الفصل السابع عشر

12.6K 309 8
                                    

صاحت نورا :- انت مجنون
ضحك علي وهو يقول :- وما الضير في قليل من البلل مقابل تناول ألذ مثلجات في استانبول كلها
كانا يقفان تحت مظلة نصبت فوق أحد المتاجر يحتميان من المطر بعد خروجهما مباشرة من سيارة نورا .. بينما ينظران عبر الشارع إلى المكان المقصود الواقع على الطرف الآخر .. تمتمت بامتعاض :- أحيانا أتساءل لماذا أسايرك
أحاط كتفيها بذراعه استعدادا لقطع الشارع وهو يقول ضاحكا :- لأنك تحبينني بالطبع
لم تمنحه جوابا كالعادة كلما تطرق مازحا إلى مشاعرهما ... وكأن أحاسيسها خط أحمر لا يمكن المس به .. وهو كالعادة .. لم يدرك تصلبها بعفويته وبساطته .. أو ربما تجاهله فحسب ..
قال عندما خفت كثافة السيارات في الشارع :- الآن
اندفعا معا عبر الطريق .. وسيل الأمطار يصفعهما بلا توقف حتى وصلا إلى الطرف الآخر .. دخلا المقهى ضاحكين .. وهما ينفضان قطرات المطر عن ملابسهما .. نظر إليها صامتا فجأة فقالت بحيرة :- ماالأمر ؟
ابتسم برقة قائلا :- تبدين جميلة جدا وأنت مبللة بالمطر
احمر وجهها وهي تقول بارتباك :- سأذهب إلى استراحة السيدات لأصلح زينتي التي فسدت بسببك ريثما تجد لنا طاولة في قلب هذا الزحام
ابتسم متفكها وهو يراقبها تختفي في الداخل .. واستدار باحثا عن طاولة فوجد واحدة قرب النافذة .. تطل على الشارع .. جلس معلنا للنادل انه سينتظر حتى تنضم إليه رفيقته قبل الطلب .. ثم دوى رنين هاتفه المحمول مضيئا بكلمة ابي على الشاشة ... رد بهدوء :- مساء الخير أبي ...... لقد سبق وأخبرتك بأنني على موعد مع رفاقي .. ما الأمر ؟
قطب بقلق مستمعا إلى أبيه ثم قال :- أنا لا أفهم .. كيف عادت أسيل ؟ .. لقد أوصلناها إلى المطار هذا النهار وراقبناها تغيب عن ناظرنا في اتجاهها نحو ركوب الطائرة
أتاه صوت والده يقول بتوتر :- إنها لا تقول شيئا منذ وصولها .. لقد قرعت الباب مبتلة حتى العظم .. بدون حقائبها حتى .. ومنذ ذلك الوقت وهي ترتعش شاحبة كالأموات في غرفة أرزو .. سيأتي الطبيب ليراها .. علنا نفهم ما حدث بعد أن تهدأ قليلا .. كنت أرغب بأن تكون موجودا معي في وقت كهذا علي .. أسيل تثق بك وقد تبوح لك بشيء .. لأنها ترفض أن تنطق بحرف واحد
قال علي متوترا :- لن أتأخر أبي ... سأعود إلى البيت خلال ساعة او ساعتين على الأكثر .. أنا متأكد بأن أسيل ستكون بخير
صمت والده للحظات قبل أن يقول بجفاف :- هل ابنة دار أوغلو أهم لديك من عائلتك يا علي ؟
شحب وجه علي وهو ينظر حوله بتوتر .. تابع والده :- أتظنني جاهل بما يأخذ عقل ولدي ووقته ؟؟ أتظنني أكثر إهمالا من أن أحرص على معرفة من يقضي معه معظم وقته هذه الأيام ؟ لم يكن من الصعب أن أعرف والألسنة تلوك سيرة الفتاة .. وتتحدث عن آخر مرافقيها
كان والده يتحدث بغضب وكأنه قد كان في انتظار الفرصةالملائمة لمفاتحة ابنه في الأمر ولم يجد سوى هذه .. قال علي بنفاذ صبر :- لا تصدق كل ما يقوله الناس أبي ... نورا ليست بهذا السوء
هدر والده :- إنها سيئة بما يكفي لأرفض احتكاك ولدي بها
ساد صمت طويل بينهما .. قبل أن يقول علي بحزم :- وأنت تنسى يا ابي بأنني ما عدت طفلا صغيرا .. وأن اختيار أصدقائي ما عاد من شأنك من الآن فصاعدا
تعالى صوت انفاس أبيه الغاضبة .. فعرف علي بأنه قد تمادى في وقاحته .. أسرع يقول :- إهدأ يا أبي .. الأمر لا يستحق كل هذا الغضب منك .. نورا ليست سيئة كما يقول الناس عنها .. إنها مجرد طفلة يائسة إلى بعض الاهتمام .. كل ما أفعله هو مساعدتها لتخطي فترة صعبة جدا من حياتها .. أنت من علمنا الا نتردد أبدا قبل مساعدة من يحتاج إلينا .. نورا تحتاج إلي أبي ... وأنا لن أخذلها في هذا الوقت بالذات .. حتى لو طلبت أنت مني هذا
أخذ والده نفسا عميقا قبل أن يقول :- سنتحدث في الأمر لاحقا علي ... أنت تقول بأنك تساعد الفتاة فقط .. وأنا قلق لأن لأفراد هذه العائلة تأثير مدمر .. لا اريد أن ينتهي الأمر بك يائسا ومنهارا كما حدث لأرزو عندما تكتشف بأنها لم تستحق اهتمامك قط
أغمض علي عينيه قائلا بصبر :- لا تقلق أبي .. أنا لا أحب نورا .. ليس بهذه الطريقة فتوقف عن الارتياب وافتراض الأسوأ نحو مرافقتي لها .. هي ليست سيئة بالفعل .. إنما هي مضطربة وتعاني من الكثير من المشاكل .. لن أنسى هذا أبدا أبي
قال والده بقلق :- حسنا .. لقد وصل الطبيب .. لا تتأخرفي العودة علي .. أحتاج إلى وجودك هنا ..
أنهى علي المكالمة .. وزفر بقوة .. كيف يستطيع الموازنة بين رضا والده .. وعجزه عن التخلي عن نورا .. نورا الرقيقة الطفولية .. التي تبين أنها تحت قناعها القديم الزائف الذي رمته جانبا إكراما له .. تحمل معدنا طيبا ... وقلبا طاهرا يحتاج لمن يصونه فحسب .. ربما من المبكر له أن يصنف مشاعره اتجاهها .. فكلاهما ما يزال صغيرا .. وتنتظرهما سنوات طويلة لبناء مستقبلهما ... إلا أنه حتما يرغب بأن تكون إلى جانبه خلالها .. أن يكونا معا .. ولو كصديقين .. في السعي نحو أهدافهما .. قد يبدو كلامه مبتذلا .. إلا أن ضعف نورا .. ومشاكستها وعنادها .. يشعرانه بالقوة .. خاصة عندما يستطيع احتوائها .. وزرع البسمة في وجهها .. وإزالة تلك العقدة البشعة من بين حاجبيها .. ابتسم متذكرا وجهها الجميل .. وأدرك فجأة أنها قد تأخرت .. اتصل بها فاستبد به القلق عندما وجد هاتفها مقفلا .. نهض متجها إلى العنبر المؤدي إلى الحمامات .. وانتظر حتى خرجت فتاة في مثل سنه من استراحة السيدات وسألها :- عفوا يا آنسة .. رفيقتي في الداخل منذ فترة طويلة .. هلا ألقيت نظرة عليها لأجلي .. سأكون شاكرا لك
نظرت إليه حائرة وهي تقول :- هناك حمام واحد فقط ... لا أحد في الداخل في هذه اللحظة
ضربه عدم الفهم وهو ينظر حوله في صالة المقهى دون أن يرى أي أثر لها .. وعندما سأل النادل الشاب قال له :- نعم .. لقد رأيتها .. عادت إلى الطاولة حيث كنت تنتظرها ثم استدارت مغادرة فجأة .. وكأنها قد تذكرت موعدا مهما آخر أو ما شابه
إلا أن علي قد أدرك بأن الأمر لم يكن متعلقا بموعد آخر .. لقد سمعته نورا يتحدث إلى والده .. وعندما استعاد الكلمات الأخيرة التي قالها .. خفق قلبه بجنون وهو يخرج تحت المطر باحثا عنها ليجد سيارتها قد اختفت .. وقف مكانه للحظات والمطر الغزير يضربه .. مع إحساس من الذعر يخبره بأن نورا أبدا لن تمنحه الفرصة ليوضح لها ما سمعته .. وأنها لن تسامحه أبدا مهما حصل

في محراب العشقWhere stories live. Discover now