2_مذكرات الجدة

1.4K 97 54
                                    

عزيزي القارئ المتسلل إلى هذا الكتاب قد لا تصدق ما أرويه و أزعمه، ربما لا تجد ما يروي شغفك، ربما ينتهي بك الأمر ترمي كتاباتي أو حتى تحرقها، لكني سأضل متمسكة بعزمي و شهادتي الشخصية على ما عشته.

قلبت الصفحة القديمة المهترئة المكتوبة بحبر قديم و خط أنيق لتبدأ بقراءة الفصل الأول.

:_"هكذا بدأ كل شيئ"_.

كان الطريق صامتا لا يسمع منه إلى صوت إهتزاز العربة و صهيل الأحصنة.

لا نزال نملك الأمل على الرغم من الظروف.

وصلنا إلى المكان المنشود أخيرا بعد سفر عسير من روسيا إستمر وقتا طويلا، كنت قد نسيت فيه الراحة أو الإستقرار بما أننا نغير النزل الذي نبيت به في كل رحلة، و كان هذا هربا من الحرب التي تكاد تدمر البلد، إستطاع والدي بمواصلاته كتاجر تدبير أماكن في إحدى القطارات حتى نستطيع الوصول إلى هنا.

و يا حسرتاه على بلدي الحبيب الذي ضاع يين أيدي الحروب مجبرا إيانا على هجره تاركينه يقاسي مأساة الحرب وحده، كل ما يقلق فؤادي الآن هو أنني لن أستطيع العودة مجددا، لن أستطيع اللعب في مراج مزرعتنا الخضراء أو أن أقطف الطيبات من أشجارها العالية، لن أستطيع أن أكون نفسي مجددا.

و أكثر ما أخافه هو أن يأتي يوم أنسى فيه وطني العزيز،أن أنسى بهجته و معالمه التي تنبض بالحياة.

توقفت العربة فجأة منتشلة إياي من سيل أفكاري، ربتت أمي على كتفي.

لقد وصلنا. قالت.

راقبت والدي و هو ينزل الحقائب ثم يفتح الباب فتنزل أمي أولا تلاها أنا.

نظرت حولي لأجد تلك الطبيعة الخلابة التي تخطف الأنفاس و لكنها لم تكن تحتوي رائحة روسيا، بل رائحة تخبرني أني سأكون دائما غريبة في هذا الوطن.

.
.
.
.
دخلنا المنزل البسيط ذو الأثاث الخشبي و شرعنا في تنظيفه لذا و لعدم وجود منبع مياه قريب كان علينا النزول حتى النهر، وهذا ما فعلناه، حيث حمل ثلاثتنا دلاء فارغة، لملئها بالمياه.

.
.
.
.
في طريق العودة تعثرت بفستاني، مما أدى إلى إنسكاب المياه فما كان مني إلا إنتشاله و مفارقة والداي لمعاودة ملئه.

عدت إلى الجدول و أنا أنظر إلى فستاني الطويل المكلف بسخط، على الرغم من تدهور حالتنا المادية إلا أن أمي كانت تحرص على أناقتي بشكل مفرط و تردد على مسامعي جملة لا زلت أحفظها حتى الآن .
"أنت إبنة تاجر و عليك أن تتصرفي كواحدة "، أنا أنحدر من سلالة بارون نبيل لكن إهتزت هذه المكانة مع مرور الوقت وكان والدي طموحا بإعادة هذا اللقب و لكن هيهات، لم ترحم الحروب أحلامه.

لملمت ثوبي جيدا ثم إنحنيت لأضع الدلو في الماء فأملئه لكني توقفت مكاني فور أن رأيته، هناك على الضفة الأخرى بعيدا عني نسبيا،كان منحنيا على ركبة واحدة، ذو شعر أشقر مثل شعري و عينان سوداوتان عاري الصدر لا يلبس إلا سروالا و على ما يبدو كان يحاول شرب المياه لكنه تجمد مكانه عندما رآني و يده التي حمل بها الماء مازالت متوقفة أمام فمه.

 New Moon || قمر جديد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن