نيـوتروبيـا

By Die-Nacht

275K 18.8K 25K

"أعطـني لأعطـيك" هـذه قصـة الطـفلة التي اعتمدت هذا القانون كحل وحيد وأوحد للنجـاة في عالمـها المشـوّه. هي تل... More

-1- بداية السقوط
-2- مجمع القطب
-3- مصيدة الثعلب
-4- كهرمان
-5- خلف جدرانهم العالية
-6- الحرب
-7- رائحة دم
-9- شِقاق الزهور
-10- السرداب
-11- عيون الصقر
-12- سيلست غولدن
-13- سليل السلف الأول
-14- هذا وذاك
-15- بحلة الخريف الأحمر
-16- صندوق زجاجي
-17- مشارف الموت
-18- لاشيسيا
-19- دموع شارلوت
-20- سمفونية أبواق الهلاك
-21- لأجلكِ أيتها الفاوانيا
-22- بئر من الأوهام
-23- رؤى
-24- رسائل السلام
-25- الأول والأخير
-26- أضواء باهرة
-27- آل والثعلبة السوداء الصغيرة
-28- قمر حقل البنفسج
-29- خزف
-30- الدرجة رقم سبعة عشر
-31- دماء ورثاء
-32- بركة الملح
-33- قلوب بلا عيون
-34- أحضان الشمس الدافئة
-35- شتاء ديستوبيا الأخير
-35.5- ومضة
-36- ربيع الأرض الجديدة
-37- واجبات الحرس
-38- الكناري الصامت
-39- شبكة من خيوط الماضي والحاضر
-40- أجيال
-41- تمرد الوحوش
-42- الشمس والقمر
-43- خلف مخمل الستار
-44- رماد عينيه
-45- سالب
-46- سم وعسل
-47- شيطان
-48- براءة عذراء
-49- زهرة النوكس المشؤومة
-50- حنين للحنان
-51- الجوع أهون من النزع
-52- تباين

-8- إكصاص

5.4K 390 218
By Die-Nacht


شارلوت استلت أحد سيفيها لتلتقطه يمناها وتضعه نصب عينيها في حين تمركزت يدها الأخرى خلف ظهرها متحدثة باستخفاف:
"أستطيع الآن هزيمتك بيد واحدة فقط. تقدم. إن كنت تجرؤ بالطبع."

نبرتها الساخرة جعلت إيدغار يبتسم باتساع.
"يا لها من غطرسة تليق بكِ."
همس كلماته وكأنه قد تأكد من أن وصفها بأميرة يناسبها.

أليجاه ناضل لإبقاء نفسه مستيقظاً لكن الدماء التي فقدها تسببت بهبوط عام في وظائف جسده الحيوية وبالتالي إغماء لا يُعرف لمتى قد يدوم.

"ماذا سنفعل؟"
حدقتا لوسيا كانتا متسعتين بخوف وهي تهمس مرتجفة، ما يحدث لم يجعلها سعيدة لسبب ما بل خائفة حد الموت.

"سنتدخل حين يحين الوقت."
أجاب آلان بعينين ضيقتين وهو يجذب لوسيا للخلف لكي لا يتم رؤيتهم شارحاً بجدية:
"عند إشارتي ستتجهين لشارلوت وتحاولين إستعادتها. ما حصل لها يبدو واضحاً لكلينا ولهذا بالضبط يجب عليكِ الحذر. من الجيد أنها ماتزال في صفنا أما أنا فسأجلب أليجاه."

"ماذا عن مصاصي الدماء؟"
سألت وهي تهز رأسها للجهتين رافضة الخطة الغريبة، مصاصي الدماء لن يجلسوا ويشاهدونهم يرحلون فحسب هي متأكدة.

بعثر آلان شعره بعنف وحيرة قبل أن يقول بفك مقبوض:
"سأفكر في الأمر حينها. يجب أن نخرج من هنا لوسيا."

"ألن تقترب؟"
سألت شارلوت قبل أن تنحني بجذعها قليلاً للأمام هامسة:
"إذاً امنحني شرف أن تكون الحركة الأول من نصيبي."
لم تكد أن تتحرك خطوتين حتى زادت من سرعتها لتصبح أمام إيدغار الذي كان مستعداً لصد سيفها بخاصته الذي تعلق على خصره.

يده انضغطت حتى شعر بها ستنكسر فما كان منه سوى أن يتراجع بضعة خطوات ليقوم بفصل الإحتكاك قائلاً:
"من أين حصلتِ على هذه القوة؟"
وقبل أن يكمل ما بدأ كانت الأخيرة قد وضعت قدمها في خصره هاتفة:
"من شخص مغتر أكثر منك!"

جسده اندفع بعيداً وألم حقيقي شعر به لأول مرة جعله يضغط كفه ضد وسطه.
نظر نحو عينها متأملاً ذلك السواد الغريب الذي اكتسح بياضهما، الحدقتان الحمراوان جعلتاه يتمتم:
"هذا مثير للشفقة، أنتِ لستِ بشرية، أنت مجرد كائن مدنس أخر."

استقام وما أن فعل حتى فاجأ شارلوت بغرس غمد سيفه في معدتها ليجعل جسدها ينحني على نفسه للألم.
"طوبى لكِ، جعلتني استخدم ما أحمله معي عادة للزينة، لكنني حقاً أفضل تمزيق أعدائي بأظفاري."
مع جملته الأخيرة صفع وجهها بمؤخرة كفه لتتعثر بضعة خطوات بعيداً عنه.

شفاهها أسفرت عن ابتسامة ساخرة وهي تمسح الدماء التي سالت على وجهها بكفها حين سمعت الأخير يردف:
"لكنكِ لستِ مصاصة دماء أيضاً، فما تعريفكِ لوجودكِ بأي حال؟"

"حسناً، لطالما تساءلت عن هذا بالمثل."
ضحكت بصوت أعلى وهي تحرك عضلات عنقها بمرونة ويديها بالآن ذاته وكأن جسدها لم يصب بخدش حتى.

"هجينة."
همهم بحاجب مرفوع لتدحض ما قاله بلهثة حادة منها:
"وكأن القطط والكلاب تتزواج."

"ليس الزواج الطريقة الوحيدة للتهجين."
تمتم بجمود لكنها لم تكن في حالة الوعي الكامل التي تسمح لها بالتركيز على الموضوع الذي طرحه. تنفست الهواء شاعرة ببعض الألم في صدرها، وهنا علمت أن جسدها لن يحتمل لفترة أطول الضغط.

عيناها حطتا لوهلة على أليجاه وفكرت، عدوها قوي، وحتى إن تمكنت منه مازال يوجد اثنان آخران.

"ما الذي حدث أيتها الأميرة؟"
عيناها على الفور تدحرجتا نحو إيدغار باحتداد من سؤاله.
"هل أصبتِ بالتعب؟"
لم يترك لها فرصة للرد حيث قام بالتحرك نحوها بسرعة وقبضته هذه المرة توجهت نحو وجهها.

قدمها اليمنى تراجعت للتفاداه بنحاح إلا أن أنين متألم فر من فاهها عندما شعرت بشرارات لاسعة تسير على طول عامودها الفقري. علمت أنها استنفذت طاقتها بأكملها وجسدها سيتهاوى.

أغلقت عينيها مستعدة لإستقبال هجوم غادر أخر ببأس فلم تملك خيارات أخرى للحظة لكن كل شيء توقف حين شعرت بجسد يحجب جسدها وسمعت صوت تمزق اللحم. فتحت عينيها بدهشة عندما تطايرت الدماء لتغطي وجهها.

"آلان!"
همست إذ أن آلان كان أمامها غارزاً مخالبه الحديدية في معدة الأخير الذي أطلق شهقة متألمة للفضة.

"سيدي الشاب!"
هتف إدوارد ما أن تدارك ما حدث قبل أن يقوم بإفلات سيون ويركض نحوهم.

مخالبه استطالت محاولاً إصابة آلان إلا أن الأخير كان سريعاً بطريقة لم تعهدها شارلوت حيث سحب مخالبه من جسد هذا وتفادى ذاك ليضعهم في صدره ويشق قلبه.

تراجع إيدغار مهسهساً لكن إدوارد كانت عيناه قد توقفتا عن التحرك في محجريهما. تخلص آلان من جسد الأخير الذي بدأ بالاحتراق لرماد قبل أن ينظر ناحية شارلوت التي شهقت أنفاسها باضطراب.
"أنتِ بخير؟"
سأل آلان بقلق.

"عيناك!"
همست شارلوت بصدمة إذ أن بياض عينيه كان أسوداً رغم أن الحدقتين قد احتفظتا بلونهما العشبي.

"سموك!"
هتفت سيون راكضة نحو ذاك الذي انخفض بألم أرضاً لتتفقد حاله.

"هذه فرصتنا."
صرح آلان قبل أن يمسك بمعصم شارلوت ويسحبها لتجري مرغمة خلفه.

"ماذا عن أليجاه؟!"
هتفت بغير فهم وهي تنظر للبقعة التي من المفترض أن يتواجد فيها المذكور إلا أنه لم يكن هناك.

"أين؟!"
همست بدهشة وهي تناظر بقع الدماء الصغيرة المتفرقة التي خلفها الأخير قبل أن تخرج من القاعة وأخر ما رأته كانت عينا إيدغار اللتان رمقتاها ببغض.

"من هنا!"
لوسيا صرحت صارخة عند السلالم، ليبدأ ثلاثتهم بالركض خارج المبنى ثم خارج الساحة حتى مكان أخر.

سقطت شارلوت أرضاً في محاولة تنظيم أنفاسها الضائعة وتجاهل آلام جسدها، والآخران لم يكونا أفضل حالاً.

"أين أليجاه؟"
سأل ثلاثتهم في آن واحد لتظهر الصدمة على وجوههم، مصاصوا الدماء كانوا مشغولين عن مراقبته، هم لم يحتاجوا لمراقبته في الأصل إذ أنه كان فاقداً للوعي.

إن لم يقم أحدهم بإحضاره فمن أخذه؟

شعروا بحركة غريبة في الزقاق الذي يتواجدون فيه فما كان من شارلوت إلا النهوض والتأهب كما فعل الآخران إذ يبدو أن العدو لن يتركهم يرحلون ببساطة.

عيونهم اتجهت لمن يقف في أخر الزقاق فوجدوا شابة بشعر بني طويل وعيون حمراء تنظر نحوهم بهدوء، هدوءها لم يكن شيئاً يبشر بالخير أبداً.

نظرت شارلوت لآلان الذي استعاد لون عينيه الطبيعي ولوسيا التي كانت تحدق بالفتاة بتركيز كبير قبل أن تتقدم للأمام وتصبح في مواجهة الأخيرة التي لا تبدو أكبر منها سوى ببضعة سنوات قائلة:
"إن كنتِ جائعة فابحثي عن طعامكِ في مكان أخر، هذا إن كنتِ تقدرين حياتك."

مصاصة الدماء الشابة لم تتحرك قيد أنملة، استمرت بالتحديق قبل أن تتراجع أخيراً بضعة خطوات قائلة:
"أنا لا أنوي أذيتكم، لكن سيدي يود مقابلتكم، لذا هلا تفضلتم معي بهدوء؟"

"أنتِ تهرجين، صحيح؟"
هتف آلان بحنق قبل أن يلوح بيده مردفاً بذات النبرة الغاضبة:
"لقد اكتفينا من رؤية أسيادكم من مصاصي دماء لليوم، لذا ابتعدي عن طريقنا قبل أن نقتلك!"

تنهدت الغريبة بقلة حيلة قبل أن تستدير وتقول مختفية عند زاوية المبنى:
"إن أردتم صديقكم أن يعود لكم إلحقوا بي."

"تباً، أليجاه معهم!"
هتفت شارلوت قبل أن ترغم قدماها على الركض متتبعة آثار مصاصة الدماء شاعرة بآلان ولوسيا خلفها.

عند الزاوية لمحتها تدخل مبناً غير مأهول وعيناها الحمراوان اللتان إلتقتا بعيني شارلوت كان أخر ما رأته منها.

"لابد من أنه فخ."
تمتمت لوسيا وهي تقف أمام الإثنين مانعة إياهما من إقحام نفسيهما في المشاكل أكثر. بقاؤهم للآن هنا هو خطأها هي في المقام الأول، يجب أن يعودوا، لقد عصوا الأوامر بما فيه الكفاية.

"تنحي لوسيا، سنري مصاصة الدماء تلك الويل لإختطافها أليجاه!"
هتف آلان ثائراً لتقوم شارلوت بلكمه على كتفه جاذبة انتباهه حيث بدأ بالتمسيد مكان الضربة بألم مناظراً إياها بمعنى لما فعلتِ هذا؟

"أقسم أن الثانية ستكون في وجهك إن لم تتوقف عن الصراخ."
همست شارلوت بحدة تحت أنفاسها ليطبق الأخير شفتيه بإنزعاج. إنها غاضبة بسبب الألم. هذا ما ظنه إذ أن شارلوت لم تقم بإسكاته من فراغ فلقد سمعت صوت صدى زمجرات وخطوات أقدام مهولة تقترب من موقعهم. الأرض تذبذبت من أسفل قدميها بطريقة سيئة.

الطريق مسدود، إن قاموا بالعودة فسيتوجب عليهم مواجهة أياً كان الوحش الذي يلاحق رائحة الدم وإن دخلوا...فهل حقاً سيجدون أليجاه ينتظرهم في الداخل؟

"لوسيا."
تمتمت شارلوت نحو الأخيرة التي رفعت رأسها نحوها بتساؤل لتردف بجدية:
"نحن لا خيار لنا سوى الدخول صدقيني."

"لا يا شارلوت، لقد اتخذت قراري لن نفعل، لستِ أكثر حكمة لتملي علي كيف أقود فرقتي، أنا من تقوم بالأفضل هنا للجميع."
تحدثت لوسيا بجدية قبل أن تشيح بوجهها وتستدير متحركة في أحد الأزقة.

"لوسيا لا تفعلي هذا."
تمتمت شارلوت بتعب، بالكاد تستطيع الوقوف، حواسها أصبحت أكثر ضعفاً ولم تعد تعرف متى ستظهر تلك الكائنات لتفترسهم.

ركبتاها ارتجفتا قبل أن تهوي ليلتقطها آلان بدهشة قائلاً:
"تماسكي قليلاً "

"يجب أن أوقفها، إنهم قادمون."
تمتمت شارلوت بصوت خافت وعينان زاغ بصرهما ليرفع آلان رأسه بدهشة اتجاه لوسيا ما أن علم ما تقصده  شارلوت.

زمجرة ثائرة فرت من فاه ذئبين بحجم دب راشد حين قفزا أمام لوسيا التي صرخت بدهشة متراجعة للخلف بخطوات مرتجفة.

"لوسيا!"
هتف آلان بعلع وما أن هم أحدهم بالقفز فوق صديقته مستعداً لتمزيقها لقطع حتى ترك شارلوت أرضاً وهم بالركض نحوها بلا فائدة، هو أبعد وأبطأ من أن يصل لها قبل مخالبهم.

أغمضت لوسيا عينيها وهي تغطي رأسها بيديها كقطة خائفة.
"أنتم البشر مزعجون بعنادكم."
سمعت لوسيا صوتاً جديداً من بين الزمجرات التي تحولت لأنين ففتحت عينيها بتردد لترى مخالب مصاص دماء نبيل تنزع قلب الذئب قبل أن يرميه بعيداً.

وجهه الشاحب اتجه نحوها مناظراً إياها بزمرديتيه قبل أن يلوح بيده لتتطاير الدماء في وجهها جاعلاً إياها تكرمش عينيها بخوف قبل أن تزحف للخلف حتى ارتطمت بجسد أخر ليظهر أنها تلك الشابة حيث انخفضت بجانبها وأمسكت بوجهها تتفقدها بصمت و بلا ملامح مقروءة جاعلة شكاً أكبر يتصاعد داخل صدر لوسيا.
عيونهن إلتقت لوهلة قبل أن تشيح لونا وتنهض جاذبة إياها للوقوف ثم تبتعد لتنزرع بجانب زافير بصمت.

"والآن هلا تحدثنا؟"
شفاه زافير انبسطت وحين تحولت أبصاره نحو شارلوت الجالسة أرضاً تعتصر صدرها ناحية قلبها ضيّق حدقتيه.

"لنفعل."
أجابت لوسيا من بين أنفاسها المتقطعة ليبتسم مصاص الدماء برضى.

"عيناك بالكاد مفتوحة."
تمتم آلان بأسى نحو شارلوت لتهمهم وتقول:
"لا يمكنني النوم الآن، ليس قبل أن نستعيد أليجاه ونعود بخير...جميعاً."

في إحدى غرف المبنى الفارغ تواجد سرير استلقى أليجاه عليه. الثلاثة تحملقوا حوله مناظرين وجهه الشاحب بقلق.

"لقد قمنا بتضميد جراحه الظاهرة لكن أشعر أنه أصيب بما هو أسوأ فنبض قلبه أبطأ من أن يكون طبيعي."
تحدث زافير وهو يتحرك ليفترش مقعداً في زاوية الغرفة محافظاً على مسافة قد تشعرهم بالأمان.

"لماذا؟"
عيناه تحركتا نحو شارلوت ليقوم بمسحها بعينيه من الأعلى للأسفل قبل أن يبتسم ويسأل:
"لماذا ماذا أيتها الشابة؟"

وضعت الأخيرة يدها على رأسها حين داهمها صداع عظيم يطالبها بقيلولة قبل أن تزفر وتقول بشيء من الحدة:
"لماذا قمت بمساعدته؟ أيوجد سبب لا تريده أن يموت لأجله؟"

"أنا لا أهتم لحياة هذا الشخص بالتحديد. لا، في الواقع أنا لا اكترث لحياة أيٍ منكم."
أجاب زافير بصراحة مشيراً لأليجاه والأخرين بعينيه قبل أن يردف محدثاً شارلوت:
"لكن يوجد شخص أخر هنا لا أريده أن يتأذى بسببكم."

"من أنت؟"
همست شارلوت وهي تجذب ساقيها لتقترب منه، حدقتاها اللتان مازالتا تعرقان بحمرة طفيفة تتضيقان بشك.

النبيل لمّح لوجود شخص أخر عداهم هنا بوضوح، وهي لا تعرف أحداً بهذه الصفات غير هيرو. هو حاضر هنا ولكن لا أحد يراه أو يعلم بوجوده حتى عدا إياها، هي الوحيدة التي تشعر بوجود كينونته بقربها.

"هل تشعر بوجوده؟"
همست مجدداً لتلتمع أحجار عيون الأخير بشرارة ذهبية وتنبسط شفاهه أكثر فحسب.

"ما الذي تتحدثون عنه؟"
همهم آلان بغير فهم في حين كانت لوسيا تنظر بين جميع الوجوه بالمثل.

وجدت شارلوت مقعداً لنفسها ثم سألت بهدوء:
"هلا تركتماني قليلاً مع أصدقائنا الجدد؟"

"أصدقاء!؟ شارلوت إنهم مصاصو دماء."
هتف آلان باستنكار وقبل أن يسترسل بتذمره شعر بيد تقبض على معصمه.

"لوسيا!"
همهم بتوجس لتلك التي كانت تمسك بمعصمه بقوة محدقة بشارلوت مباشرة قبل أن تومئ لها وتقول:
"لننفذ فحسب، هما أنقذا حياة المقدم وحياتي، لا أعتقد بأنهم سيؤذونا."
عض الأخير على شفته قبل أن يسحب يده من كف لوسيا بعنف ويخرج من الغرفة ضارباً الأرض بقدميه.

"والآن..."
تمتمت شارلوت عاقدت يديها في حجرها ليرتفع حاحب الأخير ويكرر خلفها:
"الآن؟"

"أخبرني لمصلحة من تفعل هذا؟ لأجل أي سبب تتمرد على قراركم بالحرب ضد البشر بل وتساعدهم؟"
سألت بجدية، عيناها تستعيدان لونهما الأسود على مهل.
"لأجل مملكتنا."
أجاب زافير باختصار.

"وأين تقع مصلحة مملكتكم العظيمة هذه حالياً؟"
باغتته بسؤال أخر ليجيب كما من راح يتحدث مع نفسه:
"أكثر تصرف عشوائي كنت قد شهدته من قِبله هو ما أراه الآن."

"أنا لا أعتقد بأن هذا جواب لسؤالي."
تحدثت شارلوت مدحرجة عينيها ولونا أضافت:
"زافير أنت تخرج عن سياق الحديث."
شارلوت جذبت بصرها نحو لونا وكم استشعرت بأنها مألوفة. الشعر البني وصورة الوجه تشبه لحد ما....

"اعتذر."
تحدث زافير ليجلب انتباهها نحوه مجدداً.
"الأفضل للمملكتنا هو إيقاف الحرب. لكن للأسف ليس مجتمع مصاصي الدماء مجتمعاً متضامناً لنتفق على ذلك فنحن ننقسم لحزبين أحدهم معارض لقتل البشر واستعبادهم والحزب الثاني هو المؤيد، يقوده بعض المستبدين الذين يطمعون بالمزيد."

"إن كانت الأوضاع مشتتة هكذا في مملكتكم لماذا إذاً ومنذ عشر سنوات وحتى الآن أرضنا ما يتعرض للتدمير بل لما الحرب قائمة بالفعل؟"
تمتمت شارلوت بغير فهم.

"المؤيدون للحرب أكثرهم من النبلاء أولاً قبل أن يكون نصف الشعب مؤيداً لهم. لكن حتى لو أن الشعب بأكمله معارض تبقى القوة في يد النبلاء بالرغم من عددهم القليل."
فسر زافير لتومئ بفهم. النبلاء يتحكمون. الطبقة التي تمتلك قوة القرار والسلطة لتنفيذه.

"ومن هو معارض لا يجب أن يظهر ذلك علناً وإلا فإنه سيلقى عقوبة الإعدام الآن."
أضاف وهو يهز رأسه للجهتين قبل أن يشير لنفسه مستطرداً:
"أنا كنت أحد مستشاري الملك السابق الذي تم إغتياله من قبل البشر كما يزعم البعض، السلف الخامس، زافير زاريدا
أما الآن أنا مجرد شخص يحق له التجوال في المنطقة الملكية إذ تم سحب جميع سلطاتي ولم يبقى لي سوى اسمي كنبيل."

رمشت شارلوت عدة مرات باستغراب قبل أن تسأل:
"لماذا تخبرني بأمر خاص كهذا؟"

لوح بيده وكأن الأمر غير مهم مجيباً:
"إنها أشياء يجب أن تعرفيها أنتِ من بين الجميع."

صمتت. عيناها استمرتا بالتحديق به لكن عقلها كان في مكان أخر تماماً، لهذا هيرو لديه أمل بالسلام إذ أن حفنة من مصاصي الدماء يريدون ذلك أيضاً رغم أنه بالسر.

عقدت حاجبيها. إذاً لماذا لم يخبئ رغبته تلك كما فعل زافير وفر لينتهي أمره بطريقة ما معها. أتستحق حياتها مساعدته؟ لا السؤال هو كيف تساعده؟
شعرت بالصداع فدلكت صدغها بأناملها.

"أتعرفين من هو الشخص الذي يرافقك؟"
تمتم بجدية لتحدق بعيناه قبل أن تهز رأسها يمنة ويسرى بهدوء قبل أن تتمتم:
"لا أريدك بأن تخبرني."

رفع زافير أحد حاجبيه بغير فهم لتردف هي بابتسامة صغيرة:
"سأكتشف لوحدي، فهذا تحدي بيننا."

"تحدي؟"
تمتم بغير فهم حيث لم يكن أي جواب قد يتوقعه لتومئ إيجاباً فحسب.

أخفض رأسه للحظات قبل أن يهتز صدره بضحكة قصيرة قائلاً:
"لم أعد أعرفه بنفسي يا آنسة لذا أرجوكِ بأن تخبريني ما إن اكتشفتِ ذلك."

"لك ذلك."
أجابت بذات الابتسامة، سعيدة لمقابلتها شخص مثل زافير ففرصهم تصبح أعلى مع تواجده هو وبعض مصاصي الدماء في صفهم.

"شيء أخير يجب أن تسمعيه. أحد الأوغاد يحاول تسلق العرش الفارغ وما أن يفعل حتى تنقلب الأمور جحيماً أكثر من ما هي عليه."
أومأت برأسها وزافير نهض مستطرداً:
"ما دار بيننا هنا لا يجب أن يعلم أحد عنه، إن رأيتني في ساحة القتال يوماً فادعي عدم معرفتكِ بي واغفري...لسنا حلفاء يمكنهم التعاون معاً."
أهدابه إنخفضت وبدا وكأنه يقوم بتحيتها قبل أن ينظر لمرافقته ويتكلم:
"بهذا أكون قد نفذت ما علي، نحن سنعود الآن لونا."

عينا الشابة الحمراوان اتسعتا ما أن تم صفق الباب على مصراعه ودلفت منه لوسيا صارخة:
"كنت أعلم!"

"لوسيا، ما الذي تفعلينه؟"
هتف آلان من خلفها بتلعثم إذ أن غضب الأخيرة الذي يراه لأول مرة كان مفاجئاً لشارلوت كما كان مفاجئاً له أيضاً.

وجه لوسيا كان محتقناً بلون أحمر وهي تمسك مقبض الباب بشدة وكأنها على وشك تحطيمه.

"لماذا لم تخبريني أنكِ حية على الأقل؟ أتعرفين كم عانيت من تأنيب الضمير بسببكِ؟ هل تعلمين أنني كنت على حافة الجنون!؟"
هتفت لوسيا بقهر والدموع أخيراً هبطت من مقلتيها لتستدير المذكورة نحوها محدقة بها بشيء من الصدمة.

أخفضت لونا بصرها وكأنها تكبح دموع عينيها، قابضة يدها بقربها بشدة هامسة:
"لوسيا أنا..."
لكن لم تجد الكلمات لتكمل.

"أنتِ ماذا؟"
لوحت لوسيا بيدها بغضب وجسدها بدأ بالإرتجاف.

"هلا قام أحدكم بشرح ما يحصل؟"
صرخ آلان ممسكاً برأسه في حين شارلوت كانت لديها شكوكها وقد تأكدت منها الآن حيث اكتفت بالمشاهدة مع زافير الذي يعلم منذ البداية.

مسحت لوسيا دموعها بعنف بكم قميصها قبل أن تشهق شهقة مكتومة وتبتسم بمرارة:
"آسفة جميعاً لقد انفعلت، أعرفكم على شقيقتي الكبرى التي من المفترض أن تكون في عداد الأموات. لونا هيماك."

"شقيقة؟"
تمتم آلان بغباء قبل أن ترتسم الدهشة على ملامح وجهه ببطئ ويفتح فاهه صارخاً:
"شقيقتك مصاصة دماء؟!"

"بالطبع ليست كذلك..."
تكلمت لوسيا بهدوء رغم جسدها الذي يرتجف قبل أن ترفع عيناها اللتان احمرتا نحو لونا وتحدق في عينيها مباشرة مردفة:
"على الأقل لم تكن كذلك."

آلان ابتلع لسانه والصمت ساد في المكان، عينا شارلوت حدقتا بلونا بتركيز فهذه المرة الثانية التي تقابل فيها بشرياً قد تحول لمصاص دماء.

الشيء المشترك بين هذين الشخصين هو الكآبة وتعابير الوجه الفارغة، ليست حقاً بمستغربة فأن تتحول لكائن معاد لنوعك أمر أشبه بالكابوس.

"ألن تقولي شيئاً؟"
اعتصرت مجدداً لوسيا كلامها بغضب حاولت إخفاءه أسفل قناع الهدوء. هزت لونا رأسها ببطء للجهتين وتحركت للخروج من المكان.

لوسيا لم تتحرك في حين أن آلان كان قد أفسح لها الطريق مشاهداً إياها تحث خطواتها بعيداً ليختفي حضورها من المبنى.

"أعتقد أنه يجدر بي الذهاب أيضاً."
تحدث زافير متبادلاً بعض النظرات الأخيرة مع شارلوت قبل أن يتحرك بدوره ناحية الباب.

لوسيا قامت بدفع جسدها للمنتصف لتقوم بإغلاق الطريق ثم قامت بتمديد يديها للجهتين مانعة مروره ليقف مخفضاً رأسه محدقاً بها لثوان قبل تلتقي عيناه بعينيها وتسأله:
"أنتَ..."
رطبت شفتيها قبل أن تخفض يديها وتردف بهمس:
"أنت من فعل ذلك بها، صحيح؟"

انخفض قليلاً ليواجهها قائلاً بابتسامة:
"ماذا إن كنت أنا الفاعل؟"

"لا شيء."
أجابت.

"حسناً إنه أنا."
أجاب زافير بصراحة وهو يستدير لوهلة ناظراً نحو شارلوت التي لم يبدو على وجهها أي تعبير قبل أن يخطف أبصاره مجدداً ناحية لوسيا التي تنحت عن طريقه ليمر هامسة:
"شكراً لك."

زافير بدا متفاجئاً لوهلة لكنه سرعان ما ابتسم بتكلف قائلاً:
"احذروا في طريق العودة."
ثم لوح بيده قبل أن يختفي حضوره بالمثل.

انزلقت لوسيا أرضاً واضعة كلتا يدها على وجهها مجهشة بالبكاء بصمت تاركة دموعها الغزيرة تنزلق من بين أصابعها لتسقط أرضاً.

شعرت بجسد يقوم بإحتواء خاصتها وما أن سمعت صوت شارلوت تهمس بكلمات المواساة حتى قامت برمي رأسها على كتفها صارخة بإنتحاب:
"أنا سعيدة! للغاية!"
بالطبع ستكون فلقد اكتشفت أن شقيقتها التي خسرتها منذ سنوات حيّة للتو، ولو كانت مختلفة جذرياً عن ما عهدته.

.
.
.

"منذ قرابة الخمس سنوات كنت مصرة على الخروج مع شقيقتي في مهمة. لقد كانت قائدة فرقتها الخاصة، كانت مهامهم تنحصر على الاستطلاع ورسم الخرائط. لونا وافقت على اصطحابي في ذلك اليوم بشرط عدم الخروج من المركبة. كنت بلهاء وظننت أن عملهم سهل ويعتبر نزهة في السيارة. ظننت بأن تواجدي لن يعيقها على القيام بواجبها."
رأس لوسيا الذي استند للجدار خلفها ارتفع وعيناها حدقتا بالسقف المتشقق مردفة بمرارة:
"كانت رحلتهم بقصد محيط مطار محلي بعيد عن المجمع. عندما دلفوا لحقت بهم بسذاجة بعد أن غافلت من تركتهم للحراسة متجاهلة ما أمرتني به وحصل المتوقع. تم مهاجمتي فحمتني، أختي كانت سيافة بارعة."

"'ألم أخبركِ بعدم التحركِ من مكانك؟' أنبتني وصرخت بي في حين كنت مازلت مبهوتة وخائفة لرؤية مصاصي الدماء. فطفلة مثلي من عائلة تنتمي لخلف جدران المجمعات لم ترى تلك العيون المخيفة قبلاً. وقعت أرضاً وقمت بالبكاء وحسب."

سحبت لوسيا نفساً جديداً قبل أن تكمل بنبرة مهتزة وأكثر تقطعاً:
"تصرفي جلب المزيد وهي دافعت عني ولم تتركني، لكن لم يستطيعوا التقدم بسببي للأمام ولا حتى العودة لطلب المساعدة حيث تدفق المزيد من مصاصي الدماء نحونا وحوصرنا. اثنان من أعضاء فرقتها العشرة توفيا في لحظات وخمسة أصيبوا وبعدها هي كانت قد طُعنت في معدتها ومرة أخرى في ظهرها، لكنها ظلت واقفة أمامي لتحميني."

ارتجف جسدها وهي تغطي وجهها بكفها حاثة نفسها على الاستكمال:
"لقد كان فظيعاً رؤيتها تلهث أنفاسها الأخيرة أعلى بركة الدماء التي تكونت أسفل قدميها."

"'خذوا شقيقتي بعيداً عن هنا، واخرجوا!' هتفت بمن تبقوا ليسحبني أحدهم ونفر من المكان. ألقي اللوم علي من قِبل أصدقائها وعائلتنا. الفرقة تم حلها وتم رميي في مشفى الأمراض النفسية فلم أستطع الأكل أو فتح فاهي للتحدث، كنت قد اقتنعت بأنني الملامة أيضاً...وهذه الحقيقة."

"ماذا حدث بعد ذلك؟"
سألت شارلوت حين وجدت جسد الأخيرة قد سكن لتجيب لوسيا:
"المقدم أليجاه انتشلني بطريقته من الحفرة."

"'إن كنتِ قد اقتنعتِ بكونك الملامة، ألا يجدر بك النهوض للتكفير عن خطأكِ بعيش الحياة التي حمتها لأجلكِ.' هذا ما قاله عندما حضر كأول شخص وأخر شخص لزيارتي في المشفى. خرجت رغماً عني فكان يجرني هنا وهناك معه ويجبرني على تناول الطعام والقراءة والتدرب، وببطء استعدت شخصي السابق لألتقي بآلان وماي لاحقاً وتتشكل فرقة رسمية تحت إدارته بقيادتي الشكلية."
أضافت لوسيا بابتسامة صغيرة وآلان علق:
"هذا يبدو كأليجاه حقاً."

شارلوت ابتسمت بالمثل ولوسيا مسحت دموعها من على أطراف عينيها:
"لا يهم إن أصبحت أختي مصاصة دماء. معرفة أنها على قيد الحياة فحسب تكفيني."

نهضت شارلوت من مكانها أرضاً محدقة بهيئة أليجاه الذي لم يتحرك ولو قليلاً بصمت، هي أصبحت تشك بتصرفاته، فما معنى أن يكون إنساناً ينقذ حياة الناس في حين أنه يبتز الآخرين للحصول على ما يريد؟

"يجب أن نخرج من هنا ونعود قبل أن تغيب الشمس أو يصيب أليجاه ماهو أسوأ."
تحدثت شارلوت لينهض الآخران من مكانهما في حين أردفت:
"يجب علينا إسعافه بسرعة."

"ماذا سنفعل؟ المجمع بعيد عن هنا."
تحدث آلان وهو يشير بعينيه للنافذة حيث الشمس قد كانت بدأت بالميلان ناحية الغرب.

"ساعة حتى تختفي الشمس تماماً كأقصى حد."
تمتمت شارلوت قبل أن تجذب إحدى يديها لذقنها وتمسح بأناملها وجهها بتفكير. رفعت رأسها مجدداً ناحية آلان محدقة به بصمت ليقول بتوتر:
"ماذا؟"

شارلوت فكرت بأن آلان يخفي شيئاً، وأن لوسيا تبدو وكأنها تعلمه. هي لن تسأل لأنهم سيسألونها في المقابل وهذا ما لا تريد الخوض فيه. فقط هي تستطيع إئتمان قدرته على التجول لوحده دون أن يتعرض للقتل بسهولة.

"سنخرج كلانا لنبحث عن مركبة، لا يوجد خيار أخر."
تحدثت أخيراً ليبدو التفاجؤ على وجوه زميليها جلياً وكأنهم يقولون بأنها مختلة. إن تواجدت مركبة فسيحتاجون وقوداً لها وهذا إن كانت تعمل فقط.

"لا خيار أخر، إن قمنا بتحريك أليجاه بعشوائية فمن يعلم ماذا سيحصل له."
بررت. ليست طبيبة ولكن حال ذلك المستلقي هناك ووجهه الذي فقد لونه لا تبشر بالخير.

"ماذا عني؟"
سألت لوسيا لتضع شارلوت يدها على كتفها قائلة:
"يجب أن يبقى أحدهم مع أليجاه. لا تقلقي حضور زافير أخاف الحيوانات البرية وتم قتل أغلب مصاصي دماء المنطقة لكن في حال حدوث أي شيء استعملي حلقكِ واصرخي لن نبتعد."

"هيا آلان."
أردفت على الفور قبل أن تخرج مع آلان ركضاً.

"استعمل حلقي."
تمتمت لوسيا مكررة قبل أن تتجه بخطوات متباطئة لتجلس بقرب أليجاه مردفة:
"يبدو أنني سأفعل."

من جهة أخرى في الأسفل نظرت شارلوت يمنة ويسرة قبل أن تقول لآلان:
"لنفترق."

"نفترق؟"
تمتم بحاجبين معقودين لترفع أحد حاجباها نحوه قائلة:
"لا تخبرني أنك خائف من التجول وحدك؟"

"الأمر ليس كذلك!"
هتف بإنزعاج قبل أن يردف بصوت أخفض:
"نحن لسنا بعيدين عن منطقة العدو."

"منطقة العدو."
تمتمت شارلوت قبل أن تتوقف فجأة في مكانها ويتوقف معها آلان سائلاً:
"ما الخطب؟"

"آلان أنت عبقري!"
هتفت شارلوت بابتسامة واسعة ليبتسم هو بالمقابل قائلاً وهو يعيد خصلات شعره للخلف:
"أعلم بالفعل."

ما أن أنهى جملته حتى تفاجأ بشارلوت تركض في جهة أخرى مختلفة تماماً ليهتف باستدراك وهو يلحق بها:
"مهلاً! ما الذي اكتشفته؟"

.
.
.

أهداب لوسيا ارتفعت بسرعة حيث كانت تغفو بلا شعور منها ما أن سمعت صوت خطوات تتسلق درجات السلالم فما كان منها سوى النهوض بتأهب.

آلان عادة يقفز ويتخطى بعض الدرجات على السلالم أما شارلوت فتصدر صوتاً خافتاً أثناء تحركها بشكل عام. هي قد حفظتهم بالفعل وهذه الخطوات الثقيلة البطيئة ليست لأحدٍ تعرفه.

سحبت نصلها بهدوء وببطء مستعدة لما هو قادم مبتلعة لعابها بصعوبة. أياً كان هي لوحدها الآن وهذه المرة لن تسمح بأن يموت أحدهم بسببها مجدداً وخاصة أليجاه فإن أنقذها مرة ستنقذه هي ألف مرة لو اضطرت لذلك.

.
.
.

"مهلاً! نحن عائدون لهناك!"
هتف آلان باستهجان مستدركاً الطريق الذي كان يسلكانه لتقول شارلوت:
"كيف وصل جنودنا لهنا في المقام الأول آلان؟"
اتسعت عيناه فقد فهم الآن وصفع جبهته قائلاً:
"بالطبع!"

قاما بإلتفاف عند زاوية تطل على شارع مغلق ليتنفس كلاهما براحة إذ أنه تواجدت مركبة مركونة جانباً وتم تغطيها بخرق بالية لتتموه مع المشهد.
تحسست شارلوت الغطاء المعدني وقد كان دافئاً فلابد أنها استخدمت منذ فترة قريبة قائلة:
"إنها وسيلتنا للعودة الآن."

"نحن محظوظون."
ما كاد آلان أن ينهي جملته إلا وكان قد وقع جلمود ضخم على سقف المركبة مدمراً إياه بسهولة.

عيونهم ارتفعت نحو القرد الضخم الذي بدأت بضرب صدره صارخاً بأرفع صوت يمتلكه بهما على أنهما وبوضوح يتعديان على أرضه. امتلك أربع عيون حمراء دموية وذراعان ضخمتان جعلتا آلان يغمغم:
"سيقوم بهرسنا إن وقعنا بين يديه."

"أكان يجب أن تتحدث في المقام الأول؟!"
سألت شارلوت وهي تتراجع لقرب زميلها رامقة إياه بنظرة منزعجة ليخفض رأسه هازاً إياه للجهتين بقلة حيلة و يكتفي بـ:
"اعتذر."

قفز القرد للأسفل وهما تراجعا عن طريقه ما أن بدأ بدفع المركبة ضد الحائط متجاهلة إياهما ليحدق كلاهما ببؤس بالأخر.

"اقتله."
تمتمت شارلوت عاقدة يديها أسفل صدرها ليهتف آلان بغير تصديق:
"ماذا؟!"

"أنت لديك أسلحتك أما أن فقد فقدت نصلاي، كما أنني مرهقة بشدة."
قالت جملتها الأخيرة وهي تتربع أرضاً ليقشعر بدن آلان كاملاً:
"تمزحين؟"

"هل يبدو أنني أفعل؟"
تمتمت وهي ترمقه بنظرات باردة ليتنهد بقلة حيلة فهي جادة للغاية.

"شارلوت إنه وحش صخم الآن! جلده سميك للغاية مخالبي ستدغدغه فحسب."
ضغط آلان على كلماته بشدة مشيراً لذام القرد الذي دمر جزءاً من هيكل المركبة الخارجي.

عقدت شارلوت حاجبيها أكثر، يجب أن تفعل شيئاً لكنها تشعر بأنه سيغمى عليها بأية لحظة الآن. إنها مسألة وقت فحسب.
"هل تستطيع القيادة؟"
سألت.

"هضعت لتدريب مبدأي وأعلم كيف."
أجاب في حين راحت هي تنظر للجهتين قائلة بالمقابل:
"جيد. سأبعد صديقنا الضخم، أنت ستقود المركبة بعيداً."

"أنتِ لستِ بخير لتواجهي هذا الشيء."
تمتم آلان فقد لاحظ وجهها الذي تحول لونه لأصفر. شارلوت تماطل فحسب.

"أنا لا أستطيع القيادة بحالي هذه أيضاً. لا خيار لدي."
أعلنت وهي ترفع حجراً ضخماً من على الأرض بكلتا يديها لتتسع عينيه قائلاً بتوتر:
"أنتِ لن..."

"بلى."
همست بابتسامة قبل أن تدور حول نفسها مرتين ثم ترمي الحجر الضخم ليقع مباشرة على رأس القرد الضخم.
استدار نحوهما وعيونه الحمراء حدقت بهما قبل أن يطلق صرخة تصم الآذان.

ابتسامة سمجة ارتسمت على شفتي شارلوت وهي تسأل:
"أتظن أنني بالغت بإغضابه؟"

"كثيراً شارلوت."
همس آلان وهو يتراجع ببطء تاركاً الأخيرة لوحدها بنية تنفيذ خطتهم المجنونة.

الوحش البري انتبه لحركات الأخير لكن شارلوت لن تدعه يلحق به بل بها رغم أنها تعلم بأنها ستندم على جعل هذا الوحش يطاردها هي.
حملت صخرة أخرى أصغر حجماً ورمتها لترتطم بوجهه.

"أنا لدي موز أيها القبيح!"
صرخت ثم أخرجت لسانها بإستفزاز ليبدأ الأخير بالركض خلفها وكأنه قد تم إستفزازه بالفعل فما كان من شارلوت إلا البدء بالركض بعيداً بالمقابل.

"يجب أن أسرع."
تمتم آلان وهو يقفز داخل العربة ليبدأ بدفع الجملوظ بعيداً.
لم يكد أن ينظر مكان مفاتيح إدارة المحرك حتى وهتف:
"اللعنة!"
إذ لم يكن هنالك شيء.

إنزلق جسد شارلوت عبر باب ضيق والقرد خلفها قام بهدم الجدار ليلحق بها.

"أتعلم أن أحدهم كان يستطيع السكن في هذا المبنى!"
هتفت شارلوت متحسرة على المبنى الذي كان ما يزال بصحة جيدة.

تسلقت السلالم والأخير أخذ يلحق بها مدمراً كل ما يقف في طريقه بطريقة هوجاء مطلقاً صرخات الغابة الغاضبة حتى وصلا السطح.

"ارفق بي رجاءً."
تمتمت شارلوت وهي تقفز على الحاجز الفاصل بين عدوها والهاوية التي ترتفع ثلاثة طوابق عن الأرض.

جذبت عينيها للأسفل عندما سمعت صوت محرك عال وابتسامة ارتسمت على شفتيها ما أن رأت العربة في الأسفل بانتظارها.

"كنت أود لو أستطيع الدردشة معك أكثر لكن علي الرحيل."
ألقت شارلوت بتخية عسكرية قبل أن تقفز للأسفل فارة من يدي الوحش الذي كان على وشك إمساكها.

النسيم ضرب وجهها وهي تهوي للأسفل مع دوار حاد، لكن على الأقل لن تموت.

على أطرافها الأربعة سقطت على المقاعد الخلفية حيث كان السقف قد تدمر بالفعل وتم إقتلاعه بعيداً لينطلق آلان على الفور.

أغمضت شارلوت عينيها بألم ثم سقطت على وجهها ليهتف آلان من الأمام:
"أنتِ بخير؟!"

"بالطبع لست كذلك."
تحدثت هي بخفوت بالمقابل دون أن تحرك إنشاً من جسدها إذ أنها فقدت الإحساس بأطرافها.

ظنت ان المجاردة انتهت لكن للأسف لم تنتهي فعندما ضربت هزة أرضية المكان وصراخ غاضب صدح علمت أن غريمهم سيلاحقهم.

"صديقنا يلحق بنا."
تمتم آلان وهو يلتف عند زاوية حادة في محاولة فاشلة لتضليل الحيوان البري.

سارت شارلوت بأطراف أناملها على شيء بارد حديدي بجانبها لتعلم أنها بندقية. آلان مشغول ولا يمكنه التوقف. هي الوحيدة التي تستطيع التخلص من المزعج الآن لكن جسدها يأبى الحراك.

"ساعدني قليلاً يا هيرو."
تمتمت بعتاب رغم أنها تعلم أن هذا سيؤذي جسدها. إجباره على التعافي سيخلف آثاراً جانبية ويتلف أعصابها وألياف عضلاتها لكنها احتاجت لدفعة بسيطة.

شعرت بعضلات يديها ببطء تشتد وهذا كان كافياً إذ أنهم قد أطالوا الأمر كثيراً وأضاعوا أكثر من نصف ساعتهم بالفعل.

حملت البندقية ببطء قبل أن تسحب جسدها للنهوض، رمتها أمامها على الصندوق الخلفي مثبتة يدها على الزناد وعينها على المنظار الصغير المحلق بها.

"هل تستطيعين إصابته هكذا؟"
سأل آلان، السيارة كانت تقفز من فوق مطب مدمر أخر على الطريق لتطلق نفساً بطيئاً قائلة:
"يجب أن أقتله لكي لا يقتلنا. الفشل غير مسموح."

ثبت الشاب عينيه على الطريق أمامه ويداه اشتدتا على المقود في محاولة لتثبيت المركبة.

"لننهي الأمر بطلقة واحدة أيها الضخم."
تمتمت وهي تصوب ناحية جبهته وتحديداً ما بين عينيه.

المركبة اهتزت بقوة والرصاصة انطلقت لتصيبه لكن بذراعه الأيسر.

أطلقت شارلوت صوتاً ينم عن عدم الرضى مرافقة لزمجرة الأخير الغاضبة وهو يسرع خلفهم.

شحنت البندقية مجدداً وصوبتها نحو هدفها الرئيسي مرة أخرى. تنفست على مهل وبعد اهتزاز أخر جديد أطلقت النار.

تعابير وجهها ارتاحت ما أن شاهدت الكائن يسقط بلا حراك أرضاً وسمعت هتاف آلان يصرخ بسعادة:
"لقد نجونا! أنتِ مجنونة... أعني رائعة."

"أعلم أنني كذلك ولكن للحق لولا وجودك أيضاً لما كنت قد نجوت."
تمتمت وهي ترمي بجسدها مجدداً على المقعد شاعرة بآلام مبرحة في جميع أنحاء جسدها قبل أن تغمض عينيها ببطء.

هذه هي الحقيقة. لقد اكتشفت أن القيام بالكثير من الأمور التي توجب عليها القيام بها بمفردها أصبحت سهلة التنفيذ بوجود زملائها حولها.
العربة توقفت وآلان استدار نحو الأخيرة قائلاً:
"لقد وصلنا."

دون أن تزيح بمرفقها الذي غطت به وجهها تحدثت:
"فالتحضر أليجاه ولوسيا ولنرحل، لقد تعبت."

أومأ آلان ومن دون أي كلمة إضافية دخل المبنى. مضت دقيقة اثنتان ثلاث وأعين شارلوت اتسعت حين سمعته يهتف من النافذة:
"شارلوت! يجب أن تري هذا!"
نبرة صوته كانت مهتزة إذاً لابد من حصول أمر سيء. زفرت بقلة حيلة وهي تحسب جسدها الذي يؤلمها لتتحرك خارجاً نحو المبنى.

تسلقت درجات السلالم بترنح وقامت بعد الأشخاص الذين تواجدوا في الأعلى. لوسيا، آلان، أليجاه وشخص آخر جديد.

"ما الأمر؟"
سألت بهدوء وعيون التصقت بالرجل الذي يقف بجوار السرير، ذو لحية بيضاء اتصلت بشعره وشارب كثيف رمادي.
عيناه الصغيرتان اختفيتا خلف نظارة ذات عدسات مدورة صغيرة وملابسه لا تدل على أنه مشرد أبداً.

"أليجاه."
تحدث آلان بأسى وهو يرفع طرف قميص الأخير لتظهر كدمة زرقاء مصفرة ناحية خصره.

شارلوت كرمشت عيونها فحسب، هي علمت بالفعل أنه قد تلقى ضربة قوية من الطريقة التي كان يضع يده على تلك النقطة بالذات.

"يجب نقله إلى المشفى فغالباً لديه نزيف داخلي. لست متأكداً لكن الدماء التي تخرج من فمه والإنتفاخ عند المنطقة المصابة دليلان مخيفان."
تحدث الرجل الغريب.

"لقد وجدنا ناقلة جنود تعمل وهي بالأسفل. سنرحل. الآن"
نطقت شارلوت مشددة على كلمتها الأخيرة مناظرة الرجل قبل أن تنظر ناحية آلان وتقول:
"لنحمله معاً."

"لوسيا عزيزتي هلا ساعدتهم بإبقاء مكان الإصابة مستقيماً دون تحريكه."
سأل العجوز لوسيا التي أومأت نحوه بفهم وهمت للمساعدة.

بلطف شديد قاموا بوضعه على المقاعد الخلفية للعربة. آلان جلس خلف المقود في الأمام ولوسيا استدارت لتشكر العجوز قائلة:
"شكراً على المخدر."

"مخدر؟"
همهمت شارلوت باستغراب لتومئ الم:
"عندما لم تكونا موجودين أليجاه استيقظ بفعل الألم وحاول التحرك بعشوائية لكن لحسن الحظ السيد لوبين كان موجوداً وقام بإعطائه حقنة ليعود للنوم."

"لا بأس. مهمتي هي مساعدة المحتاجين. والآن عن إذنكما آنساتي فالشمس ستغيب قريباً ويجب أن أعثر على مكان للبقاء فيه."
اعتذر العجوز بلطف قبل أن يستدير مثبتاً الحقيبة الكبيرة على ظهره جيداً ويرحل.

سحبت لوسيا خصلة شعرها التي كانت تقبضها شارلوت بألم قائلة بتأنيب:
"ما خطبك؟ لماذا قبضتِ على شعري هكذا؟"

"أنا أعلم أنكِ كنت ستقومين بدعوته للذهاب معنا."
تحدثت شارلوت ملوحة بسبابتها في وجه لوسيا التي صفعتها بعيداً قائلة بخدين متفخين:
"ما الخطب في ذلك؟ لقد ساعدنا، كما أننا نحتاج الأطباء."

تنهدت شارلوت محدقة بظل الرجل الذي بدأ يختفي بعيداً قائلة:
"أنا لم أره من قبل رغم أنني تجولت كثيراً لوحدي في الأنحاء. لا يعجبني."
إحساسها غير مرتاح.

"بدا لطيفاً لي."
تمتمت لوسيا مشيحة بوجهها.

"لا يهم إنه عجوز، لن يسمح بدخوله على أية حال حتى ولو كان عالم ذرة بلا نفوذ."
تحدثت شارلوت قبل أن تتحرك لتقفز بجانب آلان ولوسيا في الخلف بقرب أليجاه لتبدأ رحلة العودة.

بعد نصف ساعة من القيادة المتواصلة جفونها تباعدت عندما سمعت صوت آلان بجانبها يتنهد للمرة المئة قائلة بهدوء:
"اهدأ."

"كيف لي أن أفعل؟"
برر ويداه اشتدتا أكثر على المقود لتجيب:
"نبضات قلبه مازالت مستقرة. هو بخير."

"تسمعينها؟"
سأل بشيء من الفضول مناظراً إياها بطرف عينيه لتجيب بلا اكتراث واضعة كفها أسفل ذقنها:
"أجل."

"أعتقد أنه يجب أن نتحدث جدياً بشأن ما حدث عندما نصل."
تكلمت لوسيا في الخلف بهدوء ليركز آلان على القيادة مجدداً وتشيح شارلوت بوجهها بعيداً.

الجميع يخفون أسراراً لا يريدون الإفصاح عنها، لكن الأسرار لا تدوم مكتومة للأبد وتتكشف مع الوقت.


*********

شاركونا بسر تعتقدون أنكم كشفتموه.
ما قصة إيداغار أو زافير، العجوز لوبين وربما أليجاه؟

إلى لقاء قريب
ناخت♥️

Continue Reading

You'll Also Like

195K 5.1K 4
عندما لا تكون لرغباتك قيمة، ويجبرك الآخرون على مايخدُم أهوائهم تستنجد بك نفسك ، و تُخيُّرك الحياة " بين أن تبقى خاضعًا ، أو أن تكون هاربًا . " ...
114K 7.8K 34
-قيد التعديل- خنجر من الذهب، و كأس من البلور.دماء الحُكام تقاطرت. و عصر بحكم متوازن على وشك الإبتداء. جميع الاعناق متصلبة، المشهد كان مُهيبًا، و كل م...
629K 19.4K 23
الرواية تتحدث عن الشيطان او لنقول زعيم مصاصي الدماء يقع بحب فتى منذ ان كان صغير ويصبح مهووس بكل انش به.. ********* ماذا سيحدث عندما يتعرض الفتى للخ...
27.9K 1.7K 61
في ظل الممالك السبعة هناك مملكة ماغونسايت التي يعيش بها بطلنا ألدس ولي العهد للملك مابل بعد ان يرسله الى أكاديمية إريوس محاولة ضبط سلوكه في التهيء ل...