نيـوتروبيـا

By Die-Nacht

268K 18.5K 24.1K

"أعطـني لأعطـيك" هـذه قصـة الطـفلة التي اعتمدت هذا القانون كحل وحيد وأوحد للنجـاة في عالمـها المشـوّه. هي تل... More

-1- بداية السقوط
-2- مجمع القطب
-3- مصيدة الثعلب
-4- كهرمان
-5- خلف جدرانهم العالية
-6- الحرب
-7- رائحة دم
-8- إكصاص
-10- السرداب
-11- عيون الصقر
-12- سيلست غولدن
-13- سليل السلف الأول
-14- هذا وذاك
-15- شتاء بحلة الخريف الأحمر
-16- صندوق زجاجي
-17- مشارف الموت
-18- لاشيسيا
-19- دموع شارلوت
-20- سمفونية أبواق الهلاك
-21- لأجلكِ أيتها الفاوانيا
-22- بئر من الأوهام
-23- رؤى
-24- رسائل السلام
-25- أونوس
-26- أضواء باهرة
-27- آل والثعلبة السوداء الصغيرة
-28- قمر حقل البنفسج
-29- خزف
-30- الدرجة رقم سبعة عشر
-31- دماء ورثاء
-32- بركة الملح
-33- قلوب بلا عيون
-34- أحضان الشمس الدافئة
-35- شتاء ديستوبيا الأخير
-35.5- ومضة
-36- ربيع الأرض الجديدة
-37- واجبات الحرس
-38- الكناري الصامت
-39- شبكة من خيوط الماضي والحاضر
-40- أجيال
-41- تمرد الوحوش
-42- الشمس والقمر
-43- خلف مخمل الستار
-44- رماد عينيه
-45- سالب
-46- سم وعسل
-47- شيطان
-48- براءة عذراء
-49- زهرة النوكس المشؤومة
-50- حنين للحنان

-9- شِقاق الزهور

5.5K 367 289
By Die-Nacht


"لونا!"
سائراً خلفها في الممر الفاره نادى لكن لم يتلقى استجابة من تلك التي مازالت تهرول بغضب أمامه.

عقد حاجبيه بإنزعاج قبل أن يختفي ويظهر أمامها مباشرة ممسكاً بكتفيها ليسأل:
"ما خطبكِ تتجاهلينني منذ أيام؟"

"أنت تعلم ما خطبي زافير."
تمتمت بجمود وهي تصفع يداه عنها ليتراجع خطوتين للخلف بعيداً عن مساحتها الخاصة مردفاً:
"أحقاً؟"

"لا تتغابى! أنت كنت تعلم أن شقيقتي الصغرى كانت معهم لكن عوضاً عن إخباري قمت برمي مباشرة في وجهها!"
أجابت بإنفعال وهي تلوح بسبابتها المرتجفة في وجهه.

حدق بسبابتها للحظات بلا ملامح تذكر لتتنفس الصعداء وتخفض يديها شابكة إياهما خلف ظهرها قائلة:
"عذراً."

"أنا متأكد بأن الأمر لم يزعجك بقدر ما أسعدك وأراحك."
قال بهدوء مبتسماً لتشيح بوجهها مجيبة:
"صحيح. لكنني كنت خائفة من ردة فعلها. أنت لم تشعر بما شعرت به آنها."

"كوني أصبحت مصاصة دماء لم يكن في سياق حديثها وهذا أكثر ما ارتعبت منه؛ أن تراني شقيقتي وحشاً."
استطردت بعد لحظات من الصمت.

"هي لم تفعل."
تحدث زافير وهو يجذب يده ليزيح بعض الخصلات التي هاجمت وجه الأخيرة قبل أن يردف بعتاب:
"لم أجد مفراً يومها، كان يجب علي مقابلته."

"هل لوكسياس يعلم برأيك؟"
لونا تراجعت مبتعدة وغمغمت بسؤالها ليتنهد ويجيب بهدوء:
"لا أعرف. احتمالية كونه يعلم بالفعل بل أكثر مما نعلم حتى موجودة وعالية، استمري باتخاذ الحذر."

"مفهوم، والآن عن إذنك، لدي ما أقوم به."
تحدثت باحترام ليومئ هو برضى مشاهداً إياها تستدير وتشق طريقها عبر الردهة الواسعة نحو وجهتها وعلى فاهه ابتسامة شبحية.
"لو تعلمين أنها شكرتني."
تنهد كلماته.

"تبدو في مزاج جيد عكس ما اعتدته منك."
ملامح زافير تجمدت فوراً وهو يدور بنصف جذعه للخلف مناظراً إيدغار الذي تقدم نحوه من جهة أخرى وهو يعبث بشعره الثلجي بكف ويجر معطفه الأبيض خلفه على البلاط بالكف الأخرى.
"ما الذي تريده؟"
سأل زافير وحاجبه الأيمن ارتفع قليلاً.

"أيها السلف الخامس زاريدا..."
تحدث إيدغار بابتسامة هازئة وهو يلتف حول الأخير مسترسلاً:
"أنت محظوظ أنك لم تنضم لخطة الغزو الفاشلة تلك وإلا لكنت رماداً بحلول الآن."
نفث كلماته كمن ينفث الغبار.

"انتبه إلى طريقة كلامك أيها السيد الشاب."
حذر زافير بخفوت ليطلق إيدغار صفيراً قصيراً وهو يخلع المنديل الحريري الذي التف حول عنقه ليقول بالمقابل:
"لم أعني الإهانة، لكن بمناسبة أن طرقنا تقاطعت لدي سؤال يثير فضولي."

"لا وقت لدي للدردشة فاختصر."
طلب الأخر ليغمغم إيدغار بخفوت ونبرة مشككة ملتوية:
"لقد سمعت أنك كنت قد خرجت ضمن فريق الدعم وبالصدفة كنت بالمنطقة التي بقربي. هل هذا صحيح؟"

"صحيح."
أجاب زافير بهدوء من دون لف أو دورات ليرتفع حاجبا إيدغار باستغراب قائلاً:
"لماذا لم أرك هناك إذاً؟"

"لقد تخطيت المنطقة التي تواجدتَ فيها فحسب، فلا أظن أن ابن السلف الثاني جيفرسون إيليورد يحتاج مساعدة في التخلص من بعض البشر."
تعابير وجه إيدغار ارتفعت بتفهم وبباطن كفه أخذ يربت على على كتف زافير بتمهل.
"أنت محق بهذا الشأن، لكن لا تقارني بأبي الوغد رجاءً فأنا أبغض سماع اسمه ولو كان يتلو دوماً خاصتي."
بصر زافير تضيق على محدثه فرغم أن نبرته لم تعلو إلا أن كفه ضغطت على كتفه بشدة.

"لا تقحمني بتراهات عائلتك أيها السيد الشاب. نحن في ردهة القصر الملكي لذا تحلى بالأخلاق وتوقف عن التلفظ بمثل هذا الكلام وخلع ملابسك هنا وهناك."
زافير أزاح يده عن كتفه وبكلمات استئذان لبقة كان عاد لاستكمال مسيره.

إيدغار قهقه وقام بالتلويح بكفه التي تعلقت في الهواء بابتسامته التي لم تفارق شفاهه سوى بعد أن اختفى حضوره عنه تماماً.

.
.
.

دورة واثنتان في الهواء لحقت بهما ثالثة قبل أن تسقط أرضاً على وجهها فتتألم بصوت عال. أرادت أن تغفو فحسب وليس أن تنام لأنها تعلم أن قيادة آلان فظيعة بالفعل.

"أنتِ شيء يافع غير مطيع شارلوت."
فتحت عينيها على مصراعيهما حين التقطت أذناها صوت هيرو ووجدت بتلات الزهور تتطاير أمام بصرها لتغرقها بعطرها الخاص.

"لا تبدأ بمحاضرتي."
دفعت بدهشتها بعيداً فتذمرت وهي تجلب ساقيها على النهوض. نسيم المروج الواسعة رفع خصلات شعرها الخفيفة بلا عناء وكأنه يساعدها بهبوبه على التوازن.

نقلت عيناها في الأرجاء تبحث عن طيفه ولمحته، كان بعيداً كالعادة ولكنه كان ينظر باتجاهها وذراعاه تتصالبان أمام صدره.

"طلبت أمراً واحداً بوضوح منك وهو البقاء بعيدة عن إيليورد."
كان جاداً بعتابه، خصلات شعره الحمراء بدت وكأنها تستعر أعلى رأسه حين نسفها الهواء، تصرفت بغباء لكنها دافعت عن نفسها هاتفة:
"أنت أيضاً ترغب به ميتاً!"

"لا تدخليني بهذه الطريقة في الأمر وأنا الذي حذرك من الاقتراب منه."
الأرض اهتزت من أسفل قدميها وهي ابتلعت لسانها بخوف حين أخذ يوبخها.
"أنتِ وبسبب تصرفاتكِ في غيبوبة أخرى الآن وصدقيني إنها لدامت أكثر من المرة الماضية وقد تستمر لفترة أطول إذ أن جسدك يصرخ للموت الذي يحدق به. الفيروس ينهشكِ من الداخل وأنا لست بقادر سوى على تثبيط تقدمه."
سقطت مجدداً لشعورها بتحلل ساقيها وتنفست برعشة، كانت تصرفاتها تثير استياءه بين الفنية ولكنه لم يقم يوماً بزجرها بمثل تلك النبرة الغاضبة.

"لا داعي لكل هذا..."
غمغمت من بين أسنانها بخفوت قبل أن تهتف بإنزعاج:
"أنا إنسانة عليلة وبعيدة عن الكمال، إن كنت لا تطيق هذا فلماذا مازلت هنا من الأساس؟!"

شهقت نفساً وكتمته في صدرها حين شعرت بظله يصبح خلفها وفوق رأسها.
"أنتِ...أتقومين بالتخلي عني الآن؟"
همس بقرب أذنها لتشاهد أناملها في حجرها تنقبض برعشة. أيهددها؟

"لم أقصد هذا."
نطقت بخوف وشيء من الذنب، فكرة أنه سيدعها ويرحل حركت أفكار سوداء مدفونة في مؤخرة عقلها كانت تقوم بتجاهلها منذ زمن.

همهم مطولاً وكأنه يقوم بالتفكير.
"أهذه مرحلة التمرد المزعومة التي يمر بها البشر؟"
تسائل.

"إنها ربما تكون كذلك."
شعرت بحلقها يغدو جافاً، الابتسامة التي وضعتها على شفاهها كانت متحجرة.
"آسفة هيرو، أنا لم أعني قول ما قلته، وددت أن أعلم عن سبب ابتعادك وأنت تمتملك حلفاء لجانبك، أنا أغبطك، لديك من يهتم لأمرك."
مابينهما كان مجرد اتفاق خذ وأعطي، لما تفضي له بكل هذا؟ بالطبع لا لسبب سوى تبرير موقفها المخزي عله يشفع لها استكبارها.

"لو لم أبتعد لكنت سأتسبب في موتهم قبل فنائي."
نبرة صوته تغيرت وهو يجيب:
"استمعي جيداً شارلوت..."
عيناها ارتفعتا للأعلى حيث كانت تحدق بالأرض قبلاً. كل مرة ينطق بها باسمها يجذب انتباهها ويخرجها من شرودها. صمتت وأصغت السمع بهدوء له حين أردف:
"أنتِ تعلمين بالفعل أن مجتمعنا في الداخل مقسم.
الغير مؤيدين للحرب يقتلون إن جهروا بذلك، لكن أنا حتى وإن كنت مؤيداً أو معارضاً هناك من يريد قتلي. ولأجل أولئك الذين يقفون في صفي بالمثل توجب علي الإبتعاد."
نبرته أصبحت لينة نوعاً ما. أول مرة يظهر بها اهتمام حقيقي بحياة مصاصي الدماء، بني نوعه الذين شاركها بمحاربتهم حتى كادت بنفسها أن تنسى حقيقته.

"أفهم أن التخلص من عدد من النبلاء الذين يمسكون السلطة قد يعادل كفوف الميزان قليلاً لكن... ماذا بعد ذلك؟ الثغرة الأكبر لن يتم سدها بسهولة."
استدارت على مهل برأسها وتحدثت بخفوت حين شعرت به ينهض ويتراجع.
"تشيرين للعرش الفارغ."

"أفعل."
نهضت خلفه ووجدت نفسها تحدق بظله يبتعد قبل أن تبدأ بملاحقته عبر زهور المرج الزرقاء الداكنة على مهل.

"قلقكِ لا يمكن إنكاره، الملك السابق كان قد حافظ على المملكة لفترة طويلة بشكل لائق، لم تكن الحرب إحدى أفكاره، لم يرد يوماً الإقتراب من الخارج فهو يعلم ما قد يترتب على ذلك من كوارث إلى أن تم خيانته."
توقف وهي فعلت المثل مشاهدة أنامل كفيه تنقبض بقربه.

"مهلاً!"
تلعثمت شارلوت بدهشة:
"الخيانة أمر مختلف تماماً عن الاغتيال!"

"النبلاء لفقوا تهمة قتل الملك السابق للبشر من أجل اكتساب دعم العامة وإشعال نار غضب تدفعهم للقتال."
شرح بهدوء.

"إذاً الملك السابق تم خيانته من قبل شخص يستطيع الوصول للعرش بسهولة؟"
هزت برأسها للجهتين وأضافت بصوت أعلى:
"هذا خطير فإن كان وصف زافير له صحيحاً وإن استولى ذلك الشخص على العرش فلن يعود هناك أي طريق للسلام مع مصاصي الدماء إذ أن التهم الملفقة سيتم إلصاقها بشكل رسمي، البشر سيعانون كما شعبكم من مصاصي الدماء المضللين."
أخفضت بصرها للزهور التي غدا لونها مضمحلاً أكثر وتنهدت متسائلة:
"ما الحل؟"

"يوجد قانون في المملكة ينص على أن الملك الجديد يجب أن يحصل على مباركة جميع أفراد السلف الخمسة. إن لم يحصل على كلمة من كل فرد لن يتم تتويجه."
استأنف مسيره لكن هذه المرة على مهل وكأنه لا يمانع بأن تلحق به.

"وهل شخص كالذي نتحدث عنه يتبع القوانين؟"
هتفت وهي تخوض خلال الأزهار التي بدأت سيقانها تصبح أطول لتغرقها.
"للآسف هو لم يخالف أي قانون علناً، اعتلائه للعرش يجب أن يكون بهذه الطريقة. يمكنه الكذب على كل المخلوقات لكن لم يستطيع مهما حاول خداع الدماء."
أجابها ببساطة.

قامت بجذب شعرها للخلف بقوة حين وجدت ساقيها مقيدتين بالكامل غير قادرة على تحريكهما.
"أنت تعلم من هو ذاك الشخص أليس كذلك؟"
سألت.

"أفعل."
أجاب دون أن يتوقف ولو لبرهة لينظر لحالها.
"يبدو أنكِ تستيقظين."
علق.

"هل نستطيع قتله؟"
سألت على عجل. شعرت بالشؤم من الحديث عن من قتل ملك مصاصي الدماء بنفسه لكنها ودت لو تعلم. احتاجت الأمل.

"توقفي عن مواجهة النبلاء فحالكِ أسوأ مما قد تظنين وبشأن ذلك الشخص بالذات..."
نسمة باردة عصفت بوجهها وجعلتها تغمض عينيها.
"هناك من سيعتني بأمره فلا داعي لأن تشغلي بالكِ به."
شعرت بثقل خفيف يضغط على فروة رأسها.
"فالتضعي نفسكِ أولاً وتعتني بها."
سمعت الكلام وقضمت شفاهها بندم، لم يكن يهددها بل كان يعاتبها لأجل نفسها سابقاً. رغم أنه غير مضطر لذلك إلا أنه يفكر بها وهي لم تفعل، تصرفت كطفلة طوال الوقت ولم تحمل أي مسؤولية اتجاهه.

حرك كفه ليبعد بأطراف أنامله خصلاتها الغير متساوية خلف أذنها وأضاف:
"أنتم البشر تبالغون بكل ما تفعلونه."
لم تعلم أن هيرو يستطيع لمسها ولأن هذا خيال يده لم تكن لا دافئة ولا باردة والحقيقة لم تهم. شعرت ببعض الدموع تتكون في مقلتيها فأحكمت من إغلاقهما.

"سأكون أكثر حذراً في المستقبل من تصرفاتي."
وعدته بهدوء، لم ترد أن تقحم مشاعرها في الأمر، تعلم أنه يتوجب بها أن تتعقل، الأمور التي حصلت منذ أن بدأت ترافق البشر شتتها.

"جيد لكِ. لاحظت أمراً مهماً الفترة الماضية، سأخبرك بالتفاصيل ما أن يحين الوقت المناسب."
سمعته يتمتم أخيراً قبل أن تفتح عينيها لشعورها بأن الضغط الذي حط على ساقيها قد تلاشى.

شعرت برعشة متجمدة تكتسح جسدها لتزفر بعض الهواء الذي خرج كبخار من فمها.

عيناها ارتفعتا نحو النافذة أعلى رأسها لترى ندفات بيضاء ضئيلة تلاحق بعضها البعض فهمست:
"ثلج؟"

نهضت بمساعدة من يديها وهي تمسد رأسها بألم لتتحسس شيئاً ناعماً التف حول وجهها وجبهتها. لابد أن هيرو ترك بعض الجروح السطحية لتبدو مصابة بحق.

حركت عينيها في المكان ليتضح أنها في المشفى مجدداً والغرفة ذاتها. نحو المرآة المعلقة على الحائط اتجهت لتزيل الشاش الملفوف حول رأسها بتملل وترميه بعيداً ثم فتحت الخزانة سريعاً ليعقد حاجباها بإنزعاج فهذه المرة ثيابها لم تكن موجودة.

"لا أريد أن أتجول بهذا الشيء."
تمتمت وهي تمسك أطراف الرداء الأبيض الخاص بالمرضى.

فتح باب الغرفة لتتحرك بأنظارها نحو الممرضة التي قابلتها في المرة السابقة.

"أخيراً استيقظتِ، مجدداً."
بدت الممرضة ساخرة وهي تمد يديها ببعض الملابس اتجاه شارلوت التي تشكرتها ثم سألت:
"ما هو تاريخ اليوم؟"

"يجب فعلاً أن تسألي...أنتِ لم تتحركِ منذ قرابة العشرين يوم."
أجابت الممرضة سريعاً قبل أن تخرج وتترك شارلوت المذهولة وحدها.

بدلت ملابسها لأخرى جديدة عبارة عن بنطال أسود وقميص كتاني سميك ذو لون فستقي داكن قبل أن ترتدي حذائها الجلدي المتواجد جانباً على عجل وتخرج من الغرفة للبحث عن زملائها.

لم ترى جايدن وماي منذ تلك الفترة هل هما بخير؟ وآلان كان يتصرف بغرابة كلوسيا ما الذي يخفيانه؟ أما أليجاه...هل مازال حياً يا ترى؟

وصلت مكتب الممرضات في الردهة لتلتقط تفاحة من سلة الفواكه الموجودة جانباً وتقضمها قبل أن تستند لمكتب من أصبحت تقريباً صديقتها.

"ألن ترحلي؟"
سألت الممرضة بملل في حين كانت شارلوت تحدق بها وهي تمضغ ما في فمها بهدوء تستشعر طعمها السكري في فاهها الجاف على مهل.

"ألهذه الدرجة لا تطيقين رؤيتي؟"
سألت بحاجب مرفوع لتهز الأخيرة رأسها بقلة حيلة مجيبة:
"أنا لا أطيق هذا النوع من الأشخاص الذين يرمون نفسهم في المشاكل ثم يبقون طريحي الفراش أياماً طويلة وأنتِ يا عزيزتي ما كدت أن تخرجي من المشفى حتى عدتي مجدداً."

"آسفة بشأن هذا سيدة أوكتاڤيا."
قرأت الاسم من على البطاقة بصعوبة لطوله لتقول الأخيرة ببرود:
"لا بأس بمناداتي ڤيا فاسمي طويل ولست بعجوز لتخاطبيني بسيدة."

"يا للجفاء."
تمتمت شارلوت بابتسامة لتزفر أوكتاڤيا بقلة حيلة قائلة:
"ما الذي تريدينه؟"

"هل المقدم كلاي مازال في المشفى؟"
سألت فوراً بلا مقدمات لتتجمد أصابع الأخيرة التي كانت ترتب بعض الأوراق فجأة.

نهضت من مكانها ملتفة يمنة ويسرة قبل أن تهمس ناحية شارلوت بصوت خافت:
"إنها معلومات خاصة ولكن بما أنكِ إحدى الذين أحضروه فأنتِ تعلمين بالفعل ما تعرض له."

"ليس حقاً."
تحدث شارلوت بشيء من الصراحة.

أخرجت ڤيا ملف من بين بضعة أوراق وبدأت بتقليب صفحاته قارئة:
"لقد تم إجراء عملية جراحية له بسبب نزيف داخلي، عدا ذلك كان يعاني من كسر في ضلعين على الجهة اليمنى من صدره فضلاً عن جروح ستتسبب بعلامات دائمة في مختلف أنحاء جسده."

صورة لوبين. الرجل العجوز الذي قابلته سابقاً قفزت في رأسها وقد كان محقاً.

"وكيف هو حاله الآن؟"
سألت شارلوت بشيء من الأسى إذ لم تتوقع هذا الكم الهائل من الإصابات. لابد أنه مازال في المشفى بالتأكيد.

"إنه في الطابق السادس الغرفة الخامسة. انتبهي لا يجب أن يراك أحد هناك فالمكان شبه محظور."
أجابت أوكتاڤيا وهي تهز يدها مشيرة بأن تذهب وترى بنفسها لتستدير شارلوت قائلة:
"شكراً على المعلومات."

"أيتها الشابة!"
التفتت شارلوت مرة أخيرة نحو تلك التي دحرجت عينيها من الملف نحوها قائلة:
"من الأفضل أن لا تعودي للمشفى مجدداً. صدقيني أنا أنطق بكلماتي هذه لأجلكِ."

"أنا أعرف."
ابتسمت نحوها ملوحة قبل أن تتجه نحو المصعد وتستقله للأعلى.

قضمت جهة أخرى من التفاحة الصفراء معلقة عينيها باللوحة الضوئية فوق الباب. بالطبع لا يجب أن تدخل كثيراً المشفى لا تريد أن يكتشف أحدهم بالصدفة أنها تحمل فايروس الروفوس في دمائها دون أن تعاني بسببه أو يبدو عليها المرض حتى. وأيضاً هي فقط ستجلب الكثير والمزيد من الأنظار نحوها وقد فعلت بالفعل.

المصعد فتح بابه وببطء أخرجت رأسها تلتفت هنا وهناك في الممر الفاره. بعكس الطابق الأدنى كان هذا الطابق يبدو عالم أخر مختلف من البناء. كل شيء جديد ونظيف ويلمع ورائحة المعقمات قوية تضرب كصفعات لاسعة.

على رؤوس أصابعها تسللت ببطئ حتى الغرفة التي تحمل الرقم خمسة. وضعت يدها على المقبض وفكرت مرتين، هل من اللائق الدخول دون طرق الباب؟

"لا فقط قم بتعديله!"

رأسها التفت لجهة أخرى وهي ترى رجلين بزي التمريض يتجهان نحوها ولكنهما لم يلمحاها بعد فقد كانا يحدقان بصورة ما بين أيديهم.

دحرجت عينيها ودفعت الباب بلطف لتنزلق داخل الغرفة ثم تغلقه خلفها دون أن أي صوت.

استدارت بعد تنهيدة صغيرة لتشهق بتفاجؤ ورعب واضعة يدها على قلبها قائلة بهمس:
"أنت هنا أيضا؟"

ابتسم آشتون بعد أن لاحظته يقف بجانب النافذة إذ لم يكن مرئياً لها حيث أن الجو الثلجي في الخارج جعله غير ملحوظ.
"صباح الخير."
تحدث.

حمحمت مرتين قبل أن تقترب من أليجاه مناظرة صدره الذي يرتفع ببطئ وينخفض بحركة أبطئ قبل وجهه الذي اكتسحه الشحوب قائلة بتهكم:
"أي خير هذا؟"

"لا تبدين سعيدة."
تمتم بهدوء لتخرج تنهيدة ثقيلة فحسب تاركة إياه يسترسل:
"أنتِ لم تتخلي عنه كما فعلت. يجب أن تكوني سعيدة لإستعادته حياً."

رفعت عيناها ملاحقة ظهره حيث اتجه نحو الباب لتوقفه بقولها بهدوء:
"أنت لم تتخلى عنه، أنت فقط أردت حماية الجميع وتنفيذ مهمتك كقائد. ثم..."
أرادت القول أنها نادمة فكادت أن تقتل نفسها والأطفال معها. حركت رأسها نحوه مناظرة إياه بابتسامة جانبية مردفة:
"أنا واثقة بأن المتعجرف من أجبرك على تركه."

"يبدو أنكِ بدأت بفهم أليجاه جيداً. لا تقلقي الطب متطور لدينا وسيتعافى بسرعة."
تحدث ضاحكاً.

عيناها عادتا لمراقبته بصمت قبل أن تتجها ناحية النافذة هامسة بحيرة لنفسها:
"هذا ليس صحيحاً، أنا لا أفهم تصرفاته أبداً."

تنهد آشتون بحالمية قائلاً:
"ها أنا أرى أحد أطفال أليجاه ينمو مجدداً."

"أنا لست بطفلة."
تذمرت شارلوت ليقهقه المعني بخفوت مضيفاً:
"لم أعني ذلك حرفياً. كل مافي الأمر أن جميع المجندين التابعين له يقولون أنهم لا يفهمونه ثم بمرور الوقت يتبعونه كشخص أعمى."

"لن أتبعه أبداً."
كتفت يديها زافرة بسخرية ليهز آشتون برأسه ويقول ملوحاً بأامله في الهواء وكأنه ينثر غباراً سحرياً:
"ها أنتِ ذا تتصرفين مثله وثقي ستفعلين فتأثير أليجاه على من حوله كتأثير السحر."

فتحت شارلوت فاهها مستعدة للمزيد من الجدال لكنها أغلقته وآثرت الصمت.

"اعتني به لأجلي."
أضاف آشتون وهو يمدد يديه عالياً متخطياً إياها ليخرج من الغرفة.

نظرت لوجه أليجاه النائم لثوان قبل أن تجذب كرسي وتجلس بجانب السرير بهدوء.

صوت تقليب صفحات الكتاب الممل بين يديها كان الصوت الوحيد الذي يصدح في الغرفة الهادئة، صفحة تتلوها أخرى دون أن تنظر للمحتوى حتى، فهي ليست صديقة الكتب. هيرو علمها كل ما تعرف والحق يقال...حتى رغم أنه لم يكن فيزيائياً هناك لأجلها، لم تكن لتنجو دون طيفه.

أطلقت زفرة متململة قبل أن تنهض من على الكرسي وتعيد الكتاب لمكانه على الطاولة الخشبية الكبيرة التي حملت قارورة مياه ممتلئة لأكثر من النصف وبجانبها طبق وضع فيه بعض القطع من الكعك.

حملت إحدى القطع لتحشرها بفمها ليبدو بعدها مباشرة عدم الرضى عن المذاق جلياً على وجهها.

اتجهت نحو الخزانة لتدفع بابها برفق وترى ما بداخلها.
حاجباها ارتفعا قليلاً ما أن رأت أنها فارغة تماماً.

التفتت نحو جهة أخرى لترى باباً صغيراً جانبياً ولابد أنها دورة المياه.

تقدمت من سرير أليجاه قبل أن تجلس على ركبتيها بجانبه وتسند مرفقيها للفراش، كفاها حملا وجهها وهي تزفر نفساً طويلاً بملل.

بعد دقيقة من التأمل في ملامح وجهه رفعت كفها وحركته اتجاهه لتزيح خصلتين كانتا على عينه من شعره الأسود بتروي قبل أن ترسم ابتسامة جانبية على شفتيها وتقترب أكثر نحوه هامسة:
"إلى متى ستدعي أنك نائم؟"

صدره ارتفع بنفس قوي أشبه بتنهيدة قبل أن يفتح عيناه اللتان ارتسم أسفلهما هالات سوداء ببطئ ويحرك رأسه رامشاً اتجاهها عدة مرات بحاجبين معقودين.

"مرحباً!"
هتفت بابتسامة واسعة أظهرت صف أسنانها الأبيض وهي تتراجع للخلف قليلاً.

"أنتِ تبدين بصحة جيدة بغرابة."
تحدث أخيراً بصوت خافت مبحوح لتلعب بخصلة من شعرها قائلة بدلال:
"شكراً على اهتمامك، وأنت تبدو فظيعاً."

أشاح بوجهه للأمام قبل أن يسحب ذراعيه لينهض إلا أن شارلوت أمسكت بكتفيه ودفعته ليبقى مستلقياً قائلة بجدية:
"أستطيع الجزم بأنه من غير مسموح لك التحرك."

"وما أدراكِ؟"
تمتم بألم وهو يضغط على أسنانه لحركته المفاجئة قبل أن يستسلم لشارلوت التي لم تتحرك قيد أنملة ويعيد رأسه للوسادته.

"لا يوجد ملابس في خزانتك هذا يعني أن خروجك ممنوع ناهيك عن التحرك."
استدارت مشيرة لقارورة المياه والطبق مردفة:
"القارورة شبه ممتلئة والكعك جاف...هذا يعني أنك لا تستطيع الوصول لهما في الأساس."

"أبداً...كل مافي الأمر أن لا رغبة لي بتناول شيء."
قال نافياً وهو يحاول أن يقلب جسده لناحية الجدار معطياً إياها ظهره.

لقد نجح ولكنه لم يستطع أن يكتم صوت تأوه خفيض فر من بين شفاهه لتتنهد هي بقلة حيلة قائلة متذمرة:
"وهيرو يصفني بالعنيدة."

"أنا لست كذلك، ومن يكون هيرو هذا؟"
هتف بإنزعاج دون أن ينظر نحوهها لتتفاجئ من تصرفه الطفولي هذا.

"إنه صديقي."
أجابت ببساطة.

"هل أعرفه؟"
ابتسامتها لم تتزحزح. هل هذا تأثير مخدر ما عليه أم أن شخصه المريض مختلف قليلاً عما تألفه. يبدو صادقاً. أجابت بهمس:
"لا، لأنه مصاص دماء."

"ماذا؟!"
وجدته ينظر لها بحدقتيه الزرقاويين المتسعتين بصدمة ما أن استدار نحوها بسرعة لتخر ضاحكة عندما بدأ يأن بألم.

"هذا عقاب لك أيها المقدم المبجل."
تحدثت وهي تنهض من مكانها لتقوم بسلام عسكري نحوه مردفة بجدية:
"لا ترمي بنفسك للموت بسهولة، فليس جميع الناس يتقبلون أن يفقد أي شخص حياته لأجلهم وأيضاً ليس جميعهم سيتذكرون ذلك."

صمت محدقاً بها بعيون ناعسة قبل أن تتبدل ملامح وجهها مجدداً وتبتسم:
"في كل الأحوال، سعيدة أنك مازلت حيّ. اعتني بنفسك."
لوحت بيدها مع جملتها الأخيرة قبل أن تستدير للخروج.

"مهلاً أيتها الثعلبة."
تمتم بحاجبين معقودين وهو يجلب يده ليمسك بمعصمها مانعاً إياها من الذهاب.

حدقت به بتساؤل ليردف:
"ما الذي حصل هناك شارلوت؟ ما الذي فعلته؟"

رفعت عينيها للنافذة مراقبة حمامة قد حطت على الحافة تنفض ريشها من الثلج قبل أن تجيب:
"من سؤالك هذا أفهم أنك تستطيع تخيل ما حدث."

انطلقت الحمامة مجدداً لتسحب شارلوت معصمها من قبضته بلطف قائلة بجدية:
"أنت تعرف الكثير بالتأكيد، لماذا تسألني أنا؟ قد أكون غير عادية قليلاً ولكنكم هنا لستم بطبيعيين أيضاً."

دفعت باب الغرفة لتسمع صوته خلفها يسأل بجدية:
"هل حقاً لديك صديق من مصاصي الدماء؟"

رأسها وحده من التف نحوه واضعة ابتسامة مستفزة على شفتيها وبحاجبين يتراقصان همست:
"أصدقاء أليجاه...لدي أصدقاء منهم."

"توقفي عن هذا."
قطب حاجبيه وهي سخرت ببرود:
"كان يجب أن تفكر مرتين قبل جري هنا، لا أمان لمن يقطنون خارج الجدران، فكما تعلم أغلبهم هناك في الأساس لأنهم قتلة ومجرمين."
خرجت لتغلق الباب خلفها بسرعة غير سامحة له بقول المزيد. هي لن تكذب. تشعر أنها لا تحتاج لفعل ذلك بعد الآن كما أن...
"استفزازه هو الأفضل."
تمتمت بانتصار إذ أعجبتها تعابير الإمتعاض الممزوجة بالفضول التي رمقها بها. هو أيضاً يستطيع إظهار التعابير المختلفة على وجهه.

والآن إن كانت قد حفظته نوعاً ما فهو سيتجاهل ما قالته له رغم أنه يثير فضوله ويدعي أن شيئاً لم يحصل ليحافظ على شخصية المتعجرف تلك. قناعه الذي وضعه أمامها سقط وظهرت حقيقته. ليس بشخص سيء كما يدعي.
"إن كان حقاً غير سيء فلما..."
تمتمت لنفسها وهي تسير في الممر، قررت لوهلة تجاهل باب غرفة عشوائية مفتوح لكن الصوت القادم من الداخل جعلها تتوقف مكانها لثوان قبل أن تعود للخلف وتسترق النظر.

"أنا سعيد أنكِ أصبحتِ بخير."
تكلم جايدن بابتسامة، كان يقف بجانب سرير شخص ما لم تستطيع رؤيته من مكانها.

قامت بلطف بدفع الباب أكثر للتتسع عيناها بدهشة وهي ترى ماي تزيح خصلة من شعرها الأحمر لخلف أذنها مجيبة بشيء من الإستحياء:
"أنا مازلت حيّة بفضلك."

فاهها فتح قليلاً لتخرج نفساً قصيراً خافتاً ينم عن الدهشة، عدم الفهم والفضول.
ما الذي حدث؟ ومنذ متى أصبح هؤلاء يتصرفان بهذه الحميمية؟ والأهم من ذلك...لماذا الصهباء ماي في المشفى؟

صوت ينم عن غير الرضى فر من بين شفاهها وهي تهمس بإنزعاج:
"لقد فوتت الكثير."

"شارلوت؟"
صوت آلان صدح خلفها عالياً ليجعلها تستقيم مجدداً بسرعة بعد أن كانت في وضع الجاسوس وتسحب الباب لينزلق مغلقاً.

"إنها بالفعل شارلوت!"
عيناها ارتفعتا للصوت الذي صدر من خلفه وتحديداً فوق رأسه لترى جين على ظهر الأخير.

"لقد استيقظتِ أخيراً!"
تحدث آلان بفرح بعد أن تخلص من صدمته وهو يقترب أكثر من مكانها.

"للآسف في وقت متأخر للغاية."
تمتمت وهي تعقد يديها لصدرها بتململ ليرتفع حاجبا الأخير قائلاً:
"متأخر؟"

ناظرت باب الغرفة لثوان قبل أن تهز رأسها نفياً وتقول:
"لا تهتم."
عيناها ارتفعتا للأعلى نحو جين مجدداً لتقول:
"إذاً لماذا أنتِ تتسلقين آلان. هل تعانين من عضال يحولك لقرد؟"

نفخت المذكورة خديها بغضب لتنقر رأس آلان الذي دحرج عيناه قائلة بغرور:
"آلان خسر في حل اللغز لهذا توجب عليه أن يقوم بخدمة لي."

"لن أخسر مرة أخرى."
غمغم بخفوت وهو يشيح بوجهه لتضحك جين بانتصار قائلة:
"ستخسر دائماً فأنت لست ذكياً."

"لا أعتقد أن إهانتي كانت جزءاً من اتفاقنا، كما أنني سأفوز في المرة القادمة وشارلوت هنا تضمن ذلك."
تحدث آلان وهو يناظر من أمامه حيث ابتسمت له فحسب قبل أن تنظر ناحية جين قائلة ببساطة:
"مبارك عليكِ حصانكِ الجديد."

تعابير وجه جين حملت الخبث وهي تقول بالمقابل:
"شكراً أستاذتي."

"مهلاً أنتما."
قاطع آلان حديثهما الساخر بملل قبل أن يسأل:
"ما الذي تعنيانه؟"

نقرت جين مجدداً بأصابعها على رأسه قبل أن تنخفض ملاقية عينيه الخضراوين بزرقاوتيها وتجيب:
"نعني أنك لن تفوز أبداً."

"هذا فظيع."
هتف آلان وشارلوت سألت:
"كيف انتهى بك المطاف بلقاء جين من الأصل؟"

"لأسباب عدة أزور المشفى دورياً وهي كانت تحاول الخروج بمفردها من غرفتها للتنزه."
آلان تنهد قبل يستطرد بنبرة ندم وحسرة:
"لقد أخطأت بمساعدتها، نالت مني بألعابها وها أنا ذا."

"هكذا إذاً."
شارلوت ضحكت بصوت مسموع ليختل توازنها ما أن إنزلق باب الغرفة خلفها مفتوحاً.
"أنتم هنا؟"
استدارت لتواجه جايدن الذي حدق بها بتفاجؤ للحظات قبل أن يبتسم براحة ويضيف:
"لقد استيقظتِ، لقد ظننت بجدية أنكِ لن تستيقظي هذه المرة."

"آسفة لأنني أحب النوم."
ربتت شارلوت على كتفه بلطف مناظرة بطرف عينها ماي التي أحكمت إمساك الغطاء فوق قدميها بقوة في محاولة لإخفاء تعابير وجهها السعيدة.

"أنتِ بخير صحيح؟"
حاجباه تقاربا بشك.

"بأفضل حال."
قالت باعتيادية وهي تدلف غرفة ماي لتقترب منها وتجلس على طرف سريرها قائلة:
"لكن يبدو أن بعض الزملاء ليسوا بخير."

"إنها حادثة صغيرة تعرضت خلالها لخدش، ليس بالأمر الكبير."
تحدثت ماي مبررة لكن صوتها المرتجف وعينيها اللتان لم تقابلا عينيها أثبتتا العكس تماماً.

"أعتذر ماي، تصرفنا بتهور ولم ألاحظ أننا تفرقنا."
تحدثت شارلوت بجدية لتخفض الأخيرة رأسها قليلاً وتهز رأسها يمنة ويسرة:
"سعيدة لاستعادتكم أليجاه لنا."
شعرت ماي بيد تدفع خصلاتها التي تمادت مجدداً لتنظر اتجاه شارلوت بشيء من الاستغراب. ابتسمت الأخيرة نحوها بود.

"أليس من الممنوع القدوم لهذا الطابق؟"
سألت شارلوت وإشارات الاستفهام تتطاير فوق رأسها لتخرج جين بطاقة فضية من جيبها حيث كانت جالسة على كرسي من جهة أخرى وتهتف:
"هذا صحيح لكن نحن نملك تصريح يخولنا الدخول والخروج كما نريد."

"هكذا إذاً...لكن لما أنتم في الأصل في هذا الطابق؟"
سألت مجدداً بفضول ليصمت جميعهم.

"في الحقيقة..."
عيناها اتجهتا نحو ماي التي كانت تلعب بأصابعها منتظرة إياها أن تكمل.

"والدها وضعها هنا."
أجاب آلان بملل لترمقه ماي بنظرة حادة.

هز المذكور كتفيه بلا اكتراث نحوها قبل أن يقول:
"لماذا لا تتحدثين عن الأمر؟ فهو ليس معيب، والد ماي هو المدير الرئيسي لكل مراكز الرعاية التعليمية الموجودة في مجمع القطب وما حوله، باختصار."

"ماذا؟ أنتِ فقط ثـريـة."
تمتمت شارلوت وهي تهز برأسها للجهتين محاولة إيجاد الكلمات المناسبة قبل أن تردف سائلة ماي:
"ما المعيب بذكر ذلك؟"

"ليس هذا هو الأمر..."
أجابت ماي بوجه محتقن ضاغطة أصابعها أكثر على الملائة قبل أن تردف:
"لا أحد يحب الأثرياء. الكثير من البشر خارجاً بلا مأوى وطعام وفي خطر الموت في حين أن الأثرياء يعيشون في قصور خلف الجدار بأمان. انتقلت للعيش مع لوسيا في مسكن الجنود لأنني لم أستطع إقناع عائلتي بوجوب المساعدة لذا قررت الإنضمام لفرقة التجنيد بعد الكثير من المشاكل مع عائلتي. فقد كانت الطريقة الوحيدة لأتغير. لا أريد حياة مزيفة معزولة عن الواقع وأصدقاء مزيفين. أريد أن أعيش مع الجميع بصدق. في العالم الحقيقي لا الذي قام والدي ومن معه ببنائه لأنفسهم."
أنهت كلامها بتنهيدة حارة وقامت بمسح دمعتين فرتا من عينيها بطرف قميصها بحدة.

"أنتِ شجاعة ماي."
تحدثت شارلوت أخيراً بمرح وهي تدفع طرف كتف الأخيرة التي ابتسمت بالمقابل بخجل.
هي علمت منذ البداية أنها كذلك حين صرخت بصديقيها للفرار من دونها يوم حادثة قطار الأنفاق. قد يكون تصرفاً غبياً لكنه يحتاج للكثير من الشجاعة فقط لإخراج تلك الكلمات فالنفس البشرية بطبيعتها تضع نفسها أولاً قبل الآخرين. لكن هذه الشابة مختلفة وقد بعثت بشعور دافئ لقلبها.

"هل استيقظ المقدم يا ترى؟"
تمتم جايدن متسائلاً لتحرك شارلوت عينيها بينهم.

ألم يتحدثوا معه حتى الآن؟

"لقد زرته في الصباح الباكر وقد كان يغط في النوم."
أجاب آلان وهو يكتف يديه قبل أن يردف بقلة حيلة:
"أليس من الغريب أنه دائماً ما يكون نائماً حين اذهب لزيارته؟"

رفعت شارلوت أحد حاجبيها وهي تهز رأسها للجهتين. هو لم يدعي النوم أمامها فحسب بل أمام الجميع، ربما لا يريدهم أن يروه بتلك الحالة.

"شارلوت هل زرته؟"
سأل جايدن حين لاحظ شرودها لتبتسم وتقول بسخرية:
"لقد كنت عنده منذ قليل وقد كان نائماً كدب قطبي في سباته الشتوي. أنصحكم بتركه."

"بالمناسبة...هلا شرحتما الآن ما الذي حصل يومها؟ أعني أنتم استطعتم الهروب من عدة نبلاء مجتمعين."
تحدث جايدن وهو يجلس بجانب ماي على طرف السرير بجدية لترمق شارلوت آلان بنظرة سريعة أومأ الأخير فيها لها.

"لقد نسيت."

"وأنا أيضاً."

"عذرٌ أقبح من ذنب!"
هتف جايدن بغضب قبل أن يزفر بحنق مردفاً:
"لا أعلم ما قصتكم لكن يجب أن نعلم ما الذي حصل فنحن فريق واحد وعائلة واحدة الآن، صحيح شارلوت؟"

رمق شارلوت بنظراته وحين اتجهت نحوها العيون قلبها إنقبض.
"بالطبع سنخبركم لكن ما أن نتحدث مع القائدة. لوسيا قامت بتنبيهنا بعدم التكلم حتى تعطنا الإذن لأجل أمور شكلية."
آلان أخرجها من المأزق.

"فاليكن."
تنهد جايدن بشيء من الضيق لتسأل شارلوت:
"بالمناسبة...أين هي لوسيا؟"

"إنها تحبس نفسها في مكتبها منذ أن عدنا."
أجاب آلان وهو يسحب ظرف حبوب مدورة بلون أزرق من يد جين التي كانت قد انتشلته مسبقاً من طرف جيبه بفضول بسرعة.

"لنذهب لرؤيتها."
تحدثت شارلوت وهي ترفع عينيها من وجه جين الذي تحولت ملامحها للحنق نحو آلان الذي أعاد بدوره وضع الظرف في جيبه.

خرج كلامها تاركين جين المستاءة برفقة شقيقها مع ماي.

لمحت شارلوت تلك الشابة صاحبة الشعر الأحمر القصير تتجه نحوهم. مرافقة القائد العام الصامتة.

توقفت للحظات حتى تخطتها الأخيرة بهدوء دون أن تعيرها أدنى اهتمام.

استدارت ما أن سمعت عدة طرقات خلفها لتراها تطرق باب غرفة ماي قبل أن تدخل.

"أقارب؟"
تمتمت بتشوش ما أن لاحظت الشبه قبل أن تسمع آلان يهتف بها للقدوم.

بعد قرابة العشر دقائق ملامح وجه شارلوت انقبضت وهي تحدق بالمبنى الأحمر قائلة بملل:
"هذا المكان مجدداً."

"ليس مكاني المفضل أيضاً."
شاركها آلان امتعاضها قبل أن يدخل قبلها مردفاً:
"لكن مكتب لوسيا هنا."
لحقت به وهي تسأل بتعجب:
"لدى لوسيا مكتب خاص بها هنا؟!"

"أجل قد تكون برتبة منخفضة لكنها تبقى من عائلة هيماك."
أجاب وهو يشير لباب خشبي حمل لافتة بلاتينة طُبع عليها اسمها قبل أن يطرق الباب مرتين ثم يفتحه.

أدخل رأسه أولاً لتدفعه شارلوت قليلاً وتدخل رأسها من فوق خاصته متلصصة بالمثل.

المكتب كان عادياً وليس بتلك الفخامة، يوجد مكتبة صغيرة وخزانة خشبية وبعض الأوراق على المكتب مع إطار صور.

لوسيا كانت مستندة لمقعدها المريح تضع كتاباً ما نصب عينيها وهي تقول دون النظر:
"من؟"

"على الأقل فالتنظري."
تمتمت شارلوت بإمتعاض لتنتفض الأخيرة في مكانها قبل أن تغلق الكتاب سريعاً وتنهض راكضة نحوهما هاتفة:
"لقد استيقظتِ!"

عانقتها شارلوت بلطف حين قفزت تلك عليها وهي تقول بأسف:
"يبدو أنكم جميعاً لن تظنوا أنني سأفعل."

"لقد خفت كثيراً وظننت أن مكروهاً قد أصابك لتنامي كل هذه الفترة بعكس المرة الماضية."
قالت لوسيا وهي تبتعد مؤنبة لتتحدث الأخيرة مبررة:
"لا أعرف ماذا حصل لي أيضاً. آسفة."

"أياً كان يجب أن نتحدث."
نطقت لوسيا بجدية وهي تومئ لآلان الذي أغلق الباب قبل أن تتربع أرضاً.

جلس آلان قبالتها بالمثل لتدحرج شارلوت عينيها وتجلس بجانبهما أيضاً قائلة:
"إذاً من سيقوم بإفشاء أسرار هذا المكان أولاً؟"

"لقد تحدثت مع آلان وجمعنا ما نعرفه في واحد وأعتقد أنه يجب أن تعلمي ما يحدث حقاً خلف هذه الجدران."
تحدثت لوسيا بجدية وهي تشابك أصابعها ببعضهم البعض لتقول شارلوت مقاطعة:
"كما توقعت أنتما بالذات تخفيان بعض الأمور."

"نعتذر"
تمتم آلان لتومئ لوسيا وتضيف:
"حتى جنود بأعتى الرتب لا يعلمون عن بعض الأسرار التي سنقوم بمناقشتها اليوم، أنا علمت بالصدفة فكوني هيماك مازال يمنحني أفضلية الوصول للحقيقة."
شارلوت نظرت نحو آلان ليتنهد الأخير ويضيف:
"أنا دليل وبرهان على صدق ما ستقوله القائدة الآن."

"تحت الأرض، يوجد سرداب ضخم ذو أبواب حديدية موصدة وحراس كثر."
نطقت لوسيا وهي تقوم بتمديد خريطة ورقية فقيرة بالتفاصيل للمكان وكأنها من كان قد رسمها.

"أسفل الأرض...أرجوكِ أخبريني أن ما يود مصاص الدماء ذاك معرفته لا يوجد هناك."
تحدثت شارلوت بتوجس لتومئ لوسيا وتجيب:
"الأمر متعلق بما أراد ذاك النبيل معرفته بالتأكيد. لم أكن في الأسفل قبلاً لكنني أعلم أن السرداب يحتوي زنزانة يحبس فيها مصاصي الدماء الذين تم الإمساك بهم."

رطبت شارلوت شفاهها قبل أن تسأل بتوتر:
"ما الذي تفعلونه بهم؟ أقصد في الأسفل؟"

تنفس آلان بحدة وهو يجيب باختصار:
"تجارب جينية."

حدقتا شارلوت اتسعتا.
"لقد فقد أسيادكم عقولهم بالفعل."
علقت على مهل في محاولة لإيجاد الكلمات التي قد تساعدها على الاستفسار عن الموضوع من الألف للياء.

"حاولت الدخول مرة لكنني برتبتي المنخفضة لم أستطع، إلا أنني أمتلك شخصاً يستطيع الآن."
تحدثت لوسيا قبل أن ترفع عينيها لآلان الذي انقبض فكه قائلاً:
"انسي أمر الذهاب لهناك لوسيا، لقد تحدثنا بهذا قبلاً."

"منذ سنتين فعلنا، حان الوقت للحديث بحق. لا أستطيع غض الطرف أكثر وأنا أعي بوضوح ما يحصل."
بدت لوسيا وكأنها تترجاه

"أنت تستطيع؟"
همهمت شارلوت بفضول ليقابل المعني نظراتها الحادة التي طالبت بجواب سريع بفاترة من خاصتيه مجيباً:
"أنا يجب أن أذهب هناك."

"ما الذي تعنيه؟"

اكتفى هو بالصمت لوهلة قبل أن يقوم بإخراج ظرف الحبوب من جيبيه ويرميه أمان أعينهم مغمغماً بخفوت:
"لأتلقى دوائي."

"ما نوع هذا الدواء؟"
تمتمت شارلوت وهي تلتقط الظرف محدقة بالاسم الغريب.
"مثبطات خاصة، عقاقير تحدث ارتخاء عكوساً مؤقتاً في وظيفة العضلات الهيكلية وتخفض من توتر العضلة."
شرح لتهز رأسها مردفة بسؤال أخر:
"لماذا قد تتناول شيئاً كهذا؟"

راقبت نفساً مرتعش يفر من فاهه قبل أن يقبض يديه في حجره مجيباً ببطئ:
"لقد تم إجراء بعض من هذه التجارب الجينية علي عندما كنت طفلاً. كان يتم حقني بدماء مصاصة دماء نبيلة لسنوات حتى غدوت نصف بشري. أنا أحتاج هذه لأحافظ على وعيي البشري."

هجينة

حتى مصاص الدماء ذاك يعلم ما يدور خلف جدرانهم أفضل منها، كانت تقتل ما هو فظيع لتحمي ما هو أفظع.

أخرجت حبة واحدة من المظروف وهرستها بين كفيها لمسحوق أنعم ثم قامت بوضع القليل على لسانها أسفل نظرات زميليها المتعجبة. هي لن تعلم ما هذا بسهولة لكن هيرو سيفعل.

"شيء أخر..."
أضافت لوسيا مستدعية تركيز شارلوت مجدداً حيث أردفت:
"نحن نعتقد أنكِ تجربة أيضاً."

الأمر استوقفها عن تذوق مافي فاهها.

"أنت لا تذكرين شيئاً صحيح؟ أغلب المتحولين هكذا، لابد أنك ممن فروا أثناء الحادثة التي حصلت منذ سنوات."
شرح آلان لتهمهم بعدم فهم:
"حادثة؟"

"أجل، لا أذكر الكثير لكن منذ قرابة الستة سنوات فر أكثر من خمسين تجربة من المختبر، حتى أنا لا أعلم كل التفاصيل. كل ما أعلمه أنه تم حفظي في مكان أمن لكيلا يفقدوني فأنا تجربة تم حقنها بدماء نبيلة."
تحدث آلان وكم كان واضحاً تشوش ذكرياته على وجهه.

"التجارب توقفت بعد الحادث أو هذا ما نظنه فهيماك سمحو بتصنيع عقار منشط يستعمله أغلب جنودنا الآن أثناء القتال. أعتقد أنه نتاج بعض الفحوصات على دماء النبلاء."
لوسيا تحدثت وهي تقوم بإخراج نوع أخر من الكبسولات الملونة من جيبها الخاص مردفة:
"هذا ما يساعد جنودنا في ساحات المعركة، لم أتناوله من قبل لكنني أخذت ألاحظ بعض الآثار الجانبية السلبية على من يتناولونه باستمرار كالأرق."

"أليست مبادئك ما تمنعك عن تناوله أولاً؟"
آلان سأل ولوسيا أظهرت تعابير المرارة مجيبة:
"تعذيب كائن ما لسنوات من أجل الحصول على القوة أمر لم أتقبله ولن أبتغيه أبداً."

شارلوت رفعت كفها نحو صدرها مستشعرة نبضات قلبها التي تسارعت فجأة.
هذا سيء.
هيرو مستاء.
لكن ليست هذه المشكلة الآن لها.
هي ليست تجربة بالتأكيد، تحولها النصفي وقدراتها كلها بسبب هيرو، هي قد لا تملك ماض يذكر لكن ذاكرتها تعمل جيداً وكل هذا .... هي لا يمكنها إخبارهم بكل بهذا.

همهمت بخفوت. بعد تفكير ملي أدركت أنه وفي الواقع هذا الوضع يبدو جيداً لها، هذا أنسب تبرير الآن. ألا تبدو الظروف ورغم عجبها وفظاعتها مواتية؟

فاليكن.

"يبـدو أنكمـا محقـان بشأني."
قالت لهما بعد لحظات من الصمت لينظرا لها باستغراب حين وضعت إبهامها بين أسنانها وقضمت للحظات قبل أن تردف بفتور:
"أود دخول ذلك السرداب...الآن!"



************

ماذا يوجد في السرداب؟
من؟
سبب استياء هيرو؟
ما يبحث إيدغار إيليورد عنه!

أراكم على خير وحتى الأسبوع القادم
ناخت ♥️

Continue Reading

You'll Also Like

590 261 11
و القراءة ليست مجرد سرد كلمات بنسق وترتيب معين ... مفهومها أعمق ... أن تستفيظ مشاعرك ... ويكون لروحك حضور بدل عقلك ... أن تقرأ بمثل لحن الكاتب ... أ...
53.3K 2K 50
في كل القصص الخيالية و الروايات التي نقرأها و سمعنا عنها دائما ما ينتصر الخير على الشر ، لأن هذا ما يجب أن يحدث، فالآثام تمحوها الفضائل و الظلام ينج...
18.2K 1.2K 49
"لَمًآذِآ سِيَدٍتٌيَ، آلَمً تٌجّدٍ غُيَر ذِآکْ آلَنِآدٍلَ آلَمًنِبًوٌدٍ،لَتٌعٌجّبًيَ بًهّ" "آلَمً تٌريَ عٌيَنِآهّ، آرجّوٌکْ آبًقُيَ بًعٌيَدٍةّ عٌنِه...
139 6 3
رواية مطبوعة _ Whoever forces you to be creative in something you do not like, as if he puts you in a car traveling on a bumpy road and asks you to...