سارية في البلاط الملكي للكاتب...

EmyAboElghait tarafından

77.7K 2.8K 136

كل الحقوق محفوظه للكاتبه هدير مجدي إلى الّذين يجيدون السّباحة فوق السّطور والغرق بين الكلمات والإبصار في الأع... Daha Fazla

إهداء
المقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الخاتمة

الفصل السادس

2.2K 104 5
EmyAboElghait tarafından

أغنياء الروح هم أسياد الحياة..

مُفعمون بالحرية والبساطة والرحمة

وتلك الروح الغنية يلزمها التغيير طبقًا لقوانينك الخاصة.

فالسير على خطى الآخرين مضيعة للوقت

لأنه في النهاية لا وصول أبعد مما وصلوا إليه

بل يجب أن نشق طريقنا الخاص في الحياة

حتّى تكون النهاية مُرضية للأهداف.

نظراتها مرآة للكره الذي يملأ قلبها

يقابله هدوء يزيد من تأججه

وجهها محتقن بدماء الغضب

ككرة لهب قُذفت من جوف البركان

وبروده أمامها كان كالماء المتلقي لتلك النيران

وشراستها تنضح من قاموس لسانها تخترق الصميم

وعبثه كحائط الصد المنيع لسيل كلماتها.

رفعت إحدى حاجبيها بسخرية تقترب منه بتهديد وعيناها تقدح شذرًا يعكس نيران قلبها، بعد أن اقتحم خلوتها تسأله :

- "هل عمرك بخس هكذا لتدخل دون استئذان؟!"

ألقت نظرة على الباب خلفه ثم نظرت له باستهزاء تشير له بعينيها :

- "لديك فرصة أخرى لتخرج من هنا قبل أن يقل كرمي تجاهك وأقرر خروجك بنفسي"

لمعت عيناه بإثارة للتحديات التي ترميها بوجهه.. تلك الفتاة تثير حاسة الصياد بداخله

وكذئب مخضرم التقط رائحة التحدي من فريسته فازداد إصرارًا عليها؛

أجابها بتنهيدة ساخرة :

- "احترسي مما تنطقين به، فأنتِ هنا تحت رحمتي.. لا أنتِ ولا أبيكِ ولا أحد سيمنعني من أخذك حتى ولو رغمًا عنكِ، وفي النهاية ستركعين أمامي باستسلام وخضوع حينها سأكون في قمة استمتاعي"

ضغطت على شفتيها بقوة..

اشتعلت النيران في مقلتيها لو لمسها أحد سينصهر كما ينصهر الثلج، وبصوت خفيض يقطر كرهًا من كل كلمة:

- "خلقني الله حرة فمن أنت لتجعلني أركع؟

ما أنت إلا جبان لا تتجبر إلا على النساء!

لكن أنا لستُ كغيري، واليوم الذي سأسقط فيه عند قدميك سيكون يوم وفاتي.. فانتظر كما شئت"

رفعت كتفيها بلامبالاة في جملتها الأخيرة..

لتلمع عيناه بغضب من كلماتها وهتف بعنفوان بعد أن اكتست الثورة وجهه :

- "لا تثيري غضبي قبل أن آخذك هنا والآن، ولنرى من الضعيف عندها"

اقتربت منه بشراسة والغضب والاشتعال يزداد في صوتها متجاهلة الخوف الذي دب بداخلها من نبراته وتهديده :

- "فلنرى كيف ستفعلها؟!

لتكون تلك اللحظات الأخيرة في حياتك يا صاحب النزوات"

دفعت بالكلمات الأخيرة كالقذيفة في وجهه!

فاقترب بخفة نمر يقترب من فريسته حتى كاد أن يلتصق بها، ليغير من طريقة هجومه ويتحدث بنعومة كاذبة :

- "قطة.. أنتِ مثل القطة، كم ستكون محاولة ترويضك ممتعة، وسأستمتع بكل لحظة بها وأنا آخذ تلك الشراسة التي تنبع منك قطرة قطرة"

التصق بها و نظراته تتجه ناحية شفتيها وعينيها تشع بالنيران ولا تتراجع أبدًا ليهمس بصوت خفيض:

- "أشتهي أن أتذوق النيران التي تشع منك..

فهل سيكون مذاقها لاذع أم لذيذ!"

في اللحظة التي وضع يديه على خاصرها والأخرى كانت ترتفع لعنقها، وفي خوض تأمله لها شعر بشيء مدبب على خصره فنظر باتجاهه ليجد خنجره مصوب نحوه!

رفع بصره بذهول اتجاهها ويداه ممسكة بها، فرأى عينيها تنطق بالبرود، وتشع بنيران باردة صامتة، ثم مالت برأسها إلى أحد الجانبين :

- "خطوة أخرى وسأحقق أمنيتك في الموت الآن.. لست أنا من تخضع ولست من سأسمح لأحد بانتهاكي"

المجنونة سرقت الخنجر من حزامه وهو غافل عنها باقترابه منها!

لتكمل قائلة وتضغط على الخنجر أكثر حتى شعر أنه سيخترقه :

- "فرصتك الأخيرة فأنا لن أندم للحظة واحدة على إراقة دمك الملوث..

فكل ما سأشعر به هو الاشمئزاز بالمعنى الصحيح لأنني اقتربت منك"

ضغط على أسنانه بغيظ يتمنى أن يكسر أنفها وقبضته تشتد عليها :

- "لم ينتهِ الأمر هنا.. ستدفعين ثمن كل حرف نطقتِ به وسترين"

لتردف ببرود :

- "وحتى ذلك الوقت الباب خلفك أيها الملك.. ويا ليتك لا تكرر الزيارة مرة أخرى"

اندفع بغضب نحو الباب وعباءته تطير من خلفه، تناظره ببرود وتتلاعب بالخنجر بين يديها، لتتأمله بلامبالاة ما لبست أن اتسعت عيناها بقوة وفرحة عندما وجدته خنجرها التي قتلت به الفهد لإنقاذه، فضمته إليها بسعادة لاسترجاعه .

أما هو ففتح الباب ليصطدم برؤية ليان كانت على وشك الدخول، لتتراجع بدهشة من رؤيته.

رفع رأسه يناظر السقف بنفاذ صبر فهذا ليس وقتها، لتردف بدهشة بدأت تتحول لغضب عميق :

- "هل تسمح سموك أن تخبرني ماذا كنت تفعل هنا؟"

قاطعتهم سارية تقترب من الباب وعيناها تلمع بانتصار والسخرية تنطق بصوتها :

- "قبل أن أترككما لهذا الحوار الشيق لقد نسيت شيئًا جلالتك"

لوحت بخنجرها أمام عينيه الذي توشك على الفتك بها فنظرت في عينيه بتحدي :

- "هدية مقبولة فمن أنا لأرفض تلك الهدايا الملكية.. على الرغم أنه خنجري ولكن سأعتبر احتفاظك به حتى استردته هو هديتك لي "

وانحنت بسخرية وتقول :

- "المعذرة"

اغلقت الباب تاركة زوجين من العيون تناظرها بدهشة وذهول وغضب.

وقفت في مواجهته تراه يرمق الباب المنغلق بغضب، يود أن يذهب لها يعلمها درسًا لن تنساه لكن ما يوقفه وعده وكلمة والده، فلا أحد يجرؤ على لمسها بسوء.

انتبه إلى صوت ليان التي تقف متكتفة تنظر له بحذر وغضب طفيف تسأله :

- "والآن أظن من حقي أن أعرف ماذا يحدث، صحيح؟!"

حاول رسم الابتسامة على وجهه وإزاحة سخطه مما حدث منذ قليل يقترب منها، فعقدت حاجبيها من مظهره العابث وازدادت دهشتها عندما رفع كفها بأنامله الضخمة مقارنةً بها يقّبل ظاهره ويقودها أمامه هامسًا :

- "منذ اجتماعنا يوم مجيئك لم أستطع الانفراد بكِ بسبب انشغالي.. وأنا قد اشتقت إليك والحديث معك"

رفعت حاجبيها بتعجب من هذا التصرف ونظرت إلى باب الجناح الكبير خلفه بغموض.. لكنها تنهدت بصمت تومئ بموافقة وتقدمت معه لتبدأ نزهتهما لعلها تظفر بإجابات على تساؤلاتها.

يظن أنه ذئب يخضع القطيع لسلطانه وقوته، وتناسى أن للذئب رفيقة لا تقل عنه في القوة والسلطان..

تقف خلفه بخطوة ليس لضعفها لكنها تراقب كل حركة، تستمع لكل كلمة، تُخزن ما يخرج منه حتى تستطيع التعامل معه.

بادرته بسؤال يحيرها منذ أن ارتبطت به :

- "هل لي بسؤال أتمنى الإجابة عنه؟!"

وقف أمامها ينظر لعينيها يضع ذراعيه خلف ظهره، وابتسامته الجانبية مرتسمة على شفتيه :

- "بالطبع لكِ ما تريدين!"

تنهدت قبل أن تقول :

- "لماذا لم يحضر أخوك الخطبة؟

أمر غريب ألا يحضر شقيقك مناسبة هامة كهذه!"

أطال النظر إليها، سؤالها فتح دفاتر الماضي بالنسبة له والتي لم ينسها أبدًا، جعلته يعود بذاكرته لما مضى عندما كانا طفلين..

هو الأمير المشاغب الذي لم يحمل همًا يومًا، بل كان عكس أخيه في كل شيء.

إلياس من كان مرافق لوالده في جميع اجتماعاته ورحلاته، وهو كان يستغل كل فرصة ليهرب من ذلك الملل.

تذكر عندما أيقظه ذات يوم رغمًا عنه ليأخذه إلى ساحة التدريب بملابس نومه يعلمه المبارزة بالسيف وإلقاء الرمح.

كلمة أخيه له لن ينساها مطلقًا يشهر السيف أمامه ليلمع النصل تحت أشعة الشمس :

- "نيار اعلم جيدًا ألا ترفع هذا السيف إلا للحق، فاليوم الذي ترفعه فيه في وجه مظلوم فأكرم لك أن تزجه في قلبك"

كان مطمئن لوجوده خلفه يدفعه للأمام، يسرع إليه عندما يسقط يمد إليه يده ليشكلا قبضة واحدة قوية لن تنكسر.

*******

انتبه على لمسة رقيقة على مرفقه منها تنظر له بحيرة تسبح في عينيها الخضراء، وكأنها بلمستها تحثه على الحديث فتنهد :

- "هناك أشياء دفنت تحت تراب الماضي لكن آثارها مازالت محفورة في النفس"

رفعت حاجبها بسخرية ووضعت كفيها فوق بعضهما في حركة جسد ساخرة :

- "لدي شعور أن قانونك الخاص هو السبب!"

صمت ينظر لها بلهيب مستعرّ لكن اهتزاز حدقتيه أخبرها أنها على صواب فاقتربت خطوة منه تناظره بقوة :

- "أنت تعلم أن هذا القانون مجحف، والسبب في التفرقة بينك وبين أخيك.. فلماذا مازال قائمًا؟!"

نظر لها مطولًا قبل أن يقول بغموض :

- "ليس من السهل محو الماضي بتلك السهولة أيتها الأميرة!!

فما حدث أكبر بكثير من مجرد قانون ضمن قوانين كثيرة"

لم تستطع التحكم في غضبها وحميتها فأشاحت بيدها هاتفة :

- "مجرد قانون؟!

حقًا لا أعلم ماذا أقول أكثر مما قالته تلك الفتاة التي أوقعت نفسها في مأزق، لكن هذا لا يمس الدين ولا الشرع بصلة"

لم يشعر بنفسه وهو يمسك عضديها بقوة يهزها بخفة هاتفًا بسخط :

- "أنتم لا ترون الأمر إلا من الظاهر فقط؟

فلا تتفوهين بما ستندمين عليه في المستقبل"

لفحت أنفاسه الساخنة صفحة وجهها يقربها منه حتى كاد يلامس جبهتها هامسًا :

- "أخبريني هل منذ قدومك إلى هنا ذهبتِ كي تري هؤلاء الفتيات اللاتي سرقنا منهن مستقبلهن وحرمنا أُسرهن منهن؟"

تركها فجأة كما أمسكها وأولاها ظهره يرفع يده إلى خصلاته يعيدها للخلف، لترمقه بذهول من ثورته وجسده يرتجف من الانفعال فعلمت أن هناك أمر آخر نشب بينه وبين أخيه غير هذا القانون.

فوضعت كفها على كتفه تدور تقف أمامه وقالت بهدوء :

- "حسنًا دعك من أمر أخيك، لكن أرجوك أخبرني.. أنا أشعر أنك ساخط على هذا القانون فلماذا لا تفعل شيئًا يمنع ذلك؟"

صدح صوته ثابتًا يقول لها يوليها جانبه ولم يلتفت إليها:

- "لم يأتِ أوانه بعد"

هزت رأسها بيأس وانحنت معتذرة منه كي تذهب فيبدو أنه يريد الانفراد بنفسه، لكنه ناداها قبل أن تبتعد فالتفتت له لتسمعه :

- "إذا ذهبتِ إلى هؤلاء الفتيات ستعلمين أنه منذ قدومهن إلى القصر، يتعلمن شتى أنواع العلوم، وبعضهن يتعلمن الأعمال المنزلية، ومنهن من يتزوجهن الجنود ليعيشوا حياة هنيئة..

ومن تريد رؤية أسرتها لها تلك الفرصة لكن هنا في القصر"

ثم تركها وذهب باتجاه ساحة التدريب تاركاً إياها في ذهول من كلماته وتصرفاته التي تسمع بها لأول مرة!!

إذا كان كذلك، فلمَ لا يعلم أحد بهذا الأمر؟

رفعت نظرها للقصر ترمقه بغموض ولسان حالها يهمس بداخلها :

- "بداخلك كثير من الألغاز، أسرار لابد من الكشف عنها"

******

لماذا نوصّي كاتمي أسرارنا بالتكتم عليها في حين لا نستطيع أن نطبق ذلك على أنفسنا؟

البحر لا يفعل ذلك!

فإن حاول السر التمرد على كاتمه الأعظم، أبت السماء وأسقطت وابلًا من المطر، فتصرعه إلى الأعماق.

وإذا حاولت العواصف استجوابه عنوة، أثارت غضب السماء وانهالت عليه الصواعق.

وقف بكنزته وسرواله الفضفاض، ممسكًا عصا طويلة غليظة يلوح بها في الهواء يفرغ طاقته السلبية التي تشع من جسده بسبب كم الذكريات التي تدفقت إلى عقله.

يقف وسط الساحة الواسعة في قصره يتدرب وقطرات العرق تتصبب من جبهته بشدة ومن ذراعيه التي تظهر فيها عضلاته الضخمة، وخصلاته السوداء الطويلة تلتصق بجبهته.

عاد بذاكرته إلى الماضي يتذكر منذ عدة سنوات مضت..

في هذا الاحتفال أعلن والده أنه سيوليهما مقاليد الحكم تحت شورته، ليتولى هو مملكة الشمال وأخيه مملكة الجنوب..

حينها ذهب إلى والدته يسألها :

- "هل لكِ أن تفسري لي قرار والدي؟!

