-29- خزف

4.2K 386 527
                                    

قطرة باردة لامست أنفها فجعلت عينيها الفيروزيتين ترتفعان للأعلى لتناظر السماء الملبدة بالغيوم بشيء من الترقب قبل أن تباغت قطرة جديدة مقلة عينها اليمنى وتتسبب بلسعة مفاجئة جعلت إخفاض رأسها للأسفل مرة أخرى تبدو فكرة أفضل. فركت وجهها بطرف قميص معطفها الشتوي بإنزعاج ثم تنهدت للبرودة التي جعلت الأبخرة تتطاير من فاهها.

"ما الخطب لوسيا؟"
سألت ماي من جهة أخرى بقربها لترسم المقصودة ابتسامة متأسفة بسيطة على وجهها وتجيب بعد لحظات من التردد:
"يبدو أن الثلوج ستذوب وتغادرنا باكراً هذه السنة."

"باكراً؟"
تمتمت ماي بغير فهم وهي تلف وشاحها الأسود جيداً حول عنقها مشاهدة لوسيا تزفر الدخان الحار أكثر لتدفئ أناملها.
"إنها تمطر."
أعلنت.

رمشت الأخرى مرتين قبل أن تمدد يديها للجانبين تستشعر قطرات الماء الخفيفة تداعب كفيها ثم تقول بشيء من الدهشة:
"أنتِ محقة!"

"ما الذي تفعلاه؟"
كلاهما التفتتا نحو آلان الذي تحول لون أنفه للأحمر تشاهدانه يؤنبهما بصوت خافت حمل شيء من الشفقة:
"فالتسرعا بالعودة، تعلمان أن جايدن ليس بمزاج حسن وبقائنا هنا لفترة أطول لا يساعد."

"مفهوم."
نظرت لوسيا لماي التي همهمت كلمتها من أسفل شالها بحزن، رأت يدها ترتفع في الهواء وتحط على كتفها بحركة طمأنة.
"خذي وقتكِ لوسيا، سأسبقكِ مع آلان للمركبة."

أومأت لوسيا بخفة برأسها مشاهدة إياهما يبتعدان نحو ناقلة الجنود التي توقفت عند طرف الطريق تاركين إياها لوحدها.

عيناها سارتا مجدداً بين أحجار الحقل مختلفة الحجم والشكل، كل حجر حفر عليه اسم وزين بالأزهار والورود الذابلة وحدقتاها رستا تالياً على الحجر المنحوت أمامها، شكله شابه الكثير من القطع الأخرى في هذه المقبرة إلا أن الاسم كان وحده ما ميزه.

انخفضت لوسيا لتجلس القرفصاء أمام شاهد القبر متحدثة:
"حصل الكثير خلال السنة الماضية ورغم رسالتك تلك لا أستطيع أن أسامح نفسي بسهولة، وددت الاعتذار لسوء حكمي لكنك أبيتي إلا ومفارقتنا."

نظرت للزهرة البيضاء التي حملتها بين يديها بعناية لثوان قبل أن تضعها بجانب بقية الورود التي تم وضعها من قبل رفاقها مردفة:
"هذه من جين، اعذريها فحالها ليست بالجيدة هذه الأيام وفي الواقع لا أحد منا كان كذلك منذ رحيلكِ."

استقامت مجدداً وهي تستطرد ساردة:
"لكن الأمور تسير نحو الأفضل والجميع يبذلون جهودهم وفي النهاية سنتعافى، بفضلكِ."

أسدلت أهدابها تتنفس الهواء الطلق.
"كم تمنيت أن تبقي معنا لفترة أطول يا شارلوت."
حدقت بصمت لوهلة أخيرة ثم استدارت لتتجه ناحية المركبة غير ملاحظة أن بتلات الزهرة الرقيقة التي وضعتها كانت قد اندثرت وتطايرت بسبب الرياح العاصفة.

نيـوتروبيـاWhere stories live. Discover now