الجزء الرابع عشر

62 1 0
                                    

#مارد_من_الإنس
#الجزء_الرابع_عشر
[جلال عبد المقصود ]
تاريخ لابد من ذكره.
عندما إجتمع أولادي للمرة الثانية بمنزل واحد شعرت بالقلق حيال الجميع وليس حيال هنا فقط كما ردد الولدان لمجرد إثارة حنقي أو لومي لأني تركتهما في رعاية أحد غيري . هنا في وسعها الدفاع عن نفسها أما جيش من رجال ومنذ كانت بالخامسة من عمرها, تكفي نظرة منها لتذكرك بكل سيء إقترفته بحياتك بل و تتمنى إقتلاع عيناك من محاجرها علّ تلك المشاهد لا تلهب حواسك من جديد وتدفعك لقتل نفسك. هنا و رغم حبها الظاهر لي أمام الجميع مارست علي ألاعيبها لأعيد أمها للمنزل بعد طلاقنا, عذبتني لأيام وأسابيع , تريني الرؤى نائماً أو يقظاً. مشاهد محوتها من ذاكرتي بالماضي البعيد والقريب ومن ضمن البعيد محاولتي لقتل فهد . كدت أن أفلح في تخليص العالم من شروره إنما أنقذه صديقي وحيد مع الأسف الشديد بل وهو من حاول قتلي إرضاءً لزوج فدوى الأول حتى أنقذتني منه هنا . 
عودة لنتاج اليوم الأول من إجتماع الإخوة حتى لا أفقد تسلسل الأحداث. كسر الإطار الذي صنعته فدوى بنفسها من الجوبلان لتضع به شهادة الدكتوراه خاصتي, الإطار الذي كتب من داخله .. لأنك أنت كنت أنا معشوقتك الوحيدة و إلا مات العشق .. كأي رجل شعرت بالزهو من تغزل زوجتي بي حتى إكتشفت الحقيقة المفزعة فأنا  العشق لفدوى وهي على أتم الاستعداد لقتلي إن تجاسرت و خنتها مع أخرى فمن خياناتي لها و التي لم تغفرها لي حتى الان تزوجي من زوجتي الأولى لذلك أثرت الكتمان على خيانتي الثانية و لم أبحث عن سيسكا أو عن ولدي المزعوم كما أنني لست أكيد من أنه ولدي .
عودة من جديد لنتاج إجتماع الأخوة الأخير, إرتفع معدل السكري للصغيرة للحد الأقصى وذلك ليس ناتج عن إزعاجها على الإطلاق فالصغيرة سعيدة برفقة أخويها للغاية, فكلاهما يعلماها المصارعة وكرة القدم داخل المنزل رغم وجود حديقة لا بأس بها تحاوط البيت يستطيعون ممارسة جنوحهم بين أسوارها, يدعاها تأكل أي شيء دون إحتساب أو تدبر لدائها المزمن الجديد بل وكل ما يقابلها بطريقها يشتريه لها أخيها الأكبر بلا تذمر ولأنها لحوحة بطريقة منفرة كما إنهما يريا هنا ما تبقى من إرث من أمهما فقد كنت بوسي تحب هنا للغاية وأوصتهما بهنا خيراً.
بيت نظيف لا تفوح منه رائحة الطعام المتحلل أو الأتربة الغابرة للخريف بعدما فقد البيت ربته , طبق من المعكرونة موضوع على المائدة برفقة كرات اللحم وطبق من المخللات. ظننت حينها أن أمي تنازلت عن كبريائها وأعدت طعام مثل سائر النساء, ولكن أمي لم تكن عادت من دعوة مفتوحة في بيت صديقي بعد والأولاد وحيدون بالمنزل.
كانت الأجابة لدى الحسام, هو من نظف المنزل وأعد الطعام بمساعدة أخويه ونأكل على نفقته أيضا فلم يكن بالمنزل هذه المكونات بخلاف ما فسد بعدما فسد كل شيء. تحمل حسام مسئولية المنزل لأكثر من شهر ولم يطالب بمقابل أو بأحدً ليحل محله, أما الصغيرة قلما تحدثني بعدما أصبح أخيها راعيها الأول والأخير, لم تعد تسأل عن أمها وأضحت تبكيها مباشرة وحيدة بغرفتها, ترفض دخول أحدً إلى غرفتها إلا أخيها الذي أصبحت نومته إفتراش الارض بجانب سريرها حتى تهدأ وتغفوا للنوم. ضاقت أمي بحال الصغيرة, قلبها لم يعد يتحمل بكائها فصرخت بي لأعيد أم الصغيرة ولأتحمل بعض المسئولية ألم يكفيني التسبب بموت زوجتي الأولى وأريد الان قتل إبنتي الوحيدة ولكن ماذا تعرف أمي.
عدت من عملي باليوم المشئوم  وجدت إبنتي الوحيدة بين أيادي إبن البلطجي يبدوا عليهما معرفة وثيقة لم أعلم بها إلا اليوم, يحدثها وتضحك؛ يحملها ويضمها بين ذراعيه؛ ونهاية قبلته هنا على وجنته بحميمة شديدة. إتخذت الازم حينها و طردته من أمام فيلتي ثم أدّبت إبنتي لتعي من صغرها أن مخالطة الرجال خطأ لا يغتفر وكان علي تأديب الأم المستهترة التي تركت صغيرتها الوحيدة في الشارع بلا مراقبة .
صعدتُ من وراء الصغيرة وجدتها تهم لشكوتي فقلت مقاطعاً :
-  غبيه شكلها عمرها ما هتعرف تركب عجل
لم تتنازل الصغيرة وكذبت إدعائي فسارعتها مجدداً:
- ما تزعليش يا نوننا انا هاخدك بلليل ونخرج انا وانتِ و ماما انشالله ما سوقتى عجل
حدجتني زوجتي بحدة وأعادت على مسامعي تعليماتها بخصوص تربية إبنتي الوحيدة؛ علي أن أتخلى عن طريقتي القاسية مع إبنتي والتي تتوازى مع معاملتي لطلابي البالغين وجنودي ولا تناسب طفلة. أعفيتُ نفسي من محاضرة التربية الحديثة من فاقدة التربية من تركت إبنتها تختلط بإبن طليقها البالغ منذ عقد من الزمان وحملت الصغيرة ودخلت لغرفة النوم لمزيداً من الحقائق . جلستُ على سريري وأجلست الصغيرة على فخذي وأعلنتُ أسفي عن ما بدر مني ثم سألتها :
-  كريم بيجى البيت يا نوننا ؟
- لا إحنا اللى بروحله البيت نقعد معاه ومع ميرا..أصل مامي بتاعتهم سافرت عند ربنا وبتنام في حفرة .. مامي بتعملهم الاكل وبنقعد نلعب .. اونكل منير عنده لعب كتير كلها عربيات حلوه اوي .. ميرا بتحبني قتل .. وبتخليني أقولها يا مامي .. بس ما تقولش لمامي عشان ميرا قالت لي كده
طلبتُ من الصغيرة الإسترسال فلم تبخل بالثرثرة كعادتها, أونكل منير يشتري لها ولأمها الحلوى عند عودته من العمل يومياً, أهداها السيارة الحمراء المكلفة التي تعمل بالتحكم عن بعد, ولم يستطع أبيها شرءاها لأني موظف فقير كسائر موظفي الارض وليس في وسعي شراء لعبة أطفال ثمنها يوازي ربع راتبي, يدعوها كريم لغرفته ويتركها تعبث برسوماته وأدواته الهندسية ولا ينهرها مثلما أفعل, لا تعلم الصغيرة أن كريم ليس مهندساً من الاصل لأنه مراهق ثري أفسده الدلال حتى ترك تعليمه الجامعي في الخارج منذ سنوات وإتجه للعمل مع أبيه ليصير خلفه الطالح بقيادة وكر أعماله المشبوهة.
جفت دموع الصغيرة وتساقطت دموع الخذلان على وجه أبيها وهي من تمسحها بأناملها الصغيرة عن وجنتيَّ وتعدني بأنها لن تحدث كريم مرة أخرى حتى لا أحزن .
لا تعرف الصغيرة أنني لم أحزن فحسب فقد هدمت؛ قتلت. زوجتي وحب حياتي تحب طليقها بعد العذاب الذي تجرعته من معاشرتها له, تذهب لقصره وتطهوا له وتربي أبنائه البالغين بينما القصر يملأه الخدم . لأجلها تجاهلتُ نصح الجميع من حولي عائلتي؛ أصدقائي وأصررتُ على عودتها لحياتي حتى بعدما قالها أبي صريحةً - لا تجوز مطلقة ولا أرملة تاكل خيرك ومتنساش خير ولا شر اللي قبلك - وكذلك لم تنسى خير أو شرور البلطجي  فأنا لا أملك إلا حبي لها والحب غير كافي بعيون النساء.
أنزلت الصغيرة عن فخذي وطلب منها الإنزواء بغرفتها وألا تخرج منها لأى سبب حتى أفي بوعدي بليلة اليوم؛ تنزه لمكان من إختيارها. سارعت الصغيرة لغرفتها اما أنا ناديت على زوجتي بأخر ما إمتلكت من قوى خارت مني ولا يبدوا لها إعادة بالقريب.
-  معلش يا حبيبى اصبر عليَّ شويه بحمر الفراخ
-  خشي وأقفلي الباب
حدجتني بغرابة وقالت :
- مش وقته يا جلال الأكل على النار  .. وهنا مش هتسيبك بسهوله حتى بعد ما ضربتها .. انا مش فاهمه انت بيجيلك قلب تضربها ازاى؟!
أغلقتُ أبوابي جميعاً وتوجهتُ لها وقلت :
-  ليه يا فدوى ؟ قصرت معاكي في إيه ؟ انا كنت السبب فى موت مراتي .. ولادى مش بشوفهم وقاعد معاكِي انتِي وبنتنا اذا كانت بنتي
- انت بتقول ايه ؟!!
واجهتها بإعترافات هنا كاملة ثم إختتمتُ :
- كنتِي بتاخدِ بنتي معاكِي ليه انتِي مع منير وهى مع كريم
- انت اتجننت .. انت ازاى تقولي الكلام ده ؟!
بالطبع سوف تنكر رغم أن الحقيقة ساطعة بوضوح شمس الخزى التي أحرقت حياتي. حاولتُ التماسك وإنهاء الخزى بالكتمان إنما غلبتني عصبيتي وجعلتني أتخلى عن تهذيبي وأصفعها على وجهها ثم أصيح :
- اللى زيك ما لوش يعيش فى بيوت زى الستات المحترمه عايزه كباريه من كباريهات عشيقك
لم تبكيها الصفعة أو ألمتها, لم تخبوا بل إقتربت مني بحنانها ورقتها تلامس رسخي الضارب وتقول:
- انا حبيبتك يا جلال .. إزاى تظن فيَّ كده .. كنت ممكن أكمل معاه وأرجعله بس حبيبتك وقبلت إني أكون زوجة تانيه بعد ما عرفت معناها على إيده .. ما فكرتش غير فيك
أنزلتُ يدها الملوثة بالخطيئة وقلتُ:
-   انتي فاكراني ساذج اوي كده .. لا انتِي اللي ساذجه .. منير رماكِي وانا اللي رفعتك واول ما عرف ان ليكِي تمن رجع تاني .. حب يذلني بعد ما أخدت حاجه تخصصه .. و قدر يذلني
لم تبرر نفسها الحبيبة وصاحت بي مباشرة :
- بطّل غباء .. ليه ابقى عشيقته لما اقدر اكون مراته
اليوم واليوم فقط لم أكن لأتحمل إهانات أخرى منها أو أتهاون مع طريقتها البعيدة كل البعد عن التهذيب الذي يجب أن تحظى به النساء أمام رجالهن على أقل تقدير, كفاني وكفاها. كل ما رءايته حينها العديد من المقارنات التي أجريتها بيني وبين غريمي إنتهت بأسئلة لم أجد لها يوماً إجابة شافية, كيف كانت معه, أطعمته بيديها, صرخت بحبه بينما كانت بين يديه, مسح قوامها بشفاه, قضى الليل متحيراً متسائلاً من أين لها بهذه الجرأة حتى إنتهت الحيرة لما تذكرتُ إنها كانت بيوماً لغيري من إستطاع نقل طباعه على عقلها قبل قوامها. ولما جسدت الخيانة كل مقارنها تخيلتها لم أستطع التظاهر بشدة البأس أكثر من ذلك وأنزلتُ غضب تسع سنوات بأقل من دقيقة واحدة عليها, فلم أراها إمرأة ورءيتها هزيمتي أمام الجميع.
خارت قواها وسالت عنها الدماء ولم يتبقى غير قتلها ثم يتبعها عشقيها حتى نداء أيقظني؛ ذكرني بمركزي؛ أولادي وعائلتي التي سوف تلاحقهم جرائري بغير ذنب جنوا وحينها قمت عنها بعدما تهدجت أنفاسي للمجهود العنيف الذي بذلته لقتل كل شعور نمى بداخلي ناحيتها ولم ينقص إلا فنائها .
قدتها من رسخها وأخرجتها من الغرفة أمام أعين الصغيرة المتجمدة والتي تنظر لما أصاب أمها في ذهول. هرولت تجاه أمها وحاوطت خصرها بيديها بينما تصرخ بي أن أترك أمها فصرختُ بها بدوري لتعود لغرفتها إنما لم تستجيب.
- خشي أوضتك يا هنا
هى من طلبت من إبنتها الإنزواء فهي لا تفقد رزانتها بأي وقت من الأوقات, لو تخشى على الصغيرة كما تدعى ما كانت لتخون كانت لتعيش لإبنتها فقط ولا تطمع فيما إمتلكته يوماً وتركته طوعاً إلي كما رددت . عادت الصغيرة لغرفتها وأنا أكملت الطريق للخارج لألقي بها لعالم لاقت به رواج .
- انتي طالق
حالتها الواهنة لم تستدعي منها غير قول كلمة واحدة :
- بنتي ؟
أغلقت الباب بوجهها كرد أمثل لمن مثلها فهى لا تصلح أم أو زوجة لكن ظلت الحبيبة ساكنة لا يقوى شيئ بالعالم على طردها من جوارحي فأنا أعلم الناس بها حتى أنني أعلم بها من نفسها الهوجاء المضللة, فقد تزوجت من منير لتكيدني وليس لإنقاذ نفسها من معيشة ضنك قد تلحق بها ولكن إنتهت بكيد نفسها . حبيبتي ضد الخيانة لا تستطيع الخداع ولكن قد تُخدع وهذا ما حدث إمرأة طلقت من رجل تزوره و تزور أولاده ببيته. إستدرجتها الراقصة الزوجة الأولى لمنير لما أوضحت لها معاناة إبنتها الوحيدة مع زوج سادي مختل عقلياً وتوسلت لها أن تبقي هنا بعهدتهم لتمارس ميرا أمومة فقدتها بصفة نهائية مع هنا ومن هُنا عادت العلاقة و نشأت المودة بين هنا وآل دويري أجمع.
الطبيبة الأم الحنون لم تسأل عن إبنتها إلا مرة واحدة قوبلت بالرفض ولم تكررها مرة أخرى. تستطيع النجاة بشتى الحيوات بلا حبيب او إبنة, تعمل وتكد وتتجمل بلا أدنى إحساس بالذنب.كيف لا تعلم ما ألم به من أوجاع حتى بعد عودتها. كيف لم تسمع إبتهالاتي للسماء, لما الأقدار تماثلت الشفاء وأعادتها إلي شعرت أن لدعائي صدى بالسماء وأغدقت علي القرابين والنعمات. لكل مخلوق حظه من الأربعة وعشرون قيراط إنما حبيبتي أفندة الفؤاد موردة بالخيرات. ألا تذكرِ حين فاجئتني بغرفة نومنا وضبطتني متلبساً أقبل كل ما لامست يداها, وبرغم من ذلك لم تتفاجئ بجنوحي في الغرام وكنت أعلم السبب ولأنها سبقتني في الجنوح. عشقها أعطى صلاحياتي التقدير وكفاني أن أكون الأول والأخير وإن بالقلب, حبها جعلني أتقلد المناصب وتتلبسني النفوذ حتى توجت حاكم البلاد لما أمسيت أخر مسفوح دمه أمام نصب عيناها. 
تحدثني فتتغير أحكام حياتي ويتبدل كياني ولم أعترض يوماً على تدخلها السافر بل رحبت به لأنها هي, لأنها الوحيدة القادرة على التسلل لنفسي والإغلاق بإحكام على كلانا. كانت تفعلِ شيم رجال إمتنعت عنها بعد عناء ولا أبالي, فقط أراقب قبلتها لتبغُ محظوظ وأدور بوادر وحشة لا تنطفأ عبر أدخنتها حتى توقفت من تلقاء نفسها لما بذرتُ نفسي بأحشائها وأتني بالهنا . محوت الازمنة الغابرة بنفسي القلوقة وقتلت نسائاً بحثت عنها بهن ولم أجدها, سلمتها مقاليد حكمي بإمتنان سائر هائم هبط عليه وطن وحينها بايعتها أمام كل من إعترض طريقنا وطريقتنا.
سنوات طويلة ظل مجنونها في أثرها يحاول بشتى الطرق إنهاء زواجنا لتعود إليه ولم يفلح إلا بهذه المرة. لم يمر على زواجنا عام إلا ووجدنا جاراً جديد يحل بشقة عمي الذي توافاه الله منذ شهرين فقط, كان الجار منير, ترك القصور والفنادق وسكن شقة قديمة ليكون بالقرب من فدوى. لم يربطنا غير السلام الذي لم يستجيب له منير ولو مرة أما فدوى لم تحفل بوجوده أو عدمه وبدت طبيعية وأكثر وأرادتني أن لا  أبالي بدوري إنما لم أستطع الإدعاء فقد ضقتُ بنظرات منير التى إحتدت لما بدى على فدوى مظاهر الحمل .
بمصادفة سخيفة قابلته بالمصعد, لم أحيه هذه المرة فقد إكتفيتُ إهانات وحينها حيَّاني منير قائلا :
-  مبروك
- الله يبارك فيك بس على إيه ؟
- كتير .. أولهم .. عرفت تخطط كويس وتاخد مني حاجه غصب عني
لم أجيبه او حتى حوّلتُ ناظريَّ عن الأدوار المتلاحقة عبر قضبان المصعد الحديدي فأردف :
-   هتسمي الحلوه إيه ؟
نظرت له بتعجب مستنكراً معرفته لنوع المولودة الجديدة, لأن الصغيرة لم تخرج من المنزل بعدما دخلته فور ولادتها فأمها تخشى عليها من النسيم وإن كنا أمسينا حينها بشهر أبريل, ومن الأطباء الغير أكفاء بكبرى المستشفيات وأحياناً من أبيها إن تجاسر وحملها ليهدهدها, مسكينة من يلوم لهفة إمرأة تجاه أول إثبات على نوثتها, ففدوى كانت دائماً وأبداً ترى الخصوبة إثبات لا يقبل تشكيك بكونها إمرأة ذات جدوى رغم جدوتها بحياتي ووجودي الذي إنزوى لولا عودتها الأخيرة لي.
خرجتُ من المصعد قبل تصعيداً أخر ينتهي بفضيحة إلا أنه تبعني وأردف من جديد  :
-  إسمع كلام فوففا خليه هنا بلاش هناوه
عدتُ إليه وخاطبت بهدوء :
- كل شيء نصيب يا منير إنساها عشان ترتاح
بحدة لم ألقاها من عدواً أو صديق قال منير :
-   وهي نسيتني, عرفت تنسيها .. الست اللي على ذمتك لسه عايشه من خيري حاكم الزمن ده كل بيت محتاج رجلين واحد يسد وواحد يعد .. بالهنا والشفا
وخرج منير بحدته من البناية لسيارته الفارهة. لم أفهم مقصده حينها, أي خير تقتات عليه فدوى بعدما أصبحت زوجتي ؟ ذهبتُ إلى عملي مشتت أبحث وأدقق فيمِا قاله منير ولا أجد إجابة واضحة. إنتهت ثلاثية فدوى اليوم وكان علي العودة لزوجتي الأولى, ولكن لم يكن في مقدوري تجاهل كلمات منير هذه المرة فذهب للثانية للإستيضاح.
وجدتها لازالت نائمة للخامسة مسائاً فقد أسهرتها الصغيرة للثامنة صباحاً اليوم وحتى ذهابي لعملي. جلستُ بجانبها على طرف السرير أنظر للصغيرة النائمة في سلام بجانب أمها ثم لامس ذراع زوجتي لتصحوا فجزعت, تفاجأت بوجودي وقامت على عجالة حتى لا تزعج الصغيرة وسحبتني خارج الغرفة سائلة عن سبب مجيئي.
- منير كلمني إنهارده
إبتسمت وقالت بتهكم :
- يا فرحتي وإيه يعني .. رووح بيتك يا جلال قبل ما نهال تقلب الدنيا
- مش تعرفي قالي إيه الاول
إنتظرت ما قاله فقلته وحينها إحتدت قائله:
-  إبن الكلب .. خير إيه اللي بيتكلم عنه ؟!
- بلاش أسلوب الكباريهات ده وفهميني يقصد إيه
- معرفش .. كبر دماغك منه يا حبيبي
كبّرتُ دماغي قدر المستطاع وعدتُ لزوجتي الأولى متخبط أبحث عن إجابة وافية. لما أمعنتُ التفكير قليلاً تذكرتُ إن للشقة إيجاراً يدفع شهرياً ولا تطلبه فدوى, لا أراها تشتري ملابس لنفسها منذ تزوجها وزوجتي الأولى كانت تتهمني بصفة  البخل لأنني لا أسمح لها بشراء ملابس راقية مثل التي ترتديها فدوى لأنني ببساطة لا أستطيع تحمل كلفتها فمن أين لفدوى بثمنها وأنا من أتقاضى إيجار عيادتها, وأناولها ثلثاه والثلث المتبقي أدخره كما طلبت.
عدتُ متحير لفدوى باليوم التالي ولم يكن يومها أيضا. الصغيرة تبكي بغرفة النوم وحيدة وأمها ليست بالشقة ولكن صوتها الغاضب حاضر, تسب أحداً أيضا .. يا إبن الكلب إبعد عن طريقي وإلا هقتلك .. خرجتُ من الشقة وجدت باب الشقة المجاور مغلق إلا قليلاً, أزحته فرأيتُ زوجتي ومنير في مواجهة حامية الوطيس ورجل وإمرأة أخريين من مساعدين منير يهدءا فدوى هانم, فدوى هانم كانت محقتنة الوجه حتى تلاقت أعيننا وحينها هربت الدماء عن وجهها خشية لا أعرف مما أو ممن فقد جرأت وأتت لملاقاة طليقها وإن لقتله كما هددت.
لما دلفت لشقة عمي سابقاً ومنير حالياً تفاجأت بي زوجتي إنما لم يتفاجأ منير بل على العكس تماماً جلس بأريحية تارك المواجهة المحتقنة, وكأنه إنتظر تلك اللحظة الحرجة ليرى ملياً ضعف غريمه أمامه فقد كانت تلك إحدى المواقف الصعبة التى واجهتها ولم أستطع مواجهتها كما ينبغي, فقط خرجتُ بزوجتي من الشقة بهدوء إلى شقتها سائلاً :
- إيه  اللي وداكي لحد عنده ؟
عادت الدماء لأوردتها وقالت بحدة :
-  عشان اوقفه عند حده
وقبل السؤال عن أي حد هذا قد تبنيه زوجتي ليحول بيني وبين طليقها تلاشت المواجهة لما ذهبت زوجتي للصغيرة الباكية, تبعتها لغرفة النوم وجدتها تحمل الصغيرة وتهدهدها :
-  يبقى الإجابه عندك .. منير بيديكي فلوس وإنت مراتي ؟
- إيه الجنان اللي بتقوله ده !!
واجهتها بما جاب عقلي بالأمس وجعلني آتي اليوم لأراها في بيت طليقها فصاحت : 
- إنت بتخرف ولا إيه !!
- إحترمي نفسك وردي بأدب
زفرت بضيق ثم قالت :
- الشقه تمليك يا جلال مش إيجار
صحتُ بها مكذباً :
- العمارة كلها إيجار
- العماره كلها ملك منير اومال إنت فاكر اخد شقة عمك إزاى .. إشتراها قبل ما يجوزني بأيام وكتبلي الشقه بإسمي وفيلا المنصورية اللي حرّمتها عليَّ .. إرتحت ؟!
وماذا عن الملابس الراقية ؟
- ماشترش لبس جديد من يوم ما سيبت منير .. الهلاليل هى الحاجه الوحيده اللي خرجت بيها من الجوازه السوده .. عندك أسئله تانيه .. قبل ما هنا تموت من الجوع ؟!
أثر الصمت, فناولتني الصغيرة الصارخة جوعاً وهرعت للمطبخ لتعد لها رضعتها. لم تكن تلك أول أو أخر مواجهة مع منير وتكرر الحادث, يلقي علي جملة منتقاة من واقع البلطجية المشين تشعلني وحينها أنقل ناري لزوجته, فتنتهز فرصة غيابي عنها لزوجتي الأولى وتتعارك مع منير حتى أصبحنا سيرة ربابية خصبة بين ساكني البناية. سنوات قلائل حتى قررت زوجتي الأولى الإنتحار ووفقت وأصبحت شقتها شاغرة فقررتُ الإنتقال لها لتجنب المواجهات التى لا تنتهي .
لم توافق فدوى بسهولة فالمقارنة تكاد أن تكون معدومة بين شقتي القديمة بصحراء مدينة نصر حينئذ وشقتها بمصر الجديدة ولكن وافقت بعد عراك كبير دار بيننا كاد أن يؤدي للطلاق. توهمت أني تخلصتُ من منير للأبد ولكن هيهات تبعني لمنطقة لا يسكنها غير العسكريين وإشترى أرضاً أمام بنايتي وبنى عليها عقار سكنه وحيداً ليعود المنوال القديم ولكن هذه المرة أنزلني لمستواه المتدني وتعاركنا سوياً وتشابكا لولا حراسة منير الخاصة التي فرقتنا وحاولوا تلقيني طريحة ساخنة ولكن لم يفلحوا ونالوا هم الطريحة برفقة منير فرغم إنني رجل مسالم وطيار لا شأن لي بالنزاعات الجسدية إلا إنني لازالت رجل عسكري ومجموعة من البلطجية ليس في وسعهم دحري .
داوى منير ذلك الأمر لاحقاً لما إستعان بخيرة العسكريين المتقاعدين لحراسته, فقد وصل بنا الضيق بمنتصف تسعينات القرن الماضي لبيع أنفسنا للبلطجية كما فعل صديقي العزيز وحيد درويش فقد تقاعد لإصابة لحقت به بإحدى المعارك ولم يجد ملاذ إلا عند منير فأمسى بلطجي البلطجي سابقاً رجل الأعمال الناجح حالياً.
وأتى عراك أخر فقد تساخف سائق منير وصدم سيارتي التي كنت أركبها برفقة إبنتي من الخلف ولما ترجلتُ من سيارتي للإستنكار وجدت رجل الأعمال بالسيارة وهو من أمر بذلك لمجرد التحرش الطفولي . هذا التحرش الطفولي كان ممنهج هذه المرة فبمجرد صياحي علي منير سحبني مجموعة من الرجال من عراكي مع منير و حتى داخل الأسوار التي تحاوط البناية التي يملكها منير ومن ثم أغلق الباب علينا وإبنتي وحيدة بسيارتي تصرخ بإسمي وبأونكل منير ليتركني ونبي.
بالطبع ضربت حتى الموت هذه المرة فقد كانوا ستة رجال ووحيد صديقي على رأسهم. وحيد إتوصى بي خيراً ولا أنكر فقدمه اليمنى لم تترك كليتي اليسرى حتى تأكد من نزيفي. نزحت الدماء عن فمي وذلك لم يردعهم فقد أرادوا بي إصابة تمنعني ممارسة عملي خاصة بعد إشارة من منير تعني التحطيم لما أشهر قبضته مطبقة بقوة . طبقاً لإشارة منير حملني وحيد عن الأرض من ملابسي بكلتا يداه لأعلى إرتفاع ممكن حتى إنني تجاوزت قامته ثم طرحني أرضاً بكل قوة إمتلكها لأسقط على عمود الفقري مباشرة وأشعر بألم لم أناله بحياتي أمسى كل حياتي منذ ذلك اليوم فصاعد. الألم حدد حركتي ولم يعد في وسعي النهوض أو حتى الصراخ للنجدة حتى نجدتي, تكفكف دموعها عن خديها ثم تدفع بكلتا يداها باب البناية الحديدي الضخم فينفرج ضفتيه بقوة حطمت الجدرات التي إرتدت عليه. تتقدم حتى وحيد الذي كان ينوي حملي لطرحي أرضاً من جديد ليجعلني كسيح على ما يبدوا وليس لإقصاء عن عملي فحسب كما تم إقصائه. تتبدل زرقة عيونها لبنية الغضب وتمنيت رغم آلامي أن تتوقف للبنية لأني السوداء هلاك قد يطالها كذلك فإن هدمت البناية علي روسنا سوف تموت كذلك. حاولت أن أمسك بها قبل أن تتخطاني لتذهب لوحيد ولكن لم أستطع حتى الحركة وإستمر تقدمها نحو وحيد.
إبتسمت بوجهه بسعادة غامرة وقالت :
- وحشتني أوي يا بابا .. هتيجي تاخدني إمتى ؟
ولكن لم يكن الصوت لها وكان صوت صبي بعمرها على ما أظن
- علي ؟
قالها وحيد فقد ميز صوت ولده الوحيد الذي فقده منذ سنوات مما جعله ينزل على ركبتيه ويمسك بذراعي هنا ويقول بحمية :
- انت تعرفي علي فين ؟
- دي شيطانة يا وحيدة ما تصدقاش .. بنت زنا جابها السحر للدنيا
قالها منير لما تخاذل وحيد عن محاولتي قتلي بمحاولة معرفة موضع ولده المختطف من قبل إمه.
- مع مامي بتاعته
صرخت لإبنتي لتعود إلي ولكن لم تعد فقد أمسك بها وحيد ولم يطلقها وحثها للبوح قائلاً :
- قولي يا هنا .. قوليلي مكانه فين
- لا .. انت ضربت بابي و عورته
تركها وحيد وهرع إلي ينهضني برفق ويتوسل إلي :
- خليها تقولي هو فين يا جلال
- تعالي هنا يا هنا
- حق عليَّ يا جلال انا أسف .. انا محقولك .. قولها يا جلال أبوس إيدك
أمسكت إبنتي وإستندت عليها للخروج من بناية ولكن أمسك بي وحيد مجدداً ثم تناول يمنياي و قبلها بينما يقول :
- ابوس ايدك يا جلال .. ده إبني لفيت عليه الدنيا
وإن تعرضت للإذلال أمام إبنتي الوحيدة وأمل حياتي وضربت للمرة الأولى بحياتي وحرمت من الطيران لبقية حياتي إثر كسر بالفقرات الظهرية كاد أن يحيلني للتقاعد ولكنه لازال صديقي وإن أنكر وقلبه ملوع على فقد ولده الوحيد وحينها سألت هنا :
- علي فين يا هنا ؟
- مش هقوله ده وحش
- عشان خاطري انا يا هنا
- لاء
خرج بي وحيد من البناية محمولاً على كتفه وحينها إلتفت هنا وتحولت عيناها للسواد الحالك للإنتقام وسوف تهدم البناية على منير و أعوانه بوجود العديد من الشهود من المارة بالشارع و حينها قلت لوحيد :
- هنا يا وحيد .. هتهد البيت عليهم
فعاد وحيد وحمل هنا على الكتف الأخر وتحمل ركلها له و عضاتها التي نهشت كتفه و رقبته حتى سالت عنه الدماء . أعادني وحيد و إبنتي للمنزل وأنزلني برفق على أريكة بردهة بالبيت بينما هنا لازلت تركله بساقيه وتحاول عضه من جديد بيده التي تدفعها عنه بينما يتوسل لي قائلاً:
- خليها تقولي يا جلال .. انا بموت في اليوم 100 مرة من ساعة ما فارقني علي
- إتأسفلها
- إيه؟!
- إتأسفلها
أمسك بيداها التي تلوح بشدة لمحاولة ضربه و قال :
- انا أسف يا ست هنا  .. قوليلي بقه علي فين  ؟
- لاء يا رخم
ولكنها توفقت عن ضربه لذلك هناك بادرة أمل و حينها قلت مراوغاً :
- علي عايز يشوف ابوه يا هنا .. مش كده ؟
- أه عايز .. بيعيط لمامي بتاعته عشان ترجعه 
تاثر وحيد لكلمات هنا للغاية ونزل على ركبتيه و أمسك بيدها وقبلها بإبتئاس وقال :
- وغلاوة أبوكي عندك قوليلي هو فين .. هو عايزني .. انا مش هأذي أمه .. انا عايزه هو و بس
لم تتأثر هناوة الصغيرة بالطبع بل و قالت :
- انت وحش .. انت ضربت بابي وبابي صاحبك .. انا مش بضرب صاحبتي
تحول لي و حيد وقال :
- معذور يا جلال انت عارف .. خدوني لحم و راموني عضم .. إتحلت للإستيداع و انا في عز شبابي و صحتي تهد جبال عشان إصابة مأثرتش فيا
- المساواة في الظلم عدل .. النظام ماشي عليك و على غيرك
- غيري عنده اللي يسنده .. تحويشة .. أهل زي أهلك يسندوه لأنا ضهري و الحيط و في رقبتي كوم عيالي  ما كنش ادامي غير منير .. وعدني هيدورلي على إبني لو ...
أعرف لو ماذا حتى لو توقف عن الكلام فقد مارس علي كل لو وكنت بتلك اللحظة لا أشعر بساقي أو شيء أخر بخلاف كهرباء تسري في عمود الفقري تقلقلني كل ثانية
أردف وحيد :
- سابتني يا جلال لما ضاق حالي وهربت مع الطبال بتاعها و أخدت الواد معاها وكسرتني على كسرتي
يستحق تلك الكسرة و أكثر فقد طاله الطمع فقد كان له زوجة طيبة كريمة الأخلاق ولكنها عيبها الوحيدة بعيونه كونها تنجب الفتيات فحسب فبحث عن من تنجب البنين . حاولت مراراً أن أجنبه التزوج بأخرى ولكن هيهات بل و طلب مني أن أرشح له عروس وحينها رشحت له ملك ممرضة زوجتي فهي فتاة طيبة بدورها ولا تبغى إلا السكينة و كنف رجل ولكنه طاله الغرور إلى جانب الطمع ووجد ملك لا تناسبه لكونها ممرضة و أراد طبيبة مثل زوجتي كما أنه يبغض معشر الممرضات لأن زوجته الأولى كانت ممرضة كذلك وحينها تركته لشيطانينه . من بغض معشر الممرضات تزوج من راقصة كانت تعمل بمحال منير للترفيه الماجن, جميلة بالطبع وتثنى لها إنجاب الولد له . ترك الأولى لشأنها لم يعني بالانفاق عليها أو على بناته وإنشغل بالراقصة وعلي؛ ولده الوحيد ولأنها راقصة ملاذها وفرة النقود تركته لما أحيل للإستيداع وهربت مع أخر .
بكى وحيد فتألمت على ألمي و حينها صحت بهناوة الصغيرة :
- ما تنقطي يا بت انا تعبان مش ناقص
- 23 على 78
نظر لها وحيد متحيراً و قال :
- يعني إيه جلال ؟
- مكان على الخريطة
- وانا هعرفه إزاي ؟
- انا هعرفهولك .. روحي هاتي الخريطة من أوضتك يا هنا
تنظر لوحيد شرزاً و لم تمتثل فصحت مجدداً :
- إتحركي يا هنا
تحركت بعدما ألقت على وحيد دميتها الضخمة بحجمها تقريبا فقد كانت بالسادسة من عمرها حينها. عادت بالخريطة وناولتها لي و لكن يدي لم يعد في وسعها الإستطالة للوصول للخريطة وحينها أمسك وحيد عنها بالخريطة وفردها أمام عينياي .
حددت الاحداثيات وقلت :
- في جنوب لبنان
- في حرب دايرة هناك ؟!
- عشان كده مستخبية هناك .. في الدوشة
نهض وحيد من فوره للبحث بأقاصي لبنان فقلت له محذراً :
- تجيب إبنك و بس يا وحيد .. هعرف كل حاجة من هنا و مش هسكت  .. انت كنت عارف إنها مشيها بطال و برضه إجوزتها
وخرج وحيد منزلي أما انا ضممت حياتي لأحضاني أو لا فقد سيطرتي السيطرة على جسدي تماماً في تلك اللحظة. فيما بعد إستيقظت بالمشفى على عيون زوجتي الدامعة وزوجتي بطبيعتها جامدة المشاعر قلما تبكي فلم أراها تبكي إلا اليوم ويوم وفاة زوجتي, أظن سقطت عن عينها اليسرى دمعة وحيدة وتلك مشقة كبيرة على فدوى وحب عظيم كانت تكنه لزوجتي الأولى فحتي أنا لم أنال تلك الدمعة قد أنالها عند موتي.
  دموعها هذه المرة جعلتني أوقن بإصابتي البالغة فقد حرمت للأبد من قيادة طائرة حربية وإلتزمت التدريس والأمور الإدارية وبالطبع أوجاع مضنية من أقل مجهود عضلي لازمتني لما تبقى من حياتي. نظرة مستنكرة من هنا لأني لم أنتقم ممن حاولوا قتلي وإن كان في مقدرتي و بدون مساعدات هنا ولكن ذلك كان درساً لهنا نفسها و ياليتها تعلمته.
    بالثانية عشر من عمرها ليس لها أصدقاء أو زملاء بخلاف من تتنمر عليهم بمدرستها وبمرة كادت أن تقتل زميل لها . غاضبة على الدوام بلا أسباب ومهما حاولت تهدئتها لا تهدأ فقط فائرة بالعصبية على الجميع حتى على أبيها . كنت بطلها بالسابق إنما الان ضعيف مخذول تركت منير بلا عاقبة, تركت وحيد بلا جزاء , حاولت قتل أمها لسبب واه كما ترى والكثير و الكثير حتى الأكثرهم حدة تركت إبناً لي هائما على وجهه يبكي جوعاً على الدوام برفقة أخيه الأخر والمصيبة رؤياها لا تؤهلها لأكثر من ذلك فقط تسمع بكائه و أخيه جوعاً إنما أين هما تحديداً لا تعرف .
  أيقظتني بعد منتصف الليل بهمسها المنخفض فنهضت عن سريري فزعاً ولكن بتحسب حتى لا أفزع فدوى معي فحالة هنا الأخيرة أصابتها بشتى العلل . هرعت لغرفة هنا لم أجدها بحثت عنها بباقي المنزل لم أجدها, أيقظت أخويها وذهبنا للبحث عنها حتى وجدتها على بعد ثلاثين كيلو متراً من المنزل بصحراء جرداء من حولها كمية مهولة من الكلاب الضالة المتخوفة منها فقد كانوا يعوون بآسى. مقرصفة أرضاً واللعينة صديقتها تحضنها من الخلف وقد أراحت رأسها على كتفها وتمسح على شعرها برفق بينما هنا تبكي بإحتقان .
أخويها سارعا إليها وأبعدا جمعة الكلاب عنها وأذرع اللعينة التي تشكلت لبشرية عن طريق دماء هنا النازحة عن ذراعيها المشرطين بجراح الذنب فكلما شعرت هنا بالغضب أو الذنب تجرح رسخيها. ترفض النهوض عن الأرض وتدفعهما عنها فإقتربت منها وقلت بنفاذ صبر فلم تكن تلك مرتها الأولى بالهرب من المنزل ليلاً والتسكع بالصحاري برفقة صديقتها اللعينة:
- عايزه تقولي يا هنا
- علي مات
- علي مين ؟
- علي وحيد درويش
صاح بها آسر :
- و إحنا ما لنا يروح في داهيه هو وأبوه .. إيه اللي جابك هنا إنتي مجنونة ؟!
- مش أبوه
قال لها حسام بحنو المعتاد معها مهما بلغ جنوحها :
- طب انتي عايزه إيه دلوقتي ؟
وضعت كفيها على أذنيها وبكت قائلة :
- بيصرخ في ودني .. زعلان مني
قلت هازئاً فقد سأمت تلك الحياة المريبة :
- زعلان ليه سي علي ؟
- بابي انا كنت عارفه ان كله ده هيحصل و قولت لوحيد مكانه عشان أنتقم منه عشانك
قلت بجدية :
- و انا ما طلبتش منك تنقمي من حد .. انا اللي إخترت طريقي وكنت عارف نهايته .. انتي اللي الاذية بقت في دمك
نظر لي حسام مهدئا ثم تقدم منها وقال : 
- يا حبيبتي إيه بس اللي حصل ومزعلك ؟ قولي يا هنا وإحنا هنساعدك هنشوف علي فين وطلباته إيه وكل شيء يبقى كويس
أجابت عنها صديقتها اللعينة :
- ببساطة انا قلت لهنا ما تقولش لكن هي حقودة جداً و انت عارف وحبت تنتقم من وحيد بعد ما ضربك ..وحيد سافر لبنان و عرف الحقيقة .. عرف إن علي مش إبنه وساعتها قتل أم علي و أبو علي و أخو علي كبير .. ولع في شقتهم وبعدين أخد علي ورماه في بحر لحد ما غرق لكن علي ما غطسش فنزل وحيد و طلعه من المايه و دفنه في جبل .. الجبل طاله العمار والناس لقو عضم علي خافوا من المشاكل فولعوا في عضمه وعشان كده علي زعلان .. حاجة تافه جداً .. ما هو كده كده ميت
وبنفس البساطة إقتربت اللعينة من هنا و ربتت على كتفها مهونة ولكن لم يقبل آسر فهو أكثرنا حدة وأقلنا صبراً على البلاء فقد تقدم من هنا وصديقتها وسحب الأولى ومشى بها للسيارة أما أنا و حسام ظللنا برفقة اللعينة التي قالت :
- عايزين حل مش كده ؟
- لو سمحتي
- تشبه اونكل جلال جدا فعلا .. كان زيك زمان لكن دلوقتي الكره ملا قلبه
- قولي لو سمحتي يا إسمك إيه
- قولي يا هنا
- عمرك ما هتكوني هنا .. هنا بنت جلال .. لكن إنتي بنت كلب و كلبه
قلتها بكل ما يحمله قلبي من لوعات على إبنة وحيدة أراها تتشوه أمامي يوماً بعد يوم بسبب تلك اللعينة
- أوكيه .. عشان خاطر مش هزعل منك .. وحيد يروح لحد البحر وينزل المية و يستنى علي لإما يسامحه لإما يغطسوا سوا
أجابها حسام :
- مش هيرضى يا أنسة ... ياروح ما بعدك روح 
- لا هيرضى هو بيتألم أكتر من هنا
وللعجب وافق وحيد بالفعل . ذهبت إليه وشرحت له مأساتي فأدمعت عيناي ثم راح في بكاء عميق نشيجه قد يوقظ الموتى فرغم أن الولد ليس له إلا أنه تألم لموته والذنب يتآكله يوماً بعد يوم فقد تربى الولد بكنفه منذ كان رضيع وحتى بلغ السادسة من عمره. كانت بينهما عاطفة كبيرة, وحيد كان سعيد به أيما سعادة فقد إنتظره لسنوات حتى جلبته الراقصة إليه وإدعت أنها حبلى منه . كانت متزوجة من وحيد وبنفس الوقت على علاقة مشينة بطبال فرقتها السابق ولها منه طفلاً أخر بخلاف علي وبنهاية هربت مع أبو أبنائها وتركت وحيد.
سافر وحيد للبنان ونفذ المشيئة وللمفاجأة عاد على قيد الحياة إنما لازمه خرس دائم فحتى سلامي كان يجيبه إشارة أما هنا كان ينتظر طلعتها ويقف يطالعها حتى تختفي عن عيناه ولما سألت عن السبب قال كلمات قلائل ولم يستزيد مهما ألحيت بإيضاح :
- علي دايما على يمينها.

مارد من الإنسМесто, где живут истории. Откройте их для себя