هل لكِ دخل فيه مثل هذا القانون؟!"

اقتربت رقية منه واضعة كفيها على عضديه، وقالت بنبرة يشوبها المكر الطفيف :

- "ليس لدي غير هذه الطريقة حتى أضمن أنكما لن تحاربا بعضكما يومًا ما..

فنشوة السلطة يا بني لا تعرف عزيز ولا حبيب، وأيضًا حتى أضمن أنكما ستكونان يدًا واحدة متحدين"

نظر لها بغموض وعينين تلمعان بفراسة تستطيع كشفها بسهولة قبل أن يقترب برأسه منها و يهمس لها :

- "هل حقًا كما تقولين؟!

أم لتضمني أن يبقى إلياس تحت جناحك بعد ثورته على قانونك المجحف؟!"

تذكرت ثورة ابنها عندما سمع أبيه يقر بهذا القانون ونشره في بقاع المملكة، بل وأمر على تنفيذه في أقرب وقت هاتفًا :

- "ما هذا الذي تفعلونه بحق الله؟

من أنتم كي تتحكموا في مصير البشر؟!

هل منّ الله عليكم بالحكم لتحافظوا على سلامة وحياة رعاياكم أم لتسلبوهم هذه الحياة؟!"

صمت يرفع رأسه بشموخ وقوة ثم نظر إليهم هاتفًا بتقرير :

- "أنا لن أعترف بهذا القانون أبدًا"

أعادت نظرها إلى نيار الذي يرمقها بصبر يعلم أنها تذكرت ما هتف به إلياس فتركها حتى انتبهت له :

- "وإن يكن ما تقوله صحيحًا، هذا ليس خطأ أن أحاول الحفاظ على ابني بجانبي"

أبتسم لها بسخرية هاتفًا لها يوليها ظهره

- "أمنياتي لكِ بالتوفيق مولاتي"

كان كل شيء يسير على ما يرام، العلاقات بينه وبين أخيه جيدة ووثيقة جدًا، بل أنهما كل فترة يخرجان في رحلة صيد خاصة بهما للترفيه كأخين وليسا كملكين.

حتى جاء هذا اليوم الذي طلبته فيه والدته لكي يذهب إليها، وجدها تقابله بابتسامة أثارت الريبة بداخله، فسألها :

"أخبروني أنكِ طلبتِ رؤيتي"

- "نعم نيار تعالَ.. اليوم جاءت مجموعة من الفتيات من مملكة الجنوب، بعثهم أخيك كهدية لك وأنا قد أخترت لكَ أجملهن لتكون ملكك الليلة"

رفع حاجبه باستنكار.. منذ متى وأخيه يرسل له الفتيات وهو رافض لقوانين المملكة؟!

يشعر أن ثمة أمر تخططه والدته، فسألها مباشرة دون مواربة :

- "ماذا يدور في رأسك؟!

ما تقولينه لن يصدقه طفل، فإلياس لن يقدم على فعلة كهذه.. فمن الأفضل أن تخبريني ما الذي تخططين له أمي"

لم تجد بد من إخباره بأمر تلك الجارية التي يحبها إلياس، وقد علمت بالأمر منه عندما جاء ليخبرهم أنه يريد الزواج بها، وعندما رفضت أن يختلط الدم الملكي بدم جارية عاند أخيه بشدة، لتقوم بإحضار تلك الفتاة إلى هنا بمساعدة خديجة والتي لم تتوانَ لحظة في الإسراع بإرسالها.. ليسمعها تقول :

- "والحل الوحيد كي نبعد هذه الجارية عنه أن تسلب عذريتها، فلا يوجد رجل يقبل أن يتزوج بثيّب"

استشاط غضبًا من تفكيرها الشيطاني، كيف تفعل ذلك؟!

نعم هو من الرافضين أن يختلط الدم الملكي بجواري، لكن المتضرر الوحيد من هذا الأمر هو أخيه فقط!!

هل هناك أم تتفنن في وضع الخطط لإلحاق الضرر بابنها كما تفعل هي؟!

ولكنه يعلم جيدًا أنه إذا رفض ستفعل أي شيء آخر حتى لو اضطرت لقتلها.

فرفع رأسه ويده اليمنى خلف ظهره ينظر لها من علو.. وتاجها الملكي الكبير موضوع بشموخ فوق رأسها وتلك النظرة الخبيثة في عينيها، فقال وهو يومئ برأسه :

- "حسنًا أمي.. أرسليها لي الليلة"

لم ينسَ موقف أخيه حينها عندما كاد أن يشن حرب عليه لولا تدخل والده، فكانت النتيجة انفصال إلياس بمملكته، وقرر عدم الخطو لمملكة الشمال غير في الاحتفالات العامة مثله مثل أي ملك آخر.

فاق من تفكيره ملقيًا العصا على الأرض بقوة يزأر كأسد جريح، يضع كلتا يديه على رأسه يعيد خصلاته إلى الخلف مشددًا قبضته عليها يهمس لنفسه :

- "لماذا ليان؟

لماذا فتحتِ أبواب الماضي؟!"

*******

وهي مضت ليلتها بعد أن تركت نيار وصعدت لجناحها لترتاح وتصفي ذهنها حتى تصل إلى حل لكل تلك التعقيدات حولها.

جلست في شرفة جناحها وضوء القمر في عتمة الليل هو رفيقها وتتساءل!!

لمَ كل التعقيدات؟

ولمَ هالة الغموض حول الجواري في القصر؟

إذا كان نيار لا يعتزم أذيتهن فلمَ إذا يحرمهن من حياتهن الطبيعية كأي فتاة جميلة كانت أو قبيحة؟!

وصل بها التفكير إلى سارية وما فعلته صباحًا منذ دخولها المفاجئ للجميع حتى إغلاقها لباب جناحها.

هي لا تبغضها فهي تعلم أن نيار لن ينظر لها، هي فتاة وتعلم أن سارية لم تكن لتجعله يقترب منها أبدًا.. ومما بدأت تفهمه أنه من الخارج يبدو عابثًا ولكن من الداخل مثقل بالهموم.

فمن نظرات سارية، وسخطه عليها ليس هناك شيئًا تقلق منه.

عادت بتفكيرها إليها..

شجاعة بتهور..

وغضب يكاد يحرق القصر بمن فيه..

نعم إنها صاحبة قضية ولكن لماذا لا تتعامل بحكمة؟

عزمت أن تنفرد بها في الصباح لتتناقش معها بأي طريقة.. فهي مع الشجاعة تحتاج لحكمة لتوجيهها.

أشرقت الشمس و كان الجميع مجتمعًا على الطاولة الملكية الكبيرة لتناول الفطور، في عادة ملكية قديمة أن وجبة الافطار يتناولونها سويًا وسيلة منهم لجمع شملهم والتواصل.

بعد أن انتهى تقي الدين طلب من بدر الدين الحديث، فقد حان الوقت كي تتضح الأمور وتصفية الحسابات القديمة، وافق الأخير على طلبه فنهضت رقية من خلفهم بعدما استشعرت خطر انفرادهما، تخاف كشف الماضي وهتفت لزوجها :

- "هل لي حضور هذا الاجتماع مولاي؟!"

فنظر لها تقي الدين وقال بتقرير :

- "معذرة فهذا الحديث خاص بيني وبين بدر الدين"

ليذهبا تاركين إياها ترمقهما بغضب وسخط.

اختنقت سارية من ذلك الجو وتلك النظرات والعقول الفارغة.

خديجة تكاد تلتهم إلياس بنظراتها، ولو تستطيع لوضعت جدار عازل بينه وبين كل أنثى مارة بجواره أو تقع عينها عليه.. فما بالكم بها؟

ونيار اختفى..

رقية تشرد وتعود للواقع بنظرات غامضة ولكنها مؤذية.

وكذلك ليان كأنها تود أن تقول شيئًا..

فقررت أن تخرج من ذلك الجو الخانق للخارج؛ لعله يخفف من تلك الشرارات والقلق داخلها!

يراودها خيالات أن الأمر لن يمر على خير مطلقًا.

استأذنت ليان تريد اللحاق بها، فكادت رقية أن تشغلها عندما لاحظت مراقبتها لسارية وخروجها من قاعة الجلوس وتأهبها لكي تخرج خلفها، ولكن ليان أسرعت بالخروج.

سألت أحد الحراس إن كان رآها، فدلها على ذهابها نحو الحديقة الخلفية للقصر.

وصلت إلى هناك وجدتها تجلس على الأرض العشبية أمام النافورة بنظرات شاردة مفكرة، فسعلت قليلًا حتى لا تفاجئها وقالت :

- "هل يمكنني الانضمام إليكِ للتحدث؟"

نظرت نحو الواقفة خلفها فقالت بسخرية :

- "لماذا؟

حتى تكملي ما بدأوه؟"

جلست بجانبها بعدما قامت بنشر ثوبها حولها تقول بابتسامة هادئة :

- "بل كفتاة عادية غير راضية عما يحدث"

لم تجب سارية بشيء في بادئ الأمر، بل أعادت نظرها للأمام ثم قالت :

- "سنوات حياتي مرت وأنا حانقة على تلك القوانين لمجرد أنها السبب في ترك والدي لوطنه ومنزله.. لكن عندما فقدت صديقتي شعرت بفداحة الأمر وشعور الأهل"

التفتت إليها ليان بنظراتها الصافية مربتة على ظاهر كفيها في إشادة :

- "دعيني أهنئك على شجاعتك في عرض قضيتك، ولكن دعيني أيضًا ألومك على غبائك"

استقامت الأخرى فجأة تنظر لها بدهشة هاتفة :

- "غبائي!"

أكملت بإماءة من رأسها بهدوء تشير لها :

- "أجل غبائك واندفاعك، كان يجب عليكِ التفكير قبل أن تقومي بأي تصرف، فالاندفاع ليس الحل..

والآن هلا جلستِ حتى نتحدث كالبشر"

أومأت برأسها وعادت لجلستها بجانبها تستمع إليها حين أكملت :

- "لنراجع أفعالك المتهورة..

لو رأيتِ ما فعلتيه لوجدتِ أن تهورك هو من وضعك في هذا الموقف، فجميعنا نعلم أنكِ محاصرة بأنكِ إن لم تجدي صديقتك ستخسرين حريتك"

كادت أن تقاطعها لكن ليان أوقفتها برفع كفها أمامها مكملة بحزم :

- " أعلم أنه من الممكن أن تجديها لكن فرصتك ضئيلة في هذا"

ثم أكملت تضع يدها على كفها بهدوء تميل بجسدها إليها قليلًا :

- "سارية.. الشجاعة والقوة ليسوا الحل دائمًا، فيجب عليكِ استخدام عقلك وذكائك حتى تصلي لمغزاكِ"

استقامت بعد ذلك من مكانها ووقفت تناظرها من علو قائلة :

- "أظن أنكِ فهمت المغزى من حديثي وأتمنى أن تفكري به جيدًا، وتصلحي ما تفعلينه قبل فوات الأوان"

استدارت لتذهب تاركة إياها ساكنة في مكانها تراجع حديثها، تتذكر أفعالها المتهورة وأنها محقة فيما قالته..

فهي من تسببت بوضع نفسها في معركة كبيرة لا تعلم هل ستنجو منها أم لا؟

ضربت رأسها بكف يدها عدة مرات توجه كلامها لنفسها بحنق :

- "أنتِ غبية يا سارية.. غبية"

****

عتاب الأحباب والأصدقاء

كسحب شوكة من الوجدان والروح

أمرًا يثير الألم والاحتراق

لكن طالما كان وجودها أكثر ألمًا.

كان تقي الدين يقف مقابل بدر الدين.. كل منهما ينظر للأخر نظرات تحمل في طياتها عتاب، لوم، استفسار، واشتياق للصداقة القديمة.

نظرات تكفلت بالحديث ببراعة تفوق براعة الكلمات عما مر وحدث!

لوم وعتاب عما آل الأمر بينهما وقد كانا لا يستطيع أحد التفريق بينهما!

كان بدر الدين أول من قطع هذا الصمت وتلك النظرات بنبرته الهادئة :

- "ها نحن يا مولاي.. فيما سنتحدث؟"

أطال تقي الدين النظر له قبل أن يقول بنبرة يشوبها العتاب :

- "لماذا رحلت يا بدر الدين؟!"

تنهد يضع طرف وشاحه العريض على مرفقه مبتسمًا بصبر ينظر لمسبحته المتأرجحة في يده :

- "لإنقاذ ابنتي من طغيان كان سيلحق بها..

كان سيأتي يوم ويطالها القانون مثلها مثل أي فتاة في المملكة"

هز تقي الدين رأسه برفض وعدم تفهم يشيح بيده شاعرًا بالغيظ :

- "فجأة تتخلى عن كل شيء وتذهب!

مالك.. مركزك.. بيتك وموطنك وترحل؟!"

ارتفعت وتيرة الآخر قليلًا بقوة ثابتة ورأس شامخ :

- "وأتخلى عن روحي في سبيل الحفاظ على حياتها، فلا مالي ولا مركزي ولا أي أحد أهم عندي منها"

زفر تقي الدين يشد على كفيه خلف ظهره يحاول الحفاظ على هدوءه فسمعه يكمل :

- "أنا لا يهمني إلا الخروج من هنا مع ابنتي بخير.. كان باستطاعتي أخذها ونذهب فمن ضمن القوانين أن الشخص يمكنه سحب شكواه ويرحل في طريقه، لكن هذا درس لها حتى تستطيع التحكم في غضبها فيما بعد، ولتحكم عقلها كي لا تؤدي بها الظروف لنتائج عكسية"

فرد عليه الآخر بنوع من الإصرار والتقرير :

- "ومن قال أنني سأسمح لكْ بالرحيل مرة أخرى؟

أريد لوزيري العودة وقبله صديقي المقرب ليكون بجانبي، فلا يوجد في العمر بقية يا بدر الدين"

هز رأسه برفض وابتسامة صغيرة على شفتيه المحاطة بلحيته البيضاء يجيبه بنبرة غامضة :

- "وجودي لن يكون في مصلحة أحد يا مولاي، على النقيض فإنه سيفتح أبواب من الماضي من الأفضل أن تظل منغلقة"

- "ماذا تقصد؟!"

تساءل تقي الدين بحيرة فأجابه بعدم اهتمام :

- "لا يهم.. الأهم أنني أريد ضمان سلامة ابنتي"

وضع يده على كتفه مشددًا عليه يطمئنه :

- "لا تقلق لن يمس سارية مكروه إن شاء الرحمن"

****

الخوف من المجهول سهم قاتل في منتصف الصدر

جرح عميق تبقى آثاره موجودة في العقل

غصة بالقلب لا شفاء منها إلا بالكشف عنه

المجهول قصة ألفها القدر ومثّلها الزمان

وكان الإنسان ضحيته!

مر يومان على وجودها في القصر، كانت تتجهز حتى تخرج للبحث عن صديقتها في القصر، فأخرجها من انشغالها دقات الباب.

أذنت للطارق بالدخول لتدخل فتاة في ريعان شبابها، تنحني نصف انحناءة أمامها تقول باحترام وابتسامة جميلة مشرقة على وجهها :

- "سيدتي أنا وسام.. سأكون مرافقتك طوال وجودك في القصر بأمر من الملك تقي الدين"

ابتسمت سارية ابتسامة صغيرة مقتربة منها :

- "مرحبًا وسام.. يسعدني مرافقتك بالطبع لكن لا تنعتيني بسيدتي، أنا سارية فقط وهذه آخر مرة تنحني فيها لي..

ما رأيك كبداية أن ترشديني للحرمليك فأنا لا أعرف مكانه"

ابتسمت بسعادة لها تستشعر طيبتها :

- "بالتأكيد سارية لنذهب"

إذا شعرت يومًا بالكره تجاه نيار والقصر، فقد تضاعف وهي ترى عدد الفتيات التي تم أخذهن من أهلهن بهذا العدد فبعضهن شارد تبدو علامات الحزن على وجههن، والبعض الآخر بدأ بالحديث سويًا للترفيه عن أنفسهن.

نفضت أفكارها وغضبها وقررت التركيز على البحث عن مارية بينهن، وبعدها لكل حادث حديث.

أخذت تدور بينهن ووسام تتبعها تنظر لوجه كل واحدة علها تلمح وجه صديقتها.. فعليها أن تجدها بأسرع ما يمكن حتى تخرج من هذا القصر الملعون قبل أن تقع بين يدي أحد الأحمقين.

فهما لن يتسامحا مع تحديها إياهما أمام الشعب.

أصابها اليأس وهي تدور أكثر من مرة حول الحرمليك ولا يوجد أي أثر لصديقتها، ومعالم الحزن ظهرت على وجهها.

لاحظتها وسام واقتربت للتخفيف عنها مربتة على كتفها برقة :

- "أنه اليوم الأول لبحثك يا سارية..

لا تبتأسي هكذا ستجديها لا تقلقي"

رفعت عينيها بابتسامة خفيفة تشد على كفها :

- "شكرًا لكِ وسام قد أرهقتك معي"

هتفت الأخرى سريعًا مقاطعة كلماتها :

- "إنها وظيفتي سارية وأنا سعيدة أنني أرافقك"

ابتسمت دون تعقيب واستدارت تنوي الخروج، فوجدت من تقف أمامها تمنعها، لتحدق بتفكير قبل أن تتوسع عينيها بمعرفة مدركة أنها الشيطانة خطيبة إلياس.

لمعت عيني خديجة بسخرية وغضب دفين عندما رأتها :

- "انظروا من هنا!

الوقحة الصغيرة!

أخبريني هل وجدتِ صديقتك التائهة"

نظرت لها سارية ببرود من أسفل لأعلى ولم ترد عليها تحاول أن تتحرك لتتجاوزها، فغضبت الأخرى وصرخت باشتعال :

- "من تظنين نفسك لتتجاهليني بهذا الشكل؟"

لتردف سارية ببرود :

- "وهل قلتِ شيئًا يستحق الرد؟"

اقتربت الأخرى منها تهمس بحثيث غاضب :

- "كم أتمنى أن ينتهي هذا الشهر سريعًا لأراكِ في مكانك الحقيقي أسفل قدمينا راكعة..

جارية حقيرة كما هي حقيقتك، وعندها ستندمين على تلك الوقاحة التي تنبع منك وعن مواجهتك لأسيادك"

اشتعلت سارية بغضب فلقد نجحت في إثارته لتقترب منها بوجهها الذي ينبعث منه الشراسة :

- "هذا ما يفعله الجبناء الخاسرون يا هذه..

يتمنون ما ليس في أيديهم ويحاولون أن يظهروا من يعارضوهم بصورة حقيرة حتى يتخطوا مدى انحطاطهم!

بالتأكيد أنتِ لستِ من تلك الشخصيات، أليس كذلك؟"

قالت الكلمات الأخيرة بسخرية وابتسامة جانبية ظهرت شفتيها خط مستقيم تراقب توسع عيني خديجة بذهول وغضب أثر كلماتها ثم أضافت بعنفوان :

- "ثم أنا لا سيد لي، وأبدًا لم ولن أركع إلا للذي خلقني"

جن جنون خديجة واحتقن وجهها بدماء الغضب والغيظ من قوتها، تمسك مرفقها تجذبها بغضب :

- "سنرى أيتها الوقحة.. وعندها سأجعلك تبتلعين تلك الكلمات السامة التي نطقت بها حرفًا حرفًا"

نظرت إليها باستهزاء تتحرك مبتعدة تتبعها وسام التي توقفت بعيدًا منذ رأت خديجة، بخطى سريعة تواكب خطواتها.

لكنها توقف عندما هتفت اسمها بصوت عالٍ انتبه له من حولهن :

- "لماذا لا نرى مدى قدرتك وشجاعتك المزعومة؟

لكِ وقتك، إن فشلتِ ستكونين خادمتي.. سأجعلك تحت قدمي في مكانك الحقيقي"

وسارت للداخل دون أن تعطيها فرصة للرد والتي كانت تشتعل من الغضب وتقسم أن تلقن تلك المغرورة درسًا لن تنساه ولكن صبرًا

لكل مقام مقال.

*******

لا يمكن أن نجد السعادة ونحن غارقون في حديثنا عن الألم

ولا يمكن أن نجد الراحة ما دُمنا نصنع طريقًا لليأس يتمكن منا

فالبقاء ليس للأقوى

البقاء لمن يوقن أن مازال هناك أمل.

مر أسبوعان..

جالسة في غرفتها، ملقية برأسها على قدم والدها يمسد على خصلاتها بحنان، يعلم ما يدور في رأسها والخوف الذي يعتمر قلبها في هذا الوقت.

فلقد أمضت هذين الأسبوعين في بحثها عن رفيقتها، ولكنها كل ليلة تأتي له بقلب مثقل بالهموم وملامح حزينة تلقي بنفسها في أحضانه مشددة ذراعيها حوله كأنها تحتمي به مما ترى ويحدث حولها من مضايقات تتعرض لها من قبل رقية و خديجة.

سمعت صوته يقول بحنان يغمرها ويده تتغلغل في خصلاتها يصنع لها جديلة طويلة :

- "لا داعِ لذلك القلق يا صغيرتي، طالما أنتِ على حق ومؤمنة أن الله لن يتخلى عنكِ فاطمئني"

رفعت رأسها له تستمد منه الطمأنينة قائلة :

- "لكن يا أبي مرت نصف المدة ولا يوجد أي نتيجة"

وضع جديلتها على كتفها لتصل إلي منتصف خصرها، وابتسم لها واضعًا يده على عضدها :

- "حتى إن لم تظهر فهي في رعاية الله وحفظه"

كادت أن تتحدث لكن صوت دقات الباب أسكتتها، فسمح بدر الدين للطارق بالدخول ليجدها وسام تدلف بابتسامة رقيقة فبادلاها بمثيلتها.. فاقتربت من سارية تقول في حماس تشيح بيدها أمام وجهها بتشجيع :

- "هيا أنهضي معي، جئت لآخذك في جولة ممتعة خارج القصر"

اندهشت سارية مما قالته وتبادلت النظرات مع والدها قبل أن تقف في مقابلها وترجمت دهشتها في كلماتها الساخرة :

- "خارج القصر!

هل الملكة العظيمة ستقبل بذلك؟

ألا تخاف أن أهرب مثلًا!"

ضحك والدها بقوة يستقيم من مجلسه قائلًا بنبرة معاتبة زائفة تخفي خلفها مكر طفيف :

- "تهربين وتتركين والدك هنا؟!

يا لكِ من ظالمة!"

تركها تنظر له بذهول وأعطاها ظهره ليختفي في غرفة جانبية مخصصة للصلاة، ووسام تضحك على كلماته وتعابير وجه سارية من توسع عينيها بذهول وفغرة فاها، ثم تحولت نظراتها إلى غيظ تنظر لوسام الضاحكة هاتفة :

- "كُفّي عن الضحك أيتها الماكرة..

لا أعلم لما أصبر عليكِ حتى الآن"

حاولت أن تخف من ضحكاتها فاقتربت منها تهمس بمكر:

- "بدلي ثيابك ولنذهب فهذا أمر من الملك تقي الدين.. كما أنني سأقص عليكِ قصتي"

استطاعت إثارة فضولها فتبدلت ملامحها للحماس تتجه نحو الخزانة لتبدل ملابسها بأخرى تهتف :

- "أنتظري قليلًا وسأكون جاهزة"

هزت وسام رأسها بيأس منها لكنها انتبهت بعد قليل تخرج من خلف الستار بعد أن ارتدت ثوبًا أسودًا ذا قلنسوة كبيرة.

خرجت ترفعها تغطي خصلاتها المنفلتة من جديلتها الموضوعة على كتفها وقالت لوسام :

- "هيا أنا جاهزة"

رفعت الأخرى حاجبيها بانبهار من جمالها، وحثتها على التقدم معها للخروج، فهبطتا الأسفل تنتظران حتى يأتي الحارس بخيلهما، لكن يبدو أن نوبة الاستفزاز اليومية ستبدأ الآن عندما سمعتا صوت رقية الصادح من جانبهما مقبلة مع وصيفاتها :

- "إلى أين تذهبان؟

ومن سمح لكما بالخروج من القصر؟!"

لم تعرها سارية اهتمام وتكلفت وسام بالرد عليها بعدما انحنت لها احترامًا :

- "هذا أمر الملك تقي الدين مولاتي، أمرني باصطحاب سارية في جولة"

تملك الغضب والغيظ منها وهتفت تنظر لتلك التي لم ترفع نظراتها إليها :

- "كيف لجارية أن تتجول كما يحلو لها وكأنها من أصحاب هذا القصر؟"

كادت وسام أن ترد ولكن وجدت سارية تقف في مواجهة رقية تقول بهمس لا يصل إلا للواقفين :

- "أنا لست جارية لديكِ هذا أولًا!

ثانيًا هناك زوجك يمكنك الذهاب إليه وسؤاله؟"

ابتسامة جانبية ارتسمت على وجه رقية :

- "ستكونين ذات يوم وهذا وعد"

انتبهت سارية لصوت الخيل الذي جاء بهما الحارسان فابتسمت بمكر وتوجهت إليهما توجه كلماتها للملكة من خلف ظهرها :

- "لم أكن أعلم أنكِ أحببتِ وجودي لهذه الدرجة وتريدين مني البقاء بأي شكل"

صعدت على ظهره ووسام على الآخر وأكملت بسخرية:

- "كنت أظن أنكِ تريدين الخلاص مني بأسرع وقت لا أن تخططي لبقائي معك..

ما رأيك أن ننهي الحديث هنا الآن ونكمله فيما بعد؟"

قالت كلماتها الأخيرة تنحني برأسها قليلًا في حركة لا تكاد تُرى من الأساس وانطلقت بالخيل، تاركة الأخرى تنظر لها بغضب يكاد يحرق ما حولها ثم التفتت بغيظ وثوبها يلتف حولها تندفع للداخل وخادماتها خلفها كل واحدة تنظر للأخرى بنوع من التشفي فيها.

دخلت إلى الحرمليك لتقف الجواري اللاتي كانوا في المكان احترامًا لها، فأمرتهن بالذهاب وتولي كل واحدة منهن عمل ما في الحرمليك.. كأنها تريد إفراغ غضبها في أي شيء.

دخلت ليان بعدها فوجدت المكان فارغًا إلا منها وخادماتها تقفن في الجانب، فنظرت لأروى بدهشة مما ترى..

الملكة تقطع المكان جيئةً وذهابًا ويظهر عليها التفكير، فاستعاذت بالله من شيطان أفكارها.

تقدمت منها تكاد تجزم أنها تعرف السبب وراء اشتعالها، هتفت من خلفها بنبرة عادية :

- "ما الأمر مولاتي؟

تبدين في حالة كبيرة من الغضب!"

نظرت لها رقية وكادت أن تصب كل غضبها عليها لكنها أكملت :

- "ولمَ الحرمليك فارغًا؟

أقررتم أن تخفوا الفتيات عن سارية أم ماذا؟!"

اقتربت منها رقية تهتف بغضب وصل إلى ذروته من حديثها :

- "ليان.. لا وقت لحديثك هذا، ولا أريد أن تكون لكِ أي علاقة بتلك الجارية"

ابتسمت ليان ساخرة تدور بنظراتها بلامبالاة :

- "هل شرط من شروط زفافي ألا يكون لي علاقة بمن لا تحبينه؟"

ثم عقدت حاجبيها بتعجب مصطنع وذمت شفتيها بسخرية متابعة :

- "ثم من هي تلك الجارية؟

أنا ذكرت سارية لكن يبدو أن جلالتك لم تنتبهي لاختلاف الأحرف"

زمجرت رقية من الغضب الذي أشعلته أكثر ولكنها انتبهت لصوت خديجة التي دلفت إلى المكان :

- "لم يتبق إلا أسبوعان على المهلة المحددة لها كي تجد صديقتها، وبعدها ستكون جاريتي"

نظرت ليان بسخرية من تلك المغرورة وردت قائلة :

- "ستذهب أحلامك سُدى يا خديجة إن وجدتها في تلك المدة"

ضحكت بصخب تقف بجانب رقية مقابلة لها :

- "مر اثنان ولم يحدث شيء.. فما الذي سيحدث في أسبوعين يا ترى؟!"

رفعت كتفيها بجهل ونبرة لامبالية :

- "من يعلم ماذا سيحدث بعد قليل؟"

صدع صوت رقية التي جلست برعونة في مكانها المعتاد :

- "إذا اكتفيتن من هذا الحديث هل لكما أن تصمتا؟"

استأذن الحارس للدخول وانحنى احترامًا لهن، ثم توجه بحديثه إلى ليان :

- "مولاتي الملكة.. الملك نيار يريدك في ساحة التدريب ، فهو ينتظرك هناك"

اضطرب الحارس عندما سمع صراخ رقية :

- "لا يوجد ملكة هنا غيري يا هذا.. لقبها الأميرة ليان"

أمرته خديجة بالانصراف قبل أن تنظر إلى ليان بسخرية قائلة :

- "عذرًا أيتها الأميرة، لابد من التزام كل شخص بمكانته"

تفاجئت رقية من ضحكات ليان العالية وهي تقترب منها قبل أن تقول بصرامة ظهرت بوضوح في نظراتها ونبرتها :

- "لكن الحارس لم يخطئ فأنا الملكة ليان..

فقبل أن أصبح زوجة نيار، فأنا ملكة الشرق بعد طول عمر والدي الملك سليم أيتها الملكة"

ثم نظرت لخديجة تراقب نظرة الغضب التي تلبستها بزهو:

- "فكل شخص عليه الالتزام بمكانته أيتها الأميرة"

ثم تركتهما يتميزان من الغيظ دون انتظار رد إحداهما ورحلت حيث نيار.

وصلت إلى الجهة الجنوبية حيث ساحة التدريب الخاصة به، فوجدته واقفًا يراقب حراسه يروضون الخيول.

انتبه لها فابتسم يستقبلها يمد لها كفه لتضع كفها الصغير به فقبلها تنحني قليلًا تحييه، تقول برقة يشوبها الحذر :

- "أرسلت لي تريدني.. ما الأمر مولاي؟!"

- "نعم مولاتي، لقد تحدثت مع والدك على موعد الزفاف، سيكون في موعد الاحتفال فهو خير يوم"

انتفضت بذعر مما تسمع والتفتت له بغضب جعل وجهها الأبيض يتحول إلى الأحمر الشديد..

إلى هنا وكفى!

كيف له التخطيط وتحديد الموعد دون الرجوع لها؟

هتفت من بين أسنانها بعنفوان :

- "ماذا؟

كيف تحددان دون أخذ رأيي؟

أنا من ستتزوج وأنا الوحيدة التي من حقها تحديد موعد عرسها"

رفع نيار حاجبه بدهشة طفيفة ثم ابتسم بسخرية ومكر يقترب منها :

- "لا أعلم ما وجه اعتراضك ليان؟

إذا كان الزفاف سيقام على أي حال، فما الفرق في الموعد؟"

توسعت عيناها بشدة من سخريته ولامبالاته، وضغطت على أسنانها بقوة :

- "حسنًا أخبرني هل ستتزوج من أي فتاة أيها الملك؟

أنا الملكة ليان و لي كافة الحقوق في إبداء الرأي في كل شيء يخصني وأهمهم موعد زفافي"

ثم اقتربت منه حتى كادت أن تلامس أرنبة أنفه بخاصتها تهز رأسها بالرفض ونظراتها تحتد هامسة بشراسة :

- "والذي من المستحيل أن يكون في هذا اليوم"

توقعت أن يثور أو يغضب أو يتملكه الغيظ من تحديها له، لكنه فاجأها بردة فعله عندما وضع يديه خلف عنقها ملتقطًا شفتيها بقوة يقاطع سيل حديثها مغمضًا عينيه، سلب أنفاسها ووعيها في تلك اللحظات البسيطة، كما نسي العالم ومن حوله، حتى شعر بها تحاول الإفلات منه بعدما أفاقت من صدمتها، فأخذت تدفعه لكنه أحكم تثبيتها حتى كادت أن تختنق ثم تركها بعد عدة ثوان تلهث بشدة.

نظرت له بذهول وصدمة فرأته يبتسم لها يغوص بعينيه في غابات مقلتيها :

- "الزفاف يوم الاحتفال، وغدًا سيأتي ثوب زفافك"

ليقترب من أذنها هامسًا بنبرة ماكرة :

- "قرمزي اللون يليق بملكتي"

ثم تركها في ذهولها قبل أن ترد عليه، فأخذت تتلمس شفتيها التي تنبض بقوة، ثم التفتت قبل أن يذهب هاتفة به تستوقفه :

- "توقف نيار"

توقف يكاد يضحك باستمتاع يلتقط الغيظ في صوتها، يسمع خطواتها الغاضبة قادمة من خلفه حتى وقفت أمامه صارخة بغضب طفولي :

- "لن يحدث هذا الأمر.. لن أتزوج في هذا اليوم البغيض"

ورفعت سبابتها أمامه تحذره :

- "هذه المرة الأولى والأخيرة التي تقبلني فيها بهذه الطريقة نيار"

ثم تركته والتفتت بعنف جعلت خصلاتها الشقراء تضرب وجهه، وذهبت متوجهة إلى غرفتها، تاركة إياه ضحكاته تعلو من خلفها على غضبها يهمس لنفسه :

- "كم يثيرني إغضابك حلوتي"

******

نحلم ولو بلقاء عابر يضم النظرات ويعيد للأعين الحياة.

لقاء يحمله الأمل كشمعة مازالت توقد في رحم الظلام.

كانت الفتاتان تتجولان في المساحات الخضراء حول القصر، بصمت مبهم وتأمل هادئ قاطعه صوت وسام :

- "مهمتك صعبة سارية في ظل كل تلك الضغوطات حولك، سواء من الملكة رقية أو الأميرة خديجة"

تنهدت الأخرى تنظر لرأس مهرتها وممسكة بلجامها:

- "لا أعرف وسام، لكن ينتابني شعور أن القادم لن يسرني"

ثم رفعت نظرها إليها وقالت مبدلة مجرى الحديث :

- "دعكِ من هذا.. أخبريني كيف جئتِ إلى ذلك القصر؟!"

ضحكت وبدأت تسرد عليها رافعة كتفيها بقلة حيلة :

- "أي طريقة غير الطريقة التي ثورتِ عليها.. لا يوجد غير هذا القانون"

لوت سارية شفتيها بسخرية بدون أن تتحدث فأكملت:

- "لكن أنا كنت مختلفة قليلًا، فالقدر وقف معي.. توفيت خادمة الملكة رقية المقربة وعُينت السيدة أسرار كبيرة الحرمليك وتم اختياري من الخادمات المخصصات للملك تقي الدين"

أومأت سارية برأسها باهتمام وسألتها :

- "ألم ترِ أهلك منذ ذلك الوقت؟!"

هزت رأسها بلا لتصمت الأخرى بحنق يزداد بداخلها وأكملتا تجولهما، حتى جذب نظرهما طاووس باللون الأبيض يسير وسط هذه الخضرة بغنج وغرور معروف عنه فتوقفن تنظران له بانبهار وسعادة طفولية، لتهبط سارية من فوق خيلها تنزع قلنسوة ثوبها من فوق رأسها واقتربت منه ببطء حتى لا يهرب، وانحنت بجانبه تمسح بكفها على ريشه الناعم.. فالتفتت إلى وسام بابتسامة قائلة :

- "انظري ما أجمله!!"

رأته يبتعد ثم ما لبس أن قام بنفش ريشه وذيله فظهر بمظهر خلاب يرسم نصف دائرة في الهواء من ريشه، ففغرت فاها بانبهار كبير وفرح مما ترى.

لكن احذر أن يغرنك الجمال..

فالطاووس لا يملك سوى جماله لكنه مغرور ذو كبرياء عالٍ

إن فقد ريشه يختفي ولا يظهر مطلقًا

فلقد اختفى معه سر بهائه!

بعد قليل وصلتا إلى القصر، لكن قبل الدخول وجدت جاد عاد من رحلته من مملكة الجنوب وما أن رأته حتى هبطت مسرعة من خيلها متوجهة إليه بلهفة لعله أتى بأخبار جيدة عن سلامة صديقتها.

وصلت له فترجل من فوق خيله يستقبلها هاتفة :

- "جاد أخيرًا عدت.. أرح قلبي وأخبرني أنك وجدتها؟"

أمر الجميع بالدخول للقصر، فدخلوا إلا وسام الذي نظر لها بدهشة أنها لم تنصع لأمره كالبقية ومازالت تمتطي خيلها تناظره بلامبالاة.

رمقها بغيظ فتاة ذات ملامح هادئة رقيقة وعيون سوداء واسعة، خصلاتها سوداء تظهر من تحت وشاحها السماوي الشفاف، فوجه حديثه لها بسخرية:

- "أظن أن الأمر موجه لكِ أيضًا"

فبادلته السخرية بمثيلتها وابتسامة باردة ارتسمت على وجهها :

- "أوامرك لجنودك وأنا لست من ضمنهم أيها الوزير"

هتفت سارية تقاطع هذا التشاحن القائم ترفع كفيها بوجههما :

- "هلا صمتما.. وأنت أخبرني هل وجدتها؟"

وجهت سؤالها إليه فترجلا لداخل القصر بعدما هبطت وسام من فوق الخيل وأخذهما الحارس لوضعها في الإسطبل ، فقال بيأس :

- "لا لم أجدها، بحثت في كافة المملكة وجعلت الجنود تنتشر وتبحث في البيوت عنها لكن بلا فائدة"

هاجت تقف تقطع عليه الطريق تصرخ به بشدة :

- "كيف ستجدها وملكك أتى بها إلى هنا؟"

وضعت وسام كفيها على فمها بقلق تدور بعينها إذا كان أحد انتبه عليهم، وزاد قلقها عندما وجدته يمسك بها من مرفقيها يهزها بقوة و يصيح بها :

- "هل جننتِ؟

كيف للشخص الذي قطع رقبة وزيره لأنه أخرج أسرار مملكته لعدوه أن يفعل ذلك؟

كيف للرجل الذي قام بمعاقبة الجندي الذي تعدى عليكِ في الغابة ونفاه من المملكة ولم يقتله بسبب عائلته أن يختطف الفتاة التي أنقذها؟!"

ترك يدها ودفعها بخفة مندهشة من حديثه وغضبه عليها، ليكمل وهو يدور خلفها :

- "هو الذي ثار على هذا القانون منذ أن وضع..

بل وقطع حبال الوصال بينه وبين أخيه ووالدته بسبب القانون المجحف هذا منذ خمس سنوات ، يأتي الأن ويفعل ما تقوليه؟!"

نظر لها وجدها تنظر في الفراغ بل واغرورقت عيناها منه، ففزع لأنها المرات النادرة التي تبكي فيها، أسرعت وسام إليها تضم كتفيها بحنان ترمقه بشزر هاتف بغيظ :

- "كيف تتحدث معها بهذه الطريقة؟

من أعطاك الحق في إمساكها هكذا؟"

اقترب من سارية موجهًا حديثه لوسام بغيظ :

- "هل لكِ أن تتحدثي بالخير أو تصمتي، فهي لا تحتاج أن تشعلي غضبها"

ثم وجه حديثه لسارية قائلًا برفق :

- "سارية أنا أعتذر عن غضبي لكن عليكِ أن تفهمي ما يحدث.. فأنتِ تتهمين شخصًا بشيء لم يفعله وهذا لا يجوز"

بكت تضع كفيها على وجهها، وخرج صوتها محشرج يغلفه اليأس :

- "لا يوجد فائدة.. أنا يئست من إيجادها وأشعر بشيء سيء سيحدث"

حاول طمأنتها :

- "لا شيء سيحدث ولن أسمح لأحد بأن يمسّك بشيء"

حاولا الاثنان تهدئتها، فهدأت وعادت لطبيعتها تنظر لهما وكأن شيء لم يحدث وقالت :

- "إذا علم أحد أنني بكيت سأقتلكما.. هذا شيء لم يحدث إلا نادرًا"

نظرت لها وسام بغيظ وأرادت ضربها على كبريائها هذا، أما جاد فهز رأسه بيأس من رأسها المتصلب هذا قائلًا:

- "مازال هناك أسبوع يا سارية اطمئني"

تركهم وذهب للداخل ليرى إلياس ويخبره بما حدث.

*****

الخيبة تصيب من يود استعادة الماضي

لكنها لا تمس من لا ماضي له

فالنبش في قبور الأسرار لن يعود إلا بالخراب

فإن كانت ذو أهمية فلم يكن مكانها التراب

بل ستوضع في أعالي الجبال دون خجل

خرجت الحرمليك في قمة سخطها، تسير في شرفة واسعة تشرف على الجهة الغربية، فوجدت بدر الدين يجلس بردائه الأبيض على إحدى الكراسي ذات الوسائد الأثيرة، يبدو عليه الهدوء والراحة.

استندت إلى حافة الشرفة ترمقه بغموض إلى أن قررت الحديث معه.

رآها أتية من بعيد خلفها خادمتين تسير بشموخ وكبرياء وكأنها ملكت الكون، فابتسم بداخله قبل أن ينهض مستعدًا لذلك الحديث حتى وصلت إليه، فأشارت لخادمتيها أن تبتعدا قليلًا.

تبادلا النظرات الطويلة التي تسرد الكثير والكثير من خفايا الماضي، لتنطق بغيظ طفيف :

- "لماذا عدت يا بدر الدين؟

بعودتك سيتم فتح دفاتر الماضي"

أجابها برزانة وسخرية يهز رأسه بعدم فهم :

- "لم أجد أي دفاتر من القديم فُتحت جلالتك"

صكت على أسنانها بقوة وقالت من بينهم بغيظ :

- "ابنتك من وضعت نفسها في عرين الأسود، وإن كنت هربت بها في الماضي حتى تحميها من ذلك المصير، فقد جاءت بقدمها إليه"

تقدمت منه هامسة بخبث :

- "لا أحد يهرب من مصيره يا بدر الدين، ولا يمكن تغيير هذا المصير"

عقدت حاجبيها بدهشة عندما وجدته يضحك بصوت عالٍ مبتعدًا عنها قليلًا :

- "لا أيتها الملكة، المصير نحن من نكتبه بأيدينا ونحن من نستطيع تغييره..

فمن كانت جارية ووصلت للمُلك أقوى مثال على ما أقول"

شهقت بغضب وذهول من كلماته وتصريحه الذي يقلل منها، فالكل نسى أنها كانت جارية في القصر واستطاعت أن تصل لقلب تقي الدين حتى تزوجها وأصبحت ملكة هذه البلاد، توسعت عيناها مع كلماته التالية :

- "من وضعت ذلك القانون لتتحكم في مصير فتيات كُثر، مثال آخر على تغيير المصير..

فخير لكِ أن تخرجي ابنتي من رأسك رقية فأنتِ تعرفين ماذا يمكن لفتاة عادية أن تفعل!"

اقترب منها أكثر وقد تحولت عيناه إلى جمرتين من قعر الجحيم ذكرتها ببدر الدين السابق الذي طالما أثار حنقها، يهمس بوعيد يخرج من قلب أب كالأسد ينهش من يقترب من صغاره لكن بنبرة هادئة :

إن مُسّت ابنتي بسوء بسببك رقية، سأجعلك تدفعين ثمن الحاضر والماضي.. فلا تجعلي المارد الذي دفنته منذ عشرين عامًا يرى النور من جديد"

ارتد قلبها بين أضلعها بهلع أجادت إخفاءه عندما ذكّرها بلقبه القديم.

طالت النظرات بينهما قبل أن يستدير ليذهب لكن صوتها صدح من خلفه بكلمات جعلته يقف مكانه متسمرًا :

- "لو كنت قبلت بحبي لك يا بدر الدين، وقبلت بتلك الجارية زوجة لك ما كان كل ذلك ليحدث"

Okumaya devam et

Bunları da Beğeneceksin

4.1K 184 22
بين التهور والعقل خطوة واحدة خطأ بسيط يحول حياة الانسان ويتحكم بمصيره بلحظة خاطفة يصبح الملاك شيطان فيتلبسه وحش الانتقام وتعصف بقلبه رياح الظلمات وعن...
72.7K 1.8K 7
هل تصدق أن لقاءنا الأول كان حلما ؟؟! قبلتنا الأولى كانت حلما ! مشاعرنا ولدت بداخل حلم !! وتحول الحلم يوما لحقيقة .. ربما لا تصدقني ولكن ربما يوما ما...
120K 3.6K 49
رواية بقلم المبدعة Serendipity Green لاجل حبك فقط لاجل حبك كبرت .... لاجل حبك سهرت ...... لاجل حبك تغيرت ........ والان الان كرهتك بقدر حبك فاصبحت اع...
203K 5.2K 32
رواية بقلم المتألقة آية أحمد حقوق الملكية محفوظة للكاتبة آية آحمد