-34- أحضان الشمس الدافئة

Start from the beginning
                                    

نقرت الوصيفة الباب بخفة ثم فتحته لتعصف رياح نقلت عبقاً مألوفاً بوجه شارلوت فتجعلها تتصنم في مكانها.

النسيم حمل صوت بيانو اختفى ما أن دلفت الوصيفة وقدمت إنحناءة بسيطة من جذعها قبل أن تنطق بجمود:
"فخامتها لن تحضر. سموه الثاني مريض بشدة. اعتذاراتي."

الوصيفة غادرت لكن شارلوت بقيت واقفة هناك. لم تستطع الحراك، كانت مشدوهة بهيئة الشخص الذي نهض من خلف البيانو بعد أن وضع أصابعه على المفاتيح مجدداً لكن لم يستطع العزف. شعر أحمر وعيون من البنفسج الياقوتي.

"أسمعت؟"
أصوات من حولها صدحت عالية. لم ترى المتحدث لكنها سمعتهم بوضوح.
"سموه الثاني مازال يحصل على الاهتمام الكامل رغم مضي عقود."
الهيئة التي راقبتها تتحرك نحو النافذة تقدمت في العمر وأصبحت أنضج فلاحقته وتفرست بمعانيه التي فتنتها.
"أتعتقدين أن فخامتهما سيغيران رأيهما بخصوص ولي العهد؟"
كان الاستماع قاسياً لسبب ما.
"إن كان هذا هو الحال فيجب إبعاد سموه الثاني عن الأول. يتوق لأن يغدو كأخيه الأكبر الذي قد يقتله في أي لحظة بالفعل."
الخصلات استطالت في ضفيرة لكن النظرة على الوجه الفتي لم تتغير.
"من الواضح أن سموه الأول يتجاهل الثاني ببرود لكن لا يبدو مهتماً بإيذاءه."
أصوات الضحك تعالت.
"ليس بعد."
مر المزيد من الوقت، ليل يتبعه نهار والفتى أصبح شاباً ناضجاً. صورة ألفتها شارلوت فأيقظت شيئاً كان مدفوعاً لنهاية عقلها الخامل.

"هيروزيوس!"
همست وكأنها استعادت وعيها. لم تعرف لكم من الوقت حدقت به لكن ذلك غدا أمراً مسلماً به الآن.

تداركت نفسها، أمرها وكينونتها، من هو هذا الشاب ومن هي له.
"ذكريات؟"
غمغمت بإرهاق. شعرت بأن الجاذبية تحطمها بضغط غير مرئي لكنها لم ترد التخلي عن قصاصات الواقع التي وجدتها وتأكدت من كونها حقيقية الآن.
"تذكري، فكري..."
شجعت نفسها.

لم تفهم لما عساها هي ترى مثل هذه الذكريات المشوهة.

شعرت أن الألم الأعظم والذي كان يطحن صدرها ينتمي لهيروزيوس المتجهم أمامها بلا شك وهذا جعلها تهمس بفهم:
"الدماء!"
دماؤه التي تسير في عروقها تسببت بهذه الرؤى الآن.

اقتربت من هيروزيوس على مهل ومع كل خطوة تغير شيء في هيئته حتى أخذت الشكل الذي تألفه وتعزه. علمت أنها لن تستطيع لمسه لكنها رغم ذلك رفعت كفها نحوه ونظرت في عينيه القاتمتين.

"هاتان ليستا ما عهدته منك."
هي لم تكن قد شهدت سوى العينين اللتين تضجان بالحياة وتلمعان كلما عكستا صورتها فلم تدرك الفرق حتى الآن. كيف كان ميتاً وكيف أراد أن يحيا لاحقاً بها بقربه.

"لذا لا ترسم مثل هذه التعابير."
ابتسمت بمرارة.
"فأنت تملكني أنا الفظيعة لجانبك."
نبست ثم تراجعت بضعة خطوات للخلف. لم تعد تدري إن كانت ستنسى مجدداً وتسقط في كابوس آخر أم أنها ستستعيد المزيد من نفسها خلال الخوض في وهم جميل كهذا لاحقاً لكنها تأكدت من أنها ستفعل شيء واحد الآن، ستتأمل وجهه حتى ينتهي الحلم.

نيـوتروبيـاWhere stories live. Discover now