حقيقتك (4)

211 26 61
                                    


«الآثام القديمة لها ذيولٌ طويلة» -أجاثا كريستي.

_«جلسة رقم ١» قالت بياتريس وهي تمسك أداة تسجيل كبيرة، ضغطت على «ايقاف» ثم اعادت تشغيل الأداة للتأكد من وضوح الصوت، لقد جهزت شريط التسجيل بعد موافقة من بيدرو؛ فقد يقوم ببعض الاعترافات، كذلك قد يحتاجه محاميه ولكن سببها الذي اخفته لنفسها هو أنها ارادت دراسة حالته على مهل.

_«ستطلبين مني الاسترخاء والتحدث عن طفولتي، أليس كذلك؟»

صمتت لبرهة وأطرقت رأسها؛ كان هذا بالضبط ما ستطلبه، لكن سرعان ما رفعته مجددًا؛ فقد لمعت في بالها فكرة.

فردت جسدها على كرسيها وأرجعت رأسها للوراء، وقالت من بين شفتيها المبتسمتان:
-«لقد قلت في الاستجواب أن لديك سكين»

ليرد:
_«أجل، إنها رفيقتي في كل جرائمي»

_«لكن لم يجد المحققون سكينًا في شقتك»

ليبتسم بسمة لها مغزىً ويرد:
_«لأنها في أيديٍ أمينة الآن»

حاولت مواصلة الكلام لكنه قعد على سريره ونظر لها قائلًا:
_«أتعلمين أنها السبب في إدراكي لحقيقة أنتي قاتل»

_«كيف ذلك؟»

_«سأحكي لكِ قصة لا يعلمها أحد»
صمت متأملًا زنزانته الضيقة، ضيقة لدرجة أنها لا تسع النوافذ، ولا يدخلها ضوءٌ غير ضوءٍ يتيمٍ فوق بابها، وبابها ليس به غير فتحة صغيرة لتمرير الطعام، والطعام مرٌ ومقرف فلم يستطع تناوله وتركه بجانب سريره، وسريره باردٌ وصغير كصغر حجم زنزانته.

ثم طفق يرنو بياتريس التي تقابله، كان شعرها الاشقر الذي تميل جذوره للسواد يتدلى بإهمال خلف ظهرها، وقميصها الأخضر الحريري يعانقه معطفٌ الاسود يتماشى مع لون تنورتها، عيناها الخضراوان، عميقتان ولا يكسوهما بريق الشباب كأترابها من بنات العشرين، خضراء باهتة، لا تظهر أي ردود فعل، ثابتة وخالية.

أنفها لم بعجبه، كبيرٌ، أحمر، يحمل ثقل نظاراتٍ سوداء اللون دائرية العدسات، تجعل عيناها أكبر من حقيقتها، شفتها العليا رقيقة، بينما السفلى معقولة الحجم، لا تشبه شفاه البرازيليات، وهذا ما أثار تساؤله.

كانت متوسطة الوزن وقصيرة، قوقازية الشكل، جذب نظره جورباها الأسودان اللذان ينبتان من فردتي حذائها الخضراوان ليغطي ركبتاها.

لاحظت بياتريس تعلق نظراته الغريب بجواربها لتضم قدماها أكثر وتشد تنورتها عليهما وتزم شفتاها موجهة نظرها لعينيه مباشرة.

ابتسم لها قائلًا:
_«جواربكِ جميلة»

_«شكرًا؟» قالت بتوتر، تتسائل هل يجب أن ترد له المجاملة أم تنادي الحراس؟

_«لا تقلقي، لستِ ذوقي في الضحايا»

_«لم لا تخبرني بالقصة إذًا» قالت بتلعثم، تحاول تغيير مجرى الحديث؛ فهي غير مرتاحة.

جواربحيث تعيش القصص. اكتشف الآن