الجزء السابع

51 3 0
                                    

#مارد_من_الإنس
#الجزء_السابع
{ حسام جلال }
عاشق على الطريق الشائك سار وصار ما صار, أردتها أن تكون لي اليوم قبل الغد الذي لا يبدي تعاطفاً لعاشقين, عِشق مزق قلبي لشطرين متساويين متخاصمين فأحدهما للعائلة والأخر للعشق الملبد بأعاصير الأسى القديم. عشقتُ بالمعشوقة كل شيء؛ ماضي آثم مستقبل مبهم وحاضر مثقل بالضغائن حتى صراحتها المطلقة لم أتملل منها يومًا أو تمنيتُ الصمم قبل سماعها كحال كل الرجال. صهرت كيانها الحر بكياني بلا تملل, شاركتني أحلامي وطموحاتي وأصبحت غايتها بالحياة رؤيتي أعلوا وأعلوا بينما هى مزوية بركن من أركاني غير عابئة بشيء غير إكتمال سعادتي.
كنت أعلم عن لعنة الزمالك ولكنها كانت كل ما أستطع تحمله من كلفة وبالله يأكل الندم روحي يوماً بعد يوم جزاءً على ما إقترفته, كان عيدنا الثالث ولم آتيها بهدية فأهدتني هى أخر أسرارها؛ وشوم الماضي التى حفرت على جسدها وبالرغم من ذلك لم أشعر تجاها بغير العشق المطلق, العشق المكذب لمكان الولادة وسنن الأعراف. ذابت بين يدي حتى تلاشت بشفافية عذراء لم تسكن الارض يوماً, حبيبتي وكل أمالي الان إسعادها كما حرصت على إسعادي. ومن أولى درجات السعادة جمع تلكما العائلتين وإن كان من المحال فربين العائلتين أضحيا أعداء الماضي البعيد والحاضر المستمر إنما الحاضر الآني الكريم إبتسم من بلكون غرفته ولوح محياً للمستقبل الباسم المتمثل بالهنا أختي الصغيرة التي كادت أن تسقط عن أسوار بلكونتها وهي تقفز من فرط السعادة لما تذكرها الحاضر.
نادت علي بأعلى صوتها ودعتني لأرى مستقبلها وخطيبها المهندس العظيم مثلها وكذلك لتؤكد لي إنها لم تخطأ الإختيار كما نُسب إليها من قبل أبينا. لم أجد ضرر من مجاراة الصغيرة وذهبت معها لغرفتها لأرى الشاب الطويل الوسيم المهندس المنسق بكل شيء يومئ لي مرحباً وكأن هناك علاقة تربطنا بخلاف أن أختي الصغيرة عاشقة لرجلاً يكبرها بعشرون عاما ووجب على الرجل البالغ أن ينهي هذا التعلق الطفولي علّ الصغيرة بالتاسعة من عمرها حينها تتوقف عن رسم البالغ بكراستها وتبدل خططها المستقبلية المتمثلة بالتزوج منه والسفر معه للخارج ليتثنى لها بناء هرمها الفوشيا فالخطيب الكريم ثري للغاية ويملك من النفوذ ما يملكه ملكاً والصغيرة بالتاسعة من عمرها تعي هذا بتدبر إمرأة بالغة ولذلك تطمع بالثري النافذ القوى وأنا من حسبتها طفلة حمقاء وقعت بحب إبن الجيران وليست عجوز ماكرة تحلم بالسلطة المطلقة.
للمفارقة الكوميدية أو المأساوية حبيبتي كانت بدورها ببلكون غرفتها الملاصقة لغرفة كريم, وعيونها تثنيني على ما أنوي فعله بخصوص هذا العشق الشاذ ولكن فعلت ما وجب فعله.
إنتهت الصغيرة من سرد أطماعها وأخبرتني أن خطيبها الان بطريقه للعمل لأن حارس القصر يعد سيارة الدفع الرباعي وتلك التي يصطحبها خطيبها للعمل أما البي إم دابليو المكشوفة السوداء للنزهات والبورشا الحمراء لميرا. قبّلتُ الصغيرة العالمة بتدبر مسار خطيبها على جبهتها بغضب دفين وطلبت منها أن تعود للمذاكرة ليتثنى لها بناء المستقبل وحيدة بلا مساعدة من أحد أما أنا بدلتُ ملابسي بسرعة البرق ونزلتُ للثري النافذ لقتله بعقر داره بعدما لفق لطفلة كل هذه الخيالات الجامحة بلا داع أم هناك داع ملح لم أعرف عنه إلا بعد سنوات طويلة بطعم الصبر الاذع.
الثري النافذ كان في إنتظاري في حديقة القصر يدخن سيجاره المكلف, ويطلب من حارس القصر أن يفتح الباب الخارجي للقصر لحسام بيه. دلفتُ من بوابة القصر للمحدق بعيوني بتحدي وكأنني من إرتكبتُ جريمة بحقه وليس هو الجاني بعدما غرر بطفلة.
بعد التحية والسلام نقلت له تخوفي من تعلق الصغيرة برجل يبدوا متزوج أليس كذلك فقال:
- إيه متزوج وعندي ولدين يصغروا هنا بسنوات قليلة
- طيب حضرتك يعني مايصحش كده .. هنا ليل ونهار مالهاش شغلانه غير رسمك والكلام عليك أدام كل الناس حتى بابا وده بيعرضها لمشاكل كتير .. ده غير إن والد حضرتك كان مجوز أمها .. وحضرتك فاهم يعني حساسية الموقف لبابا
ثم إبتسامة ساخرة رُسمت على ثغر الكريم وإمتدت لعيونه المتهكمة إلى أن قال:
- أطلب تلاقي يا خي حسام بلا منه الكلام الكتير
-  أنا كل إللي بطلبه من حضرتك إنك تتجاهلها لحد ما تنسى
-  من عيوني رغم أنه يعز علي أتجاهل هنا .. راح إعتبره معروف وأنا راح أنتطر رده عن قريب
-  يا سيدي رده دلوقتي .. إسمحلي أعزمك على سهرة على قدي ما تلقكش لسيادتك بس أكيد هتنبسط
وإنبسط سيادته على الأخر برفقة جمع الطيارين فقد كان يصبوا أن يصبح طيار بيوماً من الأيام ألا إنه تحول لرجل أعمال نزولاً على رغبة والده بل وكان أيضا يكره مجال الهندسة وترك دراسته منذ سنوات وإكتفى بتفيذها عملياً على أرض الواقع. ونزولاً على رغبة الحبيبة توطدت العلاقة أكثر فأكثر مع أخيها حتى يكون بالقريب من ضمن صفوف المدافعين عن حياتنا القادمة.
جمع الطيارين إستصاغ صحبة الكريم, وجدوه طيب القلب مثل أخته الجميلة, ومغلوب على أمره مثلها أيضاً, يتحكم بهما أبيهما بخيوطه العنكبوتية الدويرية ولا أمل من خلاص ولكن مالك رءاه أخطبوط متشرنق وفي طريقه للتحول لأشرس مخلوق سفلي على الإطلاق وصدقت السنوات على كلمات مالك.
باليوم الفيصل أرسلتُ للكريم لتبدأ المعركة الخاسرة فقد إنتهى التدريب الأخير لما قبل البعثة ولم يتبقى إلا شهراً واحدًا يليه السفر لأمريكا وهى معي فدونها لا أحلام أو طموح قد تملأ الحياة بأمال عريضة أو متقلصة للتدبير. دعوتُ صديقي الصديقي لدعمي ولكنه بدأ بالشراب الرابعة عصراً غير عابئ بمهمته السامية والتى تقتضي كامل ذهنه إن وجد يوماً بل ويقول ملول:
- انت واخدنى معاك ليه ؟ طيب انت راجل أهبل وعايز يخطب يعنى أنا ماليش القعدة دى
- أنا غلطان فعلاً أنت أخرك الشقط .. أي حاجه شمال لكن العدل ملكش فيه
- إنت صغير يا حسام ولسه وراك مستقبل تشتغل عليه والجواز هيعطلك .. ده أنا ما صدقت جات من أهل سعد وطلبوا تأجيل الجواز لما ياخد إعفى
ضحكتُ, شر البالية ما يضحك يتحدث عن خطيبته بصفة المذكر دائماً ويلقبها بسعد ويجد إنتهائها من دراستها بالجامعة مشابه لأنتهائها من التجنيد . قلتُ :
- انت اللي صغير وبعدين انت ما لك .. انت تقعد ساكت ماتفتحش بقك أنا جايبك بس عشان تكملي الكلام لو وقعت مني حاجة
- ألؤوفك يعني وأسمّي عليك
- إخرس يا مالك كريم جه خلاص
لم أكن لأصطحب الديب لهذا الحدث الجلل إلا لتقدير كريم العميق له ولا أعلم الأسباب العجيبة التي جعلت الدويري الصغير بمهابته ومقامه الرفيع يفضل من كل أصدقائي ديبهم. كريم يقول أن مالك خامة طيبة بيضاء ناصعة ولكن بإنتظاره الأيام بمرارتها لتحول الناصع لقاتم وحينها لم يردع مالك مخلوق بالعالم ليتسيد هو العالم, كيف لم يبرر كريم وإكتفى بما قاله والذي أسعد مالك للغاية حتى أنه لقب كريم بصديقه الصديقي وإنتظر تحقق نبوئة تسيد العالم.
تركنا البار وذهبنا لإستقبال كريم ثم دعوته للجلوس على طاولة جانبية لحديث الأحاديث. طلبتُ القهوة لثلاثتنا إنما إعترض مالك قائلاً:
- قهوة إيه يا عريس أنا عايز فودكا عشان أعرف أنخع على كريم باشا
ضحك كريم باشا بينما أنا نظرتُ للنادل وأكدتُ على ثلاثة من القهوة المظبوطة وحينها زفر مالك بضيق وأثر الصمت رغم أنني طلبت منه أن يستفتح الحديث. ظل ثلاثتنا صامتون حتى جائت القهوة, وإرتشف كريم منها رشفة سريعة ثم قال:
- بقولك يا مالك إنت تِقرب لمراد المنشاوي البيزنيس مان؟
- أبويا لَزَمْ
- ما قوتليش يعني .. إيه مش عايز المصلحة تعم على الكل ؟
- كان على عيني أبوك شمال منحرف وأبويا يمين معتدل ومستحيل يتقابلوا
وللعجب ضحك كريم ولم يبدي أى غضاضة من كلمات صديقه الصديقي المشهرة بالدويري الكبير وعاد للقهوة والنظر إلي, منتظر كلماتي إنما كلماتي بحلق أحمق وجب شق جانبه الأيمن وليس لكزه فحسب ليعود لحديث الأحاديث وليس التمعن بالنادلة الجديدة التي إنضمت لأندريا مؤخراً. من تحدث الكريم حيث قال:
- هنسهر فين الليلة ؟
أجبته لأن الأحمق على إنشغاله:
- فى الحقيقة يا كريم أنا طلبت أشوفك إنهاردة مخصوص عشان أطلب منك طلب ونفسى ما تكسفنيش .. انت عارفني وعارف أهلي كويس ولو شايف فىَّ عيب قولي عليه من الأول
الأجابة كانت بعيون الكريم منذ رءأيته بأول مرة ألا إنني ترجمتها متأخراً لأن المزيج الأخطبوطي نال مني وأراني كل شيء معكوساً حتى الكلمات التي قالها كريم الحين:
- مش أفهم الأول سبب السؤال ؟ 
وقبل أن أصرح لكريم سبب جمعة اليوم والسؤال صاح مالك :
- خدي يا بِت
فإقتربت النادلة الجديدة من الطاولة بتمهلل شديد بينما تطالع مالك بإذراء قابله بكل الحب خاصة لما قال:
- انت جديد يا جميل؟
لم تجيبه الفتاة وتحول إذرائها لدونية عجيبة بعض الشيء فقد إهتز جسدها بتملل أقرب للتفاخر بكل ما يتمايل من قوامها المكتنز الناعم مما جعل الديب يردف بميوعة مسايرًا تعنج الفتاة الجديدة:
- إيه التِناكه دي ؟!
ثم أمسك بيدها وأخرج من سترة كريم قلمه الباركر وكتب على راحة الفتاة بينما يقول:
- موبايلي
سحبت الفتاة يدها من يد الديب إنما بعدما إكتمل الرقم وحُمل عليه مبلغ من النقود وضعه الديب براحتها وقال:
- حق التاكس.. ثم تحول لكريم وأردف سائلاً .. جاي يا كريم تجيب صديقه ؟
تفحص كريم الفتاة من الأعلى للأسفل ثم أومأ بالرفض فشعرت الفتاة بالإهانة حيث قالت:
- يا سم
- عيب يا بت ده الباشا الكبير يقطع خبرك .. الليله ها .. ياللا روحي
نطق بها مالك مدافعاً عن صديقه الجديد تاركاً صديقه القديم بجبهة القتال وحيداً تنهال عليه نظرات الكريم كالرصاص المطاطي فلا يقتلني ليتبدد الألم ولا يتركني لأحيى بعيداً عن ألم.
- بص يا مش مهندس كريم .. حسام جمعنا إنهارده جَمْعة الرغى إللي مش باينوا أخر ده ..  عشان عايز يطلب أختك الصغيرة للجواز وكنا عايزين نعرف رأيك إيه .. وقبل ما تقول أي حاجة  أأكدلك إنك مش هتلاقي حد في الدنيا يحافظ على أختك ويحطها في عنيه زي حسام
مش مهندس, لم يكن هناك داعي لـلقب كريم من قبل الديب بهذا اليوم خاصة وإن كان هذا اللقب يضحك كريم حتى تدمع عيناه, كذلك لم أجد داع لكل تلك النظرات الباردة الموجهة من كريم إلي فلم أجدها دهشة من مطلبي بقدر ما وجدتها سخرية.
- إتخرست ليه يا كريم ؟! انت شايف حاجه في حسام تتعيب ؟! طب ده أنا لو عندي إخوات بنات كنت ..
قاطع كريم مالك بسخرية مهينة:
- عندك .. عندك إتنين .. إيه رأيك إنت تجوزني واحدة منهم ؟
وكانت تلك كانت معلومة جديدة للغاية لم أعلمها عن أخا البنات الكاذب الذي أخبر صديقه الأقرب أنه ليس لديه أي أخوة بخلاف أخيه الأصغر الوحيد.
برقت عيون مالك بالنخوة الصعيدية إنما المكتمة ببعض الكياسة لظروف الحدث ثم قال:
- ياريت الإتنين مخطوبين لولاد عمهم إنت عارف بقه صعيّده .. خلينا في الهانم أختك إنت
كلمة واحدة قاطعة قالها كريم:
- موافق
لحظات وأردف لي وحيداً:
- يبقى كده معروفين منتظر ردهم من صديقي .. أوعي تكون نسيت أول معروف يا حسام
بحمق أغلق عقل كل عاشق أجبته بلهفة :
- إنت تؤمرني يا كريم
- الأمر لله بس أنا ليَّ سؤال .. اللوا جلال يعرف إنك عايز تخطب ميرا ؟
- فى الحقيقة لاء ..أنا كنت مستنى رأيك ورأى منير باشا وبعدين أكلمه وأكيد هو مش هيرفض
- أنا أفضل إنك تاخد رأي أبوك الأول وبعدين نتكلم
وعادت الغصة التي سدت حلقي فقلت بضيق :
- إحنا مالناش ذنب في القصص القديمة يا كريم .. تاريخ وإنتهى والمستقبل بإيدينا إحنا اللي نكتبه
صاح مالك بي :
- أنت هتخطب في الراجل .. بيقولك شوف رأى أبوك الأول ما غلطتش يعني
أما عن غصة كريم إبتلعها بكوب الماء الماثل أمامه ثم قام من مجلسنا يغلق أزرار سترته ويقول :
- خد رأي ابوك وبعدين نتكلم في الجديد والقديم عن أذنكوا
وغادر كريم ليضعني أمام أول حائل .
- واد إبن حرام .. واطي أنا معرفش انت بتتلم على الناس دي منين ؟! بيراقبني إبن الرقاصه .. عايز يفهمني إن مفيش حاجة تخفى عليه
إبتسمتُ للديب بمرارة ثم قلت :
- بلدياتي أبوه كان من أعز أصدقاء أبويا وجدي وإعمامي لحد البلوة اللي حصلت اللي فرّقت كل واحد منهم في طريق
- بلوة إيه ؟
- أبويا إجوز طليقة أبوه وبينهم ما صنع الحداد
- كمان .. يبقي أكيد اللوا جلال مش هيوافق وهيسود عيشتك و يرميك في الشارع و ده أقل واجب 
- كل ده ما يهمنيش .. أهم حاجة عندي ميرا
- ميرا إيه و زفت إيه على دماغك دلوقتي .. ياما قوتلك اللي تصاحبه لا تناسبه ولا تحاسبه مش تجيب أخته الزمالك .. علي النعمة بنعمة ربي كريم عارف اللي بينكوا ومرقدلك وهيخلّص عليك وده أقل واجب
وياليت فعلها الكريم وفعل ما قد يفعله أى رجل لو علم أن أخته الوحيدة تزور الزمالك بصفة دورية مع صديقه المتوق في عنقه معروفاً بدى تافهاً بالأمس إنما اليوم أثقل كاهلي عن أي وقتٍ مضى. كريم إمتثل لطلبات الأخ وتجاهل هنا تماماً من اليوم الأول بينما الأخ لم يتجاهل أخت صديقه الذي إختاره بمحض إرادته لما حسبته قد يكون حليف بصفوف الدفاع وليس الرأس الضاربة بالهجوم.
صديقي يسألني عن سر إختيار أبي ذو العقل الراجح  والرزانة لزوجة رجل الأعمال المشهر بكل سيء منير الدويري دوناً عن كل نساء الأرض فأجبته مراوغاً لأني بالفعل لا أعرف الأسباب :
- وأخواتك ملونين زيك ولا أبيض وأسود ؟
صاح الصديق:
- ملعون معرفتك على معرفة كريم على أبو اليوم اللي عرفتكوا فيه .. ولو كلب منكوا جاب سيرة أخواتي تاني هسلخه حي 
ولأنه الصديق الصديقي ولو كان ذئباً صعيدياً من جبال الجنوب الوعرة تغاضى عن التهكم لما لمح بعيون صديقه الدمع المسفوح مقدمًا وقبل خسارة المعركة وقال مهوناً :
- طب صلي على النبي وكل حاجه تتحل .. إتكلم يا حسام فهمني اللي حصل بالظبط عشان أشوفلك سكه 
- ياريت أقدر أقول وأصرخ  في الدنيا كلها يمكن تحن علينا وتتزاح عننا غمة سنين مالناش ذنب فيها
ونهض الذئب من جديد وصاح ملول من شجوني : 
- إنت هترجع تِشعر تاني .. أنا ماشي .. نووح بقه لوحدك
وإنفض المجلس المنعقد من أجل حياة واحدة لعاشقين لما ذهب مالك للنادلة الجديدة وسحبها من ذراعها حتى خرجا من البار. يضجر مالك من أي جد فهو يجد بالهزل ملاذه من قسوة الحياة, أي قسوة جابها مالك بحياته لا أعرف ولكن ما أعرفه يقينًا قسوة الحياة على حبيبة أقصى طموحاتها أن تكون بين يديَّ بلا وعود وردية أو بنود واجبة تحلم بها كل فتاة ولكن فتاتي لا تطمح ولا تحلم فقد إكتفت بي وأنا لن أرضى لها بهذه الضئالة وهى العالية بحبها المنزه من كل إثم .
عدت للمنزل كما إتفقتُ مع أخوتي وجدتهما على وعدهما بإنتظاري ليشكلوا جبهة مساندة أمام أولى العقبات ولكن قبل الوالد الوالدة التى لم تلدني. سمعت قصتي وأدمعت عيناها وفدوى هانم لا تبكي ولا تدمع أبداً ولكن تقول بثقل أقرب للبكاء المرير:
- ليه تعشم نفسك وتعشمها وإنت عارف نهاية الحكاية ؟
جلست على كرسي حكم أبي المطلق بجانب مليكته وقلت :
- وإحنا ذنبنا إيه يا ماما ؟
ربتت على كتفي بحنان وقالت: 
- يا حبيبي أبوا ميرا سبب لينا مشاكل كتير وصعب بابا ينساها ويوافق إن بنت منير تبقى مرات إبنه وبعدين يا حسام إزاى يبقى انت ما سبقلكش الجواز و تجوز واحدة مطلقة
حدجتها بتعجب وقلت :
-  حضرتك اللى بتقولى كده أومال اللى عايشين فى الكفور يقولوا إيه ؟!  انا بحبها يا ماما
أجابتني بألم ذكرى الحب :
- أنا أسفة يا حسام أظن إنت شايف وضعى من زمان ماليش لازمة فى البيت ومش هقدر أفيدك
وخرج حليفاً أخر من الجبهة المتخرقة كما خرجتُ من غرفة والدي لأخوي المنتظرين بلهفة نتاج محاولتي اليائسة, الصغيرة إستنتجت الخسارة من قسمات وجهي الحزين بل وتنبأت به حتى قبل طلبي للمساعدة من أمها والان أعلننا وضع الإنتظار حتى أتى أبي وتفاجأ بجمعتنا التى لا تكون إلا لمطلب يكلفه الكثير فيما بعد.
أنزل حقيبة عمله وقال متقلقاً :
- خير يا آل جلال
قمتُ وتوجهت إليه وقلت :
- بابا أنا عايز أتجوز
إبتسم أبي بسعادة وقال بترحاب :
- وماله أحسن برضه .. حاطت عينك على حد ؟
نظرت لأخوي ثم تحولت لأبي وقلت :
-  انا عايز أتجوز ميرا
لم يبدوا على أبي الغضب أو تذكر من تكون ميرا تلك وقال :
- أول مره أسمع الإسم الغريب ده .. مصرية ؟ بنت حد نعرفه ؟
- ميرا منير الدويري
تغصن جبين أبي لما سمع إسم غريمه يتردد ببيته وقال بعصبية:
- عايز تجوز بنت منير الدويرى السفاح .. دى أكبر منك وسبق لها الجواز
- أنا ماليش دعوه بأبوها انا عايزها هى 
إستدعى أبي بعضاً من الهدوء الذي هرب منه فور سماع الإسم المحرم في بيته ثم طلب مباشرة من الصغيرة الدخول لغرفتها للإقصاء من حديثنا القادم. إمتثلت الصغيرة ولكن بعدما أمسكت بعضددي  للمساندة عند الضرورة ودلفت لغرفتها وحينها قال أبي بعدما تأكد من جلائها:
- إنت مش عوزتها وعازتك عايز منها إيه تاني؟
نظرتُ لأخي الواشي بلوم ثم تحولت لأبي قائلًا:
-  عايز أجوزها
تنهد أبي بثقل وقال :
- بص يا بنى انت صغير وهى حلوة .. أكيد ضحكت عليك انت تطلع إيه يعنى دى أمها رقاصه .. بلاش منها يا حسام شاور على أى واحدة غيرها وانا أجوزهالك
- انا مش عايز غيرها
- وانا قولت لاء بلا رجعة 
- هجوزها وأسافر بيها
حمل أبي حقيبته بهدوء وقال :
- يبقى مش هتسافر وهيضيع عليك تعب السنين مقدمًا قبل ما تضيعه بنت الرقاصة
تركني أبي ودلف لغرفته فتحولت لأخي الواشي وصحتُ به:
- إنت وسخ
  أجابني أخي بحدة :
- وانت أهبل عايز تجوز واحدة مطلقة وأكبر منك وتاريخ أهلها مشبوه
الان فقط تذكر أخي أن عائلة الدويري تحاوطها الشبهات لمجرد أن أخيه الأكبر يريد التزوج من سليلتهم, لا يهم فتلك طبيعة البشر التائقة لكمال ذكر بأكثر من موضع بأنه لا مكان له على الارض. هذا الأخ الأصولي بدوره لم يتكاسل يوماً عن دعوة من دعوات كريم العامرة بكافة مشتهيات الأنفس بل ونصبه أخاً أكبر بوجود أخاً أكبر أخر إبن أمه وأبيه وبالكثير من الأحيان تمنى من قاع قلبه أن يكون آسر الدويري ساكن القصر وليس آسر جلال ساكن العقار المتهدم.

خرج حسام من المنزل الكاره لكل مظاهر الحب ولم ينتبه لندائي له بالمكوث فقررت الدفاع وحيدة عن بطلي. أطرق الحصن ؟؟ لا .. الحصون لا تطرق أبوابها بل تحطم ويؤسر من خلفها .. برهة للتفكر في أسس الدفاع ؟؟ لا فقد علمني أبي أن الحديد يطرق ساخن, ملتهب حتى يطوع ولذلك إقتحمت غرفة أبي للنضال.
أمي جالسة على كرسيها في هم تجلى في عينيها أما أبي كان يبدل ملابسه غير عابئ بتحطم قلب سنده بالحياة كما يلقبه. تقدمت منه وقلت:
- حسام مشي
لم يبالي وأكمل إرتداء ملابسه فأردفت:
- يا بابي ميرا طيبة أوي والله مش زى أونكل منير خالص
- ما تكمليش في مواضيع الكبار يا هنا
- أنا كبيرة أصلا
تحول عني لأمي وخاطبها :
- انا تعبان وعايز أنام خدى هنا وديها أوضتها
هذه المرة لم أردخ لإقصائي من حوار جاد يخص العائلة وأنزلت عن كتفي يد أمي التي تحثني على المضي وتوجهت لأبي وقلت:
- عشان خاطرى يا بابي.. إديها فرصة إتكلم معاها هتعرف إنها طيبة أوي ..  دى بتحب حسام أوى   
جلس أبي على طرف السرير ودعاني لجاد الحديث لأول مرة لما قال:
- ببساطه ومن غير ما نذكر منير .. ميرا إتجوزت قبل كده وإتطلقت وحسام لاء وكمان أكبر منه بعمر تاني مش سنة ولا إتنين تفتكرى إنها مناسبه لحسام ؟ هيبقى كويس يعني لما ولاد أخوكي تبقى جدتهم رقاصة ؟ لما الفلوس الدويري اللي جابها من كل سكة غلط تخش بيت أخوكي تخربه زي ما جات من خراب البيوت ؟
- طب وميرا ما لها لو كان باباها وحش ولا إجوزت قبل كده .. انت وماما ..
قاطع تبريراتي قائلاً :
- أيوة يا هنا أنا وماما سبق لنا إحنا الإتنين الجواز .. ده غير إنك عارفة ظروفي انا وماما كانت مختلفة وبعدين إنتي هتقارني ماما بنت الإتربى باشا لبنت الرقاصة !! انت لو بتحبى حسام وعايزة مصلحته تحبيه تشوفيه مع واحدة مؤدبة وبنت ناس ومن سِنه
لا أعلم كيف يقنعني بكل مرة بنقيض ما أراه صحيحاً واضحاً وضوح الشمس ولكن لازلت لا أريد لأخي الحزن فقلت :
- وإفرض حسام زعل وتعب وجاله ديابيتس زيي  هتبقى مبسوط ؟
لمعت عيون أبي بالآسى على حالي المرير ثم قال مغايراً بمرح :
- من الناحية دي إطمنى هو حيطة مش حساس زيك

مارد من الإنسWhere stories live. Discover now