الفصل الثاني

8K 228 12
                                    

الفصل الثاني
...............
"قلت دعك من السيدة جويرية ،و ادلي بدلوك ،او غادر إن أردت"
كررها بسخط يضغط علي نواجذه .
مر المتبقي بهدوء حذر و تساؤل قلق عن ذلك الانفعال الزائد ، المستجد علي رب عملهم ، فهو هاديء دائما ،لا يسهل استفزازه ،لا يُشهر مخالبه الا اذا انتُهكت خطوطه الحمراء ،و هي قليلة جدا .
"هذا خطأ"
حدثت نفسها بغضب ،سيكثُر القيل و القال، و ستتوالى التكهنات و التساؤلات ،هي تستطيع جيدا الدفاع عن نفسها ،و التصدي لمن يحاول انتهاك محاذيرها ،فما باله ،ليهب كنمر بوغِت عرينه .
ستتغاضى و تمرر الامر ،هذه المرة ،فهي لا تريد خلق مساحة للأخذ و الرد بينهما ،و لكن الويل له إن قام بتكرارها .
انتشلها رنين هاتفها ،بتلك النغمة التي تبث الدفئ الى قلبها ،و الابتسامة على ثغرها
"مرحبا يا نور عيني ،هل عدتم ؟؟"
تنهدت بطمأنينة
"لقد أعددت لكم وجبة خفيفة  ، تناولها و إخوتك بالعافية ،و أنا لم يتبقَ الكثير على عودتي "
أنصتت لتتسع ابتسامتها
"اعلم أنكم لن تأكلوا من دوني ،هذه بعض الشطائر ،تصبيرة لتلك الغيلان التي تعبث في بطن علي و عائشة ،حتى لا يُجهزون على ذراعك او رقبتك "
"هل طمأنت والدك علي عودتكم ،أنت تعلم قلقه حال تأخر مهاتفتك له "
"أحسنت حبيبي ،بارك الله لي فيك و في إخوتك"
أنهت مكالمتها مع ابنها متوجهة إليه
"هل تحتاج مني شيء أخر سيد عمار؟ "
رفع نظره، يشبع تلك الرغبة الدفينة في مواساتها ، يُخرس تلك الصرخات التي تحضه على التواصل معها ،على مشاركتها ذلك الحمل الذي ينوء به كتفها .
"حان دورك في اﻹستيقاظ من أحلام يقظتك سيد عمار ،هل هناك ما تريده قبل مغادرتي ؟"
أعادت إليه تهكمه السابق بسخرية .
شبك أصابعه براحة خلف رأسه ،يهز كرسيه المتحرك
"هل تعلمين انه يمكنني طردك سيدة جوري؟"
إنكمش قلبها مع يقينها أن تلك الكلمات ،دعابة سمجة منه
و لكن مجرد سماعها يبث في أوصالها البرودة ،بل الإرتجاف ، فتلك الوظيفة هي صمام آمان حياتها كأم دون رجل ،او كما يطلق عليها البعض ملتوي الألسنة ،سنجل ماذر ،هي مناط إستقلاليتها و اكتفاءها المادي .
شعر بخطأه ،بعد أن انحسر اللون عن وجهها ،و ضمت قبضتها تمنع إرتجافهما كعادتها كلما شعرت بالقلق أو الخوف .
حاول مداراة قوله السخيف بهتافه
"هييييه ..جوري اخرجي من تلك الهوة السحيقة ،أنا أمزح معكِ ،ذلك المكتب لن يصمد شهران من دونكِ "
نفضت عنها تلك الخواطر السلبية التي تنهش طاقتها و روحها
"بالطبع اعلم سيد عمار ،لذلك أنصحك بالتوقف عن ذلك المزاح ،لأنه لا يروقني ،و سيحضني يوم  علي تقديم إستقالتي ،فقط لأكفي نفسي سماع ظُرف دعاباتك"
ابتسم و قد عاد لسانها لصب سهامه نحوه
"لا جعلنا الله نرى هذا اليوم ،سيدة جوري ، و الأن يمكنك الانصراف ،قبل البدأ بمعركة جديدة مع مديرك المسكين "

🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂

"........و مرت تلك المشاحنات بالاجتماع بسلام، و أكد لي السيد عمار أن هذا المكتب لن يصمد من دوني "
هتفت بسعادة  تشاركهم ساعات يومها ، تروي لهم أحداثها ،مجنبة إياهم ما يؤلم قلوبهم و عقولهم الصغيرة.
زيّن الفخر نظراتهم ،و علي يغمغم مصارعا لابتلاع ما يحشو به فمه
"أحسنتِ امي ،أنتِ نعمة في أي مكان ،أقسم أنه لا يستطيع الاستغناء ،خاصة لو تذوق ما تطهوه يداكِ ،اسمعي مني يا أم أنس  و اصنعي له تلك الدونات العجيبة التي تحضِريها و سيكتب لكِ نصف المكتب "
"و لكن أمي ما مناسبة تلك الكلمات ؟فهي لا تقال جزافا ،هل أساء إليكِ أحد؟"
مال طرف فمها بابتسامة حانية ، تستمع الى الإستفهام الرصين من فم رجلها الصغير
"لا يا أنس ،أمك لا تسمح لأي شخص أن يمس طرف ثوبها ؛عوضا عن إساءة أحدهم لي  ، و لكن السيد عمار يصر على مدح موظفيه كي يحفزهم لمنح العمل المزيد و المزيد"
أنهت صحنها ، تمده لوالدتها لتملأه من جديد
"إنه يفعل كما تفعل معي ميس آيه ، إن شكوت لها من إحدي المزعجات ،فهي تمدحني لأني لم اضربها مباشرة ،و لا تعلم اني قد قرصتها خلسة ، و أسبقها فقط بالشكوى ، حتى لا أعاقب"
🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂

جناح مهيض "مكتملة" Where stories live. Discover now