الفصل العاشر

4.9K 186 6
                                    


#الفصل_العاشر
#جناح_مهيض
بتوتر و قلق تضرب بأظافرها الطاولة امامها، تلك فرصتها الاخيرة و لن تتنازل عنها، هو جائزتها التي صبرت لكي تنالها ولن تركها، تبتسم بسخرية تحدث نفسها
"حقا هي لم تعاني ،بتلك الطريقة المبتذلة، التي تصورها للقريب و البعيد، لكن يكفيها معاشرة ذلك العجوز الغيور، كانت تتمنى موته في كل لحظة، كانت تدعو الله ان يأتي اجله على عجالة، فهي لن تطيق تدلل المرضى ، و لا لديها الصبر لتحملهم ،فقط كان هدفها محدد المال، كانت تريد ماله و قد حازت عليه بصفتها وريثه و بصفتها ام ولده.
قد قامت بكل ما تعلم من حيل لتحمل منه، فقط كي لا يشاركها اخوته في امواله، و قد كان الحظ بجانبها، و الأن حان وقت قطاف ثمرة صبرها .
عمار، قد اعادت الود مع اخته لإجله و من اجل الوصول اليه، ارادت معلومات موثقة، مصدر مطلع عليم، لن يضللها .
و ها هي في انتظارها لتمتص منها المزيد، هي لن تتخلى بسهولة عما حلمت به، حازت الثروة و الولد، و الأن الزوج الوسيم، خياراتها عديدة، خاصة مع جمالها و اموالها، لكنها تريده هو ،فهي لن تترك شيء للصدف ،كأن تقع في زوج طامع، او وضيع الخلق، خاصة هي تريد والد لابنها، وقد صدق من قال "اللي تعرفوه خير من اللي متعرفوش"
و قد تأكدت من دينا ، انه لم يتزوج حتى الأن، على الرغم من الفرص المتاحة امامه، اذن مازال هناك شعلة لم تخبو نحوها، مازال هناك مكانة لها في قلبها، لم تبلغها غيرها، لذا عليها المحاولة تلو الأخرى و ازالة العقبات في طريقها، و اكثر العقبات عثرة تلك المملة الكئيبة بقسامتها البريئة التي تواري بها خبثا و اطماعا تراها هي جيدا، وتستطيع التعامل معها..
انبسطت ملامحها تستقبل تلك الساذجة البلهاء، التي تعمل على استغلالها حتى النهاية ،عالمة انها لا تمثل خطورة و لا مكسب لها، فقط هي خيط يوصلها لمن تريد..
"اهلا دينا، تفضل حبيبتي.. ماذا اطلب لك؟؟
ابتسمت تجلس و قد سرها ذلك الود المتجدد بينها و بين طليقة اخيها، فقد كانت تتمنى ان تجمع شملهما، فاعتزال اخوها النساء بعدها يقلق راحة بالها..
"شكرا انجي، اسفه لتأخري..
"لا عليك حبيبتي ...
استعدت لامتصاص ما تريد ترمي مباشرة الى هدفها
"لقد ذهبت الى عمار كما اتفقنا....
اضاءت عين الاخرى بفضول متسائل
"و ماذا كانت ردة فعله ؟؟ هل رحب بك جيداا؟؟ ام.....
حاولت الحياد قدر ما استطاعت
"لقد رحب بي، و استمع لي، بل و نحن على وشك الاتفاق على كل امور العمل بيننا ، لكن...
استحثتها بلهفة
"و لكن ماذا؟؟ هل عاتبك او لامك على شيء؟؟.
كسا الكمد تقاطيعها
"تلك المتحذلقة، الممتلئة...
انقبضت اساريرها تتساءل باستنكار
"هل تقصدين جويرية!!!! ...
"نعم هي .....
هتفت محذرة
"حذاري انجي، جويرية خط احمر، هي ليست مجرد مديرة مكتب او سكرتيرة، جويرية لها اسهم في مكتب عمار، و لها مكانة خاصة لدينا جميعا، خاصة عمار نحن نعتبرها صديقة، ربما اكثر قليلا..
"اياك ان تبدأ مسيرتك اليه، بمواجهتها، انا اخته و لا اصطدم بها ابدا، هي اصبحت مسلمة في حياتنا منذ سنوات، نحن نذهب و نعود، و هي متشبثة بمكانها و مكانتها، حتى اني اشك انها تعلم عنه ما لا نعلمه ...
هتفت بحقد حاولت مداراته فخاب سعيها
"الى تلك الدرجة، انت تبالغين بالتأكيد...
ترد استنكارها بما يزيد نيران حقدها توهج
"ابداااا، اتذكر انه في اواخر العام الماضي كنا قد قمنا بالحجز لنقضي عطلة مع ابي، انت تعلمين ان عمار ابتاع له شقة في احدى المدن الساحلية التي قرر الاستقرار بها، و تم كل شيء ثم هاتفته جويرية لتخبره انها ستتغيب عدة ايام لمرض ابنها ..
ضيقت عيناها تجتذب الذكرى
"اظنه انس، كان سيجري عملية جراحية، و كانت هي منهارة، لقد قام بإلغاء كل شيء، ذهب اليها و بقي عدة ايام على صفيح ساخن بعد ان اصرت على انصرافه قبل ان تقع عينا اخيها عليه، حتى اني طلبت منه ان نسافر طالما انه يباشر الامر معها على الهاتف، لكن رفض رفضا قاطع ان يترك المدينة حتى يخرج ابنها من المشفى، انا لم اعقب على الامر، لكن من يومها علمت مكانتها لديه و احترمتها...
فكرت بصمت
اذن الامر اعمق و اخطر مما يبدو، و يحتاج ايضا الى جراحة عاجلة، و زيارة خاصة قد تأخرت كثيرا.
🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂
"انها لا تصدق فقط لا تصدق ،انس ابنها ،بكريها ،المهذب الخلوق ،رجلها الصغير ،و مقاطع اباحية "
شهقت بوجع تواسيها دموع عيناها ،لقد كبرت اعوام حين فاجأته بغرفته ليرتبك مخفيا الهاتف ، و لكن ليس قبل ان تختطف عيناها تلك الصور الخليعة ،لتتظاهر  بلا مبالاة و بإن قلبها لم يوخز بذلك المشرط الصدئ ،من اقرب القلوب اليها ،غادرته تخبره سببا واهيا لرؤيته، تتشبث بابتسامة عليلة لمست شفتيها  ،لتنتحب بصمت ،تستجمع بقايا تعقلها ،تستلهم فطرتها في الحفاظ علي فلذة كبدها ،من فتن اضحت تبحث عنا ،لا نبحث نحن وراءها
"اهدأي جويرية ..الجزع لا يفيد..تماسك . 
توضأت تؤدي صلاتها بخشوع ،تطلب العون ممن لا ملجأ منه الا اليه ،تسأله ثبات القلب و حفظ الذرية .
استكانت نبضاتها ،و التجم خوفها ،و قد تيقنت ان الله لن يضيعها .
يومان مرا بمرهما و قلقهما ،تمرر الحدث تعلم ان الشدة لن تجدي ،و التوبيخ لن يردع ،فتمسكت بخيوط الصبر و حبال التروي .
"اخيرا...يوم الخميس ،و الطعام اليوم من الخارج "
هتفت بمرح بعد عودتها من العمل ،محملة بما لذ وطاب فقد وافق صرف راتبها ،يوم ابناءها المفضل .
"لقد حصلنا علي درجات الاختبارات الشهرية امي "
هتف بها الصغير بمشاكسة ،لترميه بنظرة مرعبة جعلته يبتلع كلماته ،و يخفض شهادة الدرجات يخفيها وراء ظهره
"لم اقصد سد شهيتك "
تشبثت بجديتها
"لن اسمع او اري او اتحدث عما يخص الدرجات ،الا بعد ان انتهي ليس فقط من الطعام ،بل من تناول الشاي ،خاصة ان كانت درجات سيادتك ،هيا نظف يديك و الي المائدة ،و تأكد من ان عائشة قد نظفت يديها جيدا ،و انت انس ناولني الصحون "
...............
جففت اخر صحن ،تزامنا مع حسمها لقرارها ،ووزن كلماتها ،و قد عقدت امرها ،نادته بلطف
"انس اعد لي الشاي ،و هاته الي غرفتي ،فانا اشعر بالصداع "
استأذن في الدخول ،فاعتدلت بجلستها ،تربت علي الفراش بجانبها
"تعالي حبيبي ،ضع الشاي ،و تعالي بجانبي اريد ان اضمك فقد افتقدتك كثيرا "
جلس امامها يلف خصرها بذراعين تتحس طريقها لمرحلة قد خطي الي اعتابها ، فقد اصبح طفلها علي وشك طرق ابواب الرجولة و حمل اعباء اشفقت عليه منها
مسحت علي خصلاته المموجة بحنان تداعبه
"الن تفكر في تمليس تلك الخصلات المتشابكة ،فقد اصبحت صيحة دارجة هذه الايام "
تمتم بجدية علي صدرها
"انا رجل امي ، و ماذا اترك للنساء ان ذهبت لأملس شعري"
ضحكت تناغشه
"و لكنك ستصبح اكثر وسامة ، و ستغازلك الفتيات حينها "
صاح يواري ارتباكه
"اي فتيات ،انا لا اطيق سماع تلك السيرة ، يكفيني سخافات رفاقي و رواياتهم عن عبثهم و تفاهتهم ،انا لا اهتم بتلك الامور السخيفة "
اعتدلت تواجهه
"لماذا حبيبي ،تلك فطرة فطرنا الله عليها ،ميل الرجل للمرأة ،و ميل المرأة للرجل ،طالما في اطار ما شرعه الله "
نظر اليها باستفهام
"لا داعي لهذا الحديث امي ،انا لا تشغلني تلك الامور و لا اهتم بمغامرات المراهقين و مغامراتهم العاطفية "
تناولت يده تحتضنها بين كفيها
"انت علي اعتاب مرحلة جديدة انس ،ستري و تسمع من رفاقك الكثير ، سيخدش سمعك و بصرك ما يوافق مبادئك و تربيتك ،و ما سيتصادم معها ،ستصادف من لا يعلم عن الله الا كونه مسلم بالوراثة و المسمى ، انت تخطو اولي خطواتك نحو المسئولية بل و المحاسبة عليها ،و لن تلج اليها الا عبر طرق باب البلوغ و المراهقة ، انت سترتبك و ستخطأ ،و ستتساءل ،و لكن حين تخطيء لا تنكر خطأك ،بل اعترف به ،و ابحث عن الصواب ،حين تتساءل ،لا تبحث عن اجاباتك بنفسك  فستجد من يضللك ،و من سيتعمد تشويه الحقائق و حجبها عنك ،ابحث عمن سيمنحك الحقيقة دون خلط ،عمن سيصدقك "
دققت النظر في ملامحه ،تضع عينيه نصب عينيها
"عما كنت تبحث في جوالك ،وقت دخلت الي غرفتك ،فارتبكت "
اهتزت حدقتيه ،و ظلل وجهه الخجل
"انا ...
شدت علي كفه المنتفضة بين راحتيها
"تحدث انس ،اصدقني ،و لا تخش شيء "
بلل شفتيه
"لقد كثرت الاحاديث في صفي امي عن البلوغ بين الرفاق ،انا لم اكن ابالي ،لقد درست الامر ،و علاماته ،و لم يستحوذ علي اهتمامي ،سوي من ناحية اني سأصبح رجل حينها ، و سيخط الشارب وجهي ، و ستكسب نبراتي تلك الخشونة الرجولية التي اتمناها ،و لكن النقاش بين الصبية تخطي تلك الناحية الظاهرية للأمر ،و تعدي الي امور اخري انت ...
حثته بهدوء
"اعلم عما تتحدث ..واصل حديثك ..
ابتلع ريقه بصعوبة
"فقررت البحث علي مواقع الويب ،فانا لم اود التطرق الي الامر معهم ،فأخلاقهم و مرادفتهم تخجلني ،اقسم لك تلك كانت المرة الاولي و الأخيرة "
  ربتت علي يده بحنو
"لما لم تسألني انا انس ؟؟، و لو شعرت بالخجل مني لما لم تسأل ابيك؟؟ "
اجاب باتزان 
"ابي لن يفهمني امي ،انا احبه و احترمه ،و لكن اعلم جيدا انه سيظن بي السوء ،بل و الاسواء اخشي ان يحاسبك انت ، و يرميك بالتقصير "
القمها حجرا بتبريره ، و هل يعلم افضل منها ما سيظنه و يقوم به زوجها السابق ،التقطت انفاسها بتروي
"هل تأملت يوم قطع الجمر في بداية اشتعالها ،انها تكوم سوداء باردة ،اذا اقتربت منها النيران تنضج بهدوء ،و لكن ان نفخت فيها تتوهج و تشتعل لتصبح رمادا، كذلك شهوات الإنسان ،لقد وهبت الشهوة للإنسان ليتأكد من نقصه و احتياجه ،فيعلم و يتيقن ان الكمال لله ، فالطعام شهوة ان استزدت منها مرضت ، و اكتناز المال شهوة ان زادت عن حدها اصبحت شح و بخل ،و احتياج الجسد شهوة ايضا ان بحثت عن الحرام فيها وقعت في كبيرة من الكبائر ، اعلم ان لكل شيء وقته انس ،و من يبحث عما حرمه الله يعاقب بالحرمان بما احله ، انت لديك انا و عائشة ،هل يرضيك ان ينتهك سترنا
هتف بضيق و استنكار
"بالطبع لا امي ..حفظكما الله لنا من كل سوء
ابتسمت بحنو متشح بفخرها به
"كذلك الناس حبيبي لا يحبون ان تنتهك ستر بناتهم بالتلصص عليهم ،او النظر اليهم ،او رميهم بالسوء "
"هل يرضيك ان تبحث عائشة في طور نموها ،خلف ما يحيرها عن طريق تلك الشبكة الملوثة بكل ماجن و خليع و تقع عيناها علي عورات اخريات "
حبت ظلال الضيق علي قسماته يتمتم
"لااااا..
عاجلته بحزم
"و كذلك انا لا يرضيني ،اذا اردت ان يحفظنا الله انس ،احفظ انت حدود الله في خلواتك ،اذا اردت ان تصان اختك صن انت نفسك و بصرك و لسانك ، احفظ الله انس و اتق الحرام فسيحفظنا الله لك "
ربتت علي يده بحنان
"هل فهمت انس؟؟ ،الدين حبيبي هو سنة الله في ارضه و بين عباده "
استفهم بخجل
"لا افهم امي "
"اي ان ميزان عملك مع عباد الله هو ما يكال به لك ،كما قيل داين تدان حبيبي ،و ما ستفعله سيرد لك عاجلا او اجلا ..فهمت بني ...
احني جبينه مقبل كفيها
"لا لم افهم ،بل لقد نقش حديثك في قلبي و عقلي ،اقسم لك امي اني سأحفظ الله في سري و علني ،حتي لا اري فيكم مكروه ابدا ...
قبلت رأسه ترد دموعها
"حفظك الله و رعاك حبيبي ،انا دائما بجانبك ،انت لست فقط ابني بل صديقي ..
حك رأسه بتردد
"امي انت تعلمين اني احب العم عمار ،و قد انبأتنا انه يمكننا الوثوق به ،هل يمكنني استشارته في بعض الأمور المربكة لي ...
انكمشت قبضتيها تزامنا مع انقباض اساريرها
"من الأفضل ان تستشير والدك انس ،فهو سيكون اكثر من مرحب بمنحك ما تريد "
اعترض بحنق
"متي امي عبر الهاتف في محادثته لنا اثناء عمله ،ام وقت زيارتنا له بحضور زوجته التي لا تجد وقت للشكوى و معاناتها مع وليدها، و التذمر من رعايته الا و نحن هناك ، امي العم عمار صديقي و سيكون بالطبع افضل ممن هم في سني ،فهو اكثر خبرة و حكمة ،انا تحدثت معه ببعض الأمور ،و لكني اضع موافقتك و رضاك فوق كل شيء "
🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂
تلك الانقباضة التي صاحبت طيب الرائحة مع بغض المتعطرة بها ،اعلماها انها هنا، تراقبها ،بل و تتحين الفرصة للانقضاض ،و ترسيخ ما تريد ،هي تعلم ان عمار غائب عن مكتبه ،منشغل بما تفتعله ،فيما لا تفهمه و لا تعيه ،بزياراتها و تحدثها مع مقاولي البناء  ،بل و شجاراها المفتعل كصاحبة المال و الارض كما تصرخ مهددة ،اذن فهي فريستها .
جلست بغنج و ترفع
"مرحبا جوري ..
ببطء متعمد تصطنع دهشة و بشاشه
"اهلا سيدة انجي ،السيد عمار ليس ...
تقاطعها متجهة لهدفها
"اعلم جويرية ..هذا هو اسمك صحيح
هزت راسها بلامبالاة ، لتتم الاخرى حديثها
" اعلم انك تعلمين من انا ، لا يهمني ما عرفت ،او ما سمعت
،لكن فقط اتيت اليك خصيصا لشعوري بالشفقة تجاهك ،عمار كما تعلمي مراعي بالفطرة ،مجامل و يساوي بين الجميع في حسن معاملته ..و انا....
محاولة اقتناص عينيها ،و ادراكها بالكامل
" ارى احلاما معلقة تطفو بين نظراتك اليه ،اشعر بتلك الذبذبات الصادرة من صدى مشاعرك تجاهه ، لذلك خصصتك بتلك الزيارة 
"عمار لي جويرية ،هذا ما اردتك ان تعلميه عمار لي ،كان لي و سأسترده ، لذا انا اشعر بالشفقة عليك ،اتيت لكي اضع حدا لتلك  المشاعر الاحادية الجانب ،اخشى عليك من صدمة لن تتحمليها ، قد تؤثر عليك و على اطفالك ....
كانت تصطلي بكمد و غيظ ،يزيد وهج غضبها ،تلك الطريقة الواثقة ،المتباهية ،التي تتحدث بها عنه ،ذلك التملك البغيض في نبراتها
كأنها تتحدث عن قطعة اثاث او ملابس تركتها زاهدة عالمة انها لها متى اشتاقت اليها
"و ما شأني انا بمنازعة ملكية السيد عمار ،سيدة انجي "
مطت شفتيها بعنجهية
"انا لا ينازعني احد ...
و طافت نظراتها عليها باستخفاف تتم
"و اعذريني خاصة لو كان هذا الاحد هو انت "
ان بهتت لفظاظة عباراتها ،فصفحة وجهها ظلت على حالها راكدة ، جامدة ،لقد تأقلمت جيدا كونها عادية ،دائما هي عادية ،دائما هي في نقطة البين بين ،ليست جميلة و لكنها غير قبيحة ،تفهمت من معاشرتها لزوج سوداوي المزاج ،هوايته الانتقاص ،ان العادي نقص ،العادي شخص باهت لا يميز ،لا يميزه دمامة فيصبح دميم ،و لا جمال فيصف بالجمال ،بين البين لا صفه و لا نكهة و لا ميزة .
لكنها تعلم يقينا ،ان مع عمار هذا يختلف ،هي مختلفة ،مميزة ،لا تستطيع تحديد مجال تميزها ، نظرته له تخبرها ،حديثه المطاطي معها يعلنها ،مداعبته المستفزة التي تخرجها عن طورها ،تسرها انه فقط لا يجدها عادية .
لقد فعلت خواطرها نقطة اتصالها مع ثقتها بنفسها ،مع اعتدادها بما هي عليه لتجيب بثبات
'صدقا سيدة انجي ،لولا شعورك الخاطئ ،بكوني امثل خطر عليك ،لما شرفتني بزيارتك ، لولا يقينك الكاذب انني حاجز في سبيل مرادك ،لما شنفت اذاني بتلك الاهانات المبطنة ،التي لا اتقبلها ،و يسكتني عنها  فقط فضولي لمعرفة القادم ...
برقت عينيها تتأرجح بين سخط و ارتباك ،يهتز ثبات قسماتها الذي رسمته بدقة منذ بداية حديثها
لتتلون لهجتها ببؤس
"سأبوح لك بأمر جويرية ،و انا على يقين انك اهل للثقة ،انا اجبرت على الانفصال عن عمار ،حين تعرفت عليه كنت صغيرة مدللة ،رسمت حياتي بفراشة ملونة مبهجة ،و اقسمت لنفسي اني ابدا لن اتنازل عن اي تفصيله بتلك اللوحة ،صحيح انه كان يعمل حينها في وظيفة حكومية ،و لكن والده ثري ،ادركت انه من ذلك النوع المريض بالعصامية ،و بناء الذات ،و كل هذا الهراء ،كوني صديقة اخته المفضلة ،كنت اعلم الكثير ان والده غير راض عن عمله ،و والدته متذمرة ،اذن هي دفعة صغيرة من زوجة رافضة ،و سينتهي الامر و يعود لعباءة ابيه ،لكن كما يقال تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ،وفاة والدته و ما عقبه من خسائر لأبيه ،مزقا بعض احلامي ،ليأتي بعدها مرض عمار ليجهز علي لوحتي و ما رسمته و يذرها هشيم تدهسه الأقدام .....
رفعت حاجبيها متسائلة بصمت ،لتؤكد تلك المنتصبة امامها
بلهجة مبررة لم تلتمس فيها شفقة و لا حزن
"نعم جويرية عمار مريض ...
🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂

جناح مهيض "مكتملة" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن