الفصل العاشر

6.5K 278 34
                                    

الفصل العاشر

_ماذا يحدث هنا؟، أخبريني لوي!!، ما الذي جاء بكِ إلى ماتيرا؟...ولماذا تريدين الحديث مع إيڤا؟...تحدث آدم بحدة شديدة .

نظرت له والدته وقالت بهدوء: بعد حديثي مع زوجتك، سأخبرك بكل شيء ..هيا إيڤا إلى الغرفة.

_ لااااا..لن انتظر، ستتحدثين أمامي ..صاح  بغضب .

أشارت له والدته بيدها أن يبتعد عن طريقها وقالت : لن يحدث، ولن أطيل في الحديث، لذا تنحى جانباً.

كانت إيڤا تقف في المنتصف تستمع إليهما، وقد انتابها دوار من شدة الخوف، يبدو أن أمرها قد كشف، لقد ألقت بنفسها إلى الهاوية، وباتت الآن محاصرة ولم يعد هناك سبيل للهروب، لقد سقطت وانتهى الأمر.

تقدمت إلى الغرفة مع لويزا في صمت، آآه كم هي منهكة؟، لم تعد قادرة على التحمل، تريد أن تلقي كل شيء عن كتفيها، تريد أن تصرخ ولكن هل يفيد؟

دخلت لويزا الغرفة وأغلقت الباب خلفها، ثم اتجهت صوب الأريكة وجلست عليها ثم قالت : أين حفيدتي ؟
تلعثمت إيڤا وشعرت أن الغرفة تدور من حولها والأرض تتمايل بها، لقد فاجئتها ولم تعد تملك سوى أن تقر بالأمر ...أشارت إلى الفراش حيث تقبع صغيرتها، نائمة كالملاك لا تعلم ماذا يدور حولها؟ .
_ جيد دعيها نائمة وتقدمي واجلسي بجواري، أنا وأنتِ بيننا حديث طويل،  ولا أريد أن يستمع أحد إليه ... قالت لوي بهدوء مخيف .

اقتربت ايفا نحوها وهي ترتجف وجلست على مقربة منها، منكسة الرأس، مذعورة مما قد يحدث ...تأملتها لوي برهة ثم قالت بنبرة حازمة: لماذا كذبتي؟ ولماذا اخفيتي عنا حفيدتنا كل هذا الوقت؟، ماذا تنوين فعله؟...لقد وثقت بكِ، أجل شعرت أن هناك خطباً ما ولكن قلبي كان يحدثني أنكِ صادقة، وأن هناك أمراً ما يخيفك، عيناي وقلبي كانا يريدان بشدة أن تكون تيرا ابنة آدم، منذ أن وقع بصري عليها وأنا أشعر بها، إنها من المغازية، تملك عيون أباها، بل أنها تشبهه كثيراً عندما كان طفلاً، ولكني كنت اكذب نفسي، فمن المستحيل أن تخفي أمراً كهذا، ولكنكِ فعلتي، لماذا اخبريني؟، لقد علمت بالأمر منذ عدة أيام وكدت أجن من التفكير، لماذا بحق السماء تفعلين هذا؟

رفعت إيڤا بصرها لأعلى ونظرت إليها وقالت: ألا تعلمين؟، هل أنتِ في حاجة لهذا السؤال؟، بالتأكيد أنتِ خبيرة بولدك، تعلمين كيف هو؟.

_ أخبريني كل شيء، اريد أن استمع إليكِ، ما زلت احاول ألا أكون قاسية حيالك، لذا لا تدفعيني لهذا، أنا أحاول أن اتغاضي عن فكرة أنني حرمت من حفيدتي طوال هذا الفترة، احاول أن التمس لكِ العذر، ولكن صعب أن أجده، لذا أريد أن استمع لروايتك أنتِ، بلسان حالك، ما الذي دفعك للتصرف هكذا؟.

صمتت إيڤا قليلا ..تحاول أن تستعيد رباطة جأشها، أن تتمكن من سرد الحقيقة بلا أي زيف أو تضليل ..شردت بعينيها وقالت: سأروي لكِ قصة آدم وإيڤا الحقيقية، لن أكذب أو أغير شيء، لعلني أرتاح بعد هذا ...
منذ قرابة عامين يزيد قليلا، كانت الشركة في حاجة إلى سكرتيرة مؤقتة لمدة أسبوع كامل..نظرا لتغيب السكرتيرة الأصلية بسبب وعكة صحية على ما أذكر، منذ عامان كانت إيڤا فتاة ساذجة حالمة تقضي معظم أوقات فراغها في قراءة الروايات الرومانسية،  تغوص في عالمهم، تؤمن بالفارس الذي سيظهر فجأة في حياتها ويخطف قلبها ويقعا سوياً في الحب، لم تكن من الفتيات الرخيصة أو السهل إيقاعهم، ولكنها في نفس الوقت  كانت تؤمن بالحب حد العبادة.. لم تكن تتوقع أنها عندما تجده ستصبح هشة وضعيفة إلى هذه الدرجة إلا عندما وقعت في حب الشيطان المصري آدم، كان هذا الأسبوع أسعد أيام حياتها، نظراته ...همساته ..تدليله لها...كلمات الغزل ..ملامسة الأيدي ..كل هذا كان كفيل بإطاحتها من على عرشها، ظنت أن هذا هو الحب، وأنها أخيراً وجدت من كانت تنتظره، تقابلا وتواعدا لمدة أيام، والليلة الأخيرة كانت رأس السنة..حفلة كبيرة ..شموع ..وشمبانيا وكؤؤس ..ومكان خاص لهما بعيد عن الأعين معد خصيصا لتلك المناسبة... كانت تظن أنه يفعل كل هذا من أجلها هي..  ولكنها أفاقت على حقيقة أنه معتاد على هذا، وأن النساء بالنسبة إليه ككؤؤس الشمبانيا عندما ينتهي من إحداهن ..يعود ويملأ كأسه بأخرى ..
تلك الليلة كانت الخطيئة الأولى ..والموتة الأولى لها..بمجرد أن وقعت تحت سحره ..وتنازلت عن نفسها من أجله..تحولت عينيه من شرارة الحب إلى لذة الإنتصار ..أصبح شخص آخر ..كما لو كان لا يراها، لقد حصل على مبتغاه وانتهى الأمر. .كم يبدو الحب أحمق؟، لقد لملمت أذيال خيبتها وابتعدت ..ابتعدت عن طريقه، لم تتمكن من رؤيته مع أخرى، لم تستطع أن ترى عيناه لا تعرفاها، يومها علمت أن النساء له مجرد لحظات وتنتهي .. وأن قلبه لا يوجد له باب محكم الغلق ..بل اغنه باب دوار لا يغلق على واحدة ..حينها ماتت إيڤا ..الفتاة الساذجة البريئة ..تحولت إلى أخرى أكثر استهتاراً..لم تعد تكترث بشيء ..حتى بنفسها، باتت أكثر رعونة وجرأة، لم تعد منغلقة على نفسها، لقد كانت تنتقم منه في ذاتها، تعددت علاقاتها ...وصداقاتها ...كان الرجال لها مجرد تسلية لا أكثر .. تتلاعب بهم وعندما يقعون في غرامها تلفظهم كالبركان عندما يلفظ الحمم... ثم اكتشفت حملها ..تدمرت أكثر. شعرت حينها أن عقابها لم ينتهي .. وأن روحها ستظل تكوى بنيران تلك الليلة ...ولكنها لم تتمكن من إجهاض الجنين...لا تعلم لماذا تمسكت به؟، لقد شعرت أن جزء منها يريده، يريد أن تجد من ينتمي إليها بدون شرط أو مقابل وخاصة أنها وحيدة ..ليس لديها أحد .. لقد ماتت أمها وهي صغيرة ..وعاشت مع أباها سنوات حتي توفي وهي مازالت في الجامعة ..عانت الكثير بمفردها ولكنها ظلت صامدة ..تعمل وتدرس ..لذا كانت تيرا هي فرصتها الأخيرة ..ولكن ظل الجرح عميق لا يريد أن يلتئم، لذا بعد ولادة ابنتها عادت تمارس حياتها السابقة ..لا تقبل بالحب ... ولا تسمح لأحد بلمسها أو الإقتراب منها..ولكنها تتلاعب بالقلوب ..وعندما تتأكد أنها ملكته تجرحه بنفس السكين الذي تم جرحها به من قبل ...تلك هي إيڤا الثانية التي انبثقت من رماد إيڤا الأولى ..وتلك التي ماتت في الحادثة وعادت للظهور من جديد إيڤا جديدة ..إيڤا الأم التي تخشى على ابنتها ...إيڤا الصديقة والتي تسببت في موت أعز صديقاتها ...وإيڤا المرأة التي لم تشعر قط بالأمان .
زفرت بقوة ودموعها تنساب على وجهها ونظرت للمرأة جوارها وقالت : هل تستطيعين تخيل شعور المرأة؟، عندما تلتقي بحبيبها الأول ووالد طفلتها وتكتشف أنه لا يتذكرها!!، اتدركين كم هذا قاسي؟، مؤلم !!، ومهين.

إيڤا (بقايا روح)Where stories live. Discover now