-36- ربيع الأرض الجديدة

4.9K 380 761
                                    

نور الشمس إنسل بدفء بين أعشاب المساحات الخضراء الشاسعة والتي زُينت بزهور الربيع ثم إنعكس وإنكسر ضد زجاج الأبنية العالية التي عانقت بطولها السماء مناطحةً غيومها البيضاء.

الشوارع اكتظت كما لم تكن يوماً بالناس وأصوات الحياة كانت تتعالى كلما غاص المرء أكثر في لبّ المدينة بصخب ذو وقع مميز، مختلف عن العادة.

دردشة من هنا وضحكة عفوية من هناك، وحركات عشوائية من كل جهة تدفع بالغريب لأن يراقب طريقه جيداً ويحذر الاصطدام بمن حوله فعيناه ستخطفان من قبل الأنوار الباهرة وسمعه سيسرح مع أنغام الموسيقى حتى لو لم يرغب بذلك.

الأشجار الخضراء اليانعة ظللت الأرصفة، والشوارع كانت قد فاضت بالسيارات حين دقت الساعة الضخمة التي تواجدت عند أكبر تقاطع طرق في المدينة مشيرة للرابعة عصراً.

مصاص دماء أحمر العيون كان يستعرض أنيابه بضحكة عريضة ما أن أخبره صديقه البشري داكن الخصلات بنكتة، لكن ملامح المرح سرعان ما فارقت وجهه حين شعر بظل يعبر من بينه وبين صاحبه كالنسيم.

"آسفة."
اعتذار سريع وصل لأذنيهما عندما نفذت الأنثى الضئيلة من بينهما وجعلتهما يتوقفان بشيء من الصدمة.

"لم أرى هذا النوع من البشر منذ مدة."
تمتم مصاص الدماء وصديقه قام بلكزه بمرفقه معلقاً على كلامه بلهثة ساخرة:
"ما الذي تنوي عليه بكلامك أيها العجوز؟"

"أنا أعني خفيفي الحركة أيها البدين، لاتدع أفكارك تتسرب بعيداً."
رد مصاص الدماء وهو يبعد يد صديقه بحركة ساخرة جاعلاً ذاك يخرج لسانه ويقول بإستهزاء:
"وربما حواسك ضعيفة فحسب."

"مستحيل."
كانت كل ما نطق به مصاص الدماء أخيراً بثقة.

حذائها ذو الألماسات اللماعة لفت انتباه النور بلونه الأبيض فبدت وكأنها ترتدي خفيّن من قطع الزجاج في أما بنطالها الأزرق الداكن فساعد بتخفيف حدة الإنارة التي اكتسبتها.

قامت بتركيز حقيبتها الحمراء الدكنة على أحد كتفيها بصعوبة أما يدها الأخرى حطت على قبعتها السوداء الواسعة لتمنعها من الطيران مع الرياح بضغطها ضد رأسها على مهل.

جسد مار على عجل دفعها بغير قصد لتتعثر وتتدحرج معه أرضاً.
"اعتذر."
تحدث الرجل الذي شاركها بإفتراش الرصيف بنظرة قلقة، فقد ارتطم بفتاة ضئيلة بقوة للتو، لكنه تفاجأ حين نهضت قبله مركزة ملابسها سريعاً لتبدأ بتفتيش الأرضية بعينيها وكأنها تبحث عن شيء ما.

شاهدها الرجل بعيون حائرة تنحني بين الأقدام قبل أن تستقيم مجدداً حاملة الحقيبة المادية التي تخصه وتتجه نحوه بها بابتسامة عريضة ارتسمت على شفاهها المتشققة قائلة:
"أنا بخير."
دفعتها في حضنه أما هو فرمش مرتين عندما سحبته من رسغه لينهض بسهولة.
أخذ يرتب ملابس العمل خاصته على مهل وعيناه راقبتاها تلوح له قبل أن تختفي بين الحشود.

نيـوتروبيـاWaar verhalen tot leven komen. Ontdek het nu