الجزء الثاني (ثورة) / الحكومة

38 7 11
                                    

يوم الجمعة محافظة النجف الاشرف الساعة العاشرة صباحا

في ازقة مبنى مديرية شرطة النجف يتمشى بانضباط شاب يافع طويل القامة بقوام رياضي و وجه ملس وملامح حادة له عيون عسليه اللون وبشرة بلون حنطاوي يبلغ من العمر أثنان وعشرون عام تقريبا يرتدي بدلة عسكرية نظيفة وجميلة ويضع نجمه واحدة على كتفه ويحمل بيده بعض الاوراق .. وصل الى باب غرفة مدير الشرطة .. وقف عند الباب ليلتقط انفاسه وليرتب
ملابسه بعدها اخذ يطرق بيده الباب بهدوء .. سمع صوت غليظ من الخلف الباب مناديا اياه بالدخول .. دخل الشاب وقام باداء التحية العسكرية وبدء بعدها بالكلام بنبرة حزم :
- الملازم ادم مازن جاهز للخدمة سيدي. 
ثم مد يداه مقدما تلك الاوراق للمدير .. كان المدير يجلس خلف مكتبه .. بدين بعض الشيء شعره ابيض وبشرته بيضاء مسمرة .. اخذ الاوراق من ادم ومد يداه نحو الطاولة ليلتقط نظارته ثم ارتدها وبدء القرائة بصوت جهير ونبرة ثقة : الموضوع انتساب . 
ثم اخفض صوته واكمل يتمتم .. ثم اخذ ينظر بعيون ادم مباشرتا ليبدء الحديث مرة اخرى: 

- ماشاء الله يا بني الاول على دورتك بتقييم عالي جدا  تحتاج مديريتنا لمجتهدين امثالك. 
اخفض رأسه مرة اخرى واخذ قلم وبدأ يكتب بعض الكلمات بخط غير مفهوم ثم قام بالتوقيع تحتها ، سلم الورق لادم مرة ثانية وقال له: 
- خذ بني واذهب الى مكتب النقيب المجاور لمكتبي ليكمل اوراقك وتباشر بالعمل .. حظ موفق. 
اخذ ادم الاوراق وقام بتأدية التحية العسكرية مرة اخرى وخرج من الغرفة ، اكمل ادم الاجرائات وقام عدد من افراد الشرطة بتجهيز مكتب صغير ومتواضع لادم ليباشر عمله به ، جلس ادم على كرسي مكتبه وبدء عمله بصورة رسمية لاول مرة..  اخذ يقرأ بعض المستندات ويطلع على بعض الوثائق الخاصة بالمديرية وطريقة عملها .. راح يرتب الدروج التي في مكتبة اراد أدم ان يوضفها بطريقة مرتبة .. ان كل شخص يتفوق دراسيا ويكون من الاوائل عادتنا مايكون مرتبا بطريقة جنونية .. أخذ أدم ينظف الدروج ويخليها ليسجل على كل منها وضيفته .. الاول للمستندات والثاني للارشيف وهكذا وهو يرتب وجد بعض الملفات القديمة المنسية في احد الدروج .. دعاه فضوله لتفحصها .. كان الملف الاول باللون الاحمر .. فيه عدد من الاوراق .. قام بفتحه .. ليجده ملف قضية .. بدأ القراءة صفحة بعد صفحة .. فجأة تغيير لونه وبدت عليه علامات التوتر واضحة حتى صارت ملامحه شاحبة اللون .. راح يقلب بالصفحات ويعيد
القراءة .. أخذ دفتر ملاحظاته وبدأ بالتسجيل
" مخلف حمادي
من ديالى عمره لحظة الاحتجاز اربعين عاما .. مدة الاحتجاز ثمانية أعوام ..الملاحظات وفاة مشبوهة اثناء الاحتجاز لعدم ارفاق تقرير الطبيب العدلي اضافة الى احتجاز متهم ثمانية اعوام
بدون التحقيق معه! "
أغلق ادم دفتر الملاحظات ووضعه جانبا  ..
أخرج بقية الملفات وراح يطلع عليها على حدى .. كانت كل القضاية متشابهة .. متهم يسجن لسنين دون التحقيق معه ثم يتوفى داخل السجن ثم يدفن دون أن يعرض على طبيب العدلي .. كان الأمر غريب جدا بالنسبة لأدم .. أخرج أدم كل الملفات وأخذها بيده مع دفتر ملاحظاته .. وراح ذاهبا الى غرفة المدير  ..طرق أدم الباب ودخل .. أدى التحية العسكرية ثم بدأ حديثة بنبرة أستغراب: 
- سيدي لدي بعض الملفات اود أن اطلعك عليها.
ضحك المدير قليلا ثم بدأ حديثه ساخرا : 
- يبدو أنك ضابط مجتهد .. في أول ساعات عملك وجدت شيء ما .. تفضل بني.
جلس ادم على الكرسي المجاور لطاولة المكتب .. وضع الاوراق على المكتب وطلب من المدير قراءتها .. قرأها المدير وبعد أتمامه لها .. نظر الى أدم نظرة حادة ثم بدء الحديث بنبرة عصبية قليلا : 
- يبدو أنك لا تعلم طريقة عمل الشرطة يا فتى .. من طلب منك التحقيق بقضايا مغلقة من عشرون عام ؟!
بدء أدم حديثه متلعثما : 
- سيدي لقد وجدها في درج مكتبي وبعد اطلاعي عليها وجدت بها الكثير من الخروقات القانونية التي لا يستهان بها وانت موقع على ذلك .. فما كان مني الا ان استفسر منك عنها. 
ضحك المدير مرة أخرى ثم أجاب بأستهزاء: 
- على مايبدو أنك تود أن تعطيني درسا بالقانون بعد كل سنين خدمتي هذه أسمع يا فتى .. سأخذ هذه الملفات وأقوم بما أجده يلزم للقيام به .. أنصرف أنت الأن. 
نظر أدم الى المدير نظرة شك قائلا : 
- يجب على هذه الملفات ان تدخل الى أرشيف المديرية سيدي وبعد ذلك نبدء بأتخاذ الاجراءات المطلوبة. 
تعصب المدير جدا وضرب بيده على طاولة مكتبة وقال :
- أنت يا مغفل لازلت تحاول ان تعلمني كيف أعمل وماذا افعل ..
أغرب عن وجهي الان بسرعة! 
خرج أدم من غرفة المدير متجها الى غرفته .. راح يتمشى بثقل .. كان سرح البال  .. مشتت جدا  .. يمشي ويفكر حتى وصل لمكتبة ..
جلس أدم قليلا على كرسيه .. طرق باب مكتبه بقوة ودخل شرطي .. قام بتأدية التحية العسكرية .. ثم أعطى أدم ورقة كان يحملها قائلا  : 
- سيدي أرسل لك المدير هذه. 
أمره أدم بالانصراف .. وبدأ بقراءة الورقة .. يبدو أنها قرار نقل للعاصمة بغداد ضحك أدم قليلا  .. ثم بدء الحديث وهو ينظر للورقة: 
- هكذا الامر أذا .. من يكشف اللاعيبهم ينقل. 
ضحك قليلا  .. ثم بدأ الحديث مرة أخرى بنبرة سخرية: 
- الحمدلله بغداد .. ظننتها للوهلة الأولى الى جبال زاخو أو الى ميناء الفاو أو منفذ عرعر الحدودي. 
طوى ادم الورقة وقام بوضعها في جيبه .. أخرج سكائره من جيبه .. وقام بأشعال واحدة .. بدء ينظر الى الدخان وهو سارح البال ..
أرجع مسنده الكرسي الى الوراء و تكأ بظهره عليها ثم رفع قدميه ووضعها فوق الطاولة .. بدء ينظر الى الدخان بعمق أكثر .. وكأنه يبحث عن حقيقه ما داخل وهم الدخان المتصاعد. 

فشل وطنيWhere stories live. Discover now