المعلِم

By Tasneem_Elmorshdy_19

808K 24.5K 1.1K

هي تلك المراهقة الصغيرة التي انقلبت حياتها رأساً على عقب لفجعة وفاة أبويها، أزهر جوفها بأملاً جديد وإزداد حني... More

تنويه
مقدمة..
الفصل التاني
الفصل الثالت
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالت والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
حلقة خاصة ( ١ )
حلقة خاصة ( ٢ )
حلقة خاصة ( ٣ )
حلقة خاصة ( ٤)
حلقة خاصة ( ٥ )

الفصل الأول

41.2K 843 43
By Tasneem_Elmorshdy_19

رواية ~ المعلِم ~
الفصل الأول ..
_________________________________________________

تقف أمام نافذتها وشعور الحماس يتغلغل داخلها لما تنتظره، بزوغ الفجر مع تلك البرودة يزيد من لهفتها، تشعر بنبضات قلبها التي تتسارع داخلها لإفتقادها إليهم، فلقد طالت مدة الغياب ولم تراهم لأربعة عشر يوماً وثلاث ساعات وبضعة دقائق لأداء مناسك الحج التي تؤديها والدتها لأول مرة بعد أن أعتنقت الإسلام حديثاً، لم يسبق لهم وأن تركوها بمفردها طيلة تلك المدة التي مرت عليها وكأنها أعوام وليست فقط عدة أيام.

استنشقت عبير الهواء البارد الذي تسلل عبر فتحات النافذة وارتطم بوجهها، أبتسمت بسعادة وهي تصور بعض المشاهد الحميمية لهما عند عودتهما.

طالت فترة عودتهما وتأخر الوقت كثيراً عما اعتقدت، سحبت هاتفها وضغطت علي زر الإتصال في قلق قد تملكها، ارتخت ملامح وجهها بطمأنينة  عندما أجابها بصوته العذب الذي يلمس قلبها ويبث فيه الأمان:
_ عنود حبيبتي

سحبت نفساً عميق محاولة تهدئة روعها لكن لم تخلو نبرتها من القلق:
_ أنتوا فين يا بابا قلقت عليكم، المفروض توصلوا من نص ساعة

زفر أنفاسه بضيق وهو يجوب بأنظاره الحافلة المُعطله ثم رد عليها بهدوء لكي لا يُشعِرها بالقلق عليهما:
_ إحنا واقفين في الطريق، الأتوبيس اتعطل والسواق بيحاول يصلحه متقلقيش علينا

تنهدت يضيق ولعنت تلك الحافلة التي أخرت رؤيتهما، فلقد فاق اشتياقها كل الحواجز، لم تختبر فراقهما طيلة تلك المدة الماضية، فهم ثُلاثي دائم التنقل سوياً ولم يسبق وأن افترقا قط، ولكن تلك المرة اختلفت فلولا اعتناق والدتها الإسلام وضرورة أداؤها لمناسك الحج لما وافقت علي الإبتعاد عنهم طيلة الفترة الماضية.

أجابت والدها برقة كما اعتادت في الحديث معه دوماً:
_ توصلوا بالسلامة يا حبيبي see you soon ( أراك قريباً )

_ أغلقت الهاتف وزفرت أنفاسها مستاءة، فهي لم تعد تحتمل أكثر من ذلك الوقت التي أمضته قيد انتظارهما، ولجت  غرفتها حيث خزانتها الصغيرة التي تحتوي علي بعض الثياب الفضفاضة ذات الألوان المبهجة التي تناسب عُمرها الذي لم يتعدي التاسع عشر بعد. 

( عنود سيف الدين فتاة رقيقة، تمتلك بشرة حليبية وشعر غجري أسود داكن، تمتلك عيون واسعة تختبئ بين أهدابها الكثيفة، تتميز بتورد وجنتيها وشفاها الدائمتين، ذات عود ممتلئ بعض الشيء لكنه ممشوق وله انحناءات أنثوية مثيرة رغم  صِغرها، أنهت هذا العام آخر صفوفها الثانوية، تقطن في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا، تعشق شيئان في الحياة وهما والداها، لا تمتلك أشقاء لمرض والدتها بعد ولادتها  مباشرةً وخضعت لإستئصال  رحِمِها، كانت بمثابة الحياة ومافيها لوالديها والعكس صحيح.

والدها من أصل مصري الجنسية لكن والدتها أمريكية الجنسية حيث تَقابل كِلاهما في عملٍ واحد وقد أحبَ بعضهما البعض كثيراً، وقد قابلا صعوبات عديدة من قِبل عائلته التي رفضت زيجته من تلك الفتاة المتحررة ذات الديانة المسيحية، لم يصغي إليهم وأعلن زواجه منها بعد فترة قصيرة من رفض عائلته ولم يكترث لهم تحت مُسمي رفضهم لهراءات سخيفة.

حرس سيف الدين علي تعليم إبنته الوحيدة أصول دينها الإسلامي ولم يقُابل أي هجوم من زوجته رغم أنها ذات ديانة مختلفة، حيث كانت تعاونه في غرس المبادئ والقيم الصحيحة في نفس إبنتهما، أيضاً كانت تختلس النظر إليهم من حين لآخر وهما يدرسان دينهما، كانت تصغي له بإهتمام عندما يقُص علي عنود بعض الأحاديث والقصص النبوية الشريفة، وكأن قلبها يلين شيئاً فشيء و كانت دائمة الحرس علي الحضور لتلك الندوة الأسبوعية التي قد شرعها زوجها ليحبب أبنته في دينها وغرس القيم فيها)

كما تتصف عنود بالذكاء الداهي الذي كان يخشاه والداها من سوء استغلال الآخرين لها.

وضعت آخر دبوس في حجابها الذي  غطي صدرها بالكامل، وخرجت من المنزل، أخرجت السيارة الخاصة بوالدها من چراج المنزل وتمتمت قبل أن تشرع بالقيادة: 
_ بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوه إلا بالله

_ دعست علي محرك السيارة كما زادت من سرعتها لكي تصل أسرع إليهم، أوقفت السيارة حينما رأت أمامها العديد والعديد من السيارات الواقفة بمنتصف الطريق، زفرت أنفاسها بضجر فعلى ما يبدو أن القدر يلعب لعبته ويود أن يؤخرها عن رؤية والداها لطلاما انتظرت تلك اللحظة بفروغ الصبر.

تأففت بضجر ثم فتحت باب السيارة وترجلت منها، اتجهت بخطوات سريعة للأمام لعلها تعلم حقيقة الأمر، حاولت الإرتفاع بقدميها لكي يقع بصرها علي أي سبب جذري تحتم علي تلك السيارات الوقوف هكذا، لكن لم تستطيع أن تري شيئاً سوي حشد من السيارات الواقفة خلف بعضها، نظرت للجانب ولمحت بعينيها أحدهم يجلس في سيارته ويتحدث بالهاتف ويبدو عليه الذعر:
_ What ? Fuck it up , I have an essential job and the road definitely won't open until morning؟
( ماذا ؟ سحقاً للأمر ، لدي عمل ضروري وبالتأكيد لن يُفتح الطريق حتي الصباح ؟ )

شعرت بغصة في حلقها وكأنه يتحدث عن شيء يخص والداها، لماذا أتي تفكيرها لتلك النقطة، لم تشعر بقدميها التي هرولت مسرعة نحو ذاك الرجل لتتأكد من حدسها.

تنهدت في خوف وسألته بتوتر وقلق شديدان: 
_ Sorry, do you know what's going on?
( عُذراً، هل تعلم ما يحدث )

_ نظر إليها من أعلي لأسفل بتفحُص شديد، بينما انكمشت ملامح عنود بضجر لنظراته التي أغضبتها، حمحمت ثم أعادت سؤالها مرة أخري

فأجاب بإقتضاب لتلك الفتاة التي لا يظهر من جسدها شيء:
_ Yes, I know, there was a bus accident due to a blown tire
( نعم أعلم، هناك حادث انقلاب حافلة بسبب انفجار الإطارات  و...)

_ لم تدعه يُكمل جملته حيث عادت مسرعة إلى سيارتها، أغلقت الباب ونظرت أمامها وهي تتمني بداخلها أن تكون حافلة أخري وليست تلك الحافلة التي يعود بها والداها، لا لن تتحمل أكثر من ذلك، لابد من التأكُد، دعست علي محرك السيارة لتديرها حيث سارت في طريق بمنتصف غابة ساكنة تماماً، ورغم شجاعتها التي تعهدها إلا أنها لما كانت ستجازف بمرورها في ذلك الطريق الخالي من البشر لكن الأمر ليس بهين وليس بوقت خوفها الآن.

_ بعد عدة دقائق وصلت لأول الطريق، اتسعت مقلتيها وهي تشاهد إقلاع الأدخنة المتطايرة في الهواء إثر انقلاب حافلة، ترجلت خارج سيارتها وسارت بتمهل بالقرب من الحادث، وكأن  الكون بات خالي تماماً أمامها، لم تصغي لنداءات الشرطة عليها، فقد تريد أن تتأكد أنها ليست الحافلة ذاتها، تريد أن تطمئن قلبها برؤيتهما، كادت أن تتخطي الحاجز الذي وُضع من قِبل الشرطة الأمريكية، لكن يد أحدهم أجبرتها علي التوقف قبل أن تقترب أكثر من النيران.

صاح أحد الضباط بغضب: 
_ Where are you going, no entry
( إلي أين أنتِ ذاهبة، ممنوع الدخول )

نظرت إليه بعيناها التي ترقرقت بها الدموع وتهدد بنزولهم.

ابتلعت ريقها وسألته بتوجس:
_ My family , I just want to see my family
( عائلتي، فقط أريد أن أري عائلتي )

أجابها الضابط بنبرة صارمة:
_ Where are your family names
(ما هي أسماء عائلتك ؟ )

أجابته بنبرة سريعة وقد انسدلت بعض العبرات علي مقلتيها:
_ سيف الدين عراقي، ونيكول باتريك

هز رأسه بـ تفهم وأشار إليها بالوقوف مكانها قائلاً بنبرة رخيمة:
_ wait here for a while
( انتظري هنا قليلاً ..)

وضعت إحدي يديها أعلي يسار صدرها، تحاول طمئنة قلبها الذي بدي وكأنه يركض من فترة طويلة، أخذت تتنفس بتوجس وعيناها تتبعان ذلك الضابط الذي أمرها بالوقوف مكانها.

إزدادت نبضات قلبها عندما رأته يعود إليها بخطى ثابتة، ازدادت  أنفاسها وبدأ صدرها في الصعود والهبوط بتوجس شديد من أن يأكد لها ما تخشاه.

وقف أمامها ومد يده ببعض أوراق إثبات الشخصية قائلا بصوته الأجش:
_ See if your family is among them ? ( انظري ، هل عائلتك من بينهم ؟ )

ظلت عينيها مُثبتة علي يديه الممتدة لها ثم مدت يديها بتمهل وأخذت تتنقل بينهم، اتسعت مقلتيها بصدمة عندها رأت هوية والدتها.

سرت رجفة قوية في أوصالها، مررت بصرها بين صورة والدتها وبين الضابط الواقف أمامها، لم تبحث عن هوية والدها فلقد ظهرت الرؤية، هي تلك الحافلة العائدين بها، ارتفع تدفق الأدرينالين المندفع في شرايينها إلى أن خارت قواها ووقعت علي الأرض بإهمال فاقدة للوعي.

_________________________________________________

ابتعد عن زوجته يلتقط أنفاسه، أستلقي بجسده المتعب بجانبها علي الفراش.

حاول ضبط أنفاسه التي هربت منه في هذا الوضع الغير محبب إليه بالمرة، لكنه يفعله فقط من أجل زوجته، نظر إليها وهي تغلق أزرار تلك العباءة اللعينة التي لا تظهر أياً من منحنيات جسدها الأنثوي لطولها وعرضها المبالغ.

نهضت من جانبه واقتربت من الباب عندما سمعت طرقات بخفة عليه، حتماً تلك صغيرتها  ذات الأربع أعوام، ابتسمت لها بحب وجلست علي ركبتيها لتكون بنفس مستواها، أعادت خصلات شعرها الشاردة خلف أذنها وأردفت بحنو:
_ جنجون حبيبي، صباح الخير

فركت الصغيرة عينيها وهي تتثائب بكسل وتحدثت بنبرة طفولية بريئة:
_ ماما جعانة، آكليني

قهقهت علي أسلوبها الطريف ثم نهضت وأمسكت بيدها قائلة بعاطفة:
_ يلا بينا نحضر الفطار لبابا وماما ولجنى

أماءت الصغيرة بالإيجاب وذهبت مع والدتها إلى المطبخ، حملتها بيدها ووضعتها على الطاولة الرخامية وذهبت لإعداد وجبة الفطور لهم.

ولج هو لمرحاض غرفته حتي ينعم بإستحتمام سريع قبل ذهابه لعمله،  مال برأسه علي الجانبين مطقطقاً فقرات عنقه ثم وقف أسفل المياه الساخنة الممزوجة ببعض بالبرودة مستمعتاً بالخليط الدافئ الذي ينعش جسده، أوصد عيناه لبرهة متذكراً كم من الأعباء التي باتت علي عاتقه في الفترة الأخيرة، فتح عيناه ثم زفر أنفاسه محاولاً إخراج بعض الحمول من عليه مع خروج تلك الأنفاس، أغلق صنبور المياه وخرج من المرحاض.

ارتدى تيشيرت رمادي علي بنطال فحمي كاتم،  مشت خصلات شعره الحريرية القصيرة بالفرشاه ووضع من عطره ثم خرج من الغرفة.

اقترب من المطبخ عندما سمع همهمات صغيرته، وقف أمامها فصاحت هي بسعادة عارمة:
_ بابا حبيبي

أبتسم بسعادة وضمها لصدره قائلا بصوته الحنون:
_ قلب وروح بابا

ظل يداعبها ويدغدغها حتي تعالت ضحكات الصغيرة بمرح، نظرت إليهما بأعين لامعة وقالت بغيرة زائفة:
_ الله الله وأنا مليش نفس يعني في الأحضان دي؟

رمقها بحدتيه قائلاً بفتور:
_ دينا لو خلصتي فطار ياريت نفطر عشان ورايا شغل كتير

( دينا امرأة تبلغ من العمر ثمانية وعشرون عام، تخرجت من جامعة التجارة، بشرتها حنطية تمتلك جسد ممتلئ بعض الشيء، خصلات شعرها قصيرة مجعدة، تبلغ من الجمال مقدار متوسط، طيبة إلي حد السذاجة، روتينية بقدر مبالغ فيه )

أومأت برأسها ثم وضعت آخر صحن علي مائدة الطعام وجلست علي مقعدها الخاص، بينما ترأس هو المائدة وجلست أبنته بجوار والدتها لكي يسهل عليها إطعامها.

تناولا سوياً في صمت حل لفترة، حتي قطعه نهوضه من علي المقعد ناظراً إليها وهتف بتنبيه:
_ ابقي انزلي شوفي أبويا فطر ولا لأ

أغمضت عينيها بعدم رضاء لما قاله وأردفت بتهكم:
_ مش عارفة أنا لازمته إيه أنزل أصحي الناس من نومهم طلاما في حد قاعد معاه؟!

رمقها بنظراته الحادة واندفع بها:
_ هما اللي قاعدين مع أبويا دول بني آدمين، لو الهانم بتآكله زي ما هي بتزن في ودان جوزها مكنتش قولتلك انزلي

شعرت دينا بالخجل واقتربت منه محاولة توضيح نواياها الحسنة: 
_ ريان أنا آسفة مش قصدي بس أنت لو بتشوف هي بتفتح لي الباب إزاي ولا الكلام اللي بتلقح بيه طول ما أنا تحت هتعذرني

( ريان ماهر العراقي، يبلغ من العمر أربعة وثلاثون عام، الإبن الأوسط لأبويه، يتميز بالذكاء والخبرة، يُعرف بالمعلم لأنه صاحب مملكة الريان وهي تحتوي علي شركة إستيراد وتصدير، ومصنع الريان  لتوريد الأخشاب بداخل مصر  وبعض معارض الأثاث التي تقطن فروعه في جميع مدن مصر، كما يمتلك ورش صغيرة للعاملين وغيرهم الكثير، قامته طويلة للغاية كما يمتلك جسد رفيع لكنه يتماشي مع طول قامته، لم يُكمل تعليمه وأكتفي بالثانوية لأسباب سنتعرف عليها لاحقاً .. )

اشتعلت النيران بداخله وتشنجت عروق عنقه من شدة غضبه وصاح بصوته الجهوري:
_ مش كفاية إنها قاعدة في بيته وكمان مش عاجبها الهانم، مهو الغلط مش عليها الغلط علي أخويا اللي مطاطي راسه ليها ومش عارف يلمها

_ أسرعت دينا بوضع كفها علي فمه لتجبره على الصمت وأردفت متوسلة:
_ خلاص خلاص أنا غلطانة إني اتكلمت معاك في حاجة، ريان لو سمحت مش عايزاك تقول أي حاجة لأن هيتعرف إني أنا اللي اتكلمت وأنا مش عايزة مشاكل

دفع ريان يدها بعيداً عنه وسار للخارج بعد أن طرق الباب خلفه بعنف وبداخله بركان حتماً سـ يثور في أول شخص يظهر أمامه.

هبط الأدراج سريعا وتوقف في الطابق الذي يقطن به والده، ود  لو يهشم ذاك الباب اللعين من شدة غضبه، زفر أنفاسه بضيق وتابع هبوطه بسرعة قبل أن يقلب تلك البناية رأسا على عقِب.

وقف أمام حارس العمارة وصاح به مندفعاً:
_  يا بني آدم أنت مش قولتلك الأسانسير ده يتصلح في خلال ٢٤ ساعة بقاله أكتر من يومين عطلان ليه، كلامي مش بيتسمع ليه عايز أفهم؟

أبتعد ريان عن الحارس وبحث بعيناه الثاقبة التي ينبعث منهم الشر وما إن رأي عصي حتي أسرع نحوها، جذبها بعصبية وتوجه نحو المصعد الكهربي وهو يصيح عالياً:
_ أنا هعرفك بعد كده كلامي يتسمع إزاي

وما إن أنهي جُملته حتي انهال علي المصعد بكل ما أوتي من قوة، أفرغ شحنه غضبه علي تلك الجدران الجامدة التي باتت كقطعة خردة.

ألقي بعصاه أرضاً واقترب من الحارس وصاح به شزراً:
_ قدامك ساعتين لو متصلحش اعتبر نفسك مرفود

غادر من أمامه وتوجه نحو سيارته الفاخرة، سحب أحد مفاتيحه وفتح بابها، استقل أمام الطارة وأخذ يضبط أنفاسه محاولاً كبح  غضبه الذي مازال يتآكل بداخله وود لو حطم المنزل بمن فيه حتي يتخلص من جميع الأعباء التي تطبق علي صدره.

حرك سيارته وتوجه بها إلى أحد معارضه للأثاث بالقرب من المنطقة الشعبية القاطن بها.

_________________________________________________

_ استيقظ من نومه بكسل، تفقد زوجته بجانبه ولكنها لم تكن موجودة، مط ذراعيه في الهواء شاعراً بتلك البرودة تعصف بخلاياه، نهض من علي الفراش وتوجه خارج الغرفة، اتسعت حدقتيه بذهول مما رأه أمامه.

لابد أنه يحلم، حتماً يحلم! أسرع نحوها وغرز أظافره في ذراعها بكل قسوة ليجبرها علي السير خلفه، ولج غرفته ودفعها أمامه بعنف.

وصاح بها بنبرة مشتعلة:
_  تقدري تفهميني إيه اللي أنتِ لابساه وواقفة بيه برا دا؟

مررت بصرها علي جسدها بتفحص ثم هزت رأسها وهي لم تعي شيء مما قاله وأجابته بجمود:
 _ لابسة قميص!

_ كز علي أسنانه بغضب شديد وأمسك بذراعها وسار بها نحو المرآة، أوقفها أمامها ووقف خلفها وصاح بنبرة محتقنة:
_ قميص نوم ظاهر جسمك كله إزاي تقفي بيه في نص البيت؟!

سحبت جسدها من بين يديه ونظرت إليه بجمود:
_ أل يعني أبوك بيشوف عشان تفرق أنا واقفة بإيه؟

اشتعل غضباً مما تفوهت به فصاح عالياً:
_ اتكلمي عدل عن أبويا،  وبعدين نسيتي يحيى ولا إيه؟

تأففت بتزمجر وهي تنظر إليه بجرأة وهتفت متذمرة:
_ يحيى مش موجود عشان كده خرجت عادي

اقتربت منه والغضب مرسوم علي تقاسيمها وهتفت:
_ وبعدين لو أنت غيران عليا أوي كده روح كلم أخوك علي الشقة اللي في آخر دور وأنا أقعد فيها براحتي ومحدش يقولي أنتِ لابسة كده ليه، ولا مش قادر تتشطر غير عليا أنا وبس يا.. يا هاني بيه

( هاني ماهر العراقي، الإبن البكري والأخ الأكبر لريان،  يبلغ من العمر ثمانية وثلاثون عام،  ذو شخصية ضعيفة وخاصة أمام زوجته، لا يستطيع رفض لها أي متطلبات سواء كانت تصح أو لا تصح )

أردفتها  بسخرية بينما غرز أظافره في ذراعها فأطقلت آنة موجوعة:
_ آه سيب أيدي أنت بتوجعني

لم يعبأ لها واقترب من أذنها وهمس أمامها بتهديد:
_ موضوع الشقة ده تنسيه خالص ومش هكرره تاني يا رنا وصدقيني لو ما اتظبطتي معايا ولا مع أبويا ها...

( رنا ياسر الدمنهوري، أتمت عامها السادس والعشرون مؤخراً، من عائلة فقيرة منعدمة، ذات شخصية قوية واستغلالية،  أنهت الشهادة الإعدادية ولم تُكمل لشدة حاجتهم، تمتلك عود ممشوق للغاية ذات انحناءات أنثوية صارخة، بشرتها حليبية وشعرها يصل إلى أعلي ركبتيها بقليل، يميل إلى  اللون الذهبي الكاتم)

صمت وهو لا يعلم بأي تهديد يحذرها، فهو ضعيف الشخصية أمامها ولا يوجد لديه القدرة في أن يعارضها في شيء، ماذا عن التهديد بالتأكيد سيفشل في ذلك أيضاً، نظرت إليه وأطلقت ضحكاتها عالياً ثم وضعت يديها علي صدره وهي تداعب شعيراته مستهزئة من ضعف شخصيته:
_  ما تكمل يا بيبي وتقولي ها إيه؟

نظرت إليه بتشفي وهو لا يستطيع نطق حرفاً واحداً، اقتربت منه بشكل مبالغ وتعلقت بعنقه، تنفست بحرارة بجانب أذنه وهي تعي جيداً ما تفعل به، أبتسمت بإنتصار عندما شعرت بيه يتأثر بها كما توقعت تماماً.

ثم همست له بصوتها الناعم:
_  لو مكلمتش ريان علي الشقة هكلمه أنا

ابتعدت عنه ورفعت حاجبيها مواصلة حديثها المسترسل:
_ صدقني أنا مش هستحمل كتير وهسيبلك البيت وأمشي لو كلامي متنفذش

ثطع حديثهما قرع الباب، تأففت بضيق وهي تنظر للأعلي محدثة نفسها بحنق:
_ مش هنخلص بقى من البومة اللي بتنزل كل يوم دي، أوف

سحبت روبها الحريري وأرتدته سريعاً وهي تتعمد أن تقابلها بمثل هذا المظهر المثير حتي تثبت لها أنها تتحلى بالجمال عنها، فمن تلك حتي تخطف منها حب عمرها وتغفل وتستيقظ معه علي الوسادة ذاتها؟!

شعرت بوخزة في صدرها عندما تخيلتهم في علاقة حميمية معاً، ليست أحلي منها لكي يختار تلك البدينة ويترك الفاتنة المثيرة، لابد وأن بصره ضعيف للغاية.

ابتسمت دينا لرنا بينما أجبرت رنا شفاها على الإبتسام بتهكم ورددت ساخرة:
_ إحنا نطلع لك مفتاح أحسن ما كل شوية أقوم أفتح لك يا دودو

شعرت دينا بالخجل الشديد فتوردت وجنتيها بالحُمرة الصريحة،  قهقهت رنا عالياً وواصلت ساخرة:
_ إيه ده أنتِ بتتكسفي، ادخلي ادخلي

ظلت تقهقه ولم تعبأ لنظرات زوجها التي تحثها على التوقف.

اقترب هاني من دينا وابتسم بحرج:
_ صباح الخير

أجابته دينا بنبرة مقتضبة:
_ صباح النور

جلس هاني القرفصاء ليداعب تلك الصغيرة التي يحبها كثيراً:
_ جنجون وحشتيني

مدت يدها لتصافحه في براءة قائلة:
_ وأنت كمان وحشتني يا عمو، فين الشكولاتة بتاعتي

ضحك هاني علي طريقة نُطقها وأردف:
_ وأنا اللي فكرك بتسلمي عليا، آه يا بكاشة

أخرج من جيب بنطاله حلوي فصاحت هي في سعادة:
_ هيييي عمو جابلي شكولاتة

عانقها بقوة بعد أن ضمها إليه وهو يشم عبيرها لطلاما أحبه للغاية، تلك الرائحة البريئة خاصتها تزيد من لهفته في الإنجاب ليأتي بمثلها.

ابتعد عنها وهتف بحزن زائف:
_ معلش بقى يا جنجون مضطر أمشي عشان ورايا شغل

لم تكترث له فمعها حلواها ولا تريد أي تدخلات تمنعها من الاستمتاع بها، ضحك كلاً من دينا وهاني علي حالتها ثم استأذن هاني للمغادرة، لكنه توقف علي صوت دينا:
_ أنا محضرة فطار لبابا تحب تفطر معاه

_ تذكر أنه لم يتناول طعام منذ وجبة الغداء البارحة، كاد يعود بأدراجه ليتناول سريعاً لكن رنا أوقفته بكلماتها اللاذعة:
_ هاني مش بيفطر اهتمي بعمي ماهر

شعرت دينا بالخجل ولعنت نفسها أنها تدخلت من الأساس فهي علي علم بتجاهل رنا لحقوق زوجها عليها، كما تعلم أنه لا يتناول طعامه سوى وجبة الغداء التي تشرع هي في تحضيرها.

انصرف هاني بينما اقتربت دينا من ماهر وجلست بجانبه مُشكلة ابتسامة علي ثغرها:
_ صباح الخير يا بابا أخبار صحتك إيه النهاردة؟

أجابها بنبرة راضية:
_ صباح النور يا بنتي الحمد لله علي كل حال

تنهدت دينا ثم بدأت في إعداد شطائر لذاك الرجل العجوز، وضعت في يده إحدي الشطائر التي تعلم جيداً مدي حبه لها.

ابتسم ماهر بسعادة عندما تذوق تلك العجة التي يحبها كثيرا وقال ممتناً:
_ تسلميلي يا بنتي ربنا يجبر بخاطرك

بادلته دينا أطراف الحديث وهي تحاول جاهدة أن تتجاهل تلك التي تستعرض جسدها أمامها.

_________________________________________________

استيقظت عنود شاعرة بتدفق الدماء الغزيرة في رأسها مسبباً صداع شديد يكاد يفتك برأسها من شدته.

حاولت النهوض ولكنها تفاجئت بيديها مربطتين بأغلال، سحبت يديها بقوة محاولة التحرر من بين الأغلال لكن بائت محاولاتها بالفشل، صرخت بكل ما أوتيت من قوة، حيث ركضت الممرضة إثر صراخها داخل غرفتها برفقة طبيب
اقتربت منها الممرضة بحرص وقالت محاولة تهدئتها:
_ Calm down, try to relax, screaming won't do you any good
( أهدئي، حاولي الإسترخاء الصراخ لن يفيدك بشيء )

شعرت عنود بإنحشار أنفاسها  لعدم تقبلها هذا الوضع، ولأول مرة كادت أن تتلفظ بألفاظ بذيئة وتقذفهم بها لكنها امتنعت ما إن تفهمت لما هي بهذا الوضع، زفرت أنفاسها وحاولت أن تسترخي حتى لا تثير الشك حولها وأردفت بنبرة هادئة:
_ I'm better now, I want to see my family, I want to see them and hug them no more
( أنا أفضل الأن، أريد أن أرى عائلتي، صدقوني أنا بكامل قوايا العقيلة لست أتصنع، فقط أريد رؤيتهما ومعانقتهما لا أكثر .. )

تنهدت عنود براحة عندما حرروا تلك الأصفاد عنها، أدركت نواياهم عندما رأت يديها بين قبضتي الأغلال بالتأكيد علموا بوفاة والديها وظن كلا منهما أنها ستواجه إنهيار داخلي عند استيقاظها.

لا يعلموا مدى قوتها وإيمانها بالله، سارت بجوار الممرضة التي آخذتها إلي غرفة التبريد الخاصة بالموتى، شعرت برجفة سرت في جسدها منذ ولوجها لتلك الغرفة، لا تدري سببها، هل من شدة البرودة أم توجست خيفة من رؤيتها لوالديها في حالة يرثى لها

ترقرقت الدموع من عينيها حزناً علي وضعهما ولتلك الحالة المذرية، تعلم أن نصيبهما من الموت قد حان لكنها لم تتمنى يوماً أن يذهبوا بتلك الصورة القاسية، لقد تحطمت أعضاء جسدهم بل وهمشت رؤوسهم، تكاد ملامحهم تظهر أمام عينيها بصعوبة بالغة، لكن شعورها بالدفء والأمان لطالما شعرت بيهما بجانبهما مسيطراً عليها في ذلك الوقت، وذلك كفيل لإثبات هوياتهما.

_________________________________________________

عادت إلى منزلها بمعاونة ضابط الشرطة الذي ودعها بآسى بعد أن أنهت مراسم دفن والدايها ثم ولجت المنزل، أشعلت الضوء التي لم تشعر به وكأنها لم تضغط علي زر التشغيل، وكأنها كانت تمكث بنورهما.

جرت قدميها بثقل وهي تتفحص المنزل كأنه مختلف تلك المرة، أين ابتسامة والدتها التي تستقبلها بها، أين الدفء التي تشعر به في عناق والدها، أين الهمهمات الجانبية التي كانت تصغي لها من حين لآخر، أين الضحكات التي تروي قلبها فرحاً، وضعت يدها أعلى يسار صدرها وهي تتحسس نبضات قلبها التي شعرت لوهلة بتوقفهم، تشوشت رؤيتها بسبب تجمع تلك الدموع اللعينة مانعة إياها من رؤية تفاصيل المنزل بوضوح.

ولجت المرحاض وفتحت صنبور المياه الساخنة ولم تنتظر حرارتها المطلوبة وتوضأت بالمياه الباردة التي لم تتحملها يوماً، ماذا حدث الآن؟ هل فقدت حاستها أم ماذا؟

توجهت خارج المرحاض وارتدت عباءة فضفاضة ثم شرعت في الصلاة، ركعت وسجدت ودموعها تنهمر بغزارة ولا تتوقف، لم تدري كم ركعة أدت ولكنها تعلم أنها لا تريد التوقف قط، تريد أن تبكي بين يدي الله ربما تهدئ قليلاً.

بعد مدة طويلة جلست ونظرت للأعلى مناجية ربها:
_ آسفة يارب لو كنت اتهزيت، أنا عارفة إني المفروض أصبر واحتسب عند الصدمة الأولى، أنا مش معترضة أنا بس متفاجئة، خايفة مش عارفة هعمل إيه من غيرهم، عارفة إنك معايا علي طول وده اللي مطمني أنا.. أنا..

توقفت عن الحديث بسبب شهقاتها التي ارتفعت، حاولت السيطرة على بكائها ثم واصلت حديثها:
_ أنا مش عارفة أعمل إيه، دلني يارب علي الطريق اللي همشي فيه، عشان أنا لوحدي هتوه ومش هعرف أمشي

نهضت واستلقت علي الفراش بإهمال، تكورت في نفسها حتي كادت تختفي وهي تحاول جاهدة أن تدخل في نفسها حاضنة ركبتيها وسمحت لدموعها في السقوط حتي باتت في ثُبات عميق من  شدة الإرهاق.

_________________________________________________

يقف ريان في غرفة مكتبه الفخم ذو اللون البني القاتم، يتوسط الغرفة مكتبه الضخم وأمامه أريكتان من الجلد الأسود، وخلفه خزانة كبيرة ممتلئة ببعض الكتب والرسومات التي يعتز بهم، وبجانب تلك الخزانة طاولة رخامية متوسطة يعتليها جهاز كهربي لصنع القهوة، وكذلك غلاية كهربائية لصنع الشاي مع بعض الأكواب، وأمامها  مقعدين للجلوس عليهم.

كما يوجد صالون من الخشب الزان بجانب باب الخروج، وقف ريان يرتشف قهوته وهو يحاول جاهداً أن ينسي ما قالته دينا عن تلك الرنا المغرورة.

كز علي أسنانه بغضب عندما تذكر محاولاتها معه، لا يدري أهو يبالغ أم أنها تحاول إثارته بجسدها كما يشعر، قطع شروده دخول شقيقه الأكبر هاني وهو يبتسم:
_ ريان، كنت عايزك في موضوع

ارتشف آخر ماتبقي في فنجان القهوة ثم وضعها علي الطاولة الرخامية وتوجه نحو مكتبه، جلس على المقعد ونظر إلى هاني وهو يعلم بأنه سيطالبه بشيء كما اعتاد دوماً.

تنهد ريان وأشار له بالجلوس وردد بتهكم:
_ أقعد الأول أنت واقف ليه؟

جلس هاني وهو يفرك مؤخرة رأسه بتوتر، لا يدري من أين له أن يبدأ وبأي حق يطالب أخيه بشقته، لكنه تذكر تهديد رنا له وشعر بخوف شديد، لا يتحمل بُعدها عنه وعليه أن يفعل ما بوسعه فقط لكي يرضي غرورها ولا تمتنع عنه.

قولولي رأيكم ♥️
ومتنسوش التصويت

Continue Reading

You'll Also Like

20.5K 1K 14
بين الشد والجذب تكونت العلاقه
18.8K 890 6
صمت رهيب يملئ المكان...صمت لا يتناسب مع الموقف نهائياً إنها لحظة المواجهة بينهما أقترب عدة خطوات منها يردد من بين أنيابه: -بقا حتة عيلة زيك تضحك على...
25.4K 789 23
واحدة متعرفش إن جوزها رجل مافيا وكل دا وطلع مخبي عليها لما يعرف إنها عرفت هيتعامل معاها ازاي؟! مكتملة
320K 21.3K 109
طلعت بيها ودخلت اوضتي والأوضة الوحيدة الموجودة في المكان وحطيتها علي سريري بالراحة ابتسمت لما بصيت في وشها بالقرب دة ملامحها جميلة اومال هي خطفاني لي...