12 || ذاتُ الأعين القُرمزية.

2.7K 328 119
                                    

" افتح الباب عليك اللعنة ! " صِحتُ وكررتُ حتى صدح صوتي في كل أنحاء الحيّ رُفقة صوتِ الباب الذي أكاد اخلعه من كثرة الركل، وعلى إثره رمقني كثيرون باستغراب.

-" ما الذي تفعله؟ أنت تُزعجنا ! " صرخت عليّ من إحدى النوافذُ ربة بيتٍ قريب؛ تجاهلتُ قولها واستغللت خروجها متسائلاً:" ألا تعرفين إلى أين خرج الساكن هنا؟ أيُّ الأماكن هو فيها عادةً وأين من الممكن إيجاده؟! "

ومما بدا فإن قولي لم يزدها إلا انزعاجاً، فقد زمجرت مُستغربة:" من الذي تتكلم عنه؟! لا أحد يسكن بذاك البيت مُذ وطأت أقدامي كومة الخشب التي أعيشُ فيها ! الآن فلتلملم جنونك وتغرب عن هنا !! " لم أنتظر أن ترميني بحذائها وسارعتُ بالذهاب، ألعنُ في كل خطوةٍ ذاك المُخادع صاحب الرسالة.

جدُّ متأكدٍ الآن أنه ورطني عمداً فيما حصل ! لا عِلم لي بالسبب الدقيق، لكني أرجحه بالمقام الأول لهذه اللعنة وما عليها من متاعب.

لكنه اختفى ! فكيف لي أن أفهم الآن ما يحصلُ معي؟!

شعرتُ بضيقِ المكان عليّ بمثل هكذا لحظةٍ تشعرُ فيها أنك مجرد مكفوفٍ مشلولٍ يُدرك أن العجز هو ما قُدّر له للأبد؛ لكنه لازال متشبثاً في حبلِ الأمل نحو الأفضل. فسارعتُ من خطواتي وقد قررتُ أخذ بعض الراحة قليلاً في السفينة الفارغة، علّها ستكون كفيلةً بتصفية أفكاري لاتخاذِ قرارٍ ما ثابت لما سأفعله من الآن فصاعداً.

لم يستغرقني مدةً حتى قطعتُ طريق المدينة وخرجتُ على الغابة، هي الأخرى استمررتُ في المشي فيها إلى أن لمحتُ الساحل يُطل عن بعدٍ برملهِ الذهبيّ وأفقه البعيد، تخترقه صورة الميدوسا وهي تتقلب في هدوءٍ مع الأمواج المارة والنسيم العليل. لم أفكر يوماً أن رؤيتها ستهدئني هكذا.

المُزعج في الموضوع أني لا أملك سُلم الحبال الذي نصعدُ منه عادةً وهو معهم في النُزل؛ وكنت أعلم أن الطريقة الوحيدة للوصول للأعلى هي السباحة حتى الجزء الآخر من السفينة حيثما يقبع حبل المرساة، وهناك يوجد سلمٌ آخر خفيٌ لا يظهر بين خشب السفينة الأسود يؤدي للأعلى كان قد رُكِّب لحالات طوارئ.

اخترقت المياه في رويّةٍ وبدأتُ في السباحة، امتننتُ للجو الدافئ لهذا اليوم، فالسباحة لم تكن يوماً من الأفعال المُحببة لي. شرعتُ في صعودٍ سريعٍ ما أن وصلتُ لجهة السلم المخفي، كان جسدي يرتعش قليلاً لدى مرور الهواء بين ثنايا ثيابي المُبللة، والسفينة تترنحُ جيئةً وذهاباً مع الثواني، وشكرتُ جسدي لعدم الشعور بالدوران بين كل هذا.

حالما وصلتُ اتخذت طريقي مباشرةً نحو غرفتي، أفكر في البحث بين خردتها عن أيّ ثياب تصلح قُبيل أن آخذ قيلولةً حتى المساء.

لكن أنٌى لمثل هكذا لحظاتٍ سالمة أن تحدث لتعيس الحظ آرو؟

-" من أنتِ؟ " نطق لساني بما اجتاح عقلي فقط لحظةَ فتحي للباب؛ ورؤيتي لفتاة، امرأة، تبحثُ بين محتوياتها في سرعةٍ وعشوائية قالبةً إياها رأساً على عقب.

كنزُ آفيروناميسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن