نيـوتروبيـا

By Die-Nacht

275K 18.8K 25K

"أعطـني لأعطـيك" هـذه قصـة الطـفلة التي اعتمدت هذا القانون كحل وحيد وأوحد للنجـاة في عالمـها المشـوّه. هي تل... More

-1- بداية السقوط
-2- مجمع القطب
-3- مصيدة الثعلب
-4- كهرمان
-5- خلف جدرانهم العالية
-6- الحرب
-7- رائحة دم
-8- إكصاص
-9- شِقاق الزهور
-10- السرداب
-11- عيون الصقر
-12- سيلست غولدن
-13- سليل السلف الأول
-14- هذا وذاك
-15- بحلة الخريف الأحمر
-16- صندوق زجاجي
-17- مشارف الموت
-18- لاشيسيا
-19- دموع شارلوت
-20- سمفونية أبواق الهلاك
-21- لأجلكِ أيتها الفاوانيا
-23- رؤى
-24- رسائل السلام
-25- الأول والأخير
-26- أضواء باهرة
-27- آل والثعلبة السوداء الصغيرة
-28- قمر حقل البنفسج
-29- خزف
-30- الدرجة رقم سبعة عشر
-31- دماء ورثاء
-32- بركة الملح
-33- قلوب بلا عيون
-34- أحضان الشمس الدافئة
-35- شتاء ديستوبيا الأخير
-35.5- ومضة
-36- ربيع الأرض الجديدة
-37- واجبات الحرس
-38- الكناري الصامت
-39- شبكة من خيوط الماضي والحاضر
-40- أجيال
-41- تمرد الوحوش
-42- الشمس والقمر
-43- خلف مخمل الستار
-44- رماد عينيه
-45- سالب
-46- سم وعسل
-47- شيطان
-48- براءة عذراء
-49- زهرة النوكس المشؤومة
-50- حنين للحنان
-51- الجوع أهون من النزع
-52- تباين

-22- بئر من الأوهام

4.4K 359 581
By Die-Nacht

وضعت شارلوت كفها أسفل ذقنها وأسندت بمرفقها لفخذها تناظر النافذة الفسيفسائية الزجاجية بملل من مكانها حيث كانت جالسة أرضاً على البساط الأحمر الفرويّ.

عقرب الدقائق في الساعة الضخمة تحرك مجدداً وهي عدت الدقيقة العاشرة قبل أن تطلق زفيراً قصيراً. لقد أتى بها هيروزيوس لغرفة العرش التي تراها للمرة الثانية فارغة تاركين إيدغار أرضاً دون أي كلمات إضافية. بالطبع لا تحتاج المزيد إذ كان الملك جاداً وبدا غاضباً فما كان عليها سوى الطاعة.
يجب على كل شخص أن يعلم متى يتراجع، وأيضاً لم يكن لها خيار فقد حملها وكأنها قطعة من الورق المقوى.

ليست قلقة بخصوص إيدغار، بما أن هيروزيوس لم يقتله فلن يستطيع قتله أحد. هذا ما تعتقده على الأقل فلا يبدو وكأن مصاص الدماء ذاك سيرفض إن طلب أحدهم قطع رأسه الآن.

وعلى ذكر هيروزيوس...ها هو ذا يعبر من أمامها مجدداً ليغطي نور النهار المتسلل من النافذ عنها قبل أن يبتعد هارعاً القاعة ذهاباً وإياباً.

لا تعلم إن كان ينتظر أن تبرر نفسها وأفعالها، أن تقوم بالحركة الأولى، لكنها متأكدة من أنه إن لم يقل هو شيئاً بعد أقل من دقيقة فستخلد للنوم على هذا البساط الناعم بسرور فقد نال جسدها ما يكفيه من التحامل اليوم بسبب المرض.

ظله غطى النور مرة جديدة حيث وقف أمامها لثوان يرمقها بنظرة غير راضية قابلتها هي بأخرى فارغة قبل أن تراه ينخفض حتى تستطيع رؤية وجهه بشكل أفضل.
"أتعلمين ما الذي فعلتِه؟"
تحركت شفتاه بسؤال واحد ليست متأكدة إن كانت قد انتظرته.

"نفذت أخر ما رغبت به سيلست، هل هذا سيء؟"
أجابت بهدوء تاركة إياه يحدق بها بشيء من الاستنكار حين رفع أحد حاجبيه لثوان بصمت. نهض فجأة وتحرك ناحية العرش الذي تربع أعلى الدرجات المخملية قائلاً:
"أنا لم ولن ولا أكترث لما تفعلينه في الأنحاء بحق، لكن أن تتدخلي بطريقة تسيري للأمور هنا أمر مختلف تماماً."

شاهدته يرتقي أولى الدرجات قبل أن يستدير نحوها وهو يردف ببرود:
"كونه ابن الأميرة لن يشفع له كونه ابن الخائن، واتباعه -حتى بغير إرادته- لوالده يعني خيانته لنا والخونة مصيرهم الموت."

تنهدت شارلوت قبل أن تسحب جسدها ببطء لتنهض من على الأرض قائلة بغير فهم:
"لكن...أنت الآن الملـك. تستطيع ببساطة إقرار عدم قتله. يمكنك تبديل عقوبته للسجن على سبيل المثال..."
صوتها إنخفض وحسها تلاشى حين شعرت بحرارة نظراته المؤنبة فسكتت عندما أحست برعونة تصرفها أخيراً.

"لكل ملك حاشية ومن دونهم هو لاشيء."
شرح لها مبرراً:
"هم من يمكنهم رفعه أو خلعه، سمعة عائلتنا كملوك لقرون على المحك والتصرف بطيش في هذه النقطة خطير."

"أتظنين بأن شعبي سيكون راضياً عندما يعلمون أنه حيّ؟"
هو أردف قبل أن يجلس على عرشه واضعاً قبضته أسفل فكه كأنه ينتظر إجابتها.

عقدت حاجبيها لا تدري ما تقول كرد إذ أنه -وتكره الاعتراف- محق. حتى إن كان هو الملك وحتى إن لم يكن هنالك مجلس شيوخ يناقشونه حول تصرفاته، هنالك شعب يستطيع فعل ذلك. معرفة أن ملكهم يتراجع عن كلمة قالها لا يبدو أمراً مشرفاً.

قامت بالسير اتجاهه ببطء حتى أصبحت أسفل الدرجات فرفعت رأسها نحوه متسائلة بصدق:
"ما الذي يجب فعله إذاً؟! لا أريده أن يموت خاصة أنه أنقذ حياتي منذ فترة قريبة، لا أريد أن أكون ممتنة له."
غمغمت عبارتها الأخيرة من أسفل أنفاسها وكأنها تكره الاعتراف.

نظرات هيروزيوس الباردة لم تتغير لكن صدره ارتفع بنفس قصير قبل أن يميل في مقعده للأمام مجيباً إياها بجمود:
"لا مكان له بيننا."

عقدة حاجبيها اشتدت أكثر حين أدركت أنه لن يتزحزح عن قراره فكورت يدها بجانبها على شكل قبضة وأعلنت بتحدي:
"حسناً إليك هذا..."
سحبت نفساً قوياً قبل أن تصرح جاذبة يدها لصدرها وتحديداً ناحية خافقها:
"إن أردتَ قتله يجب أن أكون جثة هامدة قبله. هذا هو طلبي الوحيد منك. جائزتي على فوزي بالتحدي."

لن يموت ما دامت حية، إنما قتله وهي ليست حية لتمنع هيروزيوس قصة مختلفة. ستكون قد حاولت لأجل سيلست على الأقل. هذا كل ما تستطيع التفكير به حالياً لمنعه.

"شارلوت."
عقد حاجبيه وهو يتلفظ باسمها بتحذير قبل أن يردف منبهاً:
"أنتِ تتحدثين الآن كتلك الطفلة التي كنتِ عليها يوماً."

ابتسامة مستفزة ارتسمت على شفتيها وهي تسحب خصلات شعرها عن وجهها بعنفوان قائلة:
"أوليست رائعة؟"

"وحمقاء، يدها تتعرض للعض من قبل الحيوان الذي أطعمته مراراً."
عقدت ذراعيها أسفل صدرها وطقطقت بلسانها.

"هو كاد أن يقتلكِ بلا تردد عدة مرات ولكن أنتِ تدافعين عنه بسذاجة."
شاهدته يغلق عينيه لثوان قبل أن يبتسم فجأة بجانبية جاعلاً معالم الاستغراب ترفع ملامحها المتجهمة.

نهض.
"لا بأس."
نطق بتململ وهو يهبط نحوها ناظراً في عينيها اللتان اتسعتا قليلاً بأمل وحين انخفض لقربها همس باستياء:
"إن كانت حياته ستنتهي برهان على خاصتكِ فهذا يعني بأنني لن انتظر طويلاً بأي حال."

جسدها وقف متصنماً في مكانه بسبب كلماته الفجة. خصلات شعرها تتطايرت لنسيم بارد عندما تخطاها وتركها خلفه تحدق في الفراغ.

قبضتها ارتعشت لثانية بجانبها قبل أن تتوقف وترتخي أناملها فجأة لهمسها بحزن:
"إن كنت تعلم بالفعل فلما تهدر من طاقاتك لمجادلتي في المقام الأول، عديم إحساس."

هزت رأسها للجهتين قبل أن ترفع رأسها عالياً لتشهق نفساً عميقاً، ارتقت الدرجات الثلاث وجسدها ارتمى على العرش الفخم لتضع ساقاً على الأخرى هاتفة بغضب:
"تباً لهذا!"

"أنتِ لا يفترض بكِ بأن تجلسي هناك."
انتفض جسدها ما أن سمعت تلك الجملة تتردد من خلف أذنها للأمام فتتدحرج للأسفل وتقع على مؤخرتها بقوة.

تأوهت بصوت عال قبل أن تفتح عينيها للظل الذي غطى رؤيتها قائلاً:
"آسف."

حدقت بيده التي امتدت نحوها راكعاً بقربها ليساعدها ثم رفعت ناظريها لوجهه الشاحب محدقة بعينه الزرقاء لثوان قبل أن تلمح الأرجوانية من بين الخصلات التي كانت متدلية على وجهه كالعادة.

"أنتِ بخير؟"
سأل بابتسامة باهتة لترمش مرتين قبل أن تضع يدها في كفه قائلة بشيء من الحرج:
"أجـل، متأسفة."

سحبها لوكسياس برفق لتنهض واقفة وهو يقول بذات النبرة الهادئة:
"لا تقلقي حيال شيء."

استعادت يدها برفق من كفه حين لاحظت أنه كان مازال يمسك بها لتبتعد خطوة للخلف قائلة باستفهام:
"أنت الأمير الثاني، صحيح؟"

بدا على ملامحه التفكير قبل أن ينحني فجأة جاعلاً شارلوت تقفز خطوة أخرى للخلف بتفاجؤ هاتفة:
"مـ ماذا تفعـل؟!"

كفه حط ناحية قلبه وهو يقول بنبرة أنيقة:
"أنا لم أعرف عن نفسي بعد، اسمي هو لوكسياس لاشيسيا يمكنكِ مناداتي بـلوكس آنستي."

بدا التوتر جلياً على وجه شارلوت وهي تكرر بتلعثم:
"آنسـة؟!"

انتصب مجدداً واقفاً ليحدق بها بشيء من الاستغراب لتقول هي بلطف:
"شارلوت تكفي..."

أومأ ليسود صمت شعرت خلاله شارلوت بالغرابة فما كان منها سوى أن تسأل ماكان يدور في رأسها منذ أول مرة قابلته فيها:
"أنحن التقينا من قبل؟ تبدو مألوفاً."

ابتسم لوكسياس وهو يعقد يديه خلف ظهره مجيباً بنبرة صوته الخافتة:
"هذه هي المرة الثانية التي أراكِ فيها وجهاً لوجه شارلوت."

لماذا تشعر بشيء ناقص؟ بالغرابة حوله؟ هو يبدو وكأنه ينظر خلفها وليس لها مباشرة وهذا تسبب بقشعريرة لبدنها.

تنهدت بصوت خافت وهي تدلك مابين عينيها على مهل للصداع الذي لم تعد متفاجئة من حلوله كل فترة وقررت تجاهل هلوساتها فنظرت نحوه مشاهدة إياه يحدق باتجاه النافذة الضخمة.

هيروزيوس حذرها منه لكنه لم يرمي حتى كلمة واحدة قد تسيء لها فضلاً عن فعل ما قد يؤذيها.

الغيوم انقشعت للحظات لا تتكرر سوى مرة كل بضعة أيام والنور الخافت الذي تسلل من النافذ أصبح أقوى، هو حرك إحدى يديه ليزيح خصل شعره السوداء للأعلى ويظهر وجهه كاملاً لها.

عيناه تحركتا نحوها تالياً لتتسع ابتسامته أكثر فتظهر أنيابه سائلاً:
"أهنالك خطب ما؟"

عيونها حدقت بأنيابه لثوان قبل أن تقول بلا تفكير:
"أتحب الشمس؟"

ابتسامته تلاشت ويده عادت بجانبه لتسقط خصلات شعره مجدداً على عينيه، هنا أدركت أنه فهم ما كانت على وشك التفوه به ولم تدري ماذا تفعل سوى أن تقول:
"انسى ما قلته."

"لا بأس، لا يمكنني إخفاء ما هو واضح."
علق فجأة جاذباً انتباهها، ناظرها بعيون باردة قائلاً:
"أنا أحبها."
أجاب:
"كنت يوماً شيئاً أخر عدا مصاص دماء ورغم أنني لم أنمو سوى كواحد إلا أنني أشعر بشوق غريب لأمور لا يفضلها مصاصو الدماء عادة."

"أجهل شعورك وأفهمه بالآن ذاته. آسفة لجلب موضوع كهذا للطاولة."
بعثرت شارلوت خصلات شعرها الخفيفة بتوتر ليعقد لوكسياس يديه خلف ظهره معلقاً بابتسامة ودودة:
"الأمر ليس بسر أحاول إخفاءه لذا لا داعي للاعتذار."

فاهها فتح قليلاً تحدق به لثوان قبل أن تسأل باستهجان:
"أيعجبك كونك مصاص دماء؟"

عيناه تحركتا لتحدقا بجهة أخرى بعيداً عن شارلوت قبل أن ترتسم ابتسامة جانبية على شفتيه وهو يهمس بصوت خافت استطاعت شارلوت سماعه قائلاً:
"أنا أدركت الحياة كمصاص دماء، كما أن كياني كمصاص دماء منحني الكثير، لا أعتقد بأنني أستطيع القول أنني أكره ما أنا عليه."

"الخلود؟"
همست شارلوت تلقائياً بحاجبين معقودين ليلتفت لها ويلهث بسخرية:
"الخلود لعنة وليس بهبة، ما حصلت عليه كان المعرفة."

حاجبا شارلوت انعقدا بتشتت وهي تراه يخطو خطوة نحوها مردفاً:
"أنا أستطيع رؤية كل شيء...الماضي..."
تراجعت خطوة عندما ضاقت المسافة بينهما في حين انخفض قليلاً نحوها مستطرداً:
"الحاضر..."
تعثرت لتشعر بيد تلتف حول وسطها في حين راحت سوداواها تراقبان عينيه عن كثب وهو يردف بهمس لن يسمعه أحد سواها:
"والمستقبل."

"المستقبل؟!"
همست بتشوش تام ليسحبها جاعلاً إياها تقف مجدداً وهو يضع سبابته على شفتيه قبل أن ينسحب بعيداً عنها قائلاً:
"انتبهي لخطواتك....ونفسك، لبعض الوقت، فأنتِ تبدين مريضة بشدة."

باب القاعة انصفع ليفتح بقوة جاعلاً إياها تجفل وتنظر خلفها بسرعة فترى لاتشيا تدخل وبحاجبين معقودين تبدأ بتأنيبها:
"ألم أخبركِ بألا تخرجي؟ توقفي عن التسكع في الأنحاء فأنتِ كالفرع المهزوز. نسمة بسيطة قد تتسبب بدفنكِ في الفراش لعدة أيام أخرى."

وقفت لاتشيا أمامها واضعة يديها على وسطها وكأنها تنتظر الكلام من شارلوت التي قالت مدعية الغباء:
"أنا لم أخرج أبداً، كنت طوال الوقت هنا أتحدث إلى..."
جملتها قُطعت عنوة حين استدارت ولم ترى أحداً خلفها.

"الجدران؟"
سخرت لاتشيا بحاجب مرفوع قبل أن تقترب أكثر قائلة:
"سأحاول تصديقكِ."

"افعلي ما يحلو لكِ."
تمتمت شارلوت بلا اكتراث وهي تحدق بالنقطة التي كان من المفترض بأن لوكسياس يقف عندها قبل أن تسمع لاتشيا تقول بجانبها وهي تسحبها من يدها خلفها:
"رائحة عدة أشخاص عالقة بكِ، لا تظني بأنني سأصدقكِ والآن سأفعل ما يحلو لي كما قلتِ وسنقوم بفحص رأسكِ."

"كلانا يعلم أنني سأموت قريباً، لماذا تهتمين لأمري حتى؟"
سألت شارلوت فجأة من بين أسنانها لتتوقف لاتشيا عن الركض في الممر فجأة وتنظر لها بتشوش قائلة:
"لا أعرف ما حل بكِ مجدداً لتتفوهي بمثل هذا الكلام على حين غرة لكنني أفعل ما أفعله بأوامر جلالته ولأنني لطالما أردت أن أتفق مع البشر ولكن جميعهم كانوا يفرون عندما أتحدث إليهم، أنتِ الوحيدة التي شعرت بها تنظر لي من الأعلى."
حاجبا الأخيرة ارتفعا قليلاً إذ أن هذه هي المرة الأولى التي تسمع فيها لاتشيا تتحدث عن ما 'تشعر' به.

"لهذا لا أريدكِ أن تموتي بسرعة!"
أردفت لاتشيا عندما طال الصمت الحرج بينهما قبل أن تستكمل سحب شارلوت خلفها مجدداً بصمت مطبق.

دحرجت شارلوت عينيها إذ أن بعضهم 'يشعرون' ولكنهم يرفضون الاعتراف بما يدور في خلدانهم لأجل كبريائهم فيبدو أن الأحاسيس المرهفة شكل من أشكال الضعف المخزي لهم. يدفنون كل شيء ويرفضون الاعتراف والتعلم لتظهر الطبيعة الأنانية وحدها على السطح.

بعد بضعة دقائق من السير كانت لاتشيا قد تركت شارلوت على فراش صغير في غرفة ضيقة ثم راحت هي تقوم بالتحرك في الغرفة المجاورة والتي لاحظت شارلوت أنها كمختبر لها.

في جهة أخرى لاحظت باباً مفتوحاً على مصراعيه جعل كل مافي الغرفة الثالثة مكشوفاً، رأت مكتباً كبيراً تم تكويم عدة كتب ضخمة عليه في حين كانت بضع أخرى مرمية أرضاً بعشوائية إلى جانب أوراق تم الرسم عليها بالفعل.

يبدو أن عمل الطبيب صعب حتى على مصاصي الدماء.

الباب الذي دخلتا منه انسفق مفتوحاً بقوة لتحرك شارلوت عيناها نحو ذلك الجسد الذي امتلأت يداه بمجموعة من الكتب الضخمة حتى رأسه وزين الهرم بجمجمة ذات قرنين.

"لاتشيا!"
هتف صوت أجش من خلف الدستة مستنجداً بصوت عال وهو يسير عدة خطوات للأمام بحذر غير متأكد من ما يوجد في طريقه من عقبات، أما شارلوت فلم تتحرك إنشاً من مكانها وهي تشاهد ذلك الشخص يتعثر بطرف البساط البني الممدد أرضاً قبل أن يهوي كبناء ضخم ويتبعثر مع أشيائه.

الجمجمة وقعت بين يدي شارلوت فأخذت تحدق بالأنياب البارزة لثوان استدركت فيهن أنها جمجمة مصاص دماء بشكله الحقيقي.

لاتشيا خرجت من مختبرها لتضع يديها على وسطها وتكشر بوجه ذلك الشخص الذي كان مازال ممدداً أرضاً قبل أن تقول بتبلد:
"مجدداً؟"

مصاص الدماء استقام محدقاً حوله بعيونه الخضرا الداكنة التي اتسعت هلعاً ما أن بدأً ببعثرة الكتب التي افترشت الأرضية هاتفاً:
"أين هي لاتشيا؟!"

"ماذا فقدت؟"
سألت المقصودة بذات النبرة المتململة ليهرش فروة رأسه متسبباً بتدمير تسريحة شعره البني المحمر -المدمرة من الأصل- قبل أن يرفع رأسه نحوها ويهتف:
"جمجمة الأمير الثالث عشر!"

ابتلعت شارلوت مابحلقها وهي تحدق بالجمجمة قبل أن تفتح فمها أخيراً وتغمغم:
"عذراً؟"
كلٌ من لاتشيا ومصاص الدماء الذي يشبهها ملامحاً نظرا نحوها لتمد يديها أمامها بالجمجمة العظمية مغمغمة:
"أهذا ما تبحث عنه؟"

حدق الغريب بها بفاه مفتوح قبل أن ينهض ويسير اتجاهها حتى أصبح أمامها، تعابير وجهه التي تبدلت لأخرى جادة أخافتها قليلاً وجعلتها ترفع يديها أكثر علّه يأخذ هذا الكنز القومي من بين يديها قبل أن يدمر.

تفاجأت، بل وصدمت حين قام بصفع الجمجمة بعيداً بقوة لترتطم بالجدار وتقع أرضاً، فك شارلوت وقع تالياً حين رأت أحد قرني الجمجمة محطماً على بعد إنشات منها.

لم تكد تبتلع صدمتها حتى تفاجأت بكفين يحيطان وجنتيها بقوة ورأسها تحرك لتلتقي عيناها بتلك العيون الخضراء الضحلة للحظات طالت قبل أن ينطق مصاص الدماء أخيراً بتأمل:
"أنا لم أرى عينين كهاتين قبلاً..."
حاجباه انعقدا وهو يردف بنبرة أعمق:
"إنهما ساحرتان! وكأن نجوم السماء قد وقعت في فضائهما!"

ابتسامة غريبة ارتسمت على شفتيه وشارلوت شعرت بيداه ترفعان وجهها أكثر نحوه حين أعلن بلا تردد:
"أنا أريدهمـا."

عيناها اتسعتا وشعرت بأن قلبها قد توقف عن النبض لثانية قبل أن ترى لاتشيا تصفع يديه بعيداً عن وجهها وتصرخ بوجهه بتأنيب جاعلة إياه يتراجع خطوتين مترددتين للخلف قائلة:
"لا لن تلمسها! بل لاتستطيع! إن أذيت شارلوت فسيُقطع رأسك ورأسي!"

حاجباه ارتفعا بشيء من الإستنكار قبل أن ينظر لصاحبة العينين الساحرتين هامساً:
"أنتِ الوعاء شارلوت؟"

"أعتقد ذلك..."
أجابت شارلوت وهي تسحب جسدها ناحية لاتشيا بتردد لتختبئ خلفها. لا تشعر سوى بالريبة من هذا الشخص، ربما يجب أن تبتعد عنه.

ركز خصلات شعره المتناثرة قليلاً وبيده الأخرى حكّ ذقنه الخشنة قبل أن يبتسم ويقول:
"أعتذر منكِ، لم أدرك من أنت فلقد ظننتكِ تجربة جديدة للاتشيا."

هذه المرة ابتعدت شارلوت عن لاتشيا وهي تسأل بحاجبين ارتفعا شكاً:
"تجربة؟"

لوحت لاتشيا بيديها دفاعاً وهي تقول:
"لقد كنت أدرس أمراض البشر وأقارنها بالأمراض مصاصي الدماء، لم أقتل أحداً!"

"مصاصو الدماء يمرضون؟"
همهمت بحاجبين معقودين لتتنهد لاتشيا وتحك فروة رأسها مجيبة:
"ليس كما يفعل البشر لكن نعم، على أية حال هذا ليس موضوعنا الآن، أنا يجب أن أفحصكِ الآن لذا..."
نظرت من فوق كتفها لمصاص الدماء الذي مازال واقفاً يناظرهما من مكانه لتقول بجدية:
"أياً ماكنت هنا لأجله، خذه وارحل."

قهقه مصاص الدماء من مكانه قبل أن يحل ربطة عنقه الفوضوية أكثر ويقول مقترباً:
"آسف على إزعاجكما و..."
نظره تحول لشارلوت مردفاً وهو يمد يده لمصافحتها:
"أعتقد أننا لم نتعرف جيداً إذ أنني سأراكِ كثيراً من الآن فصاعداً. أنا الباحث الملكي، جورج هايڤن."

لم تكد أن تحاول وضع يدها بتوتر في كفه إلا وكانت قد دفعته لاتشيا ليخرج قائلة:
"حسناً. نحن نعلم أنك رائع، أظن أنه لديك عمل لتؤديه."

"محقة."
نبس جورج مجيباً وهو يتحرك رغماً عنه ناحية الباب قبل أن يلتفت ناحية شارلوت قائلاً:
"عيناكِ مميزة آنستي. رأيت الكثير من فيهما، أتساءل ما الذي رآه جلالته بدوره."

"ما الذي رآه في عيني..."
تمتمت شارلوت مرددة وهي تراقبه يختفي خلف الباب الكبير الذي أغلقته لاتشيا وتنفست الصعداء لتعود لمريضتها قائلة:
"آسفة إن كان قد أخافكِ. أبي غريب أطوار لكنه غير مؤذي."
صمتت لوهلة وكأنها تفكر قبل أن تردف محركة كتفيها للأعلى:
"هذا إن كان هنالك أحد يحميكِ منه."

"والدكِ؟!"
هتفت شارلوت بدهشة لتكشر لاتشيا قائلة:
"ألم تلحظي الشبه؟"

"نعم، لكن من ناحية المظهر كنت لأخمن أنه شقيقك، دائماً ما أنسى أنكم مختلفون لكن لننسى الموضوع فقد واجهت الكثير من الأمور المخيفة في حياتي ووالدكِ للتو كان أكثرها رعباً."
تحدثت شارلوت وهي تمسد جبينها بأصابعها مشيحة بوجهها لجهة أخرى قبل أن تردف:
"ماذا عن الجمجمة؟"

حدقت بها لاتشيا لثوان قبل أن تبدأ بترتيب الفوضى حولهم مجيبة:
"لا أهتم، لا أحد يفعل، إنها فقط إثبات على أن مصاصي الدماء تطوروا وأصبحوا قادرين على إخفاء هيئتهم الحقيقة تحت شكل بشري لكن أياً كان... الحقيقة واحدة."

.
.
.

وضعت شارلوت يديها أسفل فكها محدقة بالبعيد وتحديداً عميقاً نحو الغابة تُراجع في رأسها ما قالته لها لاتشيا بعد الفحص.

لقد أخبرتها بأن سرعة تدمير الفايروس لخلايا جسدها تباطأت مجدداً، هي لا تشفى، لا، فهذا مستحيل، إن السبب هو دماء هيروزيوس بكل وضوح وهي قد تعيش لأسبوع إضافي بمساعدتها.

إن حياتهم جميعاً كحلقة يديرها الشيطان، مصاصي الدماء يتغذون على دماء البشر للحصول على القوة والبشر اكتشفوا أن العكس صحيح لكنه يترافق بلعنات لا يمكن عدها.
لكن الأسباب تختلف، الطمع ليس مبرراً كالحاجة.
البشر لا يحتاجون الدماء للعيش، لكنهم طماعون واستعملوها للحصول على القوة لذلك كان العقاب هو تلك اللعنات، وأولها أن تصبح وحشاً بلا وعي.

الشمس مالت أكثر وأصبح الشفق العسلي واضحاً في السماء حين راحت الغيوم تبدأ بالتلاشي ببطء لتكشف عن حسن القمر. نسمة أخرى لفحت وجهها ولكنها كانت ألطف وأكثر دفئاً من نسمات اليوم بأكمله. حتى الجو في مملكتهم هذه غريب ومتقلب على الدوام.
الثلوج خلال الأيام الأخيرة أخذت بالذوبان والأرض الخضراء بدأت بالظهور.

شارلوت أغلقت عينيها وأخفضت رأسها لتطلق تنهيدة متعبة من بين شفاهها.

"تبدين فظيعة."
فتحت عينيها بنظرة متفاجئة ثم حركت رأسها يمنة بسرعة لتناظر إيدغار الذي كان يجلس للحاجز الحجري ممدداً قدميه للأسفل يحدق بها بنظرات ساخرة.

"كل هذا سيرتد عليك، لذا احذر."
تمتمت وهي تستند بمرفقيها للحاجز معيدة بصرها لما أمامها لتسمعه يسأل من فوق رأسها:
"ماذا تعنين؟"
أشاح ببصره عنها عندما لم تجبه مردفاً:
"يبدو أن الأمور تأخذ منحناً لم تتوقعيه."

هزت رأسها للجهتين نفياً ببطء قبل أن تبتسم بمرارة لقدرته على ملاحظته كآبتها:
"على العكس، لقد توقعت ذلك. هو الملك ويجب أن يتصرف على ذلك الأساس."
رفعت ناظريها نحو إيدغار وأردفت بلا تعبير معين على وجهها:
"أنت يجب أن تموت، إن شاهدك الآخرون تتجول بينهم فنظرتهم لهيروزيوس كملك ستهتز بشدة."

"إذاً لما لم يقتلني حينها وينهي الأمر؟"
سأل بحاجب مرفوع لتعقد هي حاجبيها من جهة أخرى مجيبة بحنق:
"لا أعلم."

"ربما لم يرد أن يحزن أحدهم أكثر من ما هو عليه بالفعل."
قال بابتسامة جانبية لتستقيم واقفة بانتصاب وهي تقول رداً:
"أنت تستطيع التفكير بناءً على المشاعر، لقد فاجأتني."

"أكره أن اعترف لكنني أتجنب التفكير كثيراً لأنني إن فعلت فسأصبح..."

"مشابهاً للبشر؟"
حاجباها تراقصا وهو زفر بحدة:
"أنتم ضعفاء لأنكم تفعلون."

"لكن تفكيرنا بالآخرين هو ما يجعلنا أقوياء أيضاً."
جادلت ليبصق:
"هراء."

"ماذا سيحدث عندما تتعلقون بأحدهم ويفنى؟ أنتم فقط تستعدون للموت."
سبابته ارتفعت في وجهها وهي صفعت يده.

"مثلك؟"
رفعت أحد حاجبيها استنكاراً قبل أن تستطرد:
"بالطبع لا، نحن سنحزن لفترة، هذا صحيح، لكننا سنتعلق بأحدهم مجدداً، المشاعر تتجدد والحياة تكافل. ولا تقلق فهيروزيوس لا يهتم إن كنت حزينة أو سعيدة."
تنفست كلماتها الأخيرة بقوة قبل أن تردف أخيراً بحزم:
"فالتبحث عن شخص تعيش لأجله علك تنجو!"
دفعته من على الحاجز بقوة مستببة بسقوطه للأسفل.

هبط على قدميه ثم رفع رأسه للأعلى مناظراً إياها بشيء من الدهشة عندما سمعها تردف:
"لكن وقتك قصير فحتى أموت أنا لديك أنت وقت، لذا استثمر ما تبقى لك بذكاء."

"أيضاً خذ هذه!"
أخرجت الساعة المذهبة التي طالما حملتها معها رغم حالها الرث ورمتها باتجاهه ليلتقطها بنظرات متعجبة.
"سرقة أشياء الآخرين ليست بإحدى هواياتي."
أخرجت لسانها بتكشيرة نحوه قبل أن تستدير وتختفي عن بصره.

"ما هذه السخافة بحق؟"
غمغم وهو يحشر القطعة المعدنية في جيبه قبل أن يتراجع مبتعداً.

أغلقت شارلوت الباب الزجاجي خلفها بهدوء ثم استدارت على مهل مناظرة هيروزيوس الذي كان جالساً للكنبة الكبيرة في نهاية غرفتها الفارهة ممدداً ساعديه على كلا الجانبين مرخياً رأسه للخلف.

تحركت نحوه ليغطي ظلها نور الشفق عنه جاعلة إياه يفتح عينيه ببطء ليرنو نحوها فيجدها تحدق به بملامح مبهمة.
"ماذا تريد؟"
سألت.

استقام وسحب ساعديه ليعقدهما أسفل صدره مستفسراً:
"كان هنا؟"

"أنت تعرف بالفعل الجواب فلما تسأل؟"
دحرجت عينيها ليردف مباشرة:
"إن رأيته مجدداً فأخبريه بأن يبقى بعيداً، لمصلحته الخاصة."

لهثت بسخرية رداً:
"أنسيت؟ دعني أذكرك إن فعلت..."
عقدت حاجبيها وبنبرة عتاب أردفت:
"لا أعتقد بأنني سأعيش تلك المدة التي تسمح لي بلقاء أخر معه."

رمت بجسدها لسريرها وأعطته ظهرها مغمغمة:
"فالتخرج، أنا متعبة."

"لقد أخبرتني بحالكِ لاتشيا اليوم."
أعلن.

"فالتنقلع."
غمغمت دافنةً وجهها في وسادتها مجدداً ليصدر صوت ضحكة قصيرة مبتورة.
"أنتِ تحاولين طردي من منزلي الآن."
تحدث من مكانه البعيد بهدوء لتجلب شارلوت ساقيها نحو صدرها وتتكور أكثر في بقعتها:
"إنها تخبرك بكل شيء... تلك اللاتشيا."

"بعكس أحدهم، لم أتوقع..."
تحدث هو بعد لحظات من الصمت وهي استقامت لتقاطعه بابتسامة سمجة ونبرة ساخرة خالية من المرح:
"مرحباً هيرو، أتعلم أنه تبقى لي أسبوعين فقط لأعيشهما وبعدهما سأموت!؟"

"ليس هذا ما قصدته."
تحدث وهو يهز برأسه لتجذب وجهها ناحيته سائلة بحدة:
"عن ماذا تتحدث إذاً؟"

"لوكسياس. هو يعلم شيئاً لكنه يرفض أن يخبرني."
قال بحاجبين معقودين ونبرة منزعجة لترتفع حاجبيها باستغراب. هو يشتكي لها الآن؟
"كيف لك أن تجزم بأنه يخفي أي شيء؟"
سألت.

نظر ناحيتها بذات النظرة في حين أبحرت هي بذاكرتها للخلف قليلاً ليرتفع حاجباها ببطء للأعلى وتقول:
"هو أخبرني..."
انتباه الأخير تركز معها أكثر عندما أردفت:
"أنه يرى الماضي والحاضر والمستقبل."

سحبت نفساً سريعاً لرئتيها ومددت قدميها للأسفل متوجهة بجسدها ناحية هيروزيوس لتسأل بلهفة حماسية:
"هل من الممكن أنه يعني ذلك...حرفياً؟!"

"هو يرى..."
شبك هيروزيوس أنامله ببعضهم البعض قبل أن يردف ناظراً مباشرة لشارلوت:
"شظايا من الحياة."

"شظايا؟"
همست شارلوت بتعجب في حين شرح لها الأخير أكثر:
"هو يرى أحداث معينة، قد تكون من الماضي أو الحاضر وحتى المستقبل على شكل أحلام يقظة، وأحلام اليقظة هذه تراوده دون وقت أو مكان معينين، ولا تقتصر على شخص معين."

"هذا ما كنت تقصده بهبات خطيرة!"
تحدثت شارلوت بدهشة قبل أن تزيح خصلات شعرها عن وجهها مطلقة ضحكة غير مصدقة:
"إذاً هو قد يعلم ما ستفعله قبل أن تفعله! هو قد يستطيع رؤية ماضي أو مستقبلي!"

"أظنني نبهتكِ بالإبتعاد عنه..."
تحدث هيروزيوس رامقاً إياها بنظرة حادة لتمسح هي وجهها بكفها معيدة رأسها للخلف قبل أن تقول مبررة:
"هو ظهر أمامي فجأة، ليس خطأي ولكنه ليس خطأه أيضاً بالآن ذاته."
تذكرت تصرفها الطفولي فارتعشت ملامح وجهها. نظرت لهيروزيوس بعين واحدة قبل أن تردف سائلة:
"لماذا أنت حذر منه هكذا بأي حال؟ بإخفائه شيئاً أو اثنين عنك هو لا يؤذي أحداً."

صمته الطويل لم يعجبها خاصة حين أعرض عنها لوهلة قبل أن يجيب ببرود:
"منذ فترة طويلة وبعد أن تحول لمصاص دماء كنت أشعر بالنفور منه، حتى عندما كان يركض خلفي وينادني بـ 'أخي' لم أحمل نفسي على الحديث معه، لسبب ما كنت حذراً منه حتى اكتشفت بعد فترة سبب ذلك الهاجس."

راقبت شارلوت بعيون فضولية ملامح وجه هيروزيوس تتغير قليلاً لشبح ابتسامة ساخرة ارتسمت على شفتيه حين أردف:
" 'ذلك الشخص سيموت' جملة قالها مشيراً لأحد النبلاء عندما رآه في القصر في إحدى المناسبات الرسمية، لم ألقي لما قاله بالاً حين توقف عن التحديق به ثم عاد لفعل ما كان يفعله، لكن بعد أسبوع من الحدث كان ذاك النبيل قد لقي حتفه في خضم صراع عائلي. في تلك الفترة أدركت أن لوكسياس حتى وإن كان بشرياً يوماً فهو يمتلك هبات تجري في دماء العائلة الملكية، الدماء التي وهبها والداي له."

صمت عم الغرفة وشارلوت علمت أن هنالك المزيد وهيروزيوس يكافح حالياً لإخبارها بما يثقل كاهله.
شبح ابتسامة ارتسم على شفتيها، ليخبرها، لا توجد مشكلة إن علمت فعلى كل حال هي لن تعيش لفترة طويلة لتسبب مشاكل بما تعرفه له.

"كان يختفي عن الأنظار كثيراً وغالباً ما كان يجوب الأنحاء حتى أنه بدأ يدخل الغابة وحده. لا أحد منا ألقى بالاً لما يفعله الأخر، هكذا نعيش، لكن والدتي كان لها رأي مختلف. هي أرادت دوماً أن تعرف كل ما نفعله ولماذا، في إحدى المرات عاد لوكسياس للقصر في وقت غالباً لا أحد يتحرك فيه خارجاً ووالدتي استوقفته للتحدث معه."
نفس بطيء أخذه ثم أردف:
"شاهدتها تمسك بمنكبيه بقوة وهي تسأله ماذا يفعل، أين يختفي وإلى ما ذلك لكنه لم ينطق بحرف واحد بالمقابل فقط كان يحدق بها بصمت. استمر الوضع هكذا لثوان قبل أن أراه ينخفض ليعانقها معتذراً جاعلاً إياي أرى الأخيرة تبكي لأول مرة في حياتي."

"يبدو أن والدتكما كانت تماثل سيلست أيضاً."
قالت شارلوت معتصرة قبضتيها معاً بابتسامة بسيطة ليستدير الأخير نحوها مكرراً:
"تماثلها؟"

"تعلم...سيلست رغم أنها كانت هادئة إلا أنها كانت دافئة بل ومشتعلة، هي كانت تغضب وتحزن. تلقي النكات أحياناً وتستطيع البكاء."
ابتسامتها انخفضت مع أهدابها وصدرها اهتز بضحكة بسيطة مردفة بهمس:
"هي كانت حية أكثر مني حتى، لذا مما قلته الآن أعتقد أن والدتك مثلها فهما شقيقتان في النهاية."

"أخبرني!"
رأسها ارتفع نحوه وهي تردف بحماس:
"المزيد عن والدتك."

شبح ابتسامة جانبية ارتسم على شفاه المعني قبل أن يستطرد:
"لا أملك المزيد. تلك المرة كانت الأولى والأخيرة التي رأيت فيها والدتي تذرف دموعاً على الإطلاق حيث أنه تم قتلها بعد يومين من تلك الليلة."

قلب شارلوت انقبض بين أضلعها فجأة وهي تستمع لهيروزيوس يردف ناهضاً:
"أبي بدأ بالإحتضار لموتها بما أنهما مشتركان بحياة واحدة. لوكسياس اعترف أنه علم بذلك منذ البداية وتم تجريده كعقاب من لقبه كأمير للمملكة. أنا وهو لم نتحدث قط. المسافة بيننا أصبحت كالهوّة الضخمة وكان لدي أمر أكبر يشغلني فقد ظهر جيفرسون مطالباً بوضوح بالمنصب بمساعدة مجلس الشيوخ. تم تجاهل لوكسياس بما أنه لم يعد الأمير وحجره في الآن ذاته لكونه يحمل لقب السلف الثالث. فارق والدي الحياة وتم وضعي في مقدمة الجبهة لوحدي ضد جيش كامل لم أكن مستعداً لمحاربته، لم أكن في حال يسمح لي بأن أغدو ملكاً دون أن ألقى النقد من كل نبيل ولم أكن مستعداً لإعطاء موافقتي كوريث للقب أحد الأسلاف لجيفرسون ما أن أظهر نواياه بالاستيلاء على العرش فانتهى المطاف بي بالإبتعاد."

"هذا كثير."
تمتمت شارلوت بحزن ليعطيها ابتسامة سريعة قبل أن يتقدم ناحية الشرفة ويقف عند بابها الزجاجي محدقاً بالقمر الذي ارتفع قائلاً:
"حتى بالنسبة لمصاص دماء يعيش للأبد؟"

هزت برأسها فحسب وكأنه يراها قبل أن تقول:
"لكن لماذا قد يرى لوكسياس ذلك ويقف مكتوف اليدين فحسب؟ كنت لأحاول تغيير المستقبل لو امتلكت قدرة كخاصته."

"لا أحد يدري. هو لم يعطني تبريراً واحداً قط وحتى الآن يرفض فتح فاهه."
أجاب هيروزيوس من مكانه لتعقد هي حاجبيها بإنزعاج مردفة:
"لكن هو من ساعد بعودتك لهنا، هو استطاع تحقيق ذلك ولم يستطع منع ذاك! كيف؟ لم أعد أفهم!"

استدار هيروزيوس مناظراً إياها بحاجبين معقودين قبل أن يعقد انامله خلف ظهره ويسير نحوها معلقاً بتنبيه:
"لهذا حذرتكِ منه. لا أحد يعرف بما يفكر فيه، إنه معقد."

"أريد أن أعرف نوعاً ما."
نطقت شارلوت بفضول وهي ترفع رأسها نحوه ليتوقف أمامها ويهز برأسه للجهتين مرة واحدة محذراً بنبرة شديدة:
"أنا لن أكرر ما قلته شارلوت."

قامت بليّ شفتيها بغير رضى مغمغمة:
"فاليكن."

رفع أحد حاجبيه نحوها لتشيح بوجهها مستمعة إليه يقول:
"أنا أعلم بما تفكرين به حالياً."

"لا تدعي أنك تهتم!"
هتفت بحنق بعد أن فاض بها الكيل. هبت واقفة لتنظر في عينيه مباشرة بعناد قبل أن تقترب خطوة جديدة منه وترفع قبضتها لتضرب بها ضد صدره الصلب مكررة بهمسات مكسورة:
"لماذا تهتم؟"

عيناه تحركتا جانباً قبل أن تعودا لها فتقرأ شارلوت الحيرة في إنعكاس نورهما الخافت. شاهدت يداه ترتفعان وهو يجيب بهمس بدا في نبرته الضياع:
"أتساءل..."
شعرت بيديه تحط على كتفيها قبل أن تنزلقا ناحية ظهرها فتسحباها أكثر نحوه لتغدو بين ذراعيه وضد صدره. برودة جسده جعلتها تقشعر بشدة.

شعرت بمقدمة رأسه ترتاح على خاصتها لتتحرك بعشوائية بين يديه ما أن إزداد توترها سائلة:
"ما الذي تفعله؟"

"توقفي عن الحركة لوهلة."
فعلت حين اشتدت ذراعاه من حضنه لها. الصمت طال لفترة شعرت فيها شارلوت بأن جذعها قد تجمد بين ذراعيه، لكن كل هذه البرودة الصاقعة تلاشت حين سمعته يقول:
"أنا أعتذر عما حدث صباحاً، ما قلته كان..."

شعرت بالدهشة ولكن بشيء ثقيل يرتفع عن صدرها فتمسكت بلباسه وصكت على أسنانها.
"لئيماً؟ حقيراً؟ بلا إحساس؟"
غمغمت بحزن عندما لاحظت صمته الطويل يمتد مجدداً ليجيب أخيراً بتنهيدة خافتة:
"أياً كان ما تعتقدينه...كان كذلك."

إحدى يداه مسحت بلطف على ظهرها للأسفل عندما استطرد بصوت دافئ:
"هل أزعجكِ ما تفوهت به لهذا الحد؟"

ضربت جبهتها ضد صدره عدة مرات وكأنها تنتقم ثم نطقت:
"جداً."

كرمش عينيه بشيء من الكمد عليها حين شعر برعشة أناملها وقبل أن يفتح فاهه لإضافة أي شيء كانت شارلوت قد رفعت رأسها ليصبح وجهها مقابلاً لخاصته قائلة بابتسامة عذبة:
"لكنني لم أعد كذلك الآن فلقد اعتذرتَ للتو."

حدقتاه اتسعتا على وسعيهما فأخذ يحدق بعينيها اللتان التمعتا بطبقة شفافة بتركيز حين أردفت ضاحكة:
"أنت تبدو وكأنك لا تدري كم عنى لي اعتذارك هذا، أشعر بالسعادة."
شفاهها الوردية تحركت مرة أخرى أسفل أنظاره معبرة عن رغبتها بقول المزيد.
"أخبرني..."
وقفت على أطراف أصابعها لتستشف تعابير وجهه في العتمة وسألت أخيراً باهتمام:
"كيف تشعر أنت الآن؟"

أشاح بوجهه على حين غرة وغمغم سريعاً:
"لا بأس."
حين فعل ذلك شارلوت شعرت بابتسامة ترفع ملامحها مع شهيق استدراك صامت. رفعت أناملها لتجبره على النظر في وجهها وسألت بمكر:
"هل أنت بأي فرصة تشعر بالإحراج الآن؟"

لكنها سرعان ما ندمت على تصرفها المتهور فحين إنحنى بجذعه فوق هيئتها أنفه الحاد لامس خاصتها فتقهقرت خطوة للخلف كادت أن تسقطها لو لم يكن ممسكاً بها.
"حرارتكِ مرتفعة، ويبدو أنكِ بدأتِ بالهذيان."
شاكسها. محاولتها بأن تتصرف بشقاوة إنقلبت ضدها.

أنفاسها التي كانت قد إنكتمت تحررت أخيراً عندما وجدت نفسها تفترش سريرها.
"سنقوم بزيارة مجمع القطب بعد عدة أيام وإن لم تتعافي من هذه الحمى خلال هذه الفترة فلن تحضري."
غطى بباطن كفه جبهتها وعينيها لتعلم أنه يساعدها على تبريد وجهها فسحبت اللحاف البارد حد فاهها وتحدثت من أسفله:
"لما تود إصطحابي؟"

"أنتِ من حدثتهم في المقام الأول، ألا تريدين استئناف ما بدأته؟"
سأل من فوق رأسها قبل أن يصمت للحظات ويردف بمراعاة لم تألفها:
"إن كنتِ تفضلين عدم القدوم فلن أجبركِ، أنتِ حرة."

أناملها تسلقت كفه لتضغط على يده بلطف ثم ترفعها عن وجهها الذي تورد قليلاً بفعل حرارة المرض.
"سأفكر بالأمر..."
غمغمت من بين شفاهها قبل أن تحرك عينيها نحو وجهه وتنظر في عينيه مردفة:
"شكراً على الاعتناء بي."

"ما أفعله... لا يمكنني وصفه بعناية."
حاجباه تقاربا وبدا الإنزعاج جلياً على ملامحه التي تفرست بوجه شارلوت.

"شفقة؟"
غمغمت وهي تشيح بحزن ليتنهد هيروزيوس وينهض من مكانه ومع كلماته التي تمنت لها ليلة هانئة كان قد اختفى حضوره من الغرفة. عيون شارلوت ارتفعت نحو السقف فتلمست جبهتها بأناملها قبل أن تبتسم لنفسها بأسى.
"عند هذه النقطة، لن أغضب حتى وإن كانت شفقة."
سعادتها بإعتذاره عن جرح مشاعرها كانت كبيرة لتكفيها.

***********

مرحباً جميعاً
أعلم أن الموعد غدا في العادة لكني مشغولة غدا جداً وبما أنني أكره التأجيل هاكم ✨

أغفرتم لهيرو؟

رأيكم بجورج؟
-فقط أريد أن أنوه أن المجانين لم ينتهوا وسيظهر المزيد منهم في المستقبل-

سُئلت مرة كيف تبدو شارلوت بالتفاصيل، حدة الأنف، سعة عيون، خامة الشعر... إلخ وللواقع لا توجد صورة معينة للتفاصيل في رأسي. في خيالي توجد شارلوت كشارلوت وحسب.
لكنني وجدت الأمر مثيراً للاهتمام
شاركوني -بما أنني أشعر كشخص إنبساطي هذه الأيام- كيف تتخيلون شكل شارلوت. إن كانت صورة أو رسمة أو أي شيء من هذا القبيل فأرسلوا لي على الخاص سواء واتباد أو انستاغرام وسأشارك كل ذلك على صفحة الانستغرام الغبرة خاصتي ⁦⁦(✯ᴗ✯)⁩

ناخت ♥️

Continue Reading

You'll Also Like

270K 5.1K 61
السلااااااام عليكم كيفكم حبايبي ان شاء الله منيحين جبت لكم روايه لقيتها بعد بحث في عم قوقل وان شاء الله ماتكون مكررررة يارب وانا بدايتها عجبتني البط...
441K 6.8K 5
أَنـاَ المَلاَكُ الذِي رَغِبَ به الشَياَطِينْ أنـاَ التُفاَحة التِي أَسْقَطَتْهُمْ من النعيمْ أَنـَا لَعنَتُهمْ السَرْمدِيّة إلى يَوْمِ الدِينْ بَحَث...
27.9K 1.7K 61
في ظل الممالك السبعة هناك مملكة ماغونسايت التي يعيش بها بطلنا ألدس ولي العهد للملك مابل بعد ان يرسله الى أكاديمية إريوس محاولة ضبط سلوكه في التهيء ل...
139K 7.6K 26
"ملكة الليل " هي زهره من اصل الصبار تنبت في الصحراء وتزهر لمره واحده في السنه ليلا وتموت مع شروق الشمس ... . . . لو بعثنا مجددا بعد موتنا ...هل ستر...