الثامن عشر

69 2 0
                                    

معذرة من الجميع .. الجزء ده كان المفروض ينزل قبل سلسلة ماضي لابد من ذكره لكن كان هيحرق على أغلب المتابعين أحداث مهمة .. الجزء ينتمي للحاضر أي بعد العملية التي خضعت لها هنا
#مارد_من_الإنس
#الجزء_الثامن عشر
[ هنا جلال ]
كيف غفلتُ عن الله ما صلي على كامل النور؛ جملة أونكل مصطفى عند كل إطراء وورثها عنه ولده .. مازن .. يا لجمال قصص العشق مقروئة بكتاب, مرئية بفيلم رومانسي, مسموعة بسرد صديقاتي الغارقات بالحب لآذانهن . الحب يغلف كل أروقتي نظرات أبي وأمي المتبادلة بلغة الحب الخاصة, أخويَّ كلًا منهما لديه قصته الغير مكتملة, أما أنا إنتظرت طويلاً قصة تروى إلى أن أتت بعد صعاب فالأحمق خجل للغاية .
صديقتي تلك ذهبت إلى حفل موسيقي مع حبيبها والأخرى إحتفلت بعيد ميلادها وأعد لها حبيبها مفاجأة مذهلة وهذه ذهبت إلى السينما وأنا مع جدتي تروي لي قصة عشقها حتى الغدر ثم الدراسة وتدريبات السباحة وبالإجازة الصيفية الطويلة مزيداً من الدراسة للتحضر للعام المقبل بخلاف تعلم لغات أخرى كما إقترحت علي أمي والفسحة الوحيدة كانت الذهاب للنادي للجلوس مع مجموعة من النسوة بعمر أمي حتى تغير الروتين وأصبح لي هواية أخرى بعدما جاء قرار مجلس الحرب بالتخلي عن السباحة والتوجه إلى هواية أخرى أرتدي بها كامل ملابسي وفضلًا لو كانت القراءة كي أرتدي كامل ملابسي ونظارتي الطبية وأظل بغرفتي .
مصائب قوماً عند نفس القوم لها فوائدها؛ فانا مريضة سكري وفي حاجة ماسة إلى رياضة عنيفة إلى جانب الحقن وإخترت الإسكواش لألتقى أكثر من شريك باللعب فهو المصنف الثاني على مستوى الجمهورية وأستطيع التغلب عليه, بارع بالإنجليزية ويترك لي المجال لأعلمه مبادئ اللغة .
محادثات نصائح كلمات مبهمة حتى نطق بأجمل الكلمات بكل القواميس, فبادلته الكلمات بنهاية كل محادثة هاتفية, فلم أقوى على لفظها بحضوره المبهج وإكتفى ولكني لم أكتفي فقد تذكرت الصدع. حاولت أكثر من مرة أن أبعده عن طريقي الشائك أو أثنيه عن حبي لكن أبى قلبه التخلي عن مريضة بمرض مزمن سوف يصاحبها كظلها حتى بالظلام لأنه وجد نفسه مريض بمرض مزمن أيضا؛ حمى الحب.
يقول أن أعظم القلوب وأطهرها آمن لأن العلل تكمن بالقلوب, ووجدني خالية من العلل, سليمة معافاة وهذا كل ما إحتاجه يوماً. بدًل عالمي لأحب الألوان إلي؛ الوردي, أعانني على التغلب على شعوري الدائم بالقهر وأقنعني بأنه الحب . عائلتي يحبونني مثلما يحبني ويتمنى بيوم أن يكون القاهر الوحيد, لا أعلم ما بال الرجال بالتحكم أو القهر أو الحب كما يتدعي, ولكن آمنت بكلماته وتعايشت مع القهر بطعم مختلف؛ طعم الحب.
الحب أثقل عيوني ولم أعد أستطع الصمود حتى الصباح وبالصباح موعدنا ولن أتمكن مشاركته اللعب وسوف أسقط إعيائاً ولكنه يجدها فكرة ممتازة لأن عند سقوطي سوف ينعشني بقبلة الحياة وقبل أن أوبخه على بذائته حتى أراه بالغد وأذيقه الأوجاع سمعت طرقات على باب غرفتي فأنتهت المكالمة على الفور وذهبت لأفتح الباب لجدتي .
تفاجأتُ بها, لا تصحوا الجدة بهذه الساعة المتأخرة أبداً وإذ إستيقظت وطلبت شيئاً ما تناديني ولا تأتي لغرفتي وتجلس على طرف السرير وتطلب مني الجلوس لأمرٍ هام. أول أسئلة الفضول إلى من كنت أتحدث بهذه الساعة المتأخرة والإجابة الدائمة شيري صديقتي الأقرب.
أطرقت جدتي برأسها للحظات ثم نظرت لي وقالت :
-  عارفه الواد اللي إسمه مازن .. مفجوع بس شكله طيب
إبتسمت لجدتي وقلت مؤكدة :
- ده طيب اوى وشاطر من الأوائل واكيد هيسافر يدرس مع حسام فى أمريكا وهيبقى طيار جامد زي بابي  
-  ويمكن يقعد معاه فى شقه واحده وساعتها مش هتعرفي تتكلمي معاه فى انصاص الليالي
إمتقع وجهي للفاجعة إنما قلت مكذبة :
-  انا مش بكلم مازن خالص غير لما بيجي هنا
- تحلفي يا هنا ؟
-  اه ولله انا
قاطعتني الجدة بعد أن بدى على عيونها خيبة الأمل بحفيدتها وقالت :
- تخلفي كدب عشانه يا هنا وتغضبي ربنا مش كفايه بتتكلموا وبتتقابلوا من ورانا
إقشعر جسدي من وقع كلمات جدتي وقلت متوسلة :
-     ما تقوليش لبابي يا ناننا ونبى انتي عارفه ممكن يعمل فيَّ إيه
-  خايفه من ابوكي ومش خايفه من ربنا
إزدردت ريقي بصعوبة بينما أحاول السيطرة على وجيب قلبي المتعالي خوفاً وقلت :
- يا ناننا انا ما عملتش حاجه تغضب ربنا انا بشوفه فى النادى والبيت وحتى لما طلب نخرج مع بعض رفضت
أجابتني هناوة بحدة  :
- برضه غلط .. إنتِ مش ماما دايماً تقولك إنك أميرة .. عمرك شفتي أميرة بتقابل شباب وبتخرج معاهم وبتكلمهم فى التليفونات اللى بيعملوا كده بنات الشوراع.
رفعت ناظريَّ في خزي إلى جدتي فربتت على كتفي وأكملت :
-  انا خايفه عليكي يا نوننا وعارفه إنك هتعملي الصح من نفسك
كنت أعلم أن ما أفعله خطأ جسيم وسوف أؤثم عليه من الجميع ولكني أحب الغبي الثرثار الذي أوقعني بهذا الموقف الحرج, ياليتني كنت هناوة لأتزوج بالخامسة عشر من الفقير ولكن عسرة الحظ .
لم أعتاد على إخفاء أى شيء عنه فوجدت نفسي أسرد له ما حدث من جدتي ولما إنتهيت بدى على صوته الحزن ولو صمت ولم يجيب ولكنه لم يثقل علي كعادته وأيّد رأي جدتي, قد يستطيع تدبر أمر مكالمتين باليوم فقط إلا أنه لا يستطيع الحياة دون أن يراني ولو مرة أسبوعيًا إلا أنني لم أرضخ هذه المرة وقررت أن تأتي رؤيانا كلما زارني بالمنزل فقط فوافق بإمتعاض, لأن هذه الزيارات تكون موسمية وليست دائمة وقد لا أراه مطلقاً ولكن ماذا أنا فاعلة جدتي من ورائي بالمرصاد تراقبني عن كثب وكلما أردت التنزه أو الذهاب إلى النادي تتعلل الجدة بإنها تشعر بالتوعك وتلزمنا المنزل إنما ولحسن حظي تمللت أمي من جلسات المنزل وأصرت على أن تذهب للنادي حتى إننا هربنا من هناوة بينما هي نائمة.
حافظت على وعدي لجدتي إنما هو لم يفي بوعده فقد أتى وجلس إلى طاولتنا ومعه كتبي لتعلم الإنجليزية, يهمس لي كلمات الإشتياق فتوردت وجنتاي خجلاً, فلم يكن بهذا التهور من قبل ليزف وحشته ولو همساً أمام الجميع, يبدوا أن الفراق الطويل أفقده صوابه, بل وحاول أيضا أن يمسك بيدي من أسفل الطاولة إلا أنني سحبت يدي على الفور من يده  وعقدتها على صدري وحينها بدى عليه الغضب وقال:
-   إستأذني من مامتك .. انا حاجز ملعب
-  انا تعبانه إنهارده
حدجني بتعجب وقال :
- سلامتك .. عندك إيه ؟
- مش عارفه .. إرهاق
- انا عارف إنت عندك إيه كويس  .. إنت بطلّتي تحبيني
ثم قام بعصبية جذبت كل العيون إلينا وترك الطاولة ولم ينتظر مني رداً. رقبته يبتعد غير عابئ بكلماته التى أمست تؤلمني وتزيد من ثِقل قلبي. لا أفهم ما يحدث فببادئ الأمر بدى عليه تقبل أراء جدتي ولكن تبدل نهاية وأصبح سريع الغضب ولم يعد يتقبل مني أي كلمة,كاذب لم يحبني تملك منه الملل لما إبتعدت عنه لبعض الوقت؛ جدتي كانت على حق.
كذبت إحاسيسي وكلمات جدتي وقمت من ورائه, بدلت ملابسي للعب وأكملت خطواتي لمكاننا المفضل بالملاعب لأفاجائه وأثبت له أن المحب الحقيقي يتحمل الفراق ويزيده توق وشوق ولا يسارع للهرب كما سارع . لم يسارع للهرب فحسب فقد سارع للخيانة ويقف مع صديقته السابقة ويضحكا . جمدتني صدمتي به للحظات وجاب خاطري الإنتقام إنما ذابت الفكرة سريعاً لما تذكرت إنني الأميرة إبنة اللواء جلال ولست فتاة هينة لتسلية الطيار الصغير .
جاء ما أخرجني عن لقاء الأحبة وقال :
- نوننا أخيراً
- هاي يا رأفت
أطبق علي بثرثرته التي لا تنقطع وأسئلته المكررة؛ أين كنت بالأونة الاخيرة ولماذا إنقطعت عن تدريبي معه ثم السؤال عن أخويَّ ودراستي, حاولت متابعة حديثه البعيد كل البعد عن التشويق إلا إنني شردت إلى الأحبة العائدين من بعد جمود أو لا وكنت الغافلة .
[ مازن مصطفى ]
بالطبع لم تعد تحبني وهذا قد يكون إن أحبتني يومًا, فلستُ إلا لعبة في يد فتاة صغيرة أرادت بعض المغامرة المتحفظة لتنعش بها حياتها الراكدة . من أنا بأى حال طالب مجتهد؛ لاعب إسكواش محترف؛ طيب كما تمتدحني على الدوام, لا يهم كان لابد لها أن تختلط بمن بمستواها الإجتماعي الترف وأنا كذلك. إمتنعت عن لقائاتي بحجة منمقة؛ الحلام والحرام, تجد وجودها مع حبيبها حرام ومع أصدقائها بالمدرسة والنادى حلال أي حجة تلك!! تقبلتُ خيبة الأمل بشجاعة وذهبتُ قبل أن تذهب هى إلى من يجرعها العذاب ويسقيها الحب بتمهل وليس بمن أغرقها لأذنيها حتى زهدته.
تركتُ لساقيَّ مهمة التفكير عوضاً عني إنما خذلتني هى الأخرى لما قادتني لمكان لقاءنا المعتاد إلى ملاعب الإسكواش. رأيت هناك صديقي وحبيبتي السابقة؛ ندى يتهمسان ويمرحان في نوبة حب شجية, فحمدتُ لله إنها وجدت من يحبها أخيراً فالان أشعر بما كانت تشعر به لما تصديتُ لمشاعرها الخياشة حتى الهجر القاسي .  أن تجد شريك روحك نعمة كبيرة من الله, جربتها لبعض الوقت, ياله من وقت أعانني على كل صعاب والان بطريقي للدحر الشاق.
إبتعد عنهما قدر الإمكان لينعما بلحظتهما المميزة خارج الكون المرائي ولكن هتف صديقي بإسمي وأشار إلي أن أقترب.
  تقدمتُ لجمعتهما ثم أمسيت عليهما فسألني عمرو مباشرة :
- اومال فين الجو بتاعك ؟
لم أفهم أى جو يقصد فأوضح عمرو :
-  نوننا
إبتسمتُ بمرارة علها ترى سخرية وقلت:
- نوننا مرة واحدة .. ده انا صاحبك يا جدع .. حد يسمعك يبلغ مجلس الحرب يعلقوني على باب النادي
نظرت نحوي ندي متسائلة وقالت :
-  بس إحنا بنشوفكوا سوا على طول ؟
ترانا سوياً وأكثر, فقد أخطأتُ لما أعلمتها بأنني الان في علاقة جدية مع إحداهن لتبتعد عني نهائياً إلا إنها أصرت علي بمعرفة الأخرى فإضطررتُ آسفًا أن أخبرها لتفقد كل أمل بعودتنا للماضي السابق علها تجد أملًا أخر تصبوا إليه بعيداً عن درب حسبته دربي.
بررتُ لصديقي ما قالته ندى بأنني من يدرب هنا على الإسكواش بنائاً على طلب اللواء جلال بعدما تركت السباحة كلياً ولكن لم أجد بعيون صديقي تصديقاً بل وزاد من يقينه ضحكة ندى الساخرة لتؤكد كذبتي .
لما بدى علي الإرتباك ربت عمرو على كتفي مهوناً وقال : 
-   ماشي يا عم
أبعدت ندى عيونها المتهكمة عن كتماني المفتضح ونظرت لعمرو وذكرته بشأن التذاكر التى لم يجلبها بعد وحينها ضرب عمرو جبهته براحته وقال وقد بدى عليه تذكر شيئاً :
- أخ كنت هنسى .. خلي بالك منها يا مازن إوعى حد يعاكسها
وافقتُ بترحاب على رعاية حبيبة صديقي حتى عودته بينما حبيبة صديقي تتشفى بمن تركها ثم تركته نوننا .
-  سابتك طبعاً .. بتكلم رأفت .. انا لو منك أنتقم وأبلغ مجلس الحرب .. أما قولي هى ليه بتقول عليهم مجلس الحرب ؟
نظرتُ لها بنفاذ صبر وقلتُ :
- إوعي تفكري تعملي حاجه زى كده يا ندا إنت عارفه هما بيعملوها إزاى
حدجتني بغرابة وقالت :
-  لسه خايف عليها بعد ما سابتك وواقفه هناك تغيظك مع رأفت
نظرتُ لموضع أصبع ندى وجدتُ الحبيبة لم تذهب الوقت سداء وعادت للعب الحميم مع رأفت. لم أستطع ضبط جماح نفسي وذهبتُ إليها وإن ذهبت, إليهما سرتُ بخطى واسعة وسألتُ عن أحوال رأفت الذي تقريبًا لا يفارقني ثم نظرتُ لها وقلت :
-   انا حجزت ملعب يا هنا ياللا بينا
لم تجيبني فقط تنظر ملياً إلي مما جعل رأفت يضحك ساخراً ويقول :
-  مازن بيكلمك يا هنا
- إنت لسه تعبانه بلاش إنهارده ؟
أجابتني بحنق :
- انا كويسه اوووي .. لازم إنهارده
تحركت أخيراً عن أرض رأفت لأرضنا, صامتة تذجرني من وقت لأخر بنظراتها الغاضبة. إنتظرتُ حتى تخلصتُ من تطفل كل من يواجه مشكلة حقيقة بوجودنا سويًا وسحبتها قبل أن تدلف لمدخل قاعة الملاعب إلى ما خلف الملاعب؛ منطقة خالية من رواد النادي وموظفيه متكهن بها العديد من معدات النادي الخربة إنما لن تتبعنا به عيون . حاولت سحب يدها من يدي مراراً لكن هذه المرة لن أفلتها . شعرت بحرية الأمان الان لما تخلصنا من نظرات من حولنا وكان أول قولها لتبرير من منعتها عن مخالطتهم وخصيصًا هذا الرأفت:
-   و انت ما لك .. إنت خاين اصلا
صحتُ بها :
- وأنتِ كدابه
لم تتنازل عن حدتها وصاحت بي مجدداً :
-   انت اللي كداب قولتلي إنك سيبت ندى ولسه بتكلمها وبتتلكلي.. بس انا بقه اللي مش عايزه اشوفك تاني روحلها
حقاً فاجئني إدعائها الكاذب فقلتُ مستنكراً :
- انا يا هنا !! اذا كان فى حد بيتلكك للتاني يبقى انتِي .. ماشيه مع طوب الارض ومش عايزه تعبريني انا
ما أغبى تعبيراتي عند العصبية, صعقتها ولمعت عيونها مستنكرة الإتهام فتدراكتُ الموقف وقلتُ موضحاً :
- قصدي إنك بتكلمي زمايلك فى المدرسة وبشوفك على طول مع رأفت ومش عايزانا نخرج سوا ومحرَّمه على علينا كل حاجه فى الدنيا
إحتقن وجها وتبدل الغضب بالحزن فلم أتحمل أن أكون سبب حزنها كما إعتدتُ, إقتربتُ منها أكثر وحتى أشتممتُ عطرها الزهري وقلت بتوق لم أعد في وسعي إخفائه :
- انا بحبك يا هنا مقدرش ما اشوفكيش
عاد إليها بعض السكينة وقالت بهدوء رغم الإتهام :
-  انت كداب ..عمرك ما حبتني ..عايزني اخرج معاك زى ندى وبعدين تزهق مني وتشوف غيري
-  انا بحبك .. انا عمرى ما حبيت حد قد ما حبيتك.. ليه عايزه تبعدى عنى انتِي مش بتحبيني ؟ 
نظرتُ إليها متوسلًا الكلمة التى حلمتُ بها ولكن شَخَصَ ناظريها بكل ناحية إلا ناحيتي ولم تجيبني فأردفتُ :
-   أنتِي ليه يا هنا عمرك ما قولتى إنك بتحبيني ؟
إستمرت فى الصمت القاتل الذى يذبحني ببرود. خجل, خجل ولكن  إلى متى لا أرى حبها أو أسمعه بينما من سبقتها بحبي دعمت مشاعرها بأكثر من طريقة وبكل طريقة أما حبيبتي خجلة على الدوام, أو كاذبة على الدوام.
نظر إليها بمرارة فراق محتوم حلق من فوق رأسينا برفقة كيوبيد مسفوح دمه :
- انا كنت عارف بس كنت بغالط نفسى على العموم انا عمرى ما خنتك .. ندى دلوقتي بتحب واحد صاحبي وهيتخطبوا قريب
نظرتُ لها نظرة أخيرة مودعاً وهممتُ للمغادرة ولكن منعني أنين صدر منها.. بكاء أعادني من جديد .. عدتُ وكأن في إستطاعتي الرحيل ..  نظرتُ إلى عينيها بعدما أخفتهما براحتيها .. لامس الراحتين .. إبتعدت عني .. سألتُ فيمَ بكائها صاحت بي متعثرة بكل حروفها :
- عشان .. انت .. مابفتهمش .. مش حاسس بيَّ
-  لازم اسمعها منك يا هنا ايه اللى يثبتلي انك بتحبينى
وكان هذا الإثبات؛ إستسلمت للبكاء. أمسكت راحتيها وأنزلتهما عن وجهها المحتقن بالحمرة إثر البكاء الحاد وقبّلتُ راحتيها ثم قلت مستسلماً :
- خلاص يا هنا ما تقوليش حاجه انا مش عايز حاجه غيرك 
قالت وهى لازلت تبكي وتتقطع كلماتها :
-  انا بحبك ولله بس مش بحب قلة الأدب
نظرتُ للبرائة الكامنة من وراء وحش فتاك سليط اللسان وقلت مبتسماً براحة :
- ولله .. مصدقك من غير حلفان
اليدان الشمعية ذابت بيدي, تحاول التحرر إنما لم أمهلها, إقتربت منها فعادت للوراء فتقدمت منها مجددًا وحينها لم تجد من ورائها فراغ يحتويها دوناً عني, مجرد جدار إلتصقت به وأنا من أمامها آسرها وحدودها الفاصلة في آنٍ واحد . إحتويتُ يداها بقوة داخل يديَّ ونظرتُ إلى بحورها الزرقاء التى تحولت للحمرة إثر البكاء أم تراها عكست ظلال الشمس البرتقالية على صفحتها ولكن محافظة على سحرها الآسر. أسكرتني أنفاسها الدافئة المتسارعة بعدما إختلط أوكسجيني بشذا ورودها وأصبحتُ أتنفس عبيرها الأخاذ, أغلقت البحور الزرقاء بواباتها فتهدجت أنفاسي لما شعرتُ أن اللحظة التى حلم بها آنت أخيراً.
تفرستُ بالوجه البشوش لأول مرة عن قرب ولفحته بأنفاسي الساخنة, إرتكزت عيناي على الشفاه المرتعشة وكل ما أردته من الحياة هو تذوق كرز الجنة الذى سكن أحلامي. إنما لم أستطع الوحش الفتاك أفاق من غفوته ولم يكن سليط اللسان فقط, فقد دفعتني للوراء بيدها التى بيدي, ولم تكتفى بذلك عركلتني بقدمها فسقطتُ على ظهري بقسوة كأخرق زلق.
لم أصدق ما حدث للتو لقد عركلتني فتاة وليست أي فتاة فإنها الحبيبة ذو المزاح الثقيل ولا أمل بتقويم سلوكها الأرعن بالقريب .
حدجتها بغضب وإن كانت حيرتي من جنوحها تغلب علي ولم أجد ما أقوله للحظات ولكن عادت لها إبتسامتها وتعالت ضحكاتها ساخرة من سقوطي أرضًا من فعلها المجنون مثلها إنما بالنهاية مدت يد العون إلي لتساعدني على النهوض بينما تقول بحزم :
- بعد كده إحترم نفسك انت هتظيط عشان قوتلك بحبك .. طب بكرهك
أمسكتُ بيدها للنهوض من كبوتي ثم إعتدلت وقوفاً  وأنزلتُ عن ملابسي الأتربة والحرج بينما تضرب ذاكرتي مشاهد شاركتها مع الأخ الأكبر لحبيبتي فهو من علمني هذه العركلة والتى أدتها حبيبتي ببراعة علي الان .
- حسام اللي علمِك الحركه دى ؟
- انت عرفت ازاى ؟
شر البالية ما يضحك, فببعض الأحيان كان يعود رأفت السقيم بحبها من إجازته على وجهه أو كتفه بعض الكدمات, ولما أسأله عن مسببها يخبرني بأنها ضربات الحبيبة المازحة, فأعاود لسؤاله فيمَ تحمله للضرب من إمرأة حتى لو الحبيبة فيجيبني ببلاهة أن هذا يسعدها وبالتالي يسعده . العجيب إنها لم تكن يومًا الحبيبة, لم تراه هنا غير أخًا ثالث ورغم ذلك لازال طامح حالم بحبها وينتظر التخرج ليدفع أبيه لخطبتها .
التخرج وشيك ترى من الفائز بالهنا وبعثة روسيا أو على ثاني تقدير أمريكا, ثلاث أو أربع على أعلى تقدير المجوز لهم السفر لأمريكا وباقي الدفعة توزع على كافة الانحاء العربية أو الغربية, تتبع الإجراءات الأعلى درجات دراسية وإلتزاماً وكنتُ من ضمن المرشحين الست بحمدلله . بدّلني الحب فقد إنتظرتُ أن أكون من قدامى الطلاب ليصبح لي خادمي الخاص وسكرتير لكن الحبيبة ألحت علي أن أقوم بتوزيع إجتهاداتي إبتغاء مرضات الله مثلما فعل أخيها الأكبر تماماً فهو للحق لم ينحاز للتنمر مثل باقي دفعته البغيضة وعلى رأسهم مالك و أمجد .
الحبيبة تريد منه أن لا أنتظر أجر الدنيا الفانية وأنتظر الأجر الأعظم من الله وسوف أنال أجر من أحسن عملاً. تبعتُ الحبيبة أحب أن أكون بطلها كما تراني وحيدة, قلبها الكبير ذو طابع منير, ذو رؤية إستثنائية لا تتقيد بقيود الرأسمالية, فعلي سبيل المثال أمي تراني غبي لأني أريد الزواج قبل أخي الاكبر وقبل الإنتهاء من بعثتي كما إنها تبغض فكرة التزوج من هنا بوجه عام لأنها مريضة سكري وإن كانت ثرية بينما أبي يجدني مغفلاً لطمعي بمصاهرة اللواء جلال, فالثاني لا يرى الحب أو التفوق مقوم كافي للإقتران من الهنا لكن لحبيبتي لها رأىٍ أخر و تبعته داعيًا من الله إستجابة كما إستجاب مسبقاً وأصبحتُ بترتيب الخمس الأوائل لهذه السنة ولم يتبقى غير قرار البعثة. ترى إلى أين ترسوا مازن الفقير أم رأفت الثري .
ذكرى ميلادها إقترب وهذا الثاني منذ إلتقيتها, بالأول لم أستطع إهداها شيء غير قالب كيك مصور أرسلته إلى صفحتها على الفيس بوك لأنني ببساطة لم أكن إلا صديق وشريك لعب لكن تبدلت الأدوار هذه السنة وتنتظر هدية مرئية ملموسة وليست مصورة. هديتها قيد التنفيذ ولا ينقصني إلا خمسون جنيهاً وعلي الإقتراض من أبي ليكمل سخريته على تغفيلي .
لن أبدأ المحادثات مع أبي مبكراً حتى لا يستطيل الجدال بيننا ودلفتُ لغرفتي على الفور لأبدل ملابسي العسكرية للمدنية إنما لم أجد أياً منها, فمجموعة الملابس الفاخرة التى أهداها مالك إلي ليست بخزانتي. توجهت لأمي لسؤالها عن سر إختفاء ملابسي بهذا اليوم خصيصاً فأجابتني ببرود بأنهم قيد الغسيل الان وبما إننا شتائاً قد يكونوا قيد الجفاف بالغد أو بعد غد وعلي البحث بين ملابس أخويَّ عما يسترني .
نِعم أم, تقوم بغسل ملابسي بيوم عودتي من الكلية, تبًا للحقد النسائي تفعل كل تلك الغلائظ بهذا اليوم خاصة حتى لا يتثنى لي اللقاء مع حبيبتي بل والذهاب مهللاً لحفلة عيد ميلادها بالمساء ولكن هيهات. ذهبتُ إلى البلكون وإنتشلتُ من على الأحبال ما وجدته قيد الجفاف وعدت لغرفتي لأقوم بكيهم مبللين وليكن ما يكون .
أبي يرقبني, يقف قبالة باب الغرفة ويقول :
-  إلبس حاجه تانيه هتبرد
- إنت السبب .. بتفتن عليَّ خليك فاكرها ليك يوم
- ولله ما حد يومه قرّب غيرك .. أمك خايفه حد يشوفكوا سوا يقول لإخواتها يسلخوك يا روح امك 
- فيها الخير .. هات خمسين جنيه  .. لا سبعين
نفض أبي كفيه بتملل وقال :
-  ولا خمسين و لا سبعين .. كفايه الورد اللي حمّلته عليَّ
- كده مش هعرف أجيب لهنا الهدية
- جبتلها إيه ؟
- سلسله ؟
صاح أبيه مستنكرًا :
- دهب !!!
بادلته التعجب وقلتُ متهكماً :
-  دهب !! فاكر ابويا مدرس فيزيا .. فضه .. عملت إيه في الموضوع اللي قولتهولك ؟
ضحك أبي على مأساتنا بالفقر ثم قال : 
- يا إبني جلال لو وافق على خطوبتك على هنا مستحيل يوافق على جوازكوا صغيرين أو سفرها معاك .. لما ترجع يحلها ربنا
- لما أرجع بعد أربع سنين ؟!
- نصيبك كده إرضى بيه يراضيك ربنا
وما الصبر إلا من عند الله. وماذا يعلم أبي, المتربصين من كل صوب آملين بأملي ولكني صاحب الأفضلية فقلبها ملكي بلا منازع . موعدنا الثالثة عصراً لأسلمها أولى الهدايا بعيداً عن أنظار مجلس الحرب المصوبة شرزاً لكل طامع . إرتديت الملابس المبللة بشتاء الأول من يناير وسحبت ما وجدته بجيب أبي عنوة وسارعت إليها قبل أن يتجمع من حولها ذئاب النادي لخطب ودها المستحيل وبرغم من ذلك لا يتملكهم يأس . بحثت عنها لم أجدها على طاولتها, لابد إنها تململت من الإنتظار وذهبت للملاعب لتلقى زميلاتها, لم يكذب حدسي داخل أحد الملاعب مع السقيم بلا أمل للشفاء يمازحها وتضحك حتى أدمعت عينيها ولا تلقي بال لعيون رأفت المثبتة على ساقيها الشمعية بالخفاء.
طلبت منها على عجالة أن تبدل ملابسها للعب ثم أذنتُ من صديقي الذي نظر لي شرزاً بعدما قطعتُ جلسته مع الفَراش وكأنني أبالي . عندما إختفينا عن العيون المترصدة سحبتها بقوة من يدها وأذعتُ عليها ما طلبته مراراً ولم تلتزم به .
-  انا لابسه كده عشانك .. عجبتك يا ميزو ؟
أجابها بحدة :
-  لاء .. وحشه
حزنت عيونها ولم أبالي كذلك. لا تقدر لوعتي, لا تقدر جمالها الأخاذ وأحياناً ترى نفسها قبيحة ومن حولها العديد من الجميلات لا تعلم إنها جميلة الجميلات وياليت لو كان بها شكلٍ من أشكال القبح فوجهها الصبوح هز عرش القمر, قامتها الممشوقة لغزال شرد عن البرية, ضحكاتها زعاريد الفرح الذي طال إنتظاره, ساقيها الشمعية.. أسكتني قولها :
-  خلاص إحترم نفسك
ترتدي هى الأخرى ملابس صديقتها شيري لتبهرني كما أبهرها بملابس صديقي. اليوم كنزة صوفية وردية بالكاد تغطي خصرها العاري البراق وإن كنا بالشتاء ووجب عليها إرتداء ملابس ثقيلة بعض الشيء ويا حبذا لو تغطت المعدة المصقولة عن عيون التائقين, أكملت المظهر الغربي الموحش بتنورة قصيرة منفوشة تمتد لأعلى ركبتيها, وقد غلفت بعضاً من سيقانها بحذاء عالي الرقبة, كيف لا تشعر بالبرد مثلي؛ لابد إنها حرارة الحب . يكفيني وجودها إلى جانبي يدها بيده لأنبهر كمن رءى شمس الظهيرة بعد الولادة بعتمة ليلا بهيم.
لو تعلم كم أحبها, جميلة وهذا ما جذب عينيَّ إليها ولا أنكر لكن فيما بعد أخطأتُ التقدير لما وجدتُ إنها تملك ما لا تملكه أخرى أو أخر, ولا تزال الأجابة واحدة؛ القلب العمِر.
اليوم معي الكثير من النقود التى إدخرتها للمناسبة الكبرى وسوف أدعوها للغداء على النيل كما تحب ومهما تعلّت. من أجل هذه النزهة سوف يذهب أبي وأمي إلى القاهرة الجديدة بتاكسي سوف يكلفهما مبلغ يرهق ميزانية الأسرة بالكامل لنهاية الشهر لأنني إستعرتُ سيارة أبي وهذا خيراً ما فعلتُ, ففي أغلب الأحيان يطل القمر ليلاً وليس الثالثة عصرًا وقد تحدث بلبلة تجعل البعض يظن أن علامات الساعة الأخيرة إقتربت .
ضحكت لتتلون رمادية الشتاء من حولي للوردي أحب ألوانها وبحثت عن النيل بعيونها عبر النافذة الزجاجية الكبيرة التى إختارت الجلوس بجانبها بالمطعم الإيطالي وسألت أين النيل فأجبتها :
-  ما إنت لو كنتي لابسه نضارتك كنت شفتيه
فعادت للضحك, لن ترى النيل من هذا المطعم الذي إخترته ليومنا ولو ترتدي تليسكوب مداري لكننا بالزمالك والنيل على مسافة خطوات إلا أن رؤيته محجوبة من البنايات العديدة التي تحده وتريد هنا أن تكون من ساكنيه . حسبها الديب العظيم بناية أبيه وفيلته ليست مواجهة للنيل لكن لن أوقف أحلامها عند يأسي و أجابتها .. إن شاء الله .
أتى النادل فطلبت البيتزا لان المحل إيطالي لكن حبيبتي ألغت ما قلته وطلبت شيء ما بالإيطالية من النادل الذي لم يفهم كلمة مما خرجت من فاهها حتى أنه طلب منها بإنجليزية ركيكة للغاية أن تشير على الصنف المطلوب من الطعام بقائمة المطعم للمأكولات بعد أن حسبها أجنبية, إنما هي دمياطية وبدى عليها الكدر وهما الان في خطر فقد ودت هنا كثيرًا أن تلقى أحدهم يتقن الإيطالية لتبارزه بالكلمات إنما حبطت آمالها وحينئذ لم تجد مفر وصرعت النادل بمصريتها فإختفى حرجاً يرافقه التعجب.
قالت شيء أقرب للمفاجأة بالإيطالية أيضا فسألتها مشدوهاً :
- إنت بتعرفي إيطالي ؟
- لا بس بفكر أدرسه الاجازة دي بما إني مش هروح النادي عشان واحد رخم مسافر وهيسيبني
وماذا إن باشرت دروسه. ليس جيدًا ما يحدث على الإطلاق هذا العقل الامع سوف يحقق أعلى الدرجات بالثانوية العامة وتنال الهندسة لتحدث المواجهة الدامية بينها وبين أبيها ولا يعلم إلا الله ما قد يفعله اللواء بها لما يعلم عن كذبتها طويلة المدى . لمَ انا متشائم إلى هذا الحد لازال أمامنا عاماً كاملاً حتى المواجهة وقد ترسب أو على الأقل لا تنال الهندسة.
تسألني إلى أين الرحال ومن الفائز فأجبتها :
-  مش عارف يا نوننا اكيد على رأفت ما انتي عارفه الدنيا ماشيه ازاى
أجابتني بحماس :
- ماشيه بالدرجات وانت درجاتك أعلى ما تخافش هترسى عليك انا عارفه
- عرفتي إزاى فتحتي المندل ؟
- لا فتحت شطنة بابا ودعبست فيها وعرفت إن مازن مصطفى وعمرو حسين وعماد تادرس مسافرين أمريكا
إتسعت حدقتيَّ إندهاشاً وقلت غير مصدقاً :
-  مش معقول
أجابتني مستنكرة بمرح :
- تخيل البلد باظت أمريكا بقت العياط أي حد بيعدي عليها
تحقق الحلم ولم يتبقى إلا حلمي بها فصارحتها بنيتي, اليوم بحفل ذكرى ميلادها أبي سوف يطلب خطبتها, لتكون الخطبة وعقد القران قبل السفر وبأول إجازة لي يتم الزواج وترافق زوجها للخارج وتدرس الهندسة بأمريكا, سوف أقوم ببيع الشقة التى خصصها أبيه لي عند الزواج فهى لم تكن لتلاقي إستحساني بأى حال وبأموالها نستأجر شقة صغيرة تكون عشنا لحين العودة وبالعودة أكون أصبحتُ باحث هام مثل مالك أو مدرب للطيران ذات شأن مثل أمجد وأمتلك الكثير من المال لأشتري لها قصرها المطل على النيل وسيارتها الجاجوار.
لم تقفز عن كرسيها فرحاً أو إبتسمت حتى, فقد فاجأها مطلبي ولم يسعدها البتة .
قبل أن أسألها فيمَ شرودها أتى النادل ووزع الأطباق على المائدة ثم تركنا فقلت :
-  ما لك يا هنا ؟
أجابتني بإستكانة ليست لها :
-  بابا مش هيوافق يا مازن
سألتها لمَ فتلك لم تكن تلك كلماتها بالسابق فأجابت :
-  الإعتراض مش على شخصك طبعاً .. الاعتراض هيكون على المبدأ مش أكتر .. جواز وسفر وماتنساش المصيبه اللى أنا عاملاها .. وحتى لو بابي وافق مامي مستحيل توافق إن أسافر وأبعد عنها حتى لو أجوزت .. ما قوتلك إحنا هنجوز في بيتنا مع بابي ومامي
- اقعد مع اللوا جلال في بيت واحد و أبقى ملطشت آسر ؟!
- يا شحات بابي عامل لكل واحد فينا شقه .. و انا عن نفسي اول ما أبقى مهندسة هعمل سلم خاص بينا وننسى الناس دول خالص
تغضبني هذه الكلمة وإن مزاحً, فأشحت بوجهي عن الإسائة وحينها قالت متداركة :
- انا بهزر معاك ما تقفش
- كلي عشان ألحق أرووحك  
لم أستصيغ الطعام الإيطالي أم لم أستصغ اليوم بالكامل . من الرافض عائلتها كما تدعي قبل أن يدلوا بأرائهم أم هى . لازلتُ أغرقها بأمالي وطموحاتي بينما هى تناولني كل شيء على مهل . أبتعد عنها لأربع سنوات طوال لا أستطيع بهم رؤيتها أو مهاتفتها من أمريكا. لن أستطيع معرفة مع من كانت اليوم وفرض إعجابه أو عرضه, نال إستحسانها أم بغضته . تنتظرني لأربع سنوات حقاً كما تعد, هل لمن مثلها القدرة على الإنتظار ولو إنتظرت عائلتها سوف تنتظر فالجميلة منذ الحادية العشر يتهافت عليها الخطاب من كل صوب وهى ضعيفة مقهورة منذ ولدت وقد ترضخ .
ألهتني عن همومي بحبها وإطعامي رغمًا عني وتأكيداتها بأنها في إنتظارني مهما طال الفراق لأنها معي ولي وليست معي فحسب كما خيل لي . جميلة كلماتها مسكّنة إنما ليست شافية, أنزل يدها التي تحمل شوكة محملة بالفوتتشيني عن فمي وأقول :
-  فيها إيه لما نجرب يا هنا يمكن يوافقوا ؟
وضعت الشوكه بالطبق بتملل وقالت :
-  لو خطبتني يا حبيبي وبابي لا قدر الله رفض أو أجّل مش هقدر أشوفك تاني ولو صدفه ومش هتجيلنا البيت .. هتقدر ؟
لا أقوى على البعاد من الان وأراها ثلاث مرات أسبوعياً, فهذه سياسات اللواء عند رفض خطبة أو تأجيلها؛ الإقصاء بلا أدنى أعذار . تبعدني ثانيًة عن شرودي, تذكرني بالوعد وإذ لم تفلح تقسم بأغلظ الأيمان, بإنتظاري وعلي أن لا أذهب سعادتنا اليوم بالشكوك وهو أحلى الأيام؛ ذكرى ميلادها وتقضيه مع من أحبت ودعاها للنيل لا تراه وتريد رؤيته حتى إنها لا تريد الإكسبرسو بعد هذا الغداء الشهي .
خرجنا من المطعم الإيطالي لكورنيش النيل يدها بيدي أمام الجميع وهذه سابقة, لا يشغلها عني إلا مراقبة المارة تتفحصهم كما يتفحصوها متعجبين, ليست بمكانها الصحيح وليست مع الشخص الصحيح, فمكانها إحدى المطاعم العائمة للفنادق النيلية الفاخرة وليس أكل الترمس المملح بالليمون الذي ألهب لسانها وشفاها فطلبت المياة وليس هناك أكشاك بالجوار لشراء مياه معدنية معبأة لا تشرب غيرها.
ذره مشوية, سميط ودقه, ورود حمراء, سائلين توافدوا على حبيبتي لم ترد أياً منهم فهي تجمع أكبر قدر من التذكارات لتخليد هذه الذكرى المميزة حتى إنتهت النقود التي بحوزتها وحوزتي . سعيدة وتريد أن ترى الكون بأكمله سعيد بكل مظاهره, ماذا لو إكتملت السعادة وتماثلت أمامي الرؤى التي كانت سلواي بليالي السهاد. هى بإنتظاري بشقة صغيرة مثل الذي أراها بأغلب الأفلام الأمريكية تحوي غرفة نوم واحدة ومطبخ أمريكي وحمام صغير, ترتدي هذه التنورة لا بأس بها للوقت للحالي. أعدت الغداء بالشيء الوحيد الذي تجيده الكيك بالشيكولاتة والبطاطس المقلية, تحكي لي عن يومها بكليتها وتطالب بيومي بقاعدتي الجوية وبالنهاية نغفوا أمام فيلم رومانسي لجيسن إستاسم . ترى إستاسم رومانسي !! طالما كان ذوقها الأغرب.
تضافرت أناملنا ومالت برأسها إلى كتفه بغناج وقالت :
- إستاسم رومانسي جدا وشبهك بالظبط .. عشان كده بحبه
سألت كيف ذلك فأنا لا أشبه ستاسم البتة فقالت :
-  عشان عنيه عسليه وأصلع زيك
فضتُ التضافر ونظرت لها مستنكراً وقلت :
- انا مش إصلع يا هنا
وضعت أناملها على شعر جبتي النحيل وقالت بهدوء أمام عصبيتي :
-  هتبقى أصلع
قد أكون مستقبلاً ما تدعيه فأبي وأخي الأكبر سبقاني لهذا المصير المظلم ولكن بعد ظلام دامس يأتي فجراً كاشف فقد أمسكت يدي المستنكرة بيدها وقالت :
-  برضه هحبك ما تقلقش
جيد فهذا كل ما أطمح به رغم الإرهاق الذي لاحقني من المشي البطيء إلا إنها لم ترهق بعد وتطمح بالمزيد, تريد رؤية كل أطراف النيل وعشاقه السرمديين بعدما أصبحت منهم أخيراً, فقد حلمت بهذا اليوم منذ السابعة من عمرها وأنا من تكاسل وعلي بمباشرة التعويض .
صدع الأجواء المريحة بوق سيارة دورية تمر من الطرف الثاني لطريقنا, أفزعتها وطلبت على الفور إنهاء نزهتها المؤجلة منذ سنوات في الحال, فهي تخشى آسر خشية الموت رغم أنه اليوم بإجازة تحضراً لحفلة عيد ميلادها في المساء وكذلك يقضي كل إجازة له بالبيت من إرهاق العمل ولا يتركه إلا لشأن عظيم والشأن العظيم  ولحسن حظه لا يترك منزله فهو عاشق متيم بشيري صديقة هنا, بأى حال آسر عمله الان بالقليوبية ولن تمر له دورية على كورنيش النيل أبداً.
تمثل الهلع في كل أطرافها حتى أنها لملمت شعراتها المتناثرة على كتفيها ووجهها من فعل الرياح الباردة الخبيثة التي تلمست الدفئ بوجهها الذهبي بعدما تقاسم بغير عدل الغسق المنسدل على سفح النيل بالخامسة . رفعت أيديها للأعلى لتعقص شعرها للخلف فتكشفت كنزتها الصوفية القصيرة عن خصرها النحيف فأسدلته على خصرها مجدداً قبل أن تنال مزيداً من سهام النظرات الطامعة .
- ما تلبيسيش الهدوم دي تاني يا هنا
أومأت مبتسة بالموافقة, ولم تجادلني كعادتها عن حقوق المرأة بالتعري على كورنيش النيل وهذه سابقة أخرى. غربت الشمس من ورءاها وتنازلت لها عن كامل الوهج الذهبي الصداح عن وجهها المشرق القلق . تلح بالعودة الان والكف عن الحملقة بها لأن ذلك يزيد من توهجهها, أيضا تأخرت على حفلها وآسر إتصل بشيري مئات المرات لتعيدها للمنزل بعدما تعلّت بأنها خرجت من المنزل اليوم خصيصاً لأن شيري تريد أن تبتاع لها هدية طبقاً لذوقها .
ألا تباً كيف سهيتُ عن الهدية . أول هدية حقيقية ملموسة لذو الجمال والإشراق, طوقً يذكرها بي يحمل إسمينا ككل شيء بعد دوام الحب, نصف مصروفي لسبعة أشهر لأن النصف الأخر إدخرته لثمن الغداء, تذللي لأخي الأكبر ليعطيني مما أعطاه الله بالخليج ولا أريد هداياه من الخارج لأن بالداخل كل ما أتمنى, ما إقتصصه من التسوق لحاجيات المنزل الأسبوعية لما ترسلني أمي لشرائها وكلاً من أجل طوق الحروف .
عدنا أدراجنا وحتى السيارة فسارعت لأفتح لها باب السيارة الأيمن إلا إنها وجدت مبادرتي مبالغة بالأداء المسرحي ولم تشكرني بالعربية أو الفرنسية بل وطلبت مني الإسراع لمنزلها .
عدت للسيارة وجلست بجانبها وأمام المقود وعلي الان إعطائها هديتها بعيداً عن مجلس الحروب . أخرجتُ من جيبي علبة مخلية خضراء متشكلة على هيئة ضفدع؛ أكثر الكائنات التي تخيفها صوتها قبل رؤيتها وأيضا ليست مؤمنة بأسطورة أن الضفدع كان يحمل الماء في فمه ليطفأ النار التي أشعلت لإحراق خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام وتجد هذا الكائن المسكين مخيف. لم تجزع هذه المرة من الضفدع تناولته من يدي وشقت بطنه لتخرج السلسلة الفضية المحلاة بإسمها بالإنجليزية المائلة ومن الخلف حفرت حروف إسمي .
إتسعت إبتسامتها للحد الاقصى وقالت بسعادة غامرة :
- حلوة أوي .. ثم تناقصت إبتسامتها تدريجيًا وقالت بخجل :
-  شكلها غالي أوي .. ليه كلفت نفسك يا حبيبي كفايه اللي عملته إنهارده عشاني
-  مفيش حاجه في الدنيا يا هنا تغلى عليكِي .. كان نفسي تكون ألماظ .. بس انتي عارفه
-  دي أحلى من الألماظ وبكره تجيب الألماظ لما تبقى طيار شاطر         
سحبتُ السلسلة من يدها لألبسها إياها بينما أقول :
- إرفعي شعرك
على الفور جمعت شعرها للأعلى بيديها وأولتني ظهرها وحينها حاوطت رقبتها الشفافة بالفضة ثم ملت على هذه الرقبة وتنسمت مسامتها العبقة بالزهور وطبعت شفتاي عليها قبلة علّها تذكرني بليالي البعاد الطويلة.
إلتفت بفزع وقالت بحدة :
-  يا قليل الأدب .. بطل الحركات دي يا مازن مش هكلمك تاني  
- هتوحشيني أوي يا هنا
تخل جبينها عن التغصن غضباً من محاولاتي اليائسة للمسها وقالت بمرح  :
- انت نكدي أوي لسه بدري على السفر
الوحشة لا تتبدد من قلبي إلا بوجودها ويأبى الوجود وجودنا فالفقر والثراء خطان متوازيان ولا يتقابلا إلا لحادث مروع . أوصلتها حتى المول التجاري القريب من فيلتها, كانت بإنتظارها صديقتها شيري التي تحدجني بإشمئزاز كما يشمئز الجميع من تبادل الأدوار ولا يتركوا للأبطال حرية تنوع الأداء. تشير لها بالعجلة فعجّلت لها وقبل أن تذهب عني أمسكتُ يدها بقوة للحظات حتى تمللت وطلبت الحرية رغم أنني حريتها, هى قالت . تركتها كما رغبت فذهبت لصديقتها وسيارتها الحديثة ودلفا لداخل جراج المول ليتركا لي برهة من الوقت لأعود لفيلا اللواء قبلهما لإبعاد كل ظن وشك عن تلاقي الخطين .
عدتُ لسيارة أبي المتهالكة وسارعت لفيلا اللواء وقبل أن أصف السيارة أتاني صوت آسر الثائر, يصل لباب الفيلا الأمامي, يحدث أحدهم من محموله ويأمره بالعودة فورًا وإلا .. حتى لا داعي للتفكير بمن يطالب بعودته. إستقليتُ المصعد للدور الأخير ثم طرقتُ باب قصر اللواء ليفتح لي الثائر الباب بعيونه الإزدراء ويشير لي بالدخول بتملل.
يشعر بالتعالي لمجرد أنه تخرَّج وحمل سلاحاً قبلي أم طاله غرور الداخلية الشهير خاصة بعدما أطلق هذا الشارب السخيف فأي ضابط قد يكون بهذه العيون الزرقاء النسائية . دلفت للداخل وأغلقتُ الباب من خلفي ثم توجهتُ لجلسة العائلة بجانب والدي, لم يتوافد العديد من المدعوين حتى الان للحفل, المتواجد الان عائلة رأفت ورأفت الذي يحدجني بحدة بدوره.
لا أعلم لأى فوز يحسدني رأفت؛ البعثة أم الإنبعاث بجانب الهنا حتى أجاب اللواء وبارك علي البعثة التي لن تكلف أبي شيئاً فقد إفتتح مالك مركز ماجن أخر في بيفيرلي هيلز يُسكن به كل مغترب مصري, وبإنتظاري وعمرو وعماد لنحل سهلاً .
أتت الحبيبة بعدما بدلت ملابسها المثيرة بالمملة كما تنعت ملابسها المحتشمة وقاطعت وصف اللواء للعالم الجديد ذو الطابع المالكي, حيت الجميع ودلفت مع صديقتها للداخل لحظات وتعالت الأصوات صديقتها, أخيها وبالنهاية هى فطلب اللواء من حسام التدخل لحل النزاع. قام الأخ الأكبر ودلف للداخل أما أنا مللتُ من جلسة كبار السن ودلفتُ للبلكون لأتسمع للعراك بوضوح.
آسر يصيح :
-   إنت تخرسي خالص ومن هنا ورايح مفيش خروج من البيت إلا على المدرسه ومفيش عربيه هتروحي بالباص زى هنا
أجابته شيري متهكمة :
- والله بجد وانا هعمل كده على طول من غير كلام .. ده بعيد عن شنبك .. وحش عليك اوي على فكرة إحلقه
صاح بها :
- ولله العظيم تلاته .. حتى لو حرقتلك العربيه
يبدوا أن الجدال لم ينتهي لأن حسام طلب من الفتيات الذهاب لغرفة هنا بينما صياح آسر مستمر بالإنهمار حتى إنمهر كلياً لما قال :
-  حسك عينك أشوفك بتكلمي حد فى العيد ميلاد المنيل ده والا هيكون عيد ميلاد اسود على دماغك .. فاهمه ؟
وحينها أتى صوت حبيبتي المستكين بالموافقة . عدتُ للجلوس يتآكلني الذنب مما تتعرض له الحبيبة من أجل لقائي. عاب علي أبي تأخري إلى هذا الوقت المتأخر مع الحبيبة التي قد لا ترى طريقٍ مرة أخرى بعد فعلتي, أي فعلة يقصدون . كل ما فعلته إقتناص بضع ساعات من الزمن الحقود ثم أعدتُ ملكة الأزمان المتفرقة لذويها, لأيام وسنوات قادمة تنير لهم فيلتهم المضيئة بأى حال وتعتم حياتي المعتمة بأى حال أيضا .
توافد المدعوين من أصدقاء أبيها وأسرهم وصديقاتها الفتيات فقط وإنشغلت عيونها عن عيوني بالهدايا الحقيقية ذو البريق التي لملمتها ووضعتها أعلى الكونسول المذهب الكامن بجانب باب الشقة ثم سحبت زهرة صفراء من باقة متواضعة ووضعتها بشعرها. إنها أزهاري؛ العباد والورود الصفراء التي تفضلها ولا تناسب فستانها الوردي, تذكرني وإن أنكرتُ, لم تنشغل عني بما غلا ثمنه وتلألأ ألقه, تبتسم لي بعدما إنشغلا الأخوين بالجميلات الصغيرات من صديقاتها وحينها أقترب بتحسب حتى وصلتُ وزفتُ لها وحشتي وقبل أن أهمس لها حبي قاطعني أحدهم يقول : 
-  إزيك يا ماسخ
لا أعلم متى إقترب منا وفرق جمعتنا الشجية, يبتسم إبتسامته الصفراء عينيه على هنا مهدداً فإبتعدت عن دربه.
أجبته :
-  الحمدلله
إختفت الإبتسامة صفراء وقال متسائلاً :
-  الكلام واخدكوا يعنى كنتوا بتقولوا ايه ؟
- كنت بقول لهنا إني مقدرتش إجيب لها هديه السنه دى
نظر آسر لباقة الورود الصفراء خاصتي وقال بتهكم :
- اومال الجرجير الدبلان اللي داخل بيه انت وابوك ده ايه ..  انتوا كده ممكن تقعدوا لأخر شهر ما تكلوش .. أبقو خدوه معاكوا خرطوه على السلطة
-  أصيل .. إطمن عاملين حسابنا
عادت له إبتسامته الصفراء وإستعد للمزيد لكن حبيبتي أرسلت أخيها الأكبر لصد البلاء الذي سمعته ولمحتُ بعينيها الأسى على حالي رغم أنني إعتدتُ على سخافات آسر منذ زمن ولم أعد أهتم لتهكمه علي بإستمرار لمجرد أنني لستُ بثرائه المورث وليس المكتسب.
أتى الأخ الأكبر وحاوط ذراعه كتفي بإيخاء وقال مهنئاً :
-  مبروك البعثه يا إبن العبيطة
- الله يبارك فيك
قال حسام بخبث :
- مالك عملك أوضه مستنيك على نار ..وحشته
- مفيش داعي انا وعمرو هنأجر شقه
صاح أسر مستهزاً :
-  إنت هتتنعطظ يا شحات .. بدل ما تحمد ربنا وتروح تبوس على إيد مالك و تسلمله أفاك زى زمان
أوقف حسام بذائات أخيه قائلاً :
-  ما تبطل بواخه يا أخي .. ثم نظر إلى وأكمل .. تصدق يا مازن أحلى هديه جات لهنا انهارده هديتك .. انا طول عمرى أحب الورد البلدى بس بعد ورد مازن بيه وجهتى نظري إتغيرت
إبتسمت لإطراء صديقي وقلتُ :
-   دى حاجه بسيطه كان نفسي اجيب حاجه احسن من كده لنوننا
تباً, كيف خرجت من لساني وتخطت حدود أسناني ليسمعها الأخوين ويحدجاني بهذا الغضب لا أعرف, إنما علي الهرب بأي حال لأمريكا لأستراليا للجحيم حتى قبل أن يسارع آسر للعصبية القبلية ويصيح :
- ننونت ايه ياض يا كلب انت .. انت نسيت نفسك ولا إيه ؟!
تصاعدت ضربات قلبي وإزدرد ريقاً بينما أقول موضحاً :
-  انا بسمع حسام بيقولها كده
إنتقلت بثوان ذراع حسام عن كتفي لرقبتي وإلتفت من حولها بقوة حتى أوشكتُ على الإختناق بينما يقول حسام بهدوء :
-  انا اخوها يا مازن ماتزعلنيش منك
أجبته بصوت متحشرج ضعيف هو كل ما إستطعتُ إخراجه من حنجرتي المحتجزة :
- انا اسف
تركني حسام قبل إعتصاري للقتل ثم قال :
- حصل خير المرة الجاية اسمعك تقولها تاني هكسرلك صف أسنانك.

مارد من الإنسWhere stories live. Discover now