36 || مواجهة جديدة !

2.2K 226 131
                                    


-" دعني أفهم، عن بُعد تعتقده بركاناً بينما هو حقيقةً مجرد جبل بمنتصفه فُوهة تُؤدي لـ.. أرضٍ أخرى داخل جبل. أو أن ذاك الذي نراه خدعةٌ وإن نزلنا سيختفي الصخر ليُظهر مكنونه الحقيقي الكفيل بإذابتنا حتى آخر عظمٍ بنا، أهذه الحال؟ " قال ثيو.

أجبت:" على ما يبدو. نعم. "

ساد الصمت فترةً. الريحُ هنا باردة وثيابنا كانت خفيفة، كنّا نرتجف، يُقابلنا فوهة جبل أو بركان ولا يمكننا الجزم، ولا يمكننا النزول لأننا لمحنا بالفعل بعض قوم القبيلة واقفين قُرب مطلع الجبل يُراقبوننا، مُخمناً أنهم ما كانوا ليتجرؤوا أن يصعدوه حتى للحاق بقاتليّ فردٍ منهم.

-" أريد النوم. " تذمّر ثيو.

-" قل ذلك مرّةً أخرى وسأدفعك داخلاً لأختبر ماهية ما يوجد هناك حقاً. وبكل الأحوال قد تذوب أو تُسحق. " هددت وأعدت فكري نحو فوهة الجبل، " أولاً، إن كان بركاناً، لا أعتقد أنه خامد، فما أعلمه أن الحمم التي تخرج منه عادةً تتصلب وإن سبق له وانفجر فإن هذه الحفرة لم تكن لتوجد أساساً، ما يتركنا لاحتمالين؛ هو بركانٌ نشط أو جبل عادي. " كلّمت نفسي مع علمي أن عقل ثيو ليس معي، بحثت حولنا ثم رميتُ حجراً صغيراً لم أسمع صداه بفعل الريح والعُمق الكبير، ثم رميتُ آخر كبيراً سمعتُ ارتطامه قليلاً.

ما زلت السماء ملبّدة واختفاء نور الشمس أدى لعدم إمكانيتنا توضح أيّ شيء داخل الفُوهة غير السواد. ما أعلمه بعد تجربتي هو وجود أرضٍ ما داخله، تُشكلّ ما يشبه كهفاً لا سقف له ومخرجه الوحيد من الأعلى، ولا يُمكنني المخاطرة أيضاً بالنزول، وزني أكبر من وزن الحجارة التي رميتُ ولعلّ الصخرّ هش، أيضاً، قد لا يكون إلا منعرجاً أو ما شابه أسفله تقبع الحمم.

وبذكر الصخر، انبطحتُ وتلمسّت صخر الفُوهة، لم يكن بهشاشة التفتت باليد؛ ولم يكن أيضاً بقوةٍ تسمح لنا بالتسلق للأسفل عليه.

كل الحقائق تدفعني لألا أنزل، ولا يمكنني أن أنزل حتى إن وبمعجزة قررتُ المخاطرة، فماذا يعني هذا؟

أخرجتُ من حقيبتي منظار فيورا ووجهته داخل الفوهة، لم أتوقع الكثير، ولم أجد الكثير، فقط المزيد من الظلمة.

تنهدت.

نظرتُ خلفنا وللأسفل، حيث لمحتُ بعض قوم الجزيرة سابقاً، وجهّت نحوهم المنظار لأتعرف على وجه المرأة التي نسيتُ اسمها رفقتها بعض الرجال من الشباب والعجائز، لم يحملوا رماحاً، وما إن لمحتُ تعبير اللاتعبير على وجوههم حتى زفرتُ منزعجاً وأبعدت عن عينيّ المنظار. حييّتهم، رغبتُ أن أصرخ: نعم أنا قتلتُ أحدكم، اغضبوا قليلاً أيها الملاعين وكفوا عن إثارة أعصابي أكثر مما هي مثارة ! لكنني قررتُ أنهم لا يستحقون سماع صوتي العذب هذا إن تمكنوا من سماعه من ارتفاعي، يبدو أنها طبيعتهم بالنهاية لسببٍ ما، كأنهم نشأوا مع عزلتهم عكس باقي البشرية تماماً، رغم أن العزلة ليست حقاً بمبرر؛ أؤمن أن الغضب شعورٌ باطني لا يمكن لأيّ كان التخلي عنه، مثلاً حتى البشر الأقدمون كانوا ليغضبوا إن اختطفت منهم حيواناتٌ طعامهم أو نافستهم أخرى شرسة على فريسة واحدة. باستثناء احتمال عيشهم في سعادةٍ طول فترة حياتهم، لكن ذلك يستلزم وجود انفعالات الضحك والابتسام، وهي ما تعتبر أيضاً تعابير يصنعها الوجه، وهؤلاء لا يصنعون أيّ تعابير مطلقاً؛ ما يعني أن حياتهم أشبه بفراغ؟ أم هم الذين يواجهونها كأنها فراغ؟ أيضاً، إن كانوا منعدمي تعابير منذ القدم كيف من الممكن أن تتكون تلك التجاعيد على العجائز؟ ما يجعلني استنتج أن حالة اللا تعابير هذه بدأت مؤخراً فقط، وذلك يعني ..

كنزُ آفيروناميسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن