-1- بداية السقوط

43.8K 1.3K 803
                                    

قرب تلـك القـرية الريفـية الخلابة وحيث كانت زهور حقول البنفسـج الممتـدة على إتساع البصـر قد تفتحـت بالفعل ركض مجموعة من الأطفال بحماس مجابهين نسيم أبريل العليـل بضحكات مجلجلة عالية.

اثنـان، ثلاثـة، بل خمـسة.
توقف رابعهم عنوة ليجذب أبصار رفاقه نحوه بتسائل.

شعر طويل أسود داعبه النسيم وعيون حوراء لامعة كانت تحدق لما بين الحشائش الطويلة بشرود.

"مابكِ؟"
هتف أحد الأطفال الكبار بالصغيرة لتجفل. أناملها ارتفعت وأشارت بسبابتها نحو بقعة بعيد بين الأجمات:
"شيء ما يتحرك هناك."
تحدثت بصوت خافت.

ترافقت جملتها بصوت عواء قادم من الجهة ذاتها لكن لا يبدو أن أحداً قد سمعه غيرها حيث أردفت هاتفة: "أسمعتم؟ ذئب!"
بدأ الأخرون بالضحك بصخب ليلوح أكبرهم حجماً بيده قائلاً باستهزاء:
"أجل وربما أيضاً تنين."

نفخت خديها بغضب فظهر لونهما أحمراً على وجهها قبل أن تستدير نحوهم هاتفة:
"أنا لا أكذب أو أتخيل، لقد سمعته!"

"لم يكن حتى هنالك أرانب قرب قريتنا هذه فما بالك بالذئاب."
هز الأخر برأسه يمنة ويسرة متنهداً قبل أن يرفع رأسه نحو السماء ويردف:
"الشمس على وشك الاختفاء. سيتم توبيخنا إن تأخرنا أكثر."

شفق شمس الغروب التمع في عينيها لتنيرا بلون أحمر ما أن استدارت بكامل جذعها وهتفت:
"ماذا عن الذئب؟ إن كان موجوداً فسيأكل خراف الخالة أليس!"

تحركت إحدى الفتيات نحوها لتدفعها بعنف موقعة إياها أرضاً قبل أن تصرخ في وجهها:
"اصمتي! غريبة الأطوار هذه لا أعلم لما أهل القرية يبقونها بيننا، والدتها التي لا نعرف من أين أتت توفيت بطاعون ما ووالدها لم يظهر، لا تنذر سوى بالشؤم صورة وكلاماً."

"توقفي عن ذلك."
همست أخرى ما أن رأت عينا تلك التي تجلس على الأرض قد فاضتا، لا حزناً عليها ،إنما خوفاً من العقاب إذ أن جميع من في القرية حريصون على مشاعر هذه اللطيمة مما أشعل نار الغيرة في قلوب أطفالهم وجعلهم يعاملونها بهذه الطريقة.

"فالتنسي أمرها، ليست طفلة، تستطيع العودة وحدها، لنذهب!"
تحدث أحد الفتيان مجدداً بملