نيـوتروبيـا

De Die-Nacht

268K 18.5K 24.1K

"أعطـني لأعطـيك" هـذه قصـة الطـفلة التي اعتمدت هذا القانون كحل وحيد وأوحد للنجـاة في عالمـها المشـوّه. هي تل... Mais

-1- بداية السقوط
-2- مجمع القطب
-3- مصيدة الثعلب
-4- كهرمان
-5- خلف جدرانهم العالية
-6- الحرب
-7- رائحة دم
-8- إكصاص
-9- شِقاق الزهور
-10- السرداب
-11- عيون الصقر
-12- سيلست غولدن
-13- سليل السلف الأول
-14- هذا وذاك
-16- صندوق زجاجي
-17- مشارف الموت
-18- لاشيسيا
-19- دموع شارلوت
-20- سمفونية أبواق الهلاك
-21- لأجلكِ أيتها الفاوانيا
-22- بئر من الأوهام
-23- رؤى
-24- رسائل السلام
-25- أونوس
-26- أضواء باهرة
-27- آل والثعلبة السوداء الصغيرة
-28- قمر حقل البنفسج
-29- خزف
-30- الدرجة رقم سبعة عشر
-31- دماء ورثاء
-32- بركة الملح
-33- قلوب بلا عيون
-34- أحضان الشمس الدافئة
-35- شتاء ديستوبيا الأخير
-35.5- ومضة
-36- ربيع الأرض الجديدة
-37- واجبات الحرس
-38- الكناري الصامت
-39- شبكة من خيوط الماضي والحاضر
-40- أجيال
-41- تمرد الوحوش
-42- الشمس والقمر
-43- خلف مخمل الستار
-44- رماد عينيه
-45- سالب
-46- سم وعسل
-47- شيطان
-48- براءة عذراء
-49- زهرة النوكس المشؤومة
-50- حنين للحنان

-15- شتاء بحلة الخريف الأحمر

4.5K 350 309
De Die-Nacht

أخذت شارلوت تحدق حولها بعينين ديقتين ما أن غطى الضباب الأبيض على عينيها أكثر وشوش رؤيتها. رغم ذلك لم يستطع حجب سمعها فأنصتت للهمسات، شعرت بحرارة أجساد الكثير من الأشخاص الغريبين يتحملقون حولها هي وسيلست التي التصقت بها بصمت حذر.

لم تستطع تحديد إن كانوا بشر أم مصاصي دماء لكنها أدركت بأنها سارت في منطقة الخطر.

حصى رُميت اتجاهها لترتطم بجسدها ثم تهبط أرضاً وسيلست تفادت التي وجهت نحوها بسهولة قبل أن تنظر في الاتجاه التي أتت منه الحصى بضيق.

"تستطيعين تحديد أماكنهم؟"
سألت شارلوت بخفوت لتجيب المقصودة بإمتعاض وبلا راحة:
"كل فرد منهم."

صوت نباح شرس أتى من جهة أخرى جعلها تحاول رؤية ما يكمن خلف الضباب. سارت خطوة اثنتان ألحقتهما بثالثة فاستدركت الكائن الذي يركض على أربعة أطراف نحوها.
عينا شارلوت التقت بالعينان الحمراوان فغمغمت:
"ما هذا الآن؟"

"ابتعدي!"
سيلست هتفت بها لكن في لحظة واحدة كانت شارلوت قد تم طرحها أرضاً من قبل الكلب المسعور الذي أطلق زمجرة تناثر فيها لعابه في الأرجاء.

"مقرف!"
هتفت شارلوت وهي تحاول إبعاد وجهها عن فم الكلب الذي كان مستعداً لنهش جلدها.

أمسكت بفكيه لتطبقهما معاً بعنف هاتفة:
"ألم يقم سيدك بغسل أسنانك من قبل؟!"
قبل أن تقوم بدفع قدميها في معدته متسببة بطيرانه في الهواء.

هبط على شكل قطعتين، الرأس في جهة والجسد في جهة أخرى.
"دماء هذا الكائن مقرفة."
سيلست قامت بمسح الدماء عن وجهها بطرف قميصها ثم أضافت قائلة:
أشعر وكأنني سأتقيأ، جسده مشبع بدماء أبناء جلدتي."

من جهة أخرى نفضت شارلوت يديها بتقزز وهي ترد بتذمر:
"على الأقل لم تلمسي شيئاً أكثر قرفاً كلعابه."

"أنتِ من أراد التقدم."
رمقتها بنظرة مؤنبة لتشيح شارلوت بوجهها كطفل يتهرب من العقاب.

"اقتلوهما!"
صدح صوت مستهجن.

"ماذا الآن؟"
تذمرت شارلوت.

"وحوش!"

"اللعناء!"

"عفواً! أنا بشرية مريضة تم تلبسي من قبل مصاص دماء لا أسمح لكم بالتحدث عني هكذا...
أشارت ليسلست
....ربما عن سيلست، لكن عني فأبداً!"

"نبيلة! فالتموتي!"
الأصوات بدأت بالثوران أكثر.

"لا يبدو أنهم اقتنعوا."
سخرت سيلست مكتفة يديها لصدرها لتقول شارلوت:
"ألديك خطة أفضل؟"

"لنعد فحسب؟"
أجابت سيلست على شكل سؤال قبل أن يقابل اقتراحها بـ:
"لا! أتينا لنرى المعتوه المسؤول عن هذا والآن لن أرحل حتى أقابله."

بدأت بعض الظلال لأشخاص بالاقتراب من حولهما ليحاصروهما فإندفعت سيلست لقرب شارلوت مستعدة للهجوم.

"لن نقتل أحداً سيلست."
نبهت شارلوت بجدية لتشيح المقصودة بأنظارها قائلة:
"لقد تلوثت دماء شعبي بطريقة لا يمكن غفرانها هنا."

"سيلست."
قبضت شارلوت كفها وكأنها تترجاها ألا تتهور.

"توقفوا جميعاً!"
صوت مألوف صدح جعل الزمجرات تهدأ وشارلوت تنسى شجارها القائم مع سيلست.

عيناها استدارت نحو الظل الذي ظهر من بين الحشود متجهاً نحوهما بابتسامة جعدت وجهه أكثر.

"أنا أعرف هذه النظارة."
تمتمت شارلوت بحذر قبل أن تستدير بجذعها كاملاً للرجل قائلة:
"يبدو أننا نلتقي ثانية أيها العجوز."

"مرحباً أيتها الشابة، نظراتك مخيفة كالعادة."
رد الرجل الخمسيني بابتسامة صدوقة لتقوم هي تلقائياً بالتهكم أكثر قائلة:
"فقط اتجاه المريبين أمثالك سيد لوبين."

"لست الشخص السيء صدقيني."
نطق قبل أن يوجه أنظاره ناحية سيلست التي كان جسدها يرتجف بشدة قائلاً بذات النبرة الوديعة:
"لقد مرت فترة طويلة أيتها الأميرة."

فاه سيلست فتح لتخرج هسهسة غاضبة قبل أن ترفع يدها وفي ثوان تصبح أظفارها أمام عنق الأخير.

"إنها تحاول قتل الطبيب!"
"اقتلوها!"
صرخات مستهجنة ارتفعت ضمن الحشد المتحملق.

"سيلست!"
هتفت شارلوت وهي تعانق جسد مصاصة الدماء البارد من الخلف لتحاول سحبها بكل ما لديها بقوة هامسة في أذنها بصدمة من عدم تزحزحها:
"ما خطبكِ فجأة؟!"

عينا سيلست استحالتا أحمراً دموياً وهذا كان جواباً كافياً لشارلوت التي استمعت لتلك الغاضبة تصرخ في رأسها:
"إنه هو! الذي عذبني لسنوات وأخذ مني قدرتي على الكلام! الذي عذب أبناء شعبي وبني جلدتكِ بالمثل! صانع المسوخ! غريغور لوبين!"

عضت شارلوت شفتها السفلية وهي ترى بضع قطرات مالحة تفر من عيني سيلست التي تباين لون عينيها بين الذهبي والأحمر فما كان منها يوى أن تعانقها بقوة أكبر و تهمس في أذنها برفق:
"أعلم أنكِ غاضبة ومتأسفة، وقد لا يحق لي قول ذلك لكن...لا يمكنك قتله، ليس الآن. سنقع في ورطة إن فعلت."

جسد سيلست ارتجف أكثر وأظفارها الحادة التي كادت تغرس في حلق غريغور ارتعشت. أخذت شارلوت شهيقاً طويلاً ثم أردفت:
"انظري حولكِ قلبلاً، يبدو أنه بطريقة ما يترأس المتحولين، إنهم لا يمتلكون ذكريات، ربما أقنعهم بطريقة ما أنه حليفهم ولا يعلمون أنه من دمر حياتهم أصلاً. سمعتِ ما قاله إيميت عنه، إن قتلناه سيقتلوننا في ثوان بلا تردد لذا رجاءً إهدأي."

"أتخبرينني بأن أدعه يفلت؟!"
جسد سيلست انتفض بقوة في حين شدت شارلوت من قبضتبها قائلة:
"لا!...لقد وعدتكِ أتذكرين؟"

أظفار سيلست بدأت شيئاً فشيئاً للعودة لطبيعتها وجسدها سكن، قامت بسحب نفسها بعيداً واضعة قبعة المعطف على رأسها قبل أن تقف خلف شارلوت التي عادت لمواجهة الرجل الذي سأل بفضول:
"أنا متفاجئ، لقد كبحتِ غضبها وكأنكِ تفهمين ما يدور في خلدها. لكن كيف؟ فعلى ما أذكر أنتِ بشرية والبشر ليسوا أصدقاء مصاصي الدماء، خاصة النبلاء منهم."

إنه يدعي الغباء لجمع المعلومات، نقطة لن تغفل عنها ويبدو أنه يعرف أنها لم ولن تفعل حيث تجاهلت مقدمته قائلة:
"ما أنتم هنا؟"

"نحن؟"
سخر غريغور قبل أن يمدد يديه للجهتين ويشير للجمع المتحملق مجيباً:
"المنبوذون من العالمين."

نظرت شارلوت حولها حيث أخذ الضباب يتلاشى، هي متأكدة أنه يوجد أكثر من مئة شخص هنا. عيونهم حمراء ووجوههم منيرة بملامح القلق والخوف. أعمار أغلبهم فتية وهناك من ببن الحشد الكبير رأت إيميت ينظر لها وكأنها طعنته في ظهره.

"المنبوذون أم الهاربون؟"
سألت شارلوت بصوت خافت ليقوم العجوز بحك ذقنه البيضاء قائلاً:
"يبدو أنكِ تعلمين بما يجري هناك في المجمع، أنتِ محقة يا آنسة. منذ سنوات هربت مع هؤلاء القوم."

"لما؟"
أردفت ليجيب بجدية:
"لقد تعبت، تحويل البشر لمصاصي دماء ليس هدفي، ما الفائدة من انتصارنا في الحرب إن لم يعد هنالك بشر من الأصل، النتيجة ستكون وكأن مصاصي الدماء من ربحوا كما أن البشر المتحولين يملكون عمراً قصيراً للأسف جميعهم سيموتون قريباً."

"جميع المتحولين غير واعين في زنزانات المجمع، إذاً كيف هؤلاء حولك بقواهم العقلية كاملة؟"
سألت شارلوت بفضول، أناملها راحت تنقبض لابتسامته الهازئة.
"لقد قلت أنني سأتوقف عن صنع المزيد ولكن لم أقل أنني سأتوقف عن تطوير الموجودين حالياً."

"لأنك تريد الأفضل لهم؟ أستعود لمعالجة الأخرين؟"
سألت بشك وكم كرهت الشعور السيء الذي عقد أمعائها.

ابتسامته أصبحت مريبة حين أخذ يقترب منها بخطوات مدروسة ويهمس بفحيح كالأفعى لا تسمعه سوى هي وسيلست التي وقفت بظهرها لظهر شارلوت:
"أنتِ تحاولين التفكير بي كشخص جيد وهذا لطيف منكِ لكن أنا حررتهم آنها كستار لهروبي لا أكثر ولا أقل..."

"إن عدت سيتم إرغامي على صنع المزيد لأجل الحرب وهذا ما لا أريده."
نطق بصوت أعلى وأوضح.

"لا تتحدث وكأنك الضحية هنا."
نهرته شارلوت بلا أي نبرة للمزاح في حين حك المعني ذقنه مجدداً قائلاً:
"لماذا، أولست كذلك؟"

تنهدت.
"سأتركك لشأنك وأدعي أنني لم أرك -هذه المرة فقط- لأنك ساعدتنا يوماً، رغم أنها لم تكن مساعدة حقاً."

"أنتِ لطيفة جداً أيتها الشابة."
قهقه غريغور مبتسماً لتعطيه ابتسامة صفراء بالمقابل قائلة:
"وأنت تشعرني بالمرض. فالتهيء نفسك، فسيتم إقتلاع حنـجرتك هذه يوماً."

"لنذهب سيلست."
همست شارلوت وهي تربت على كتف الأخيرة التي بدأت السير بجانبها بصمت.

إيميت الذي كان يشاهد كل ما جرى حيث ظهر في طريقهما وبلا أي مقدمات سأل بتشوش:
"ما الحقيقة وما هي الكذبة يا شارلوت؟"

ابتسمت المقصودة في وجهه بلطف ومن دون أن تتوقف ولو حتى لثانية أجابت:
"لم يكن هناك أي حقيقة إيميت، كل شيء في عالمنا هذا مغطى بوهم سراب لم يندثر بعد."

بعد قرابة الساعة كانت شارلوت تسترق نظرة أخرى لسيلست الهادئة منذ زمن قبل أن تزفر وتقول بنبرة خافتة:
"أنا حقاً آسفة سيلست."

بعد لحظات من الصمت جاء الرد.
"على ماذا؟"

"لأنني لم أسمح لكِ بقتله، نظرات المتحولين حوله منعتني، كانوا ينظرون له وكأنه الشخص الوحيد في العالم الذي لم يتخلى عنهم في حين أنه أول الفاعلين."
قبضت يدها بحنق مردفة بأسى:
"حياتهم قصيرة وسيفقدونها عاجلاً، من الأفضل أن يكون لديهم شخص بجانبهم يظنون أنه يحبهم."

رفعت سيلست عينيها محدقة بوجه شارلوت التي رسمت تعابير الحزن على محياها محدقة بها للحظات طوال قبل أن تزيح قبعة المعطف سامحة لشعرها الذهبي بالتطاير مع الريح قائلة:
"حياتي...طويلة، أستطيع الانتظار وقتله لاحقاً، لكن ماذا عنك؟"

"ماذا عني؟"
سألت شارلوت بتردد لتجيب الأخيرة:
"كان بإمكانكِ إخبارهم بالحقيقة وإعادتهم للمجمع... لعائلاتهم."

"إن عادوا سيتم استعمالهم كآلات فحسب، كما أننا لا تستطيع الجزم بردة فعل البشر من معرفتهم بموضوع المتحولين، سنسقط أكثر."
أجابت شارلوت قبل أن تزفر الهواء الساخن مردفة بذات اللهجة الجادة:
"إضافة لذلك لا أريد إعطاء أمل لأولئك الفاسدين خلف الجدران بصنع المزيد."

"لقد فعلتِ الصواب."
تحدثت سيلست لتبتسم شارلوت في وجه محدثتها الخالي من الملامح بحزن قائلة:
"أود تصديق هذا لكنني لا أستطيع أيضاً."

رفعت سيلست بصرها عالياً بسؤال:
"إلى أين سنذهب الآن؟"

"نحو محطتنا التالية والأخيرة."
أجابت شارلوت وهي تخلع معطفها قبل أن تقوم بربطه حول جذعها مردفة بحماس:
"مملكة الكريستال!"

"أمتأكدة؟"
أردفت سيلست بنظرة شك لتجيبها المقصودة دون تردد:
"أصدقائكم في المملكة عملوا بجد لتأمين الطريق، لن نضيع الوقت أكثر، كما أنني أصبحت ضعيفة للغاية على أن أقاتل."
شارلوت نظرت لأناملها المرتعشة ثم سيلست التي أحاطت بكفيها فابتسمت لها وربتت على بشرتها بلطف قائلة:
"لقد أحسنتِ صنعاً لوحدكِ لفترة طويلة."
شفاه شارلوت انبسطت بابتسامة صامتة.

.
.
.

سيلست كانت تسير في منتصف الطريق مخلفة أثاراً على الثلج وشارلوت كانت تسلي نفسها بالخطو عليها واحدة تتلو الأخرى دون أن تنظر أمامها.

استمرت هذه الحال لفترة طويلة بدأت فيها الشمس بالهبوط وتلوين السماء بلون برتقالي أحمر.

تعثرت شارلوت وسقطت ما أن انتهت الآثار التي كانت تخطو عليها.

"أين ذهبت الآن؟"
تمتمت متسائلة وهي تنفض الثلج عن ملابسها ووجهها قبل أن يقشعر جسدها لنسمة باردة جعلتها ترتجف لثوان.

"سيلست."
همست وهي تنظر حولها، لا تستطيع أن تنادي بصوت عال فقد تجلب بعض الضيوف الغير مرغوب بهم أو... قد تجلبهم سيلست بنفسها كما فعلت بإيميت صباحاً.

شعرت بشيء يرتطم بفروة رأسها بلطف قبل أن يسقط واقعاً بين الثلوج، خلعت أحد قفازيها ملتقطة تلك الحبة الحمراء من على الأرض مغمغمة:
"عنب؟"

سقطت ثانية وثالثة تليهم رابعة جاعيلين إياها ترفع رأسها للسماء بتساؤل:
"هل تمطر عنباً الآن؟"
لكن سؤالها كان جوابه سيلست التي قفزت من أعلى البناء المجاور محتضنة معطفها الذي ملأت جوفه بعناقيد العنب الأحمر.

"لقد كانت تنمو في بيت بلاستيكي محطم، بأي حال...أنتِ جائعة أليس كذلك؟"
سألت سيلست لتبتسم شارلوت وتدفع حبة عنب في فمها مجيبة باستمتاع:
"جداً."

دخلتا أحد المنازل الفارغة، لا ماء ولا كهرباء لكن تواجدت مدفأة استطاعت شارلوت إشعال جمرها القديم ودعمه ببعض الأغصان الخشبية الجافة لبعض التدفئة.

جلست أرضاً بجانب المدفأة تتناول العنب بنهم محدقة بالصور المعلقة على الجدار، أب، أم، طفل وكلبهم الأشعث البني. عائلة سعيدة. كانت.

"ألن تأكلي؟"
سألت شارلوت سيلست التي تكورت على الكنبة فوق رأسها وهي ترمي بحبة عنب نحوها.

التقطتها سيلست بتكاسل قبل أن تضعها في فمها وتمضغها متنهدة.
"طعام البشر لذيذ لكنه لا يمدنا بالطاقة كغذائنا الأساسي."

"أريد دماءً."
أردفت مرة أخرى بابتسامة ناعسة وهي تسند رأسها ليديها.
توقفت شارلوت عن مضغ ما بفمها قائلة:
"لا تنظري لي هكذا، لن أعطيكِ شيئاً. إن دمائي مريضة وبالتأكيد طعمها مقرف فضلاً عن الرائحة التي ذكرتها سابقاً."

"أنا قلت أن رائحة دمائك غريبة لكن لم أقل أن رائحتها كريهة، ولن تعرف الطعم إلا إن تذوقته."
تحدثت سيلست وهي تأخذ حبة عنب أخرى من جانب شارلوت التي رفعت أحد حاحبيها متحدثة:
"توقفي عن تملقي وفالتتناولي العنب، أعني لونه أحمر، فالتتخيلي أنها دماء."

سيلست بدت وكأنها تقهقه حين غطت فاهها بأناملها بحركة اعتيادية لم تقم بها منذ سنوات أنامل يسراها مسدت على رأس شارلوت قبل أن تنهض من مكانها متجهة نحو الشرفة تحت نظرات الأخيرة المتعجبة.
"فالتنامي، يجب أن تبقى إحدانا مستيقظة للمراقبة."

حدقت شارلوت بالنار للحظات قبل أن تخلع حذائها ثم تستلقي متدثرة بمعطفها جيداً، عيناها ببطء أغلقتا والواقع تحول لخيال.

النور سرعان ما عاد ليزعج عينيها فتململت في مكانها للحظات ثم فتحت عينيها ناطقة بكيل كان قد فاض من الشمس:
"لقد حل الصباح أسرع من المعتاد."

استقامت تفرك عينيها بتكاسل قبل أن ترمش عدة مرات محدقة حولها، الأزهار البيضاء كانت تتموج مع النسيم بعنفوان والمرج الأخضر الممتد جعلها تتمتم بإستدراك:
"هنا مرة أخرى."

شعرت بسبابة تنقر رأسها بلطف قبل أن تسمع صوتاً مألوفاً من فوق رأسها يقول:
"بالطبع ستأتين هنا كثيراً بما أنكِ لا تحصلين على غذاء ملائم منذ فترة."

نفخت خديها متذمرة:
"لقد تناولت الكثير من العنب هيرو حتى غدت معدتي تؤلمني."

"الطعام الحلو لا يعوض المالح فالمالح هو الذي يبقي ضغط دمكِ -الذي بالكاد يقوم بوظائفه اللازمة- مستقراً."
شرح.

"آسفة لم أفهم."
تمتمت واضعة فكها بين كفيها بتذمر، هي لم تذهب للمدرسة قبلاً ورغم أن هيرو علمها الكثير إلا أن ما يقوله أحياناً يبدو كطلاسم محضة ولغة غريبة لا تفقهها.

شعرت به يجلس خلفها وظهره موازٍ لخاصتها.
"من يجدر به الاعتذار هو أنا."

"لا تحاول أن تكون لبقاً، لأنك ستعقد الأمور فحسب."
قالت وهي تدفع نفسها للخلف لتستند لظهره الواسع. أسندت رأسها للوح كتفه الأيمن وأردفت على مهل:
"أنا سأعيدك لجسدك."

"هل سئمتِ مني؟"
سأل بهدوء لتجيب بلهثة ساخرة:
"بل أنت من يجب أن يكون قد سئم مني، أشعر بحدودي تقترب، لست بذات فائدة بعد الآن لك، كما أنه لا يمكنك الهروب للأبد. لا أحد منا يستطيع ذلك."
صمتت لوهلة تمزق بأصابعها بتلات إحدى الزهور التي التقطتها قبل أن تتحدث بتوتر:
"أنا لا أعرف شيئاً عما قد مررت به في حياتك لكن لديك مكان يجب أن تعود إليه، مهما كان الأمر مؤلماً.. يجب أن تخطوه مجدداً لأن هنالك أشخاص يتطلعون لعودتك ويحتاجونها، أعتقد أنه سبب أكثر من كافي و..."

"و...؟"
تسائل ما أن لاحظ أن صمتها طال. الزهرة أصبحت عارية من البتلات بين أنامل شارلوت التي حدقت بشكلها المؤسف للحظات ثم أجابت على مهل:
"كل منا يجب أن يواجه قدره."

"يالسخف ما تتفوهين به أنتِ من بين كل الكائنات الحية الآن."
سخر لتبتسم بمرارة تستمع له يردف قائلاً:
"ما أن أعود لجسدي حتى تفارقي الحياة بسبب المرض، أهذا هو القدر الذي تريدين مواجهته؟"

عضت شفتها السفلى قائلة بتمتمة:
"وجودك هنا يحول دون موتي ويمدد عمري لفترة لكنني سأموت في النهاية كما أنني أشعر الآن بوضوح بأن قوتك حتى لا تستطيع إبقائي حية أكثر لذا فالتدعني أعيدك علي أشهد السلام بعيني."

"إن كان هذا حقاً ما تريدين...."
صمت ثقيل ساد انتهى بسماعها إياه يطلق تنهيدة عميقة من بين شفاهه يتبعها صوته القائل بهدوء:
"ما تريدينه يا شارلي سيكون."

"إذاً... تصبح على خير."
أغمضت عينيها وتركت النسيم العليل يعيدها لمكانها الأصلي.

تثائبت وهي تنهض من البقعة التي كانت قد افترشتها قبل أن تحمل المعطف وتخرج للشرفة حيث كانت سيلست تجلس على الحاجز الخشبي محدقة بالبعيد.

رمت المعطف على كتفي الأخيرة وهي تقفز بجانبها قائلة:
"فالتذهبي للنوم قليلاً."

ارتدت سيلست المعطف مجيبة:
"لا أحتاج النوم بحق أما أنتِ فلم تنامي سوى بضعة ساعات."

"لا تقلقي بشأني، ربما لا تحتاجينه لكنه مفيد."
قالت شارلوت قبل أن تربت على كتف الأخيرة ممازحة:
"فأنتِ قوتنا القتالية الرئيسية الآن."
من دون أي كلمات إضافية كانت سيلست قد نهضت وسحبت شارلوت معها للداخل ودثرتها بالمعطف معها ضامة إياها لصدرها.

"ما الذي تفعلينه؟"
سألت شارلوت التي كانت تشعر بخديها يتم اعتصارهما مراراً بين كفي سيلست بفضول.
"أقوم بتدفئتكِ. لابد أنكِ تشعرين بالبرد."
أجابت مصاصة الدماء.

"ماذا عن الخلود للراحة؟"
تذمرت شارلوت بخمول للدفء اللطيف والذي لم تستطع رفضه.

"أنا أرتاح برؤيتكِ كذلك."
صوت سيلست الهادئ صدح في رأسها فوجدت نفسها تتقبل أن تسند رأسها لحجرها وتعود لأخذ قيلولة قصيرة انتهت مع البزوغ.

بعد مرور بضعة ساعات كانت الشمس قد بدأت بالشروق في الأفق ملونة السماء بالأصفر مزيلةً الظلام، قطرات الندى تهادت على الأوراق الصفراء وأضافت عبقاً خاصاً للأجواء.

ملأت شارلوت صدرها بالهواء العليل وضيقت عيناها على الظل المتأرجح في الأفق.

"لقد وصلت وسيلتنا للعودة."
إستدارت شارلوت للخلف محدقة بسيلست لثوان قبل أن تعيد بصرها للمركبة السوداء التي اقتربت أكثر منهم.
"وصلت؟"
تمتمت قبل أن تسأل:
"إلى أي مدى تعمل قدرتكِ على التخاطر؟"

"إنها هبة، أستطيع التواصل مع كل مصاصي الدماء القريبين مني فيزيائياً وبلا أي حدود معينة مع الأفراد الذين أمتلك صلة دم بهم."
السيارة توقفت أمام المبنى في حين راحت شارلوت تحدق بالشخص الذي ترجل من المركبة أما الأخيرة فاستطردت:
"كنت أضعف من أتواصل بشكل كامل مع أحدهم في السنوات الماضية بفعل الفضة ولشح الغذاء، لكن الآن الوضع مختلف."
سيلست ابتسمت في حين راح حاجبا شارلوت يرتفعان بتفاجؤ قبل أن ينعقدا مجدداً بحدة وينقبض فكها بشدة.

لوّح المعني بيده لهما قبل أن يغمز بيمناه تجاه شارلوت التي قبضت يديها على السياج بشدة حتى تحطم خشبه المتهالك، استدارت نحو سيلست بعنف صارخة:
"أهذا هو الدعم؟!"

ارتفع أحد حاجبي سيلست باستنكار لردة فعل شارلوت العنيفة قائلة:
"إنه ابني."

"ابنك!"
هتفت شارلوت بصدمة قبل أن تستدير نحو مصاص الدماء الشاب الذي قال في الأسفل:
"لقد مرت فترة أيتها الأميرة."

"أنا سأقتلك!"
هتفت شارلوت ببغض اشتعل في عينيها الداكنتين قبل أن تنزلق بلا شعور للأسفل بسبب دفع جسدها للأمام أكثر من اللازم فتقع بين يدين باردتين.

عيناها التحمتا بعينيه الكهرمانيتين حين قال إيدغار ساخراً:
"لا تستعجلي موتكِ أميرة، فكم أود دفنكِ أسفل التراب بنفسي."

دفعت بنفسها بعيداً عنه لتهبط على ساقيها ثم تتراجع بضعة خطوات حذرة للخلف. سيلست حالت بينهما وتحدثت بحزم:
"توقفا أنتما، أمتلك فكرة عن المكان الذي تعرفتما فيه لكن لا أحد سيقتل الآخر هنا."

في رمشة عين كان إيدغار يجثو أمام سيلست على ساق واحدة. كفه أمسكت بكفها لتقبل أناملها وشفاهه تحركت ناطقاً برزانة:
"لقد مرت فترة يا غالية."

ملامح سيلست لانت على الفور وابتسامة رقيقة ارتسمت على شفاهها وهي تربت على رأسه قبل أن تنخفض وتعانقه بين ذراعيها.

في هذه الأثناء كانت شارلوت تعالج ما يحدث في رأسها على مهل. هو بالفعل كان يبدو وكأنه يبحث عن أحدهم، لكن لم تتوقع أن تكون سيلست. لقد فارقت الفكرة رأسها بل ولم تقترب منه حتى.
والدته؟ بالتأكيد هي والدته فالشبه بينهما لا يمكن إنكاره.
لكن...

"نحن قطعاً لن نكون رفاقاً!"
تحدثت شارلوت جاذبة انتباه مصاصي الدماء مصالبة ساعديها أمامها مشيرة للنفي التام والقاطع.

"من قال بأنني أرغب بعلاقة كهذا؟"
إيدغار استقام، أنيابه الحادة ظهرت عندما استطرد:
"نحن صياد وفريسة."

شعر بقبضة تضرب صدره بلطف فاتجهت أبصاره نحو والدته التي عاتبت:
"أنت لن تتحدث لشارلوت بهذه الطريقة."
عيناها الذهبيتان حملتا كل معاني الجدية حين استطردت:
"هي ستأتي معنا."

"لابد أنكِ تمزحين! أنا لا أعرف كيف أصبحتما صديقتين، لكن هي أكبر قاتلة لمصاصي الدماء."
تحدث إيدغار بإمتعاض.

"وهل قتل البشر صحيح؟!"
هتفت بنفاذ صبر مع خطوتين للأمام لم تستطع اتباعهما بثالثة حين أوقفها قائلاً:
"قتل مصاصي الدماء ليس خاطئاً؟!"

سبابتها انخفضت وعقدة حاجبيها انحلت باستدراك، ما يراه صحيح تراه هي خاطئ والعكس صحيح أيضاً!
عدلها يتمثل في ظلمه والعكس مجدداً صحيح!
شعرت باضطراب وكأن غمامة داكنة كانت تعوم فوق رأسها وتحجب عنها الرؤية.

بعثرت خصلاتها بكتلا يديها بإنزعاج بسبب التشوش المفاجئ بأفكارها، لم تعد تساعد البشر بل وتكرههم لكن مشاعرها تلقائياً تندفع لجانبهم!
لا يجب عليها التفكير هكذا، مهمتها حالياً واحدة فقط ويجب تنفيذها.

"هل جننتِ؟"
استهزأ إيدغار وهو يقترب منها قبل أن يزيح يديها عن رأسها ويبدأ بترتيب خصلاتها المتناثرة مردفاً باستمتاع:
"ستبدين رائعة على رف الدمى البشرية خاصتي."

صفعت شارلوت أخيراً يده بحدة قبل أن ترفع نظرها نحوه محدقة في عينيه مباشرة وتقول محذرة:
"إن حاولت الوقوف في طريقي مجدداً فسأقتلك."
حتى لو كان ابن سيلست، التخلص مِن من يقف في طريقها صحيح وقتل هذا الشخص من بين الملايين سيسعدها!

"صدقيني سأحب لو تحاولي."
أجاب الأخير بابتسامته المستفزة وكان صراعهما سيصبح دموياً لو لم تدخل سيلست في المنتصف مجدداً قائلة لشارلوت:
"آسفة إن أذى أحداً تحبينه قبلاً، لكن حتى أنا لا أستطيع منعه. كان يطيع الأوامر."
استرقت نظرة لإيدغار قبل أن تتنهد مردفة:
"أوامر والده."

"لست أطيع ذلك الوغد."
تحدث إيدغار بإنزعاج حقيقي قبل أن يشير لشارلوت مستطرداً:
"لماذا ما زالت هي هنا في المقام الأول؟ فالتعد لأصدقائها البشر، لما قد نأخذها لمملكتنا؟ إن كنتِ تحبينها فأبعديها عن وجهي."

زفرت شارلوت بحدة دون أن تشيح بناظريها عنه في حين استدارت سيلست نحوه تتخاطر مع كلاهما:
"شارلوت ستساعدنا على استعادة حكم المملكة."

ارتفع حاجبا إيدغار بشيء من التفاجؤ قبل أن يضحك بتهكم قائلاً لها:
"هل قررتِ الاعتراف أخيراً بعدم كونكِ بشرية؟"

"أنا بشرية لكن ضعفك جعلني أشك في كونك مصاص دماء."
تحدثت شارلوت رداً لتلتمع عينا الأخير بشرارة نارية حمراء قائلاً بنبرة حاقدة:
"فالتكرري ما قلته الآن."

"كدت أن تموت عند أخر لقاء لنا لولا تضحية خادمك بنفسه من أجلك، يا للسخرية ترخي دفاعك، نحن في حرب ولسنا نلعب. جرب مجدداً أن تستخف بعدوك وغالباً ما سيتم فصل رأسك عن جسدك..."
مسترسلة في كلامها لم تلاحظ أنه مع كل كلمة كانت أنياب الأخير تزداد طولاً وتتمرد في حين عيناه تحولت قزحيتهما للون أحمر قان.

"توقفي عن هذا شارلوت!"
صرخت سيلست في رأسها.

شهقت المقصودة ما أن شعرت بيد تطوق عنقها ورغم تنفسها الذي استصعبته لم تقاوم ابتسامة شامتة بالتمرد على شفتيها عندما رأت مدى تأثر الأخير بكلامها.

"لا أعرف من قام بإرخاء دفاعه بيننا."
تحدث من بين أنفاسه الغاضبة لتقول رداً بعناد:
"لست خائفة، أتحداك أن تقوم بلي عنقي."

"إيدغار! إن قمت بأذيتها فعقابك سيكون عسيراً."
نظر إيدغار ناحية سيلست لوهلة قبل أن يبتسم مظهراً أنيابه ويعيد تركيزه ناحية شارلوت قائلاً:
"لن أقتلها أو أؤذيها كثيراً وإلا فسأشعر بالملل، أنا فقط سأقوم بقرصها لكي تعلم كم أنني كنت رحيماً بها وبأصدقائها في المرة الأخيرة التي التقينا فيها."

يده انتقلت من عنقها لرأسها لتدعمه والحرة التفت حول جسدها تجذبها نحوه، عينا شارلوت اتسعتا بتفاجؤ للألم الذي ارتعش جسدها له عندما غرز الأخير أنيابه في كتفها.

شعرت بأن جسدها أصيب بشلل تام لثوان لم تستطع خلالهم سوى ضغط أسنانها ضد بعضهم البعض كاتمة صوت ألمها الذي دام للحظات شعرت بها بأنيابه الباردة تغادر لحمها. دفع فجأة إيدغار بجسده بعيداً عنها لتسقط أرضاً بدهشة.
وضع المعني إحدى يديه على فاهه في حين الأخرى التفت حول جذعه، عيناه فاضتا بالدماء ولم تمر دقيقة من الوقت حتى كان قد تقيأ جل ما ابتلعه. دماء حمراء قانية تماشت أكثر مع الأسود مرضاً.

"هذا!"
تمتم بدهشة قبل أن ينظر لسيلست التي هزت رأسها بغير رضى للجهتين.

تركيزه عاد لشارلوت التي بدأت بالضحك بصوت عال من مكانها مرددة:
"مقرف! يا رجل هذا كان مقرفاً!"

بدأت بتدليك كتفها بإحدى يديها في حين الثانية أعادت تنظيم خصلاتها مردفة بعد أن هدأت:
"يبدو أن طعم دمائي لم يعجبك وهذا ما رجوته أنا بالطبع. لقد تلقيت ما تستحق لعبثك معي."

نهضت من على الأرضية موجهة حديثها لسيلست بابتسامة متألمة:
"لكن يبدو أن دائي قد استفحل بحق."

"آسفة لهذا."
اعتذرت سيلست لتتقدم نحوها شارلوت قائلة بابتسامة مازحة:
"لا تقولي هذا، لقد كنت أعتقد أنه يمكن أن يموت إن شرب دمائي، لكن يبدو أن دمائي لم تصل لهذه الدرجة من السوء بعد."
قالت كلمتها الأخيرة وهي ترفع حاجباً ساخراً ناحية إيدغار قبل أن تربت على كتف سيلست مردفة:
"لنذهب لإعادة هيرو قبل أن أصاب بشلل ما."
ثم تحركت ناحية السيارة.

"لقد قمت بتحذيرك أتمنى أن يغفر سموه لك."
نظرت سيلست ناحية إيدغار الذي كان يمسح طرف شفته السفلية بإبهامه قائلة:
"ابقى بعيداً عنها."

تحدث هو بالمقابل دون أن يشيح بعينيه عن الدماء التي تناثرت أرضاً:
"هذا مخيف لكن..."
استدار ناحيتها مردفاً بابتسامة مكابرة:
"أتظنين بأنني سأستطيع؟"

.
.
.

بعد قرابة الثلاث ساعات كان إيدغار كان يقود بهدوء أما سيلست كانت جالسة خلفه مباشرة بقرب شارلوت مغمضة عينيها في حين كانت تلك الأخيرة تناظر ما خارج النافذة من أشجار في الغابة الواسعة.

الهدوء والبرد كانا سيدا المكان، لا داعي لوجود تكييف فالجلوس بقرب مصاصي الدماء في مساحة ضيقة ومغلقة وحده يكفي. تجربة لم تعشها شارلوت قبلاً ولكنها تتمنى أن تنتهي بسرعة.

عيناها تتدحرجتا ببطء مناظرة إيدغار لثوان قبل أن تشيح بهما مجدداً للنافذة عندما شعرت بعيناه ترتفعان للمرآة مستشعراً تحديقها.

هي فقط لا تصدق هذا، تشعر بتأنيب الضمير، تشعر وكأنها تخون أحدهم.

لكن ما الذي تريد فعله؟ وقتها قد شارف على الإنتهاء، ما الذي تريد تصحيحه إن كان خاطئاً؟ من تريده أن يكون بجانبها عند لحظاتها الأخيرة؟ إلى من تريد التحدث؟

لمسة باردة شعرت بها من يد ما سحبتها خارج حلقة تساؤلاتها العديدة لتنظر لسيلست التي بدا شيء من القلق على وجهها.

"إيدغار لن يسمعني..."
سمعت صوتها يرن برأسها لتومئ فحسب بفضول.
"أنتِ بخير؟"
سؤالها الأول جعل شارلوت تهز رأسها بابتسامة قائلة:
"لست واثقة."

"آسفة عما فعله إيدغار، قد أكون والدته لكنني لا أتحكم به، لا أحد يستطيع بحق. ورغم ذلك أظن بأن تصرفاته حالياً غريبة، لم يكن هكذا قبلاً. لا بد أنه واجه الكثير عندما ابتعدت."

"لا عليك."
قالت شارلوت باختصار، لم تود سماع تبرير له، أرادت فقط الإبتعاد عنه وكل ما يخصه لكنها عادت لتتعثر به كالحصى.

يد سيلست اشتدت على خاصتها وعيناها نظرتا ناحية كتفها لتقول شارلوت مباشرة:
"لا تقلقي، هيرو ماهر بإصلاح هذه الأعطاب البسيطة."

"أنا آسفة."
رددت وهي تخفض بصرها مجدداً لتدحرج شارلوت عينيها قائلة:
"لقد قلت لا داع..."

"سامحيني شارلوت هذه المرة الإعتذار ليس لك."
قاطعت سيلست ليرتفع حاجبا شارلوت قائلة:
"أنا من تم...تعرفين ماذا...هنا وليس هو!"
هزت سيلست كتفيها بابتسامة معتذرة فقط قبل أن تشيح بوجهها للأمام.

"لا!"
قال إيدغار فجأة لتعلم مباشرة أن سيلست تتحدث معه حيث عقدت الأخيرة حاجبيها بإمتعاض.

"لن أدخل العاصمة بمسخ يحمل رائحة البشر وأميرة مطلوبة."
تحدث مجدداً لتدحرج شارلوت عينيها.

"لا بأس بهذا."
قال بهدوء بعد لحظات أخيراً قبل أن يعود السكون ليعم المركبة.

أياً كان ما دار بينهم هي تعرف على الأقل الآن بأنهم متجهون نحو مملكة مصاصي الدماء حقاً، مملكة الكريستال.

أسندت رأسها للنافذة وأغلقت أهدابها تلتمس بعض الراحة فطالما سيلست بالقرب وهيرو معها لا داعي بأن تحافظ على حذرها من أي شيء عدا إيدغار.

لم تعلم كم مرة اهتزت السيارة قبل أن تدخل بسبات لم تفتح عينيها منه سوى على ظلام دامس وبرودة يقشعر لها الجسد.

المركبة مازالت تهتز لكن الظلام دامس فقد حل الليل ويبدو أن مصاصي الدماء لا يحتاجون الأضواء للقيادة في الليل.

شعرت بسيلست جانبها تتحرك قبل أن تسمع صوتها المألوف في رأسها:
"لقد نمتِ لفترة طويلة فعلاً، هل حصل شيء ما؟"

فركت عينيها قليلاً قبل أن تدير رأسها ناحيتها وتنظر في عينيها الذهبيتين اللتان التمعتا كعيني قطة في الليل وتجيب:
"لا شيء، لقد كنت نائمة فحسب."

عم الهدوء قبل أن تشعر بيد الأخيرة تتلمس كتفها بلطف قائلة:
"أعتقد أن هذا طبيعي في حالة جسدك."

"أياً كان...ألن نصل لوجهتنا قريباً؟"
ما أن سألت شارلوت حتى ابتعدت الغيمة التي غطت ضوء القمر وسمحت له بالولوج للأسفل منيراً الظلام.

كل ما رأته في الخارج كان غابة بأشجار عملاقة كبيرة، أوراقها حملت اللون الأحمر الخريفي وكأن فصل الشتاء لم يحل بعد، أول مرة ترى منظراً كهذا منذ زمن، هذه المرة امتلكت الوقت لتحدق وتستشعر غرابته و...جماله. الشجر الأحمر مع طبقة الثلج التي غطت الأرض.

"هذه أراضي مملكتنا، من الآن فصاعداً كل ما سترينه يتعلق بمصاصي الدماء."
تحدثت سيلست أخيراً لتغمغم شارلوت مستمعة لها تستكمل:
"سنتوجه لمنزل صغير يقع على حدود العاصمة لنبيت به قليلاً ثم سوف نرى كيف قد ندخل للعاصمة دون أن نلفت الانتباه."

"فهمت."
أجابت شارلوت مشدوهة أخيراً ما أن رأت قصراً كبيراً من الحجر العسلي الداكن يعترض طريقهم.

السيارة توقفت والمحرك انطفأ تزامناً مع قول إيدغار وهو يترجل من مكانه:
"وصلنا."
خرجت سيلست تتبعها شارلوت التي حدقت بكل ما أحاط المبنى الضخم من أشجار وتماثيل حجرية تسلقتها النباتات الخضراء بذهول.

فكها تشنج وبدنها اقشعر عندما قاطع تأملها شعور بحضور كيان جديد يقترب بسرعة منهم. سيلست سحبتها بحاجبين معقودين لخلفها وإيدغار وقف بصمت ينظر للأفق بشرود منتظراً الضيف.

لم يدم الهدوء سوى لثوان عدة وفجأة ظهر زافير من العدم مسدداً لكمة لوجه إيدغار الذي رغم أنه قد استقبلها بيديه جعلت جسده يرتد عدة أمتار للخلف.

تركيز شارلوت تشتت حين اختفت سيلست من أمامها وقفزت لأقرب شجرة منهما.

عيناها لاحقتا صوت احتكاك الأوراق وتكسر الأغصان حتى سقطت شابة من الأعلى بجرح عريض على خدها على قدميها وهي استطاعت فوراً تمييزها.

"لونا!"
غمغمت شارلوت بحيرة، ما الذي يفعلنه كلاهما هنا؟ ولماذا يتقاتلان مع هذين الآن؟

جسد إيدغار حلق من فوقها لتلتقي عيناها بعينيه لثوان قبل أن يصبح خلفها ومن جهة أخرى زافير الذي أشار لها بسبابته لشفتيه بمعنى أن تلتزم الصمت.
عقدت حاجبيها، لا يبدو أنه يريدها أن تفتح فاهها، ويبدو أنها ستشاهد ما سيحدث فقط.

"ابتعدي أيتها الأميرة."
نظرت لإيدغار خلفها بحاجب مرفوع والذي لم يكن ينظر نحوها حتى لتهز برأسها وتفعل بصمت فقد يفصل رأسها عن جسدها بالخطأ.

لم ترى قتالاً يحدث بين نبيلين من قبل، بل في الواقع لم تظن أنها سترى مصاصي الدماء يشتبكون معاً. عيناها ابتسمتا عوضاً عن شفتيها حين حدقت بتركيز حماسي.

"هل ستهرب؟"
سأل زافير قبل أن يختفي ويظهر مجدداً خلف إيدغار مستعداً لركل رأسه إلا أن الثان أمسك بساقه محاولاً كبحها.
"أمام قدرتك هذه، أليس الهروب باستراتيجية؟"
سأل مستهزءً.

من جهة أخرى كانت سيلست قد أمسكت بلونا بالفعل طارحة إياها أرضاً مقيدة كلتا يديها بيد وحدة فقط خلف ظهرها.

"إن قوة سيلست مخيفة."
تمتمت شارلوت بانبهار.

تراجع إيدغار لجانب والدته يلهث بشدة في حين كان زافير يركز قفازيه الجلديين قائلاً بجدية:
"معك هاربة مطلوبة ويبدو أنك أحضرت بشرية أيضاً، بماذا تبرر أفعالك أيها السيد الشاب؟"
خرجت الكلمة الأخيرة من فاه زافير ساخرة بشكل لاذع جاعلاً إيدغار يضغط فكه بإنزعاج.

"أيها المستشار، أتخليت عن عهد ملكنا أيضاً؟"
صدح صوت سيلست فجأة في رأس شارلوت قوياً ومع تعابيير وجهها الجادة بدت مهيبة.

"أتتمردين علناً الآن؟"
سأل لتجيب مرفوعة الرأس:
"التمرد هو ما يفعله أولئك السفلة في مملكتنا."

ابتسم ببرود سائلاً:
"أتريدين الموت لزوجك؟"

تعابيير وجهها لانت قليلاً وهي تجيب:
"الموت لكل الخونة بلا استثناء."

"ماذا؟ أنتم متفقون؟ لماذا كان ذلك الترحيب الخشن إذاً؟"
تحدث شارلوت مستهجنة ليجيب زافير مشيراً بعينيه الزمرديتين لإيدغار:
"أنا لا أثق به."

حاجبا المقصود تقاربا قبل أن يزفر ويعلق:
"كأنني أفعل."
ما أن رمى جملته حتى استدار ليختفي بين الأشجار.

أطلق زافير صفيراً طويلاً متعجباً قبل أن ينظر نحو شارلوت ويشير للجهة التي سار باتجاهها إيدغار سائلاً:
"ما الذي حدث؟"

ابتسمت شارلوت بالمقابل من مكانها مجيبة:
"لا أظن بأنه يريد أن يعرف الجميع بهذا، لكن لنقل أنه تذوق الكأس المرة التي قام بجعل الآخرين يتجرعون منها."

سيلست أطلقت سراح لونا بسحبها من على الأرض لتنهض بسهولة وتومئ نحوها قبل أن تستدير نحو زافير محدقة به بإنزعاج وهي تضع يدها على خدها الذي بدأ جرحه يلتئم بسرعة في حين كان الأخير يبتسم لها معتذراً. تخطته واتجهت نحو شارلوت قبل أن تقترب منها وتمسك بكلتا يديها وتقول بقلق:
"كيف حال لوسيا؟ والداي توفيا منذ زمن وجدي لن يعتني بنا أبداً يوماً. والمقدم؟! لقد كانت حالته فظيعة! ماذا عن عماي ماثيو وآشتون، رغم أنني أكره ماثيو ولكن عمي آش ليس سوى طفل وحيد..."

وضعت شارلوت بصدمة يدها على فاه لونا تمنعها من الإكمال قبل أن تتنهد مفكرة أنها فعلاً لا تختلف عن لوسيا.

"بخير، بخير، بخير وبخير كلهم أحياء."
تحدثت شارلوت لتضع لونا يديها على قلبها متنفسة بارتياح.

نسيم بارد داعب وجهها وحرك الأغصان تزامناً دعوة سيلست الجميع لمنزلها:
"لندخل رجاءً."

عينا شارلوت نظرتا خلفها عندما مر صوت عويل غريب بسرعة على سمعها جاعلاً إياها تصغي لكن الصدى لم يتردد مجدداً.
"ربما أتخيل فحسب."
غمغمت.

في الداخل كان كل شيء مرتباً، أنيقاً ونظيفاً. مظهره الخارجي أظهره وكأنه مهجور لكن هذا القصر بدا من الداخل وكأنه كان يتم الاعتناء به. في الممرات توزعت بعض اللوحات والتماثيل القديمة المزخرفة بإتقان والغرف كانت ممتلئة بأثاث بهيّ.
وفي غرفة المعيشة شارلوت سألت بامتعاض:
"ألن يشعل أحدكم المدفأة؟"

نظروا نحوها فحسب في حين أجابت لونا بنظرة متأسفة:
"لا يحتاجها أحدهم حقاً."

نهضت الأخرى من مكانها لتضع الحطب قائلة بالمقابل:
"نسيت أنها مجرد ديكور بالنسبة لكم."

"كم أفتقد الشعور بالبرد والدفء."
تكلمت لونا بحنان في حين كانت شارلوت قد رمت عود ثقاب داخل المدفأة لتشتعل النيران وتستعر.

"نحن نشعر بالبرد بطرق أخرى."
تحدث زافير لتقهقه لونا مشيرة لناحية قلبها وتردف:
"أنا لست متأكدة إن كان ينبض مرة في الدقيقة حتى."

جلست شارلوت على الأرضية بجانب المدفأة قائلة:
"إذاً كيف ستأخذونني لجسد هيرو؟"

"أفكر بإحضاره لهنا."
قالت سيلست ليهز زافير رأسه:
"هذا مستحيل، خاصة بوجود الحراس دائماً حول القصر."

"لندخلها كخادمة فحسب."
تحدثت لونا بملل ليتفق زافير:
"إنها ليست بفكرة سيئة."

"لم تعجبني."
تحدثت شارلوت معارضة قبل أن تردف:
"قد يتعرف علي البعض."

"يمكننا تغير مظهرك قليلاً فحسب، حتى وإن بدت رائحة دمائك غريبة أكثر من المعتاد أو مألوفة للبعض فلن يهتم أحد لخادمة تسير برفقة سيدها."
تحدث زافير وهو يرسم دوائر في الهواء حول وجهها لتتنهد بقلة حيلة قائلة بحسم:
"موافقة، لكن لن أغير مظهري أبداً!"

"إذاً يبدو أننا سنلتقي غداً."
قال زافير لتلوي شارلوت فاهها في حين حاجبا سيلست ارتفعا قائلة:
"غداً؟"

نهض زافير من مكانه مركزاً معطفه الرمادي على كتفيه قبل أن يدخل يديه في جيباه قائلاً:
"غداً ستقام مراسم رثاء بقرب النهر وسيوضع عدة نصب تذكارية للذين تم قتلهم من نبلاء، الجميع سيحضر بلا استثناء. هذه فرصة مواتية للتسلل للقصر الفارغ، لا يمكننا تضيعها أو التهاون أكثر."

"أنت قلت بلا استثناء، من سيرافقني؟"
سألت شارلوت ليشير زافير بعينيه للونا مجيباً:
"بلا استثناء بالنسبة للنبلاء لكن لونا متفرغة وستعتني بكِ جيداً."

"أنا أيضاً سأذهب."
تحدثت سيلست وهي تنهض من مكانها بجدية ليتأسف زافير منها باحترام:
"اعتذر لسموك لكن دخولك العاصمة أمر سيثير فوضى نحن في غنى عنها، حالياً على الأقل."

يداها تكورتا بجانبها وهي تعقد حاجبيها قبل أن تسترق نظرة لشارلوت التي ابتسمت نحوها قائلة:
"لا تقلقي، أستطيع إكمال المهمة لوحدي كما أن لونا ستكون معي."
شبكت شارلوت يداها معاً تلهث بسخرية من نفسها قبل أن تردف:
"أعلم أن هذا جنون، فضربة واحدة قد تنهي حياتي وبالتالي حياة هيرو. لكن أنا لست خائفة، لأنني متأكدة لو أن هيرو لا يثق بإمكانياتي لما كان قد بقي معي حتى الآن ولا أعتقد أن أحدكم سيعارض قراره صحيح؟"
صمت دل على الرضى ساد فهي في النهاية محقة.

نهضت من على الأرضية قبل أن تسير ناحية الباب قائلة:
"أعتقد أنني سأنام قليلاً بعد فغداً إن كنت على صواب يوم سيحفل بالكثير."
ما أن قالت جملتها الأخيرة حتى اختفت عن أنظارهم سريعاً.

في غرفتها الصغيرة وتحديداً بجانب النافذة جلست، تستمتع برؤية قمر الليلة المنير لكنها لم تجرؤ على فتح النافذة خوفاً من الرياح الباردة التي تجعلها تشعر بالوحدة والفراغ، هكذا هي تهرب من الشعور خوفاً على نفسها من تأثيره.

"غداً هو اليوم الموعود هيرو، لا مزيد من الهروب. كلانا سنواجه كل شيء مرة واحدة ونهائياً."
قالت ببأس قبل أن تسند رأسها للجدار مردفة بهدوء وصوت خفيض:
"للأبد."



**********

مرحباً! مرحباً!
أطول فصل في حياتي
أتمنى أنكم استمتعتم به
من متحمس للقادم؟!
أي توقعات وآمنيات؟

أراكم على خير كالعادة
ناخت♥️

Continue lendo

Você também vai gostar

563K 17.6K 23
الرواية تتحدث عن الشيطان او لنقول زعيم مصاصي الدماء يقع بحب فتى منذ ان كان صغير ويصبح مهووس بكل انش به.. ********* ماذا سيحدث عندما يتعرض الفتى للخ...
267K 20.5K 34
هُناك صراع دائِماً بِداخلنا، مشاعر مُتضارِبة، أفكار مُشتتة، فراغ داخلي، خوف، كُره، حُب، رغبة، شهوة، هُناك أيضاً ملائِكة وشياطين . وتزداد هذه الصراع...
421 94 9
ينطوي الزمن ونحن تحت الأرض نحيا، كما الأموات في رقودهم في القبور، في سلام واستسلام. فالهوّة المفروضة التي بيننا وبين المتنعمين فوق الأرض، قد أنستنا...
1.5K 238 20
~°● تِلكَ التِي تَهَاطَل الغَيثُ بِقَلبِهَا وأِختَرَقَت السِهَام أحشَائِها وتَلَوَثَت دِمَائِها النَقِيه بِعَفَن أَرضِك الضَحلاَء حَان وَقتُكَ لِتُعَ...