الفصل الثالث

5.8K 227 10
                                    

الفصل الثالث
...............
تزفر بضيق و تأفف ،تحاول انهاء الامر متمهلة قدر استطاعتها ،فلولا شفقتها على العم طاهر و شكواه المتكررة اليوم من عظامه ،لم اضطرت لذلك تتوسل ان يمر الامر بسلام
مدت يد مرتعشة الى ذلك الملف اللعين ،تلتقطه ظافرة
تطلق انفاسها براحة
تستعد لرحلة الهبوط الاقل قلقا
حين ارعبها ذلك الصوت الساخط المستنكر
"ماذا تفعلين جويرية؟ ، هل جننت!!!! ...
سقطت الاوراق من بين يديها ؛لتسبه بأبشع ما تملك من نعوت في نفسها
حطت قدامها اخير ،وقد غلا الغيظ بصدرها
"لما لم تستمر في طريقك الي مكتبك ؟لما لا تهتم بشئونك !!
كدت اسقط بسببك "
كاد يلكمها من سخطه
"كيف تسمحين لنفسك بتسلق هذا السلم ،الا تعلمين انه بوزنك هذا ستدق عنقك قبل ان تكسر ساقك "
تقافزت شياطين الغضب امام عينيها
"وزني ،انت ..انت ....كيف تجرؤ
"ها قد مس وتر حساس لدي السيدة ،جعلها على وشك سبه "
فكر يكتم ضحكاته ،على هيئتها ،مهما بلغ النضوج و قسوة الاقدار تظل الانثى انثى
"انا لست بصدد اشراكك في عرض ازياء سيدة جوري ،انا اوضح حقائق ،لن تكرري الامر مرة اخرى"
تركها تحملق بأثره هامسه
"الوغد ،عديم الذوق و التربية "
🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂
دفقات دامية تتقافز جازعة في شريانها ،تكاد تبعثر نياط قلبها ،لم يثبط تدافعها الا صرخة قصيرة سمحت لنفسها بها ،التقطتها برهبة أُذن من يشاركها الغرفة ،فخف اليها بلهفة
"ماذا هناك ؟"
ابتلع استفهامه ،و هو يدرك بخوف ارتجافها و ارتعاش ثغرها و تلك اليد المنكمشة على قلبها ،و الأخرى التي تتشاغل بالبحث عن حقيبتها
"جويرية ،بالله عليكِ ما بكِ ، ما الذي يجري!"
بنظرات زائغة ،و احرف مبعثرة ، يحاول لملمتها ليلتقط ما يجري هتفت ،متلعثمة
"علي ...علي ..ابني ..المدير..حملوه .الي .المشفى "
هرع الى مكتبه يلتقط مفاتيح سيارته ،عائدا اليها يسابق خطواتها الملتاعة
"جويرية الى اين؟؟ ،المصعد من هنا "
طالعته باستفهام ، تعبث في مقلتيها الحيرة و عدم الادراك
برفق اشار الى الجهة المقابلة
"اهدئي ،اتوسل اليك ،المصعد من تلك الجهة "
هزت رأسها متجهة اليه بعجلة ، يستقلان المصعد سويا
تمزقه انفاسها المتقطعة ، تلك الخفقات التي تقرع صدرها وكأنها علي وشك الفتك به
"سيكون بخير ،  اقسم لك انه سيكون بخير ،لن يختبرك الله في هذا ، فهو رحيم بكِ "
يمرر أصابعه بعصبية خلال خصلات شعره يكاد يقتلعها ،دون رحمة ، يخرس ذلك الصخب ،الذي يحضه على اقتلاعها هي من مكانها و غرسها بين منابت اضلعه ،مبددا هلعها و لوعتها .
اما هي فكانت في قعر جب دامس الظلام ،تحاول التشبث بأي ناتئة امل ، و لكن هيهات و فلذة كبدها ،بعيد عن عينها ،لا تصل يدها اليه ، لا يواسيها الا تلك الهمهمات الخافتة
"ان الله لا يضيعها ابدا ، ولن يرها في ابن قلبها و رحمها مكروه "
"توقفي ،امي ،انا بخير اقسم لك "
لقد تجمدت عقارب الساعة و هي تتحس ابنها ،تتلمس كدمة هنا ،او جرح هناك ،لا تعلم كيف اصبح بين ذراعيها،
يلهج لسانها بحمد الله ،تبتلع قطرات دموعها
علها تخفف من لوعة احتراق جوفها لتلك الدقائق المريرة التي سبقت اطمئنانها عليه
ساكنا في مقعده ينظر اليها وابنها ،نظرة فارغة تائهة ،يضم قبضتيه امام شفتيه
متمتما بالحمد ، لقد كاد قلبه ينفجر من الخوف عليها ،
ما يحدث الأن يربكه ، يتخبط بين تلك المشاعر التي تناضل لتطفو ،لتقهره على الاعتراف  بها ، و بين تلك الصورة المتراقصة امام عينيه ، كان مشهد مكتمل ، ينضح بالاكتفاء،بعدم الحاجة ،كأنه يهتف به مغيظا
"لا مكان لك بيننا ،نحن نضم بين جنبات اضلعنا كل شيء ،لا نحتاج المزيد "
"من هذا امي؟؟ "
تتبع ببصرها وجهة عين ولدها
"سيد عمار ، انا اسفة ، يا الهي ، ماذا فعلت ؟ لقد جعلتك تترك عملك لتصحبني الي هنا "
يحث قدمه حثا ،ليتقدم الي تلك الصورة المصغرة بصبيانية ،عن ذلك الوجه المألوف لعينه و قلبه
"مرحبا ،.علي انا عمار ،امك مديرتي في العمل ،اقصد انها تعمل معي ،فانا حائر في الأمر الى الأن "
ضحك الصغير، تلك الضحكة الطفولية الرائقة التي دغدغت اوتار قلبه
"اصدقك عمي ،فانا اعرف امي جيدا "
داعب خصلاته الناعمة بحنان لا يصطنعه
"لقد كنا نجن من القلق عليك علي ، ما الذي حدث؟؟ "
قاطعة الصوت الحازم ، لمدير المدرسة يخطو الي الغرفة
"الذي حدث انه كالعادة ،يتشاجر مع زملائه في الصف ،و يتشابك معهم بمعارك يظن انه يفرض بها هيمنته عليهم "
خفض وجهه في الأرض، بعد ان اصبح كحبة الطماطم ،متنصلا من نظرات الجميع
وجه المدير حديثه بسخط اليها
"سيدة جويرية ،كم مرة ارسلت اليكِ ملاحظات عن السلوك العنيف لعلي؟؟ ،كم مرة نوهت ان ذلك السلوك ستكون عواقبه وخيمة؟؟ ، لقد انتهى الامر هذه المرة بشرخ في اصبع  يده اليسرى ، هل ننتظر ان يدق عنقه المرة القادمة!!!"
بلهجة هادئة محذرة
"اتفهم الوضع جيدا سيد ...
نظر بإهمال الي تلك القطعة النحاسية التي تحمل اسم صاحب المقعد القابع خلفها
"سيد كمال ..ولكن ارجو منك ضبط انفعالاتك قليلا ،فانا لا احب تلك اللهجة التي تحدثها بها ، فقد كادت تفقد عقلها هلعا ، بعد مهاتفتك "
ارتبك من تلك اللهجة الموبخة
"هذه المرة الاولي التي اتشرف بمقابلتك فيها سيدي ،و لكن بسبب ابنك توجه الينا العديد من الشكاوي ، و الانتقادات "
انتظر منها التوضيح و حين واجهته بالصمت ،تولي الزمام بثبات
"سأتولى الأمر بنفسي ، و اعدك ان يتم تسويته للمرة الأخيرة "
صوب نظرة حازمة الى ذلك الوجه المتشح بالخجل
" اليس كذلك علي ؟ "

جناح مهيض "مكتملة" Where stories live. Discover now