-4- كهرمان
-5- خلف جدرانهم العالية
-6- الحرب
-7- رائحة دم
-8- إكصاص
-9- شِقاق الزهور
-10- السرداب
-11- عيون الصقر
-12- سيلست غولدن
-13- سليل السلف الأول
-14- هذا وذاك
-15- شتاء بحلة الخريف الأحمر
-16- صندوق زجاجي
-17- مشارف الموت
-18- لاشيسيا
-19- دموع شارلوت
-20- سمفونية أبواق الهلاك
-21- لأجلكِ أيتها الفاوانيا
-22- بئر من الأوهام
-23- رؤى
-24- رسائل السلام
-25- أونوس
-26- أضواء باهرة
-27- آل والثعلبة السوداء الصغيرة
-28- قمر حقل البنفسج
-29- خزف
-30- الدرجة رقم سبعة عشر
-31- دماء ورثاء
-32- بركة الملح
-33- قلوب بلا عيون
-34- أحضان الشمس الدافئة
-35.5- ومضة
-36- ربيع الأرض الجديدة
-37- واجبات الحرس
-38- الكناري الصامت
-39- شبكة من خيوط الماضي والحاضر
-40- أجيال
-41- تمرد الوحوش
-42- الشمس والقمر
-43- خلف مخمل الستار
-44- رماد عينيه
-45- سالب
-46- سم وعسل
-47- شيطان
-48- براءة عذراء
-49- زهرة النوكس المشؤومة
-50- حنين للحنان

-35- شتاء ديستوبيا الأخير

4.7K 380 724
By Die-Nacht

قامت بحك ساقيها ضد بعضهما البعض. كانت شارلوت جالسة بتوتر في مقعدها خلف إحدى طاولات مكتبة القصر الضخمة أما جورج فاسترسل وكأن الموضوع الذي يتحدث فيه بسيط بقوله:
"بكل اختصار جلالتكِ، شرب دماء شريككِ أو إعطائها له سيقومان بتهييج رغباتكِ الغريزية المكبوحة للتواصل الجسدي، سواءً أردتِ ذلك أو لا."

رأسها كان منحنياً للأسفل تناظر حجرها وأناملها راحت تتحرك بتحجر ضد قلمها شاعرة بأن الدم قد توقف عن السير في عروقها. جورج أخرج صوت ضحكة قصيرة حين لاحظ ردة فعلها المتوقعة.

"تبدو مستمتعاً أيها العالم الملكي."
غمغمت بعتاب ورأسها ارتفع بضع إنشات نحوه تراقبه يخفي ابتسامته بكفه في حين تعلقت عيناه الخضراوان بخاصتيها.

حمحم جورج مرة واحدة وقام بتركيز المنديل الحريري الفاخر الذي التف حول ياقة قميصه المرتب مجيباً بنبرة عملية:
"أعتذر جلالتكِ، لكن مثل هذا 'الأمر' كان من المفترض أن يكون في الأحوال الطبيعية ملحوظاً بالنسبة لكِ، وبما أنه لم يكن كذلك فمهمتي كمدرس لكِ إطلاعكِ وتعليمكِ كل شيء، خاصة أن جلالته لم يخبركِ."

"وكأنه يستطيع قول هذا ببساطة."
همست لنفسها وأناملها تشابكت بإرتباك حين سمعها جورج وقال بشغف تجلى في عينيه اللتان ابتسمتا قبل فاهه:
"هذا الجزء المثير للاهتمام، أنه لا يستطيع، تلك الأحاسيس الغامضة، الضيق في الصدر وصعوبة التنفس، تعرق اليدين وقشعريرة البدن لأبسط اللمسات السطحية، أمور لا يشعر بها مصاصو الدماء سوى اتجاه شريكهم الوحيد والأوحد، بعكس البشر الذين يستطيعون الشعور بهذا بغض البصر عن هشاشة علاقاتهم أو كثرتها."

تنهدت وقامت بسحب عدة خصلات تدلت على وجهها للخلف، هي حانت قد إندفعت بلا تفكير غير سامحة له بالشرح حتى ولم تظن أن الأمور ستنقلب رأساً على عقب هكذا، والسبب أنهما نظرياً زوجان الآن.

"لكن الدماء تبقى أكثر ما يربط أي زوجين، ولهذا..."
جورج أردف يجعل أنفاسها تنكتم مجدداً حين ظنت أنه قد انتهى.

مصاص دماء ظهر من بين الرفوف يرتدي زي الخدم الذي تباين بين اللونين الأبيض والأسود مع بعض الرمادي. وضع كأساً زجاجياً شفافاً أمامها تم ممتلئ حتى نصفه بجوهر الحياة الأحمر قبل أن يقدم إنحناءة بسيطة ويختفي كما ظهر.

"سنقوم بتجربة لشرح ذلك بطريقة أفضل."
العالم الملكي أردف وهو يقوم بتقريب الكأس منها منحنياً بجذعه قربها ليردف:
"جربي القليل من هذا."

"أيوجد أي شيء غريب في داخله؟"
سألت بشك وهي تجذب أنفها لتشتم رائحته، كانت عادية وليست بمغرية للشرب حقاً.

"أبداً."
هو أجاب ما أن استقام مجدداً لتأخذ هي رشفة منه على مضض ثم تعود لوضع الكأس أمامها بهدوء حتى سأل:
"كيف كان؟"

"كشرب الماء العذب الذي تم تحليته ببضع مكعبات من السكر، منعش لكن لا شيء مميز."
غمغمت واصفة ما شعرت به ببساطة. قامت بتسير أناملها على حافة الكأس مفكرة بأن شرب الدماء لم يكن بالموضوع الصعب كما ظنته، بدا...طبيعياً.

"تماماً..."
جورح بدأ برضى قبل أن يرفع سبابته ويتسرسل بحديثه:
"إن أردتِ تشبيهاً للدماء بالنسبة لمصاصي الدماء فإنها كالمياه بالنسبة للبشر، كلا الطرفين لا يستطيع العيش من غيرهما لكن حينما يأتي الموضوع لدماء شريكك، خاصة إذا كان ذو دماء سلالة نقية فسيكون التشبيه الأفضل لوصفها بأنها كالخمر بالنسبة للبشر."

"خمر."
همست بتفكير، جورج كان محقاً، هي كانت كالسكيرة في تلك اللحظات التي ارتشفت فيها دماء هيروزيوس لأول مرة بعد تحولها.

"أجل، في الواقع الدماء التي شربتها للتو تنتمي لمصاص دماء يافع، ذكر."
ما أن نطق كلمته الأخيرة حتى شعرت برجفة بسيطة خلال أناملها وبعقدة تتكون في معدتها وأخيراً بشيء من الغثيان.
قامت بدفع الكأس بسبابتها بعيداً عنها قائلة لجورج بشيء من العتاب:
"إياك وأن تكرر شيء كهذا مجدداً."

"اعتذر فخامتكِ."
رغم أنه اعتذر إلا أنها لم تلمح الأسف في نظراته، بدا مستمتعاً بردات فعلها وكأنها تجربته المميزة.

شاهدت كتاباً جديداً يضاف للدستة التي تم رصها أمامها فأغمضت عينيها بتعب حين قال:
"بالنسبة لشخص بالكاد كان قادراً على القراءة مثلكِ، أنتِ تحرزين تقدماً باهراً جلالتكِ."

"لماذا قبلت بتدريسي ببساطة، جورج؟"
سألت وعيناها ارتفعتا نحو وجهه حين تنفس بشيء من الدهشة للسؤال الذي اتبعته بقولها:
"زافير محق، أنا لا يمكن وصفي بملكة، هذا شبه مستحيل."

"وهل أحبطك كلامه؟"
جورج نطق بابتسامته ذاتها ليجعل تركيزها يعود له بعد أن أردف بطبيعية:
"أتفهمه...هو المستشار الأعلى ومهمته السير بالمملكة على الطريق الأمن فحسب."

"أنت قلتها، إذاً لما تساعدني في هذه المخاطرة؟"
سألت باهتمام حين أخذت ابتسامته بالاتساع وهو يجيب عاقداً يديه خلف ظهره:
"أنا العالم، كل ما هو جديد مهمتي، أكره الروتين وابحث عن التحديات الجديدة، حتى لو عنى ذلك وضع حياتي على المحك."
همس جملته الاخيرة بخفوت.

نظراته تالياً تركزت عليها وبصوت حمل احتراماً غير معهود أردف:
"كما أنني أؤمن جلالتكِ أنكِ مناسبة كملكة لنا، فبهدف تحقيق المستقبل الجديد الذي نطمح له والسلام، يتوجب علينا حفظ أي شخص يعلم كل شيء عن الطرفين، كما أن ملكة عشوائية أو نبيلة عادية لم تغادر العاصمة يوماً وعاشت في الأنوار الباهرة لم تكن طموح جلالته قط."

أنامل شارلوت أخذت تتحرك بغير راحة مجدداً ونظراتها جابت المكان حولها قائلة بصوت خافت:
"هيروزيوس قام بتحويلي فقط لأنه يحبني كما يقول، لا أظن أنه فكر بقدرتي على أن أكون ملكة."

"هذا غير صحيح تماماً."
مقاطعته المفاجئة جعلتها ترفع رأسها مجدداً نحوه وهو جذب كفه ناحية فمه يحمحم لوهلة قبل أن يردف:
"لو لم تكوني الملكة المثالية في نظره لما قام بإعطائكِ دمائه في المقام الأول، إذا سمحتِ لي بإدلاء رأيي، أنتِ بالتأكيد حققتِ كل شروطه التي رسمها في مؤخرة عقله -وحتى إن لم يدركها- لملكته وزوجته وحبيبته في آن واحد. في نظره أنتِ الشريكة المثلى."

يداها قبضتا على قماش فستانها الأبيض الناصع. قامت بالعبث بالقماش بتوتر لوهلة قبل أن تسأل:
"ماذا تظن أنت عن ذلك؟"

"أنت حميتِ ملكي في لحظات ضعفه."
همس وكأنه شاهد ماضيها، تساءلت ما إن كان هيروزيوس قد أخبره أنه رمى بروحه لها وترك حياته تحت رحمتها.
"أنا أثق باختيارات ملكي أيضاً، هذا كل مافي الأمر."
أضاف بهدوء ونبرة واثقة جاعلاً شارلوت تبتسم رغماً عنها وتومئ بتفهم.

قام بالتربيت على دستة الكتب مرتين ومن ثمة التف حول مقعدها قائلاً بمرح:
"فالتنتهي من هذا اليوم فغداً يوجد المزيد ولن نقوم بأخذ استراحة حتى بضعة أشهر."

"بضعة أشهر!؟"
غمغمت بصدمة وهي تراقبه يلتقط الكأس الزجاجية بين أنامله قبل أن يرتشف منها شيئاً ويغمز لها قائلاً:
"الوقت يسري على نهج مختلف لنا هنا."

شاهدته يبتعد بخطوات مدروسة، يتلاعب بالكأس بين أصابعه بثقة في حين راح يدمدم بمرح:
"إنه لشرف لا يمكنني رفضه، رؤية عينيكِ كل يوم يا جلالتكِ."

قامت بجذب كتاب جديد لحضنها قبل أن تقوم بتقليب صفحاته المكتوبة بعناية وخط جميل حتى النقطة التي توقفت عندها لتستأنف القراءة، لكن عقلها كان مشغولاً بعدة أمور أخرى. كانت تفكر بهيروزيوس ولا تستطيع إنكار ذلك.

لقد مضت عدة أيام لم تره فيها لإنشغالها بدروسها المتراكمة. هي لم تستطع التحدث معه حقاً بسبب حرجها من نفسها أولاً قبل حرجها منه وهو لم يبدو ممانعاً لتموضع تلك المسافة بينهما.

شعرت بغرابة من تفكيرها ذاك، لقد سوّت الأمور مع هيروزيوس، هو اعتذر عن أخطائه وهي بدورها فعلت، ظنت أن علاقتهما ستعود كما كانت لكن شيء ما تغير في تلك الليلة، هي لاحظت.
عقلها كان مازال يفكر به كصديقٍ غالي أما جسدها لا يستطيع سوى الإنجذاب له كزوج حميمي، لكن ماذا عن قلبها؟ شعرت به يقف في المنتصف حائراً.

أيجب أن تقوم بشيء ما؟ أم تدع الأمور هكذا فحسب حتى وقت لاحق؟
تنهدت بإنزعاج فأكثر ما تكرهه هو تعليق أمور مهمة بطريقة قد تؤدي للأسوأ، فإن كان هيروزيوس ينتظر منها شيئاً فقد تخييب ظنه بالصمت وإن لم يكن يفعل فقد تضع نفسها في موقف لا تحسد عليه مجدداً.

"أنت تشتت تركيزي لوكسياس."
غمغمت وهي تصفع الكتاب ليغلق بين أناملها قبل أن توجه نظرها ناحية النافذة الضخمة التي كان يجلس هو لحافتها مناظراً إياها بزرقاءه الناعسة.

"أعتذر، سمعت أنكِ استيقظتِ منذ فترة قريبة وبحثت عنكِ، لكن آخر ما توقعته أن أجدكِ في المكتبة."
ابتسامة بسيطة ارتسمت على شفاهه ويده اليمنى ارتفعت حد رأسه يقوم بدفع تاجه الأبيض لزاوية أخرى تسببت بعكس نور الشمس الباهت ضد معدنه.

"لما؟ أتنوي قتلي؟"
سألت بحاجب مرفوع أما هو فأطلق صوت لهثة ساخرة عاقداً يديه لصدره قبل أن يسأل:
"لما قد أفعل ذلك؟"

"أنت تريد العرش بشدة."
حدقتاها تضيقتا حين كان رد فعله على كلماتها عبارة عن مجرد همهمة قصيرة.

"ما الذي تتحدثين عنه الآن يا ترى؟"
سأل ببساطة متسبباً بجعلها تتراجع أكثر للخلف لتستند بجذعها كاملاً لظهر المقعد المريح قبل أن تجيب شارحة:
"لنبدأ منذ البداية. أنت ساعدت بإعادة هيروزيوس للمملكة حتى يعيد لك لقبكَ كأمير وبالتالي حقك الشرعي بإعتلاء العرش ثم كنت سعيداً بكونه قد اختارني كملكة. أنت كنت شبه متأكد من إنهياري الذي سيقود لثورة الشعب قبل إنهيار هيروزيوس معي، نموت كلانا وتحصل على ما تريد."

صمت طويل حل من جهته بدا وكأنه يقوم بتقليب كلماتها في رأسه قبل أن ينهض ويعدل من ياقة قميصه الداكن معلقاً على كلامها بـ:
"لكن هذا لم يحصل فأنتِ مما أرى مستيقظة وواعية وتعملين بكد."

"لكي لا يحصل أنا أفعل."
بروده جعلها تتحدث بنبرة أعلى، هو لم ينفي ولم يتفق معها، يجعلها تغضب فحسب. نبرتها أصبحت أكثر حدة ما أن سألت بشك:
"أنت، ما الذي كنت تنوي فعله بمصاصي الدماء ما أن تعتلي العرش؟"

"إن حدث ذلك..."
شاهدت كفه اليمنى تحط على ذقنه وكأنه يفكر، وكأنه لم يفعل ذلك سابقاً حتى. جوابه جعل حدقتيها تتسعان بشيء من الدهشة حين ابتسم بطريقة أظهرت أنيابه قائلاً:
"ربما أحبسهم في مملكتهم، أقوم بعذيبهم، قتلهم، من يدري."

في هذه اللحظة أدركت شارلوت أن هيروزيوس كان محقاً بشأن لوكسياس، هذا الشخص يفعل ما يريد حين يريد ولا يقف بصف أحد معين أبداً. لكن يبدو أنه يتخذ قراراته بسرعة ويتخلى عنها بذات السرعة أيضاً، وهذا ما يجعل التنبؤ به شبه مستحيل.

"السلام بين الطرفين لا يعجبك؟"
حاجباها ارتفعا قليلاً وبشيء من الإحباط سألت فهي أرادت التصديق بأنه لصفها، وشفاهها تقوست بغير رضى حين أومأ مجيباً دون لف أو دوران:
"في الواقع أنا لم أهتم..."
كما ظنت، لوكسياس لصف نفسه فقط.
"...لكن ليس وكأنني أرغب بحرب أيضاً، كل ما في الأمر أنني وددت أن ينتهي كل هذا فأخرج من هذا السجن."
كان يقول كلماته وهو معرض عنها يحدق بالفراغ.

"أتكره المكان هنا؟"
سألت بتوتر وأناملها قامت بالنقر على الطاولة أمامها عدة مرات في حين أجاب بابتسامة:
"جداً."

"وعائلتك؟"
غمغمت بسرعة وعلى مضض.

"أولم تجب ظنونك هذا السؤال بالفعل؟"
سأل وهو يهز كتفيه بشيء من الإستهزاء، عيناه تسقطان عليها مجدداً من بين خصلاته الداكنة يلتمس جوابها الذي كان بصوت خافت حمل شيء من العتاب:
"أنت قلت أنها مجرد ظنون..."
صمت طويل حل لاحظ فيه أن كلماتها لم تنتهي حين بدا التفكير العميق على ملامح وجهها.

تنهدت وابتسامة بسيطة ارتسمت على شفاهها جعلت عيناه تتسعان بشيء من الدهشة حين اعترفت بمرح غير متوقع ملوحة بكفيها أمام وجهها:
"لا يهم.."

سمعت خطواته تقاطع الهدوء الذي حل حين تحرك حتى الطاولة الرخامية أمامها بصمت، خصلاته السوداء تقع لتغطي عيناه كالعادة حين قام بحني رأسه للأسفل ويداه ارتفعتا لتزيحا التاج من على رأسه لتضعاه أمامها.
"لا يتوجب عليكِ القلق بشأني بعد اليوم."
عيناها اتسعتا ما أن قال كلماته وهي نهضت من مكانها محاولة رؤية ملامح وجهه سائلة:
"ما الذي تعنيه؟"

"أنا سأرحل."
ما أن أجاب حتى شعرت بخوف كبير، الخارج أصبح مرعباً لها، كلما فكرت بأنها قد تعود لرؤية للأراضي المدمرة هناك والوحوش المنتشرة قلبها ينكمش بين أضلعها.

"أعلم أنك لم تخرج من المملكة قط وأنك ربما تكرهها حتى باعتبارها سجناً لكن لا يوجد شيء خارجاً سوى الموت."
همست بالحقيقة التي كرهتها، بالحقيقة التي أخافتها أكثر من أي شيء بخصوص الخروج من المملكة مجدداً، لكنها وجدته يبتسم ويجيب:
"أنا أعلم."

"أستعود؟"
عيناها إنكمشتا حين لاحظت الرغبة العارمة في عينيه وهو أجاب بصدق:
"لا وعود."

"ماذا عن هيروزيوس؟"
سألت تاركة يديها لتسقطا بجانبيها مجدداً بعد أن كانتا تعتصران نفسيهما في قبضات.

"أخي العزيز لا يحتاج لي، كما أنني متأكد بأن بعدي سيكون أكثر راحة لكما."
كلماته جعلتها تعتذر:
"آسفة، لم أعني اتهامك بسوء."

"لا تصعبي الأمور يا فخامتك."
غمغم ما أن أزاح يديه عن تاجه سامحاً لها بأخذه.

شاهدته يبتعد عدة خطوات للخلف قبل أن ينحني وترتفع كفه صوب قلبه قائلاً:
"إلى اللقاء جلالة الملكة الحادية والعشرين..."
ظهره أصبح في مرمى رؤيتها تالياً وأخر ما سمعته قبل أن يختفي كان:
"شارلوت لاشيسيا."

"سيتم حفظ تاجك في مكان أمن يا سموك."
همست وهي تناظر القطعة المصنوعة بين يديها بإتقان وشغف فنان قبل أن تجلس لمقعدها مجدداً وتفكر بنوع المستقبل الذي تتوقعه هي. الذي تريده بشدة.

مرّ الوقت سريعاً وهي لم تشعر بذلك، عيناها كانتا تحدقان بالتاج فحسب غارقة بأفكارها، هي الآن ملكة، تستطيع فعل الكثير.

ابتسامة بسيطة ارتسمت على شفاهها ويدها ارتفعت لتغطي فاهها من دون شعور.

"جلالتك."
حضرت ماشميا. عيناها التصقتا بالأرض وجذعها انحنى وكأنها تطلب الإذن للحديث فما كان من شارلوت سوى أن تحمحم وتأذن لها.
"ما الأمر؟"
لن تعتاد نفسها هذا الاحترام المبالغ فيه بسهولة لكن كبرياء جسدها معجب به، كانت تشعر بظهرها يستقيم وبصدرها يرتفع كلما خفض أحدهم لها رأسه.

"فخامته يطلب مقابلتك في الحديقة."
ماشميا رفعت رأسها بابتسامتها المعهودة وشارلوت شعرت بتوتر توضح على ملامح وجهها.
"لما الحديقة؟"
سألت.

"الجو بديع اليوم والثلوج ذابت لتظهر الأرض المخضرة، كما أن زهور هيليبور قد تفتحت تماماً، مظهرها جميل ولا يدوم سوى لبضعة أسابيع."
رفعت ماشميا سبابتها وهي تسرد لكن الأخيرة لم يبدو عليها الاهتمام بل التفكير العميق.
"هلا قمنا بتغيير ملابسكِ أولاً؟"
الصغيرة سألت وشارلوت رفعت رأسها أخيراً نحوها لتومئ برأسها على مهل.

بعد فترة من الزمن كانت شارلوت قد تخطت البوابة الخلفية للقصر والتي تطل على حديقة الزهور الربيعية. ماشميا التي عقدت أناملها خلف ظهرها وسارت أمامها على مهل أرشدتها نحو وجتها.

لاحظت أنها ربما لم تكن هنا قبلاً، لم تكن متأكدة إن فعلت فخضرة الحديقة بدت شيئاً غير معهود حيث تدلت أفرع أشجار العنب بأوراقها الخضراء الكبيرة من على الجدران الرفيعة وأزهرت براعم أشجار التفاح العالية.

شعرت ببعض الحيوية حين داعب نور النهار وجهها وراحت تتلمس أوراق البراعم الندية بسبابتها.

"يبدو أن فكرة إخراجكِ من القصر كانت سديدة."
فاهها فتح بنفس مرتعش ما أن عادت للواقع وشعرت بحلول حضور محبب قريب منها. عيناها برقتا ووجدت نفسها تستدير لترى هيروزيوس يقف على بعد عدة خطوات منها.

كان يرتدي زيه الملكي الرسمي ولكن بلا بهرجات إضافية كالإكليل الذي طالما زين رأسه أو العباءة المخملية.

اقترب وهي شعرت بشفاهه تقبل أناملها ما أن رفع كفها بخفة، رموشه الحمراء تباعدت حين فتح عينيه واستقام بجسده ليبتسم نحوها.
"طاب يومك، شارلي."

تنفست كسمكة خارج الماء لثوان قبل أن تنفر من شرودها وتمسك بقماش فستانها الزبرجدي المخملي لتنحني متحدثة:
"طاب يومك أيضاً."

حين قهقه عقدت حاجبيها متسائلة:
"أنا لم أقم بهذا بطريقة خاطئة، أفعلت؟"

"أبداً."
رفع ذراعه لتعلم أنه يعرض عليها أن تشابكه بخاصتها فما كان منها سوى أن تفعل على مضض متمتمة:
"لما الضحك إذاً؟"

"لا داعي بأن تقومي بتحيتي بمثل هذا الأسلوب المبالغ به."
بدأا السير على مهل وهي تركته ليقود الطريق.

"كيف تود مني إذاً إلقاء التحية؟"
سؤالها كان وجيهاً فمازالت تتعلم ويبدو أن هذا هو الأسلوب الأكثر أماناً لتحية الآخرين.

"ستكتشفين هذا بنفسكِ مع الوقت."
رأسه مال نحوها للحظات فإنزلقت بضعة خصلات حمراء من موقعها قامت شارلوت بتلقائية بتنظيمها مجدداً حين وقفت على أطراف أصابعها وغرست أناملها في شعره.

بدت الدهشة على ملامحه للحظات عندما لاقى بصرها وجهه وهي استدركت أخيراً تصرفها لتسحب يدها لنفسها وتغمغم من بين أسنانها باستياء امتزج بالحرج:
"أعتذر، جسدي مازال يتصرف من تلقاء نفسه في معظم الأحيان."

"سينتهي هذا يوماً، لا داعي للتفكير كثيراً بالأمر."
علق وهو يربت على كفها قبل أن يستأنف سيرهم لتسأل بتوجس:
"ماذا إن قمت بإيذاء أحدهم؟ كلمة مدح تجعلني انتفش كطائر الطاووس، إذاً كلمة ذم قد تسكب الدماء."

صدر هيروزيوس اهتز بضحكة قصيرة لتشبيهها فعلق:
"هذا طبيعي، إن تجرأ أحدهم على إهانتكِ فسيلقى عقاباً قاسياً، إنها غريزة كبرياء لم تعتاديه بعد."

"يجب أن أتعلم السيطرة عليه وليس العكس."
زفرت.

"زافير مقتنع بأنك تحتاجين لاستيعاب أمور أخرى أولاً، ما الذي أنتِ بصدد تعلمه حالياً؟"
سأل وهو يركز ببصره على طريقهم تاركاً إياها لتأخذ كل وقتها بالإجابة:
"التاريخ ما يجدر بي تعلمه أولاً."

"ما الذي تعرفينه عن الأسلاف؟"
سأل فجأة جاعلاً إياها تتردد لثوان قبل الإجابة حين تأكدت من أنه يختبرها.

"يقال أنه تم إنشاء المملكة من قِبل خمسة مصاصي دماء أساسيين وكل فرد كان متطوراً عن الأخرين بطريقة مختلفة."
بدأت وتوترها لم يتلاشى لكنها استكملت رغم ذلك بثقة مما تعلمته وحفظته:
"السلَف الأول، ماكلوس، سلالته هي السلالة التي تنتمي لاشيسيا اليوم لها. كان حامل الدماء النقية الأول، كان الأقوى، امتلك سلطة التحكم بالأخرين وكان الأكثر شبهاً بالبشر.

السلف الثاني، أو كما تم تسميته هايس، اسم يشير لمعنى الدفئ. يقال أنه مصاص الدماء الأول الذي امتلك مشاعراً كالبشر وأورثها للأخرين لينفي عنهم طبيعة الشياطين."

شيء من التوتر أخذ يتلاشى حين همهم هيروزيرس بإهتمام ولهثة ساخرة فرت من فاهها حين أردفت:
"لقد صعب عليّ تصديق أن شخص كإيليورد من كان يحمل هذا اللقب حيث أنه كان مصاص دماء غريب أجل لكنه ليس بدافئ بالتأكيد."

"لكنه قد حمله وهذا شيء لا يمكن تغييره، روابط الدم أقوى من الطباع."
هيروزيوس تحدث جالباً جسده ليصبح في مواجهتها قبل أن يسأل بجدية:
"ووريثه التالي هو إيدغار، ماذا تظنين عن ذلك؟"

بالحديث عنه، هي لم تره قرب القصر منذ زمن، لكنها متأكدة أنه في الغابة في مكانٍ ما حيث تم نفيه بشكل تام من قبل الملك، والشعب يظنون أنه ميت. حقيقة أنها ما زالت حية تبقيه حيّاً بالمثل.
إن أراد أحدهم قتله فيجب عليه قتلها أولاً.

كان الهدف من طلبها أولاً أن لا تراه يموت بحضورها لكن لم تعتقد أن تؤول الأمور حتى هذا الحد.
ليس وكأنها تكره فكرة أنه حيّ لكن هل سيتحسن حاله في ظل الظروف التي يعايشها؟
هل سيظهر تلك المشاعر التي من المفترض أنه قد ورثها عن سلفه؟

"أنت لن تمنحه لقب السلف الثاني، صحيح؟"
سألت بشيء من الشك مناظرة ردة فعل هيروزيوس التي كانت عبارة عن إيماءة بسيطة وجملة واحدة:
"هو لم يعد موجوداً بالنسبة للمملكة."

"أنا أعرف أن هذه هي الطريقة التي تسير بها الأمور، لكن..."
توقفت عن الحديث متنهدة بقلة حيلة قبل أن تهز رأسها للجهتين مردفة:
"فالننسى هذا حالياً."

"كما تشائين، ماذا عن السلف الثالث؟"
سأل ولمحت ابتسامة بسيطة ترتسم على شفاهه حين لاحظ أخيراً أنها بدأت تستمتع ولو بشكل طفيف بإخباره عما أنجزته وتعلمته خاصةً لما اتجهت أبصارها له أخيراً مباشرة وأجابت:
"السلف الثالث تروي امتلك الثقة والولاء اللازمين لقيام أي أمة في العالم، وهي السلالة التي تنحدر منها الملكة السابقة سيلالينا وشقيقتها سيلست، عائلة غولدن.
الملكة من حملت اللقب بعد والدها بصفتها الأكبر، وبما أنك تمتلك لقب والدك كسلف أول فتوجب على لوكسياس حمل لقب السلف الثالث عنها."

قامت بجعل أنامل يمناها تسحب خصلاتها السوداء للخلف بعيداً عن وجهها بحركة عفوية حين أشاحت نحو الزهور ملاحظة ألوانها المخملية الداكنة الخلابة.
"قد قيل لي أنه يتم توارث هذه الألقاب حتى رغم اختلاط الدماء مع الزمن لكي لا ينسى أحد فضل الأسلاف الأوليّن الذين أخرجوهم من الظلام، ولكي تتم معاملة الأحفاد بتميّز يستحقونه. فقط دماء السلف الأول مازالت نقية حيث أن الملوك والملكات من يرثونها."

"هذا صحيح، لم أظن بأن جورج قد يكون مدرس جيداً هكذا لكِ."
هيروزيوس جاعلاً إياها تهز برأسها بشيء من الموافقة قبل أن تبتسم بتلاعب وتعلق:
"إتفقنا على أن أسمح له بالثرثة عما يريد بشرط أن يخبرني عن نفسك عنـ...."
ابتلعت لسانها.

"عني؟"
همس ونظرة عيونها الجاحظة كانت إجابة كافية له.
"عندما كنت صغيراً وحسب، لا شيء مريب."
أضافت مدافعة عن نفسها.

رفع بصره للأعلى للحظات وكأنه يحاول تذكر أمر ما.
"لا أذكر أن لدي ماض قد أشعر بالإحراج من معرفتك إياه، كما أنني لست بهذا العتو. بأي حال سأروي لكِ بنفسي عن كل ما تشتهين سماعه مني، كل ما عليكِ فعله هو السؤال."
مع جملته الأخيرة نظر لها بابتسامة جانبية لتقهقه بحرج مغيرة دفة الحديث:
"كنت في البداية أوجس في نفسي من جورج فهو يمتلك أطواراً غريبة وأيضاً كان يبدو وأنه ينتظر منيتي ليسرق مقلتي من محجريهما لكن ورغم ذلك تبين أنه شخص لا بأس به في الحقيقة."

"رغم ذلك لا تقومي بإعطائه الكثير من المساحة للثرثرة."
كفه حطت على رأسها فجأة يقوم بتحريكها ببطء حتى عنقها متلمساً خصلاتها بتأن وكأنه قد يؤذيها.

"لكنه يمتلك المعرفة التي تلزمني."
شارلوت لم تستطع أن تنظر في وجهه حين شعرت بعيناه تتفرسان في ملامحها فعاد الإرتباك ليرتسم عليها جاعلة إياه يسحب يده في النهاية لنفسه ويغمغم:
"وبعد؟"

شعرت بألم طفيف بصدرها حين فعل ذلك فجأة لكنها رغم ذلك استكملت ما بدأت بقصه قائلة:
"السلف الرابع غينيال امتلك الدهاء والذكاء الكافيين لتصميم المملكة وإخفائها عن أعين البشر. سلالة تنحدر منها لاتشيا لكنها ليست حامل اللقب إنما شقيق والدتها الأصغر في الغرب."
سؤال لطالما دار في خلدها طرح نفسه:
"لما شقيقها الأصغر؟ أنا أعلم أنه لا يوجد فرق بين الذكر والأنثى هنا والأولوية للأكبر."

"ربما يستحقه فحسب، لم ألتقِ به شخصياً ولا أعرف الكثير عن أفراد لوستف بعد لذا أتسائل بنفسي عن السبب."
عندما أجابها علمت أن الطريق مازال طويلاً أمامها وأمامه، إن كان هيروزيوس لم يتعرف على كل حملة ألقاب الأسلاف بعد فماذا عنها؟

"أخيراً، السلف الخامس إيديال إمتلك من الحواس والهبات ما لا يمكن إحصائه، القوية منها والضعيفة التي لا تفتأ تكون بلا فائدة."
تحدثت بأخر معلومة تعرفها قبل أن تطلق تنهيدة مرتاحة وتغمغم:
"حامل اللقب في هذه اللحظة هو زافير."
لم تتفاجأ، قدرته على التنقل لأي مكان يريده بسرعة لا يمتلكها أحد. فقط مذهلة. هذا جعلها تتسائل عن ما تملكه هي من هبة.

حاملو هذه الألقاب لديهم مكانة مستشار وأقرب المعارف للعائلة الحاكمة في المملكة وكما أخبرها جورج سابقاً، من المفترض أن يكونوا على تواصل دائم بالقصر في العاصمة لكن الأمور تغيرت قليلاً منذ الحرب. تتسائل إن كانت المملكة ستتغير بدورها لاحقاً على إثر السلام مع البشر.

"بالمناسبة طلبت لقائك لأنه لدي شيء أود تقديمه لكِ."
قلبها بين أضلعها سقط عندما فرقع بأصابعه ليظهر أحد خدمه جاثياً برأسه للأسفل ويداه امتدتا للأعلى تحملان وسادة مخملية تموضع عليه إكليل من الذهب الأبيض.

حمله بين أنامله بخفة وحذر وشارلوت بالمثل ظنت بأنه قد يتحطم في أي لحظة لتصميمه الرقيق، كان عبارة عن خيوط مبرومة متشابكة مرصعة بوريقات الألماس وأطراف تتموضع خلف الأذنين مزينة بحبات لؤلؤ صافي.

"هذا لكِ."
نطق ودار حولها ليضعه أعلى رأسها على مهل ومن بين خصلاتها الداكنة برز نقاء قطعه وجمال تصميمه الباهر.

قام بجذبها بذراعه لتسدير وتصبح نظراتها موازية لخاصته، ويده الأخرى قام بإرجاع خصلة متمردة عن وجهها للخلف.
"يبدو جيداً."
أردف برضى.

يداها ارتفعتا نحو رأسها تتلمسا ما وضعه بحذر، وفي إنعكاس صورتها خلال عينيه لمحته.

"لي أنا؟"
غمغمت بشيء من الدهشة ما أن طال تحديقها ليتراجع هيروزيوس خطوة عنها للخلف ويجيب ببساطة كلماتها.
"إنه بالفعل كذلك."
ضحك. علم أنها تبالغ بالتفكير حالياً وستحاول الرفض تالياً.

"لكنني لا أستحق أن أضعه، أنا لست متوجة برسمية."
كلماتها المتتابعة السريعة جعلت شرارة ذهبية تعبر سريعاً خلال عينيه قبل أن يبتسم ويلتقط كفها اليمنى ليربت عليها بلطف مجيباً:
"هذا لا يهم. كما أن من صنعه ذرف دموعاً كالأنهار ليراكِ ترتدينه."

"أتحاول رشوتي؟"
عقدت حاجبيها بشك.
"أبداً."
رفع كفه في الهواء وكأنه يقسم على صدقه.
"من صنعه إذاً..."
كلماتها لم تكن سؤالاً ولا حتى عبارة واثقة فقد أشاحت جانباً بنظرة منخفضة جعلته يسأل:
"ما الخطب؟"
أرادها أن تفتح قلبها قليلاً، ولو نافذة.

"أنا كنت أفكر كثيراً هيرو، لا أظن أنني مناسبة، أعني كملكة."
أمسكت برسغه تضغط عليه بتوتر واضح خلال حديثها أما هو فهز رأسه بخفة نفياً مع قوله:
"أنتِ لستِ مناسبة، لكنكِ مثالية، وإن كان لي على الأقل حالياً وهذا ما يهم."

"أعلم أنه لا يجدر بي الحديث هكذا الآن لكنني كنت أفكر بكثرة مؤخراً ولم أستطع نفض الأمر من رأسي. لما لم تحولني فقط، لما فرضت علي هذه الرابطة الخاصة؟"
هي كانت من يضغط على كف الأخر هذه المرة. عيناها نظرتا في عينيه مباشرة من دون أي لف أو دوران.

"رغم أنني كنت تائهاً عن حقيقة مشاعري إلا أن غريزتي التي تاقت لإبقائك بقربي أوضحت الأمور."
صارحها.
"لم أكن أريدك أن تكوني حولي كخادمتي، الفكرة لوحدها حرقت وجداني. أريد منكِ أن تقفي بقربي لا خلفي. أصبو لأن أمسك بأناملك وأرى رأسك يرتفع لتنظري في وجهي بلا تردد لا أن تنحني لتختفي عيناكِ عن بصري فأشعر بالشدائد على صدري تلين."
أمسك بأنامل يديها الاثنتين ودفع وجهها للأعلى بمقدمة رأسه ليمنعها من النظر جانباً حين وجدها تنزلق بعيداً لتتجنب المواجهة.
"لقد عشتِ حياة فخورة زاخرة رغم أنها لم تكن طويلة ومكانة ملكة أقل ما يمكنني تقديمه لأنثى مميزة مثلك."

وجهها تورد بحمرة الحياء، لم تكن تنظر لنفسها على أنها مميزة ولا حتى لحياتها التي اكتسبتها بفضله.
شعرت بأنها طفيلي يحتاج لمضيف وأحست في بعض الأحيان أنها عالة، لكن كلماته هذه...تريحها.

"أخبريني شارلي، إن لم تكن هذه المشاعر نوعاً من العاطفة الخالصة اتجاهك فماذا علها تكون سوى ذلك."
حين بدا وكأنه يعاتبها تملصت من بين يديه للتراجع مغمغمة بحياء:
"أنا لا أعرف، لا أستطيع أن أجيبك."

"أنتِ تخافين قربي الآن بسبب ما حصل منذ أيام."
تعابير وجهه إنخفضت لتظن أنه محبط فقبضت قماش فستانها بقوة وهتفت بوجه محمر:
"أنا أريد الاعتذار عما حدث سابقاً، قمت بإجبارك على قبول دمائي وانتهى المطاف بك غاضباً علي."

همس بتفاجؤ:
"غاضب؟"
علم أنها ستبالغ لكن ليس لهذا الحد الذي سيربكه بدوره.

يدها قبضت بشكل أقوى لم تلحظه وصوتها أصبح أخفت وتقريباً مختنق حين استطردت:
"في حين أنني كنت الشخص الذي كان ومازال يدفعك بعيداً أجبرتك على شرب دمائي حين رفضت ذلك بوضوح، أنا آسفة. أنا حقاً..."
حدقتاها اتسعتا حين كانت تحدق بالأرضية بالفعل دون أن تلاحظ إنحناء جسدها المبالغ فيه والسبب لم يكن شيء توقعت من هيروزيوس بأن يرد به. كان يضحك.

"أنا أعتذر..."
تحدث ما أن لاحظ تعابير وجهها المحرجة التي امتزجت بالإستياء قبل أن يطلق زفيراً طويلاً ويردف:
"لأنكِ ظننتِ ذلك. شارلي، أنا لست غاضباً عليك أو أي شيء من هذا القبيل. لا أستطيع أن أكون."

"كنت تتجنبني."
تذمرت بصوت خافت ونظراته رغم الإبتسامة البسيطة التي مازالت على محياه إنخفضت بشيء من الآسف حين قال:
"لأنني كنتُ أعلم -مجدداً- بأنكِ ستكونين خائفة من الاقتراب مني."

"لست كذلك."
عاندت ليرفع حاجباً.

"أنا كنتُ كذلك."
يداها تسلقتا رأسها لتمسك أناملها التاج بقوة وتردف بتقطع بسبب شهقات فرت رغماً عنها من صدرها:
"على من أكذب...كنت ومازلت."

"لا حرج من الاعتراف بذلك."
علق بهدوء، يستطيع معرفة ذلك دون أن تنبس ببنت شفة لكنها أخبرته وهذا أسعده. ألا تخفي مشاعرها وتعبر عنها وتتواصل بالكلمات معه فلا يبحر بأفكاره بعيداً.

"لكنني أكره هذا هيرو..."
نفس مضطرب فر من بين شفتيه حين أردفت على حين غرة بإنتحاب كطفلة:
"لا أريد أن أحمل مشاعر كهذه نحوك فأنا أحبك جداً!"

نظراته غدت أكثر ضيقاً حين شاهد دموعها تسقط من عينيها على الأرض كالشهب. نسيم حاد هب ليتسبب بتطاير خصلاتها على وجهها المبلل.

"شارلي، أيتها الغالية."
كانت تحاول كتم شهقاتها بمسح دموعها، خاصة حين استرسل:
"لا بأس بأن تكوني خائفة، فكل ما يتعلق بمصاصي الدماء مازال مبهم بالنسبة لكِ. لا بأس بأن تكوني خائفة فقد أقحمتكِ في علاقة معقدة لم ترغبي بها. لابأس بالخوف، فأنتِ مازلتِ بالنسبة لعالمنا مجرد طفلة."

عيناها اتسعتا بتفاجؤ حين جثى أمامها على إحدى ركبتيه، يمناه تشير لقلبه وعيناه تحدثتا قبل لسانه.
"أنا هنا بجانبكِ لأتأكد من جعل هذا الخوف يتلاشى لا أن أعاتبكِ، ولأمنحكِ الحياة التي لطالما استحققتها وتمنيتها لكِ بنفسي وتمنيتها سراً لنفسكِ بدورك."

"كل ما عليكِ فعله هو الوثوق بنفسك وبي مجدداً."
نظرت من بين دموعها لكفه اليسرى التي ارتفعت نحوها تعرض عليها بوضوح الإمساك بها.

قامت بوضع يمناها في كفه بهدوء قبل أن تحيطها بالأخرى وتعتصر كفه بين يديها بقوة. عيناها إنخفضتا نحوه بنظرة جدية وبصراحة تحدثت:
"أنا أشعر وكأنني أتأرجح على حبل رفيع معلق."

إنخفضت على ركبتيها أمامه وفستانها المخملي افترش الأرض حين فعلت. عيناها تعلقتا بنظراته التي بدا الذهول خلالها جلياً وأردفت بقوة:
"هيروزيوس، فالترني كيف أستطيع الإيمان بك."

الصمت ساد بين الطرفين وشارلوت لم تخفف من ضغطها على كفه بل حصل العكس حين لم يجبها لتخفض بصرها للأسفل وتسأل بخفوت:
"بعد كل ما حصل وما قد يحصل مستقبلاً. هل تستطيع؟"

"لن أفرط بهذه الفرصة أبداً."
ما أن أجابها أخيراً حتى شاهدت يده الأخرى تحمل خاصتيها لتسحبهما نحو فاهه فتقبل شفتاه أناملها بتتابع ورقّة شديدة.

"هذا مطمئن."
تحدثت وهو رفع كفه ليمسح وجهها وبإبهامه تلمس أطراف رموشها المبللة متأملاً أحجار عينيها الفلكية تضيء بمشاعرها الفياضة.

شارلوت حدقت باستغراب على مرأى عينيه تنيران كالياقوت والابتسامة البسيطة التي زينت ثغره أشعرتها وكأنه على وشك أن يذرف الدموع.
"أنت بخير هيرو؟"
سألت وكأنها لا تدري أنها في حال مماثلة وحين مسحت بقلق وجنته لهث نفساً ضاحكاً ثم قبل باطن كفها.

"ماذا تقولين شارلي؟"
أمسك بمعصمها وهمس ضد بشرتها بتلطف:
"هل آن آوان توديع الشتاء؟"

أحاطت بمنكبيه وأسندت فكها لكتفه. مسح على خصلاتها على مهل فتركت عينيها لتتعلقا بالسماء وغيومها للحظات طويلة اختتمها بإسدال أهدابها مجيبة:
"أجل."


~


********

انتهت سقوط البشرية
كان من الممتع إعادة كتابة/تنقيح القصة والإضافة عليها.
أتمنى أن الجميع استمتعوا بالقراءة

رأيكم بالقصة بشكل عام؟ والشخصيات بشكل خاص!

الجزء الثاني بلا شوائب سيعاد كتابته من البداية
لكن ترقبوه عن طريق متابعتي هنا أو انستغرام أو إبقاء القصة في المكتبة.

سأخذ استراحة من هذه القصة حتى إشعار آخر وسأعمل على بومة مينرڤا وروبي

أراكم على خير
ناخت ♥️

Continue Reading

You'll Also Like

567K 17.6K 23
الرواية تتحدث عن الشيطان او لنقول زعيم مصاصي الدماء يقع بحب فتى منذ ان كان صغير ويصبح مهووس بكل انش به.. ********* ماذا سيحدث عندما يتعرض الفتى للخ...
590 261 11
و القراءة ليست مجرد سرد كلمات بنسق وترتيب معين ... مفهومها أعمق ... أن تستفيظ مشاعرك ... ويكون لروحك حضور بدل عقلك ... أن تقرأ بمثل لحن الكاتب ... أ...
422 94 9
ينطوي الزمن ونحن تحت الأرض نحيا، كما الأموات في رقودهم في القبور، في سلام واستسلام. فالهوّة المفروضة التي بيننا وبين المتنعمين فوق الأرض، قد أنستنا...
59.9K 4.3K 18
"سأبتسِمُ لكُل مايَقِفُ حائِلًا أماميْ وسأُخبره أنني لا أهابُه مادُمتُ معك" "سأضل أحِبك وأحتَويك حتّى وإن كانَ حُبي لكِ خطأ غيرَ مغفور..." . . "ترَكت...