-1- بداية السقوط

Start from the beginning
                                    

الشمس اختفت والظلام حل. عجنت أطراف ثوبها بتوتر وغرقت في محاولة ابتداع عذر للجد العجوز الذي ستجده واقفاً أمام باب كوخه بعد لحظات ينتظرها بوجهه المتجهم الغاضب.
لقد تغيبت عن أداء بعض واجباتها اليوم بالركض خلف الأطفال فما أن سمعت عن خططهم لزيارة النهر في الغابة حتى عقدت العزم على الذهاب لبعض الوقت فقط. الوقت الذي تناسته ما أن وضعت قدميها في المياه الباردة.

حين اختفى نور القمر خلف الغيوم رفعت رأسها ولاحظت أخيراً أن المكان هادئ أكثر من المعتاد. رغم أن سكان القرية يخلدون للنوم مبكراً إلا أن هذا أمر لم تألفه. الوقت مازال أبكر بكثير للنوم والأطفال الآخرون كانوا أمامها منذ برهة فقط.

سارت بين المنازل القروية الخشبية الصغيرة بتوجس وما أن التفت عند إحدى الزوايا حتى صدمت برؤية جارتهم منكبة بوجهها على الأرض.

ركضت نحوها وبدأ صوتها يرتجف بخوف:
"أيتها الخالة، أأنتِ بخير؟"
عيني السيدة الجاحظتين كانت علامة لها، لقد رأت أحدهم هكذا من قبل، مشهد لا تطيق أن تتذكره لكنه الآن عاد حاملاً إشارة أن هذه المرأة ليست حية.

شهقت بخوف قبل أن تنهض و تبدأ الركض اتجاه منزل العجوز لتخبره بما رأت.

خلعت حذائها المهترئ بعشوائية عندما دفعت باب المنزل ثم قامت بالعدو نحو حجرته، ما أن دخلت حتى وجدته جالساً على كرسيه الخشبي العتيق المعتاد.

"جدي! هناك سيدة.."
بلهاث تحدثت في محاولة لإلتقاط أنفاسها لكن ذاك الذي لم يستجيب لها زرع الرعب في قلبها الصغير.

ما أن تقدمت لرؤية وجهه حتى شهقت بصدمة من رؤيته على ذات الحال، بلا حراك ووجهه أبيض فارق الحياة.

لم تدري ماذا تفعل، كل ما كانت تريده هو إيجاد أحد لينقذهم، ينقذها، لكن جميع من لجأت إليهم كانوا على ذات الحال. الأطفال اختفوا والكبار صامتون.

أُنهك جسدها الضئيل من الركض وشعرت بأن روحها ستفارق هيكلها قريباً.
"هل آنت النهاية؟"
همهمت وهي ترى لون القمر فوق رأسها يتحول للأحمر القاني.

رمت نفسها بين زهور البنفسج، وجهها بدا عليه التعب جلياً وفستانها الريفي الأبيض قد تلطخ بالوحل وتحول للبني، أغضمت عينيها مستعدة للرحيل ولكن ليس لمكان أبعد عن عالم لأحلام.

استيقظت بعد بضعة دقائق وهي تشهق باستماتة في محاولة للتنفس، شاعرة بأن رئتيها تتحطمان تحت ضغط هائل، من ماذا أو لماذا بالضبط لا تعرف، تقيأت دمائها وما أن فعلت حتى استطاعت جمع أنفاسها مجدداً ليهدأ الهيجان في صدرها.

نيـوتروبيـاWhere stories live. Discover now