"ماذا؟"
بدت الدهشة واضحة في عيون كناريا التي أخفضت بصرها فاغرة فاهها لكلمات شارلوت الصادمة.
"هي كانت عقيمة وأيضاً متزوجة من بشري في الفترة التي أستطيع الافتراض أنك ولدتِ أنت خلالها."

"هي أمي."
قبضة كناريا ارتجفت بجانبها وهي ترفع بصرها نحو شارلوت التي رفعت حاجباً على موجات الغضب المتذبذبة التي أرسلتها الفتاة نحوها.
"يمكنكِ التأكد منها بنفسها. لما جدالي؟"
أردفت جاعلة شارلوت تتنهد وتنقل ثقل جسدها لساق جديدة.
"غاردنر توفيت منذ عقد من الزمن كناريا."
لم ترد قول هذه الكلمات لكنها علمت بمدى أهميتها وكناريا توجب عليها الاستماع شاءت أم أبت لتعرف الحقيقة.
"أنا آسفة، لا يمكنني أن أسأل شخصاً أصبح تحت التراب."
أضافت شارلوت وعيناها السوداوان هبطتا أخيراً عن نور الشمس لتواجه الفتاة أمامها.

جسد كناريا تمايل بخطوات مبعثرة وكأن ساقيها لا تقويان على حملها، وجهها اختفى خلف خصلاتها البنية اللامعة.
"أرحلت عني لتنهي حياتها يا ترى؟"
غمغمت بصوت مخنوق وشارلوت لمحت قطرات دموعها الرقيقة تسقط على الأرض لتبللها.
"أنا فعلت هذا بها."
أضافت ثم سقطت على الأرض كلياً لا تقوى على رفع اصبع.

"لقد كان حادثاً يا كناريا."
شارلوت تحركت لتنخفض على ساق واحدة أمامها. أناملها لامست كتفها فارتعشت بطريقة جعلتها تسحب كفها لنفسها حيث رفض كيانها أن تواسيها هي من بين الجميع.

"لو أنني كنت كاملة لما اضطرت هي للموت."
غطت وجهها بكفيها وجسدها اهتز لبكاء صامت، فقط دموع.

"فالنهدأ الآن."
شارلوت لم ترد المجازفة بلمسها مرة ثانية لكن حين وجدتها تنهض ظنت بأنه لا حاجة لذلك.

"أريد أن أبقى وحدي."
تسلقت قضبان الحاجز الحديدي وكأنها تنوي القفز من أعلى الطابق العالي بلا تردد.
"سأرحل."

شارلوت أمسكت بذراعها دون تردد هذه المرة. نظرتها تصبح قاسية على الفتاة التي لمحت بإيذاء نفسها بتصرفها اللامسؤول وكلامها المبهم.
"إلى أين؟"
سألتها أخيراً.

كناريا التفتت نحوها وعيناها الميتتان صرختا بأن تدعها لتذهب، غضب لم تفهمه قدح في عيونها.
"جلالتك لاشيسيا، لقد كان بيننا اتفاق. من دون أمي لن نجد والدي وأيضاً ورغم أنه لا علاقة لكِ بمصيرها إلا أن طلبي الأول كان حمايتها وهي ميتة بالفعل."
سحبت ذراعها بقوة في محاولة للتخلص من قبضة شارلوت التي لم تتخلى عنها.

كناريا تنهدت بتعب ثم مالت برأسها نحو شارلوت مرة جديدة مضيفة بنبرة خافتة للغاية:
"كان لدي طلبان منكِ، وأنتِ لم تستطيعي تحقيقهما وبالتالي أنا حرة."

"لا أستطيع ترككِ ترحلين بهذه الحال."
شارلوت هزت برأسها على مهل دون أن تحيد ببصرها بعيداً عن وجه كناريا التي رفعت حاجبيها باستغراب من العناد التي امتلكته. هي تكاد أن تقع معها من أعلى هذه الشرفة وتخلق مشهداً يهز صورتها أمام الناس لأجلها.
"علاوة على ذلك."
ضغطت شارلوت على بشرتها بأناملها حيث لاحظت شرودها.
"إن كانت بينولوبي مجرد شخص أشفق عليكِ ورعاكِ هذا يعني أن والديكِ في مكان ما وربما قريبان أكثر مما نتصور."
رطبت شارلوت شفاهها، تعلم أن كلامها سيكون قاس لكنها حسمت أمرها.
"لست أعطيك أملاً، ولكن فرصة لن تتكرر."

نيـوتروبيـاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن