الفصل الثاني عشر

5K 190 11
                                    

يا مساء المانجا 🍊🍊🍊
الفصل الثاني عشر
#جناح_مهيض
دقات حثيثة تتوالى ببطء جراء صفعه لسطح مكتبه بالقلم بين يديه ،ينهر نفسه لتصنته على حديثها ،و لكن لا يردعه ذلك عن الانصات خاصة حين ذكر اسم طليقها ،انقطعت الصفعات على مكتبه ،لتتوالى على قلبه ،وهو يحد سمعه 
ليتقين مما همست به ،استشرت الوساوس في صدره ينفخ في نيرانها تلك النبرة الحانية التي تلاطف بها الطرف الأخر
،ضرب مكتبه بعنف و هو يقتلع نفسه من مقعده ،يتجه اليها تبث نظراته شرارات من غضب و حنق ،انكمشت لها جدران الغرفة حتى شعر بها تحاوطه ،تحثه على التبين قبل
ان يشعل ما حوله و يحترق به.

"جويرية "
تجمدت لنظراته ،و اهتزت يدها حتى اوشك جوالها على السقوط ، تصادمت النظرات احدهما مرتبكة ،متسائلة ،و الأخرى متهمة حارقة لا يرتجي من وراءها خيرا
انهت حديثها بعجلة مطمئنة
"كل شيء على ما يرام ، لا تقلق حبيبي سآتي و اتحدث كما تشاء ، بعد قليل "
تحاول ازدراد ريقها ، و لكن عبثا ان تجد ما ترطب به جوفها ،فقد جف حلقها ،من ذلك التهديد الذي يسكن حدقتيه ، ذلك الاتهام ، و تلك النبرة التي لم تسمعها قط تعبر من بين شفتيه
"خيرا ،سيد عمار "
ضحك ،ان سمعتها بأذنك فهي ضحكة ، و لكن لتلك التي انصتت اليها بقلبها ،كانت صرخة استنكار تستتر بأنين
لا يلتقطه الا صدى وجعها و المها ،الذي هب مستنفرا ،يواسيه بصمت
"سيد عمار .. سيد عمار .. بالطبع .. و هل اطمع في المزيد ، و هل يحق لي من الأصل  الطمع ،و قد اكتفت السيدة ،و تمد الأن اواصر الود لتعود المياه الى مجاريها ،بينها و بين الطليق المجهول! "
زوت ما بين حاجبيها بتساؤل غاضب ،يحثها تعقلها و بقايا تحفظها ،على تثبيت ادعاءاته ،و يلجمها وجيب قلبها
لتنفي بل و تدحض تلك الشكوك، تجاهلت سجالهما معا تصيح بعنف
"انت لا يحق لك اتهامي ، دونا عن التحقيق معي ، سواء عادت المياه الي مجاريها ام حادت عنها ،هذا شأني الخاص "
كادت نظراته ترديها ارضا ، و قد تسارعت انفاسه ،و رمى الغضب ظلاله الدموية على قسماته ،تشق تلك البسمة المهددة شفتيه ، تقسم في نفسها انها قتلت بها و ذبحت مئات المرات ، خلال لحظات غلقه باب غرفتها ببطء و خطواته الهادئة ،  الرتيبة ، في عودته اليها ،و انتصابه امامها تتواجه انفاسهما
"احذري جويرية ، تلك منطقة لا اسمح لكِ بالعبث فيها ابدا ،انا اترك لكِ العنان؛  بظنكِ انكِ حرة ، في وضع المحاذير بيننا ، في اختباءكِ خلف خطوطكِ الحمراء التي لا توجد الا في عقلكِ ،في تمترسكِ وراء الجفاء ، و تلك الواجهة الخشبية التي تصدرينها لي دائما ..."
مد قبضته اليها ،ثم ردها بعنف يضرب بها الحائط خلفها ،حتى استجارت مفاصل يده 
" لكن هذا حدود ما ترتجيه من ورائي ، انتِ لي جويرية ،ليس لكِ شأن خاص ،خاصة ،ان كان ذلك الشأن ،هو رجل اخر ،حتى ان كان والد ابناءكِ ، انتِ منذ وطئتِ ارضي ،منذ ساندتني ،منذ ان اصبحتِ الحقيقة الوحيدة الثابتة في يومي
منذ لهج لسانكِ بالدعاء لي ، منذ انتفضتِ غيره تزودي عن حقكِ في ، معلنة عن ملكيتكِ الخاصة لي ،اصبحتِ ملكي  ،لقد اكتفيت بالفتات منكِ جويرية ، حتى اني ارتضيت  ببضعة حروف من اسمك ، اواسي بها نفسي ، و لكن ان انكرت علي تلك الفتات ، او جال حتي في خاطرك انها ستكون لغيري ، فلا تلومي الا غباءكِ "
انسلخ عنها ،مرتدا الى غرفته ، لتهوى بعنف ،تتحصن بمقعدها ، تصارع ذرات الهواء حولها ، تحثها الولوج الي رئتيها ، بعد ان شحنت بأنفاسه الغاضبة .
🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂
لم تواليها طوال تلك الليلة الداهمة السواد الا مقلتيها ، تواسيها بفيض من قطرات ،تهدهد جراحها المتقيحة ، تغتسل بعباراته الغاضبة ،فتلفظ ما فيها ،لتبرأ سكنات روحها ،لقد جهل ما فعلته كلماته عن الاكتفاء بالقليل منها بقلبها ،و هي من منحت الكثير ،و بذلت الغالي و النفيس ، فلم تجابه الا بالاحتقار و التقليل ، لما تجود به ،فكانت تلهث لتعطي و تعطي ، فتقابل بالتقليل ،و طلب المزيد ، كانت دائما ناقصة في عين من كان زوجها ، دائما مقصرة ، ان ناقشته في امر ، فهي فارغة العقل ، ان عارضته في شأن هين ، هي ناقصة عقل و دين ، و لم يكن يعلم ان الدين منه و من امثاله براء ، فإن حدثته بالشرع ، وطالبته بالرفق كما امر الله بالرفق بالأنثى، سخر منها ، انها تضع نفسها في زمرة النساء ، صبرت على جحوده ،و دناءة سريرته معها ، و تحقيره من شأنها ،حتى شكى منها الصبر ، حين امتدت اهاناته لتصبح صفعات ملموسة تطال جسدها ، ان حمي الشجار بينهما ، حين بكى بكريها امامه ،يواسيها بأن ليس له من الأمر شيء ، و لكنه يود ان تلك الصفعات تحط على وجهه لا وجهها ، انه اصبح يخشى عليها ، اما اخيه فكان شأنه جلل ، كانت ترى الازدراء في عينيه لضعفها ،اصبح يرى ان القوي ،له الحق في فعل ما يشاء ،صور له عقله الغض ، انه طالما يملك القوة ، يستطيع فرض سطوته و قوانينه الخاصة ،حتى مع اخوته ، ان امه تستحق طالما هي صامته راضية .
هنا خلعت عباءة صبرها ، فما مآل الصبر ، و قد اصبحت مثار شفقة احدهم ، و مثار احتقار الاخر ، فوضت امرها الى بارئها ،و عقلت امرها بتمهل ،ثم طالبت بما يطلقون عليه بهتانا ، ابغض الحلال ،و حاشا لأمر احله رب العالمين ، ان يكون بغيض .
🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂
بأي وجه سوف تتعامل معه اليوم ،اختلط في عقلها الصواب و الخطأ ،تشوشت الشارات لديها ، اختلت موازينها ، ممزقة بين جلد و حنان ، كان هذا لسان حالها و هي تخطو الى مكتبها في صبيحة تلك الليلة التي لم تحتضن اهدابها مقلتيها ،تتحصن بحيزها الضيق فيه ،لن تلج الى غرفته ابدا ،ستظل مكانها ، بل ستبتهل الى الله ان يعرقله بعائق يقصيه عن القدوم .
صفعها رنين الهاتف   ينتزعها من هواجسها
"سيدة جويرية ،انا لن آت ، افعلي ما يلزم تجاه مواعيد اليوم و الغد "
تنظر باستنكار الي الهاتف
" لقد اغلق الهاتف ،دون ان ينتظر رد "
الوخزات تنخر في قلبها ،لتلك النبرة الخاملة التي كست حديثه ، تستشعر من بين طياتها خيبة الأمل و الانهزام
لا ،لا -تستطيع التأقلم مع هذا ،عمار لا يستحق ذلك ،عمار البشوش دون سفاهة ،الواثق دون غرور ،الحازم دون تجبر ،لا يستحق ان يعايش ذلك الألم ،على يقين هي انها سيأكلها الندم ، سيسحقها تأنيب الذات ،و لكن ليكن .
تستمع الي رنين هاتفه بصبر بعد ان عاودت الإتصال به ،لتعاجلها اجابته بنفاذ صبر
"نعم سيدة جويرية "
تعض شفتيها ،تجلي حنجرتها بحثا عن بداية خيط
"انا ....انا .."
بضيق يصاحبه استفهام
"انتِ ماذا سيدة جويرية ،ليس لدي اليوم بأكمله لسماعكِ "
بحسم يعاكس تخبطها
"انت اسأت الفهم ، انا كنت احادث اشرف اخي و ليس طليقي"
رمتها اليه ،و اغلقت الهاتف تلجم عقلها بهتافها
"احتفظ بانتقاداتك ، و توبيخك ،لحين عودتي الي المنزل ،فقد اكتفيت منك "
.......
تنظر الى ساعة يدها ربما للمرة العاشرة ،لا تعلم هل  تتمهل عقاربها عنادا ،ام ان التعجل من جهتها ،تشعر بالاختناق ،بأن ذرات الهواء حولها تتكاتف لتشد الوثاق حول رقبتها ، بتمهل و ثقل
يثبطانها تترك مقعدها ،تتجه الى غرفته تنشد فيها راحة غائبة ، تواريها بترتيب ادراجه الخاصة ، فهي فقط من تملك مفاتيحها ،كونها تحمل اسرار عملهما ، يحتضنها مقعده ، تتصنع مصادفة لتتحسس بيدها ، مواضع تلمسها كفه
"هذا كثير علي ، اقسم ان هذا كثير ،انا لست مراهقة كي لا استطيع التكييف مع الم الاشتياق كطفلة فقدت دعمها ،الذي ظنت دائما انه بلا قيود "
القت رأسها بين ذراعيها على مكتبه تتعلل ببحثها عن راحة ،لا عن بقايا عطر تسكن ذلك الالم بين طيات روحها .
تستل هيئتها روحه ، تجلده سياط الذنب ، كيف له ان يحملها ذلك العبء ،الا يكفيها ما تحمله تتجمل بصبر و ثبات ، لعن نوبة غيرته تلك ، لقد تحمل و اصطبر كثيرا ، حديثها مع طليقها لأجل الاولاد ، مهاتفته لها بعض الاحيان ، لكن ان يحاول التودد اليها تحت سمعه و بصره ،هذا ما لا يطيق.
تمتم بألم
"ليتني اكتويت بذلك صامتا ، فهي اخف علي من رؤية المكِ ،و انا عاجز عن مواساتكِ "
ارتد عدة خطوات الي وراء
"سيدة جوري ، اين انت ؟"
انتزعت رأسها ، تنصب جزعها لمواجهة محتومة ، تبعثر نظراتها عن النظر اليه
"انا هنا سيد عمار "
مستدعيا ابتسامة مرحة لا مبالية
"ماذا تفعلين هنا جوري ؟ هل ستنتقمين مني بسرقة ملفاتي ،هل قررت ان تخرب بيتي ؟"
لم تتجاوب معه تلك المرة ، خذلتها قدرتها علي التحمل ،ان تتصنع اللامبالاة او تدعي المرح
"لماذا اتيت ؟؟"
حك رأسه بمرح
"هذا مكتبي علي ما اذكر !"
جرت قدميها ،تتخطاه الي مكتبها بصمت .
"انا اسف "
تسقط على مقعدها ، تتسلح بصمتها.
مسح على وجهه ببطء ، واضعا يده على فمه يكتم سبابه
"لنترك الامر على حاله جويرية ، اقسم لك انا لن اتحدث و لو بالأشارة الى ما حدث ،و انتِ امحيه من ذاكرتكِ كأنه لم يكن "
رفعت نظرها اليه ببؤس ، لا تعلم ما عليها قوله او فعله
ان خدعته فهل تخدع نفسها ،ان توارت منه فكيف تتوارى من قلبها ،تلك الكلمات الغاضبة نثرت في قلبها حياة ،منحته دفقه دافئة من التجاوب ،تعلم ان خوفها و عدم قدرتها علي المواجهة هما ما يلجمانه عن التصريح بما يكتمه في قلبه لها ،و لكن هي عديمة الحيلة امام سعادة و استقرار ابناءها .
خياران احدهما مر و الاخر علقم ، هل تتغاضى و تترك نارا متأججة تحت الرماد ،ام تترك الامر برمته و تنسحب ململة الباقي من قلبها و عقلها و الأهم تماسكها .
يعلم ابجديتها جيدا ،يستقرأ ما يتلاعب بها من هواجس و ما يغشاها من مخاوف ، مستجمعا شتات نفسه ،خشية من ان يتحمل عاقبة فرارها منه
" اسمعيني جويرية و حاولي تفهمي ، انا لن اجبرك على شيء ،انا لم و لن اطلب شيء من الأصل ،كما اخبرتكِ جراء ذلك المس الذي اصابني ،انا مكتفٍ تماما مع القليل المتاح لي ،نتنفس ذات الهواء ،نجتمع بضع ساعات حتى و لو لم يجمعنا حديث ،يكفيني ان اطمئن عليك ،ان تغتسل عيناي برؤيتكِ سالمة ، هل هذا كثير علي جويرية ، ان انسحبتِ و استسلمتِ انتِ ،هل سيتحمل ضميرك عاقبة ما سيحدث لي ،لقد كدت اموت كمدا  ،بل كدت افقد عقلي ،لظني فقط انكِ تفكرين العودة لوالد ابناءكِ"
التقط انفاسه محاولا وزن كلماته
"الان اتضح انى كنت مغفل ، انا لن اتحدث في الامر كما قلت ،لن المح حتى اليه ، سنتناساه كليا ،ارجوكِ "
🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂
"عمار !!"
بخفوت حاني غلف دهشتها و تعجبها ،ذلك الغافي بعدم راحة ،على المقعد بجانبها ،يظلل وجهه ،الخشية و الانقباض ،تشي خطوط جسده بالتأهب و الاستنفار ،حتى و ان غشيه سِنة اقتنصته عنوة .
"سيد عمار "
علت نبرتها ،تمسدها برسمية ،تخفف من حميمة المشهد امامها
"انتِ مفسدة لذة ، سوداوية ،مخيبة امال "
همس و هو يتمطى براحه ،جابهتها هي باستنكار
"انا !"
مال اليها ،يتلمس بعينيه خطوط وجهها ،عل قلبه يحظى بسكينه ، حرمت عليه منذ سقوطها بين يديه
"نعم -انت سيدة جويرية "
تراوغ لتشتت تلك المحاصرة
"و لما سيد عمار ؟"
ارتدع مستجيبا لذلك التوسل الصامت من عينيها
"لقد حرمتني من لذة سماع اسمي مجردا من تلك اللفظة اللعينة التي ترجمينني بها ،لذلك انتِ مفسدة لذّات ، و مخيبة امال ،لأني منيت نفسي ان تكرريها ان ظننت اني مازالت غافيا و لكن هيهات لسواد قلبكِ ان يرأف و يلين "
"عمار ، توقف "
هتفت بتضرع ، ادركت ان وعاء صبره قد فاض ، انه قد شق عباءة التجلد و الاصطبار
"تزوجيني "
لفظها صدره ،و قد شعر بحروفها ،تخوض مخاض عسير لتولد تردداتها علي شفتيه .
"عمااار "
تتسع حدقتاها ببطء ، يواءم حركة عنقها التي تسترحمه ان يتوقف .
"تزوجيني "
عجز ان يهبها ما تحرمه هي عليه ،كيف يرحمها ،وهي تستمرئ هوانه ،كيف يغيثها ،و هزائمه تتوالى الواحدة تلو الاخرى على يديها.
"لقد كدت اموت ،حين فقدت وعيك اليوم ،حين سقط امام عيني ، و لا اقوى علي ضمكِ و احتضانكِ ، و انا لا اجرؤ علي مواساتكِ "
ثار واقفا ، يضم قبضته بعنف
"و انا الأن العنك و العن نفسي ،لتلك القيود التي تلجمني ،ان تآزر خفقات قلبك ،ذلك الهادر في صدري ، ان تواسي شفتاي ،نبضات صدغك "
"عمااااااار "
انيين ،و شكوي ،و تضرع ،لم يجبها بما تتوسله ،ان يكتمه في قلبه،فهي لا طاقة لها باحتمال تلك المراجل التي يشتعل بها صدره ،تظن ان كونها طي الكتمان ، لا يجعلها امر ملموس يوجب عليك التعامل معها ،و مواجهتها.

جناح مهيض "مكتملة" Où les histoires vivent. Découvrez maintenant