نيـوتروبيـا

By Die-Nacht

275K 18.8K 25K

"أعطـني لأعطـيك" هـذه قصـة الطـفلة التي اعتمدت هذا القانون كحل وحيد وأوحد للنجـاة في عالمـها المشـوّه. هي تل... More

-1- بداية السقوط
-2- مجمع القطب
-3- مصيدة الثعلب
-4- كهرمان
-5- خلف جدرانهم العالية
-6- الحرب
-7- رائحة دم
-8- إكصاص
-9- شِقاق الزهور
-10- السرداب
-11- عيون الصقر
-12- سيلست غولدن
-13- سليل السلف الأول
-14- هذا وذاك
-15- بحلة الخريف الأحمر
-17- مشارف الموت
-18- لاشيسيا
-19- دموع شارلوت
-20- سمفونية أبواق الهلاك
-21- لأجلكِ أيتها الفاوانيا
-22- بئر من الأوهام
-23- رؤى
-24- رسائل السلام
-25- الأول والأخير
-26- أضواء باهرة
-27- آل والثعلبة السوداء الصغيرة
-28- قمر حقل البنفسج
-29- خزف
-30- الدرجة رقم سبعة عشر
-31- دماء ورثاء
-32- بركة الملح
-33- قلوب بلا عيون
-34- أحضان الشمس الدافئة
-35- شتاء ديستوبيا الأخير
-35.5- ومضة
-36- ربيع الأرض الجديدة
-37- واجبات الحرس
-38- الكناري الصامت
-39- شبكة من خيوط الماضي والحاضر
-40- أجيال
-41- تمرد الوحوش
-42- الشمس والقمر
-43- خلف مخمل الستار
-44- رماد عينيه
-45- سالب
-46- سم وعسل
-47- شيطان
-48- براءة عذراء
-49- زهرة النوكس المشؤومة
-50- حنين للحنان
-51- الجوع أهون من النزع
-52- تباين

-16- صندوق زجاجي

4.5K 375 363
By Die-Nacht

دارت شارلوت بفضول حول الأنابيب المعدنية القديمة والتي تسلقتها نباتات الحديقة. كل القطع المزخرفة اللماعة اتصلت ببعضها البعض مؤدية نحو فتحة انتهت بعدسة تناظر السماء.
"ما هذا؟"
تساءلت وهي تنقر المعدن ليرتد صدت صدى نقراتها خلال الأنابيب المفرغة.

"لست واثقة بالمثل."
همس لونا من خلفها جعل شعيرات عنقها الناعمة تنتصب بفزع.

"لا تتسللي خلفي هكذا."
اعترضت على ما فعلته الشابة وهي تمسح شعرها للأسفل بيديها علها تغطي ما تم كشفه من ظهرها بفعل زي الخدم الذي ارتدته.

"اعتذر لم أعني مفاجأتك."
غمغمت لونا بابتسامة متأسفة، عقدت أناملها خلف ظهرها وسألت بتودد:
"مستعدة للمسير؟"

نهضت شارلوت على ساقيها حيث كانت تجلس القرفصاء ونفضت لباسها مجيبة باختصار:
"نعم."

سارت بقرب لونا أعلى الثلوج وبين الأشجار، نور النهار لوحده لم يكن كافياً لتدفئتها فشاهدت أنفاسها الساخنة تخرج كالبخار من فاهها أمام وجهها.

الصمت حل بينهما ثقيلاً نوعاً ما وشارلوت لم تمانعه، علمت أن لونا تركز حواسها على مراقبة الطريق ولا تريد تشتيتها بتذمرها من البرد أو حتى سرعتها التي تركتها تسير بعيدة عنها بضعة خطوات تحولت لأمتار. تذكرت حالها مع لوسيا في المجمع وكم تشابهت الشقيقتان.

شهقت شارلوت أنفاسها واستندت لركبتيها اللتان راحتا ترتعشان أسفلها فتوقفت لونا في مكانها ما أن لاحظت حالها وعادت مهرولة نحوها لتساعدها على الإستناد لجذع أقرب شجرة منها.
"ما الخطب؟"
سألت بحاجبين معقودين وشارلوت هزت برأسها مجيبة:
"أسير عدة أميال في اليوم لكن لا أدري ما خطبي الآن. أشعر بأن ساقاي ثقيلتان وكأنهما متخشبتان."

حدقت لونا بمحدثتها بشيء من الشفقة قبل أن تجلس على حجر كبير بجوارها وتعلق بابتسامة مشجعة:
"لابد أنه البرد لكن لا عليك يمكننا أن نستريح لوهلة."

شعرت شارلوت بهدوء غريب وكأنها مستعدة للنوم في أي لحظة فما كان منها سوى أن تدردش مع رفيقة طريقها لتتناسى الركود.
"شعار جميل."
علقت مشيرة بعينيها للجوهرة التي تعلقت على معطف لونا الأبيض وتلك غطته بكفها محدقة بموقعه قبل أن تتنهد معلنة:
"إنه علامة، أنني أنتمي للسلف الخامس."

"كجماد؟"
رفعت شارلوت حاجباً ولونا أظهرت ابتسامة صفراء.
"مصاصو الدماء يعتقدون أنه لمن المشرف الحصول على مباركة أبناء السلف."
تحدثت بسخرية وأضافت شارحة:
"تتمثل هذه المباركة بالحصول على جرع من دمائهم، مرافقتهم، العمل تحت إمرتهم في النهار وحتى الليل إن كان المرء يائساً."

"مهلاً لحظة!"
شارلوت هتفت وهي تقبض أناملها على ثوبها.
"ما الذي يعنيه كل هذا؟"
سألت.

لونا قهقهت.
"لا داعي للإنفعال..."
تعابير وجهها إنخفضت بأسى حين أعقبت:
"زافير لم يطلب مني الكثير، ولن يفعل. لقد وعدني بأنه ما أن ينتهي كل شيء حتى أحصل على حريتي الكاملة بفعل ما أريد. الرحيل أو حتى الموت."

حين أظلم الجو حولهما نهضت شارلوت على ساقيها نافضة الأتربة عن الفستان الأسود الطويل وأخذت تحاول تنظيف الحزام الأبيض الذي التف حول خصرها على مهل مغمغمة:
"هذه الملابس غير مريحة."

"تبقى القليل فقط، لقد قطعنا شوطاً طويلاً بالفعل."
أعلنت لونا وهي تنهض بدورها لتعيد تهذيب خصلات شعر شارلوت التي تمردت من رباطها مردفة بابتسامة بشوش:
"يجب أن نخرج سريعاً من الغابة أيضاً فالتجول هنا وحدنا لفترة طويلة لن يكون جيداً."

بعد بضعة دقائق أخرى من السير المستمر واجهت الشابتان إطلالة جعلت شارلوت تتوقف لثوان مدهوشة، شعرت ببعض الصداع عندما استعادت ذكريات مشاهد رأتها من قبل منذ أكثر من عشرة سنوات مضت، عندما كانت طفلة تحديداً وعندما كانت تشق طريقها خلال طرقات المدينة هرباً من مصاصي الدماء.

جل ما رأته كان المدينة الكرستالية الضخمة، بشوارعها المصنوعة من الرخام الأبيض وزخارف أبنيتها وقصورها البديعة. النهر الذي يخترق المدينة بشلال مهول انعكست ألوان قوس المطر على سطح مياهه للأحجار الكريمة التي ملأت قاعه بجمال بديع.

"أهلاً في عاصمة مملكة مصاصي الدماء."
تحدثت لونا جاعلة شارلوت تبتلع ما بحلقها مرددة:
"عاصمة؟"

"تماماً. إنها العاصمة فحسب، المملكة كل ما يقع حولها شرقاً، غرباً وشمالاً. الكثير من النبلاء يعيشون هنا، أغلب مصاصي الدماء العاديين يعيشون في مدن صغيرة أو قرى بعيدة."
شرحت لونا بإيجاز قبل أن تشير نحو القصر الكريستالي الذي تربع فوق الشلال مباشرة مردفة:
"قصر العائلة المالكة هناك."

"حتى بعد عقد مازال مهولاً في ناظري."
تمتمت شارلوت معتصرة عينيها، فعوضاً على أن يبدو أصغر هي استدرك ضخامة حجمه فحسب أكثر الآن.

"رغم أنه ينتمي للعائلة المالكة إلا أن أفراد عائلات السلف الخمسة جميعهم يمتلكون أجنحتهم الخاصة التي يستعملونها أثناء الزيارات الرسمية وما إلى ذلك."
شرحت لونا لتدلك شارلوت ما بين عينيها بألم قائلة:
"أذكر أنني كنت أجري لساعات، لقد ظننت بأن هذا الكابوس محض خيال تسبب به خوفي لكن يبدو أنه كان حقيقياً. أين علي أجد جسد هيرو؟"

"لا داعي للقلق زافير أعلمني وأستطيع إرشادكِ"
أجابت لونا بتلقائية لتسأل تلك:
"أتعيشين هناك؟"

خيم الصمت على لونا للحظات قبل أن تجيب:
"معظم أفراد السلف يقطنون هناك حالياً بغير إرادتهم، ينتظرون أن يتم تحريرهم. إنه كالسجن لهم وحسب."

"ها أنتِ ذا في الخارج. دعينا لا ندخل هناك فحسب."
شارلوت علقت ولونا غطت فاهها بيدها في حين راح جسدها يهتز لضحكة خافتة.

"ماذا؟"
زمت شارلوت شفتيها قبل أن تستأنف سيرها لتتبعها لونا وهي تمسح دموع وهيمة عن عينيها قائلة:
"هل يخيل لي أم أنكِ فقط لا تودين الذهاب هناك؟"

نظرت لها شارلوت بطرف عينيها قبل أن تشيح بوجهها وتتنهد جاعلة لونا هذه المرة تغمغم:
"آسفة."
اعتذرت قبل أن تصمت لثوان عندما لم تجد رد من شارلوت وتردف:
"لست بتلك الملمة عن حالك ولا أعرف ما تعرفينه لذا أعتذر إن كنت قد قلت شيئاً لا يبغي لي قوله."

شارلوت تنهدت مرة أخرى، هي لا يجب أن تشعر بالإنزعاج من الآخرين فليس الجميع يعلمون ما ينتظرها.
"لا بأس...لست مستاءة، حبذا لو تضحكين أكثر، البسمة تناسب وجهك."
تحدثت شارلوت أخيراً ليتهلل وجه محدثتها.

شعرت شارلوت بالعجب من نفسها. هذا الكلام يخرج من كائن لا يظهر مشاعراً أغلب الوقت وإن أظهر فتكون زائفة فقط لتضليل من حوله وصرفهم عنه...أو لخداع نفسه.

الأرض العشبية الخضراء تخللتها الحجارة البيضاء شيئاً فشيئاً والأشجار بدأت بالإختفاء للتمدن.

تقدمت لونا على شارلوت قائلة بجدية:
"أبقي نظرك للأسفل ولا تتحدثي، إن أردتِ قول شيء فالتعطني أي إشارة صغيرة."

دحرجت شارلوت عينيها قبل أن تثبتهما على أطراف معطف لونا الذي تطاير بفعل النسيم عاقدة يديها أمامها كما علمتها سابقاً.

أذناها لم تلتقطا صوت أي أحد بالقرب، لا يصدح سوى صوت خطواتهما مع خرير المياه من النهر بقربهما لكن هذا لا يعني أن ترخي دفاعها.

قطرات متطايرة من النهر لامست فستانها لتكشر بإنزعاج عندما تذكرت كم أن الحذاء الذي ترتديه يؤلم قدميها.

الأبنية بدأت ترتفع من حولها إذ غطت ظلالها الرؤية وبعض الأصوات بدأت بالوصول لمسمعيها أخيراً.

صوت أطفال يضحكون، نساء يتكلمن، أناس يدخلون ويخرجون، إنه صوت الحياة الذي أصبح شبه معدوماً لدى البشر.

فجأة توقفت ما أن تدحرج جسد ما أسفل قدميها هي ولونا، حاولت رفع بصرها إلا أن لونا شدت قماش ملابسها بشدة لتنهاها عن التهور.

ما لاحظته شارلوت كان جسد فتاة ترتدي ملابس كخاصتها كانت تزحف للخلف مع توسل خافت:
"أرجوكِ يا سيدتي!"
الفتاة ارتطمت بساقي شارلوت ليهتز جسدها وترفع رأسها نحوها بعفوية. عينا شارلوت اتسعتا بصدمة لرؤية زوج من الهالات السوداء تحت عيون الفتاة البشرية والكثير من الدموع المالحة التي كانت قد كوت الحرق الذي امتد من خدها حتى أسفل فكها.

"أيتها الشيء الوضيع!"
صوت أنثوي صدح قبل أن تمتد قدم طويلة بحذاء مدبب وتركل الفتاة في معدتها جاعلة إياها تجهش بالبكاء وتعود للإعتذار مجدداً بتتابع متمسكة بساق شارلوت كشيء من مواساة للنفس.

من الأعلى سمعت محادثة لونا ومصاصة الدماء الغاضبة والتي يبدو أن هذه الفتاة تكون خادمة لها.
"فالتأخذي ما يخصكِ بعيداً أيتها الأنسة الشابة."
صوتها كان حاد، متعالي ومزعج للأذان، يثير الغضب في النفس بسهولة بلا أي محاولة حقيقية من صاحبه.

"خادمتكِ هي التي تسد طريقنا أيتها السيدة."
رد لونا كان خالي من الأحاسيس، لا غضب، لا إزدراء ولا غيره.

يدا شارلوت اشتدتا بتشابكهما بقوة، تحاول كبح نفسها عن فعل أي شيء سيدمر ما خططوا له.
سحبت نفساً عميقاً لرئتيها ثم إنخفصت ببطء للأسفل حتى أصبحت في مستوى ناظري الفتاة التي رمشت باستغراب من تصرفها. مسحت على وجنتها بإبهامها بلطف واقتربت من أذنها تهمس بكلمات جعلت من تراقب تستشيط غضباً.

"ويحك أيتها الوقحة! ما الذي تصنعينه بحضرة أسيادكِ؟"
صرخت صاحبة الصوت الحاد وشارلوت شعرت بقدمها تتوجه نحوها إلا أنها لم تصبها بعكس ما توقعت بسبب لونا التي اكتفت بصدها بمؤخرة حذائها الخاص قائلة:
"هذه ممتلكات السلف الخامس الخاصة أيتها السيدة، هل أنتِ مستعدة لدفع ثمن الأضرار؟"

شارلوت بسطت شفاهها قليلاً حين سمعت المرأة تبصق في غضب قبل أن تسحب الفتاة التي نهضت معها بهدوء ويبتعد ظلهما كما ظلال من كانوا يشاهدون على مهل من الصورة.

لونا جذبت شارلوت لتقف.
"تحركي."
أمرت فأخذت تستأنف معها المسير.
صعدت مع لونا أدراجاً رخامية عدة وعبرت حدائق مظللة ضخمة حتى وصلت بوابة معدنية سوداء هائلة استطاعت شارلوت استنتاج أنها إحدى بوابات القصر المنشود.

لم يدم سيرهما في الحديقة التي لمحتها شارلوت مليئة بالزهور الحمراء الشوكية خمس دقائق حتى عبرتا البوابة الرئسية لتصبحا في قلب المبنى.

"يمكنك التنفس، لكن لنتوخا الحذر."
تحدثت لونا قبل أن تستأنف السير بذات الوتيرة. شارلوت رفعت عينيها من على الأرضية الرخامية المصقولة التي عكست صورتها لتناظر الجدران الذهبية بانبهار. حدقت بزخارف الجدران والأعمدة الحجرية الغرانيتية الهائلة التي تواجدت في الردهة الرئيسية وانتهت بدرجات ضخمة تفرعت لعدة جهات بفاه مفتوح.

تسلقت بضعة أدراج بشرود حتى توقفت لونا فجأة تحدق حولها بحيرة.
"ما الأمر؟"
همست شارلوت لتنظر لونا في وجهها لأول مرة منذ أن وطأتا العاصمة وتعبر عن ما يساورها من قلق:
"القصر لم يكن بهذا الهدوء من قبل."

"أوليس هذا بسبب مراسم التأبين أو أياً كان؟"
نطقت شارلوت بتململ لتشير لها لونا بأن تصمت فجأة حين رفعت سبابتها أمام وجهها بحدة. عيون لونا الحمراء اتجهت نحو أقرب منفذ للخارج وحدقتاها أخذتا بالتوسع أسفل نظرات شارلوت المرهقة.

أمسكت لونا بمعصم شارلوت وأخذت تجرها بحدة في الممر الذي كان بأكمله عبارة عن شرفة تماسكت بفعل أعمدة حجرية تطل على حديقة واسعة.

اقتربت كلتاهما من نور النهار وشاهداتا الجمع الغفير بالأسفل متجميعين بصفوف منظمة موحدة بهدوء مميت مريب، أعينهم الحمراء الخالية نظرت باتجاه واحد وأجسادهم منتصبة كتماثيل حجرية. على رأس تلك الصفوف تواجد بضعة أشخاص بثياب أخرى مبهرجة مزينة بالذهب والأحجار الكريمة تدل على مكانتهم المرتفعة.

"ما هذا؟"
همست شارلوت مختبئة خلف أحد الأعمدة للونا التي وقفت بجانبها مجيبة:
"من المفترض أنه حدث الرثاء."

"وهذا ليس طبيعياً برأيك..."
تحدثت شارلوت مستنتجة بفك منقبض لتهز الأخيرة برأسها إيجاباً:
"جيش، هذا ليس ما تم وصفه لي."

"شعبي العزيز!"
شعرت شارلوت وكأن أذنيها تقومان بالطنين حين سمعت صوتاً لم يدركه سمعها يوماً لكن ألفته بغرابة. أحست بخافقها يضطرب بين أضلعها ما أن حط بصرها على مصاص الدماء الذي وقف على منصة عالية أمام الحشد. شعره الأبيض صفف بإتقان وكأن كل شعرة لها مكانها ووجهه الشاحب لم يحمل أي ملامح في حين راح الشرار الأحمر يلتمع ضد عيونه الفضية عندما أردف:
"اليوم سيبدأ المسير نحو الحرية المنشودة، اليوم سنبدأ وننتهي من إبادتهم. اليوم سنردم تحت التراب أخر جحر لهم، لقد انتظرنا طويلاً والشمس أخيراً كسفت! اليوم حتى أسلافنا سيقفون بجانبنا!"

إنزلقت شارلوت أرضاً على ركبتيها وأخذت تنهج بحثاً عن الهواء والعبرات في مقلتيها خنقتها بالمثل.

بدأ كل من في الخارج بالتهليل والصراخ صرخة الحرب فجأة وقائدهم رمى عباءته المخملية ذات اللون الأسود في الهواء ثم استدار متحركاً أمامهم ليبدأوا بالحركة صفاً واحداً خلفه اتجاه الغابة.

"ما الأمر؟!"
هتفت لونا بجزع وهي تحيط بكتفي شارلوت لتساعدها على الإستقامة.

"أشعر وكأن عظامي يتم هرسها."
اجابت بلسان ثقيل وسمحت لدموعها الحقيقية بالنزول.

النبلاء كوّنوا صفاً على الجانبين بقرب قائدهم ومن بينهم لمحت الشاباتان زافير يحدق بما أمامه بحاجبين معقودين قبل أن يسدل أهدابه ويتابع المسير بهدوء.

"كيف علي أساعدكِ؟"
سألت لونا وهي تنقل بصرها هنا وهناك بسرعة غير عالمة عما قد تفعله لتحسن من حال صاحبتها.

"لا عليك."
همست شارلوت وهي تحدق بإتجاه الحشد بنظرات زائغة. مشاعر هيرو الخاصة لم تؤثر عليها يوماً بمثل هذه الطريقة.
"ما أن تستيقظ عبر عن إستيائك وغضبك كما تريد."
همست بألم وعتاب.

"لم يخبروا أحداً وسيرغمون الجميع على المشاركة على ما يبدو."
تحدثت لونا ليهتز جسد شارلوت بضحكة ساخرة وهي تهز برأسها للجهتين:
"لقد قُضي على البشر، لم أرى جيشاً منتظم من مصاصي الدماء قبلاً."

"أتظنين أن الوقت مناسب للمزاح؟!"
هتفت لونا بغير تصديق لترمقها شارلوت بنظرة جادة:
"أبداً."
نهضت بمساعدة تلك وهي تشير بسبابتها بعيداً مردفة:
"مجمع القطب هدفهم بالتأكيد، إن دمروه، البشرية ستسقط كلياً، الجيش يتمركز هناك، من دون الجيش البشر ليسوا سوى طعاماً للحيوانات قبل مصاصي الدماء."

"وما الحل الآن؟!"
هتفت لونا وهي تعتصر رأسها لتجيب شارلوت:
"هذا ما يجب أن يفكر به هيرو لا أنا ولا أنت فهم شعبه في النهاية وهو الوحيد الذي يستطيع إيقافهم، والآن أين غرفة الضريح؟"

صفعت لونا وجنتيها قبل أن تبدأ السير بسرعة للأمام مجيبة:
"بالطبع، من هنا!"

خلعت شارلوت الحذاء مع الحزام الحريري لترميهم أرضاً قائلة:
"لننهي هذا."
قبل أن تبدأ بالركض خلف لونا التي بدأت بالتعمق داخل القصر أكثر. مع كل خطوة شارلوت شعرت بقلبها ينبض أسرع ويلتهب بين ضلوعها، هي اقتربت كثيراً.

ضوء النهار انعكس في عينيها لجزء من الثانية بطريقة جعلتها ترمي بجسدها أرضاً متجنبة الخنجر البلوري الطائر باتجاهها.

لونا توقفت بتشتت لثوان تراجعت فيهم لأمام شارلوت كحركة دفاعية وقبل أن تدرك ما حصل كان خنجر جديد قد انغرس في معدتها. شهقت لونا دهشتها قبل أن تستقبل ثانٍ طائر بباطن كف يدها لتحمي رفيقتها.
"هل أنتِ بخير؟"
سألت شترلوت بقلق لتومئ لونا التي تفجرت دماؤها عندما أخرجت الخناجر بعنف من جسدها بمزيج من الغضب والاستياء.

"ماذا الآن؟"
همهمت شارلوت وهي تضغط صدغها في محاولة لرؤية من يعترضهما.

"العقبات لاتنتهي."
أجابت لونا محركة أنظارها بالمثل نحو نهاية الممر الضخم حيث لمحت كلاهما أنثى بشعر أسود قصير تحمل خنجرين بلوريين بكلتا يديها وتقترب بتروٍ منهما. عيناها الزرقاوان كانتا مظلمتين ما أن نظرت نحوهما لتطلق لونا صوت ينم عن عدم الرضى وتتهيأ للقتال.

"لن تستطيعي القتال."
همست شارلوت من خلفها لتجيب المقصودة دون أن تشيح ببصرها:
"هذا ليس سوى خدش بسيط."

علمت شارلوت أن لونا تماطل حيث أن الثقب في معدتها كان ينزف بغزارة.
"أنتِ لا تتماثلين للشفاء."
علقت ولونا ضغطت جرح معدتها مغمغمة:
"التحول لمصاص دماء كامل عملية تستغرق عقوداً وليس بضعة سنوات. لست مثلهم لكن...انسي أمري وتحركي أنتِ!"
أمرت معطية شارلوت نظرة سريعة من فوق كتفها. هزت تلك برأسها رفضاً مجيبة:
"توقفي عن لعب دور البطلة، لقد متِ مرة بسبب ذلك لكن إن تم قتلكِ الآن فلن تعودي."
وقبل أن تعطي لونا أي رد كان صوت ضيفتهما قد ارتد صداه في المكان قائلاً:
"ابتعدي عن طريقي لونا."

كلتا الشابتين نظرتا نحو مصاصة الدماء التي أردفت بابتسامة وديعة:
"إذا أعطيتني تلك الفتاة فسأتغاضى عن خيانتكِ."

ضيّقت شارلوت عينيها في حين هتفت لونا:
"فالتتنحي أنتِ سيون! أنتِ لا فكرة لديكِ عن العقوبة التي ستحل بكِ إن اعترضتنا أكثر."

"هذا هو اسم هذه المخبولة إذاً!"
هتفت شارلوت وهي تدلك رأسها مدعية أنها تتذكر شيئاً قائلة:
"أنتِ من كانت تبحث عن الإنتقام لوالدها إذ ظنت أنني قتلته!"

فك مصاصة الدماء انقبض بحدة، أشهرت عن أنيايها عندما صرخت بغضب:
"أنتِ فعلتِ! لقد قتلتِ ألفريد روجان! والدي!"

"هذا كان اسمه إذاً!"
ضحكت شارلوت بصوت عال جاعلة لونا ترمش مرتين بغير فهم لما تفعله قبل أن تردف باستهزاء:
"لم نمتلك الوقت للدردشة كثيراً لكن أود القول بأنه لم يكن أنا من قتل والدكِ يا فتاة."

سيون ومع كل كلمة نطقت بها شارلوت إزداد لهيب نار عينيها حتى تحولتا للأحمر، ومن دون سابق أي إنذار كانت قد اندفعت بسرعة لم تضاهيها لونا حتى لتدفع بها أرضاً رافعة قبضتها التي حملت خنجرها في الهواء صارخة:
"كاذبة!"
لكن قبل أن تحاول استكمال ما بدأت كان جسدها قد تجمد على الخنجر البلوري الذي انتصف صدرها. لقد كان خنجرها البلوري الذي رمته على شارلوت ذاته.

"لا تحاولي اعتراض طريقي مجدداً."
دفعت شارلوت سيون بأقوى ما لديها بعيداً فتتدحرج تلك أرضاً بلا حراك.

مسحت يداها اللتان تلطختا بالدماء بفستانها الأسود قبل أن تبتسم ناحية لونا التي إنزلق جسدها أرضاً مستندة للجدار بتعب، أغمضت عينيها لثوان شعرت فيها بشيء دافئ يلتف حول كفها المصاب لتفتحهما مجدداً مناظرة شارلوت تقوم بلف قطعة قماشية صغيرة مزقتها من فستانها على جرح كفها.

"أمهليني دقيقة..."
تحدثت لونا ببطء وصوت خافت لتنهض شارلوت ملقية نظرة على سيون التي كانت تحدق بالفراغ بعينين المتسعتين قبل أن تنظر للونا مجدداً قائلة:
"لاداعي لهذا، فالتضغطي على جرحكِ حتى يتعافي، أنا أعرف إلى أين سأذهب تالياً."

"حقاً؟"
سألت لونا بشك لتومئ شارلوت برأسها.

"سأرتاح قليلاً إذاً."
تحدثت الأخيرة قبل أن تغمض عينيها للحظات ثم تردف:
"احذري يبدو وكأن بعض الجنود لم يغادروا القصر."

"مفهوم."
همست شارلوت قبل أن تستكمل طريقها سيراً.

المكان مألوف للغاية، هي متأكدة أنها عبرت من هنا قبلاً، لقد اقتربت كثيراً تشعر بذلك. انعطافها، صعودها وهبوطها بدا إعتباطياً لكنه لم يكن، إنه فقط... وكأن جسدها يسير لوحده أو أن هيرو من يرشدها بطريقته.

وصلت! علمت عندما رأت ذلك الباب المصنوع من الزجاج الملون، بدا وكأن كل قطعة يجمعها خيط من الذهب بشقيتها، عشوائي للناظر لكن بديع. هي لم تنسى كل شيء كما توقعت.

لكن... عيناها إنخفضتا حيث وقف كيان مألوف أمام الباب أو إتكأ عليه للدقة. عيناه الذهبيتان حدقتا بها ببرود بادلته إياه بفعل المثل.

"لقد فهمت كل شيء وبوضوح."
تحدث إيدغار فجأة وهنا استنتجت شارلوت أن سيلست لم تخبره بالكثير.

"هل أنت هنا لتوقفني؟"
سألت ليبدو عليه التفكير دون أن يشيح ببصره. تحرك أخيراً من مكانه وسار بخطى بطيئة حتى صار أمامها لا يباعد بينهما سوى متر من الهواء.
رفعت شارلوت رأسها ونظرت في عينيه مباشرة دون أي تردد.

"أنا أستطيع قتلكِ الآن. هنا وبسهولة وأرضي والدي و..."
كلماته إنقطعت، بدا وكأنه غرق في أفكاره مجدداً فعلقت:
"و؟ أستفعل؟"

"أنا أكرهكِ جداً أيتها الغافلة."
أردف لتظهر علامات الدهشة على وجهها مباشرة حين تجاوزها وبدأ بالإبتعاد دون أن يعقب بسبب لكلامه.

عضت شفتها السفلية بحنق واستدارت هاتفة:
"انتظر! لماذا؟!"
توقف على حين غرة حين استرسلت:
"أنت تكره البشر، هذه فرصتك لتبيدهم جميعاً، صحيح؟ أتتخلى عنها؟ أكرهك لوالدك أكبر من أن تفعل؟"

"أنا لا ألقي لعنة لصراع مصاصي الدماء مع البشر!"
قال فجأة بصوت حاد أقرب منه لغاضب لتجفل لثوان قبل أن يسترسل بنبرة أخفض دون أن ينظر نحوها:
"أنتِ لا تعلمين شيئاً عنا. لا تفسري كل ما نقوم به على هواكِ، لا تضعي الإفتراضات حتى لأنها خاطئة."

أشاحت بوجهها تفكر لثوان قبل أن ترسم ابتسامة واهنة.
"محق، أنا جاهلة."

"لا تستخفي بما فعله ذلك الشخص، لا تقللي من حقدي عليه، ولا تستهيني ببغضي لكِ."
نطق كلماته ثم هم مستأنفاً سيره ليختفي عن عينيها ويصبح وقع خطواته غير مسموع.

"ما الذي أفعله أنا الآن ويؤذيك يا ترى؟"
غمغمت بأسى. نبرة صوتها جعلتها تشعر وكأنها الشخص السيء. الشر الذي لابد منه.

تنفست الصعداء ثم مسحت وجهها بكفيها قبل أن تتلمس الباب الزجاجي بكلتا يديها مغمضة عينيها بشدة قائلة برجاء:
"أرجوكم لا مزيد من المفاجآت."

الباب إنزلق أعلى البلاط كما ينزلق الجليد على الأسطح الملساء عندما يذوب، بلا أي صوت وبسلاسة كبيرة.

فك شارلوت إنقبض بسبب البرودة التي شعرت بها تكتسح جسدها بأكمله للذكريات التي عصفت بعقلها.

الأرض الرخامية السوداء اللامعة، التماثيل البلورية، النافذة الزجاجية التي أنارت المكان وأخيراً الدرجات الرخامية التي تؤدي للصندوق الزجاجي الشفاف.

كل شيء تذكره مازال ذاته بلا أي تغيير.

قدماها الحافيتان تسلقتا الدرجات. شعرت وكأن الوقت يكرر نفسه لكن هذه المرة هي ستقوم يإيقاظه بالتأكيد ولن تتركه للنوم.

يداها لامستا الصندوق أخيراً ولأول مرة نظرت بوضوح لمن في داخله.

"أهلاً سموك."
ابتسمت شارلوت وهي تقول كلماتها بنبرة انتصار وملامح فخورة، رغم أنها تلاعبت قليلاً بمن حولها فلقد استنتجت الأمر من سيلست بسهولة.

"لابد أنك افتقدت جسدك."
تحدثت مجدداً وهي تتأمل ملامح الجثة النائمة بتمعن. كانت هذه أول مرة ترى بها وجه هيرو حقاً وياللعجب إنه أكثر كائن يشبه ملاكاً شيطاني كانت قد رأته في حياتها.

خيوط من النور انعكست على بشرة وجهه البيضاء الشاحبة فأنارتها، رموشه بدت كشعلات صغيرة أما عقدة حاجبيه وفكه الحاد أعطياه مظهراً مهيباً يليق بمكانته الملكية.

ملابسه كانت عبارة عن قميص فاخر باللون الأرجواني الداكن تم تزينه بالكثير من الشارات الذهبية والأشرطة الحريرية التي أحاطته من الكتف حتى الخصر.

اعتنوا بجثته كما لو كان حياً.

انتبهت لتحديقها المتواصل عندما رمشت باستدراك مرتين ثم بدأت بمحاولة تحريك القفص الزجاجي عن طريق دفعه لكن محاولتها باءت بالفشل عندما لم يتزحزح فلم تتوقع ثقله.
"كم يزن وزن هذا الشيء؟"
همست وهي تدلك معصميها.

انخفضت تتفقد كيف تم وصله بالطاولة الرخامية الذهبية التي حملت جسده بتمعن مستنتجة:
"رغم أنهما لا يبدوان متصلين."
حكت فكها مناظرة سماكة الزجاج قبل أن تبتسم بتكلف قائلة:
"اعذرني سموك لكن أعتقد بأنني سأحطم بعض تماثيلك الثمينة."
قفزت الدرجات للأسفل وحملت تمثالاً بطول خمسين إنشاً تقريباً لم تتبين ما شكله ثم عادت نحو القفص مجدداً لتبدأ بضرب حواف الزجاج بلطف عله يتكسر.

"لا تقلق لن أؤذي وجهك الجميل."
نطقت وهي تقوم بتسديد ضربة قوية للنقطة التي تشقق عندها الزجاج فيتحطم جزء من الزجاج أخيراً مشكلاً فجوة سمحت لها بتمرير يدها غير مكترثة للجروح التي تسببت بها لنفسها.

أناملها امتدت للدخل ببطء ثم حطت على وجنته الباردة بلطف قبل أن تغمض عينيها وتتنهد هامسة:
"لقد أتممت مهمتي."

شعرت بكل شيء يصبح داكناً وبفراغ كبير حولها إلا أن شعورها بجسدها لم يتلاشى، لم تعلم كم استمرت ساكنة هكذا لكن كل ما تعرفه أنها شعرت وكأنها حيّة مجدداً... بأنها بشرية.

تحطم الزجاج وارتطم بالأرضية ليندثر في كل مكان لأشلاء وفي هذه اللحظة بالذات أحست شارلوت بوعيها يتلاشى تماماً. جسدها تمايل في الهواء وكادت أن تقع من أعلى السلالم لو لم تلتقطها كف شاحبة وتحتضنها ذراع قوي.


***********

مساء الخير للجميع
أتمنى أن الفصل كان "شباعياً" حتى إن لم يكن الفصل القادم على العيد إن شاء الله
أراكم على خير
ناخت ♥️

Continue Reading

You'll Also Like

1.6M 123K 50
اقرئي التعويذة و لا تلتفتي لأيِّ صوتٍ كان، أو حركة! فالكائنات الغير مرئية بالجِوار ___ # حائزة على المركز 1 في فئة مصاصي الدماء -- لا تخُن أمانتك مع...
114K 7.8K 34
-قيد التعديل- خنجر من الذهب، و كأس من البلور.دماء الحُكام تقاطرت. و عصر بحكم متوازن على وشك الإبتداء. جميع الاعناق متصلبة، المشهد كان مُهيبًا، و كل م...
27.9K 1.7K 61
في ظل الممالك السبعة هناك مملكة ماغونسايت التي يعيش بها بطلنا ألدس ولي العهد للملك مابل بعد ان يرسله الى أكاديمية إريوس محاولة ضبط سلوكه في التهيء ل...
1.1K 170 10
" ماذا لو إِكتَشَفتَ فَجأةً أنَّ حياتُكَ هِي مجرَّدُ إِعدادٍ داعمٍ للشخصياتِ الرئيسيةِ ؟ ماذا ستفعلُ عندها ؟" ________ " عليَّ الإِبتعادُ عنّه قدرَ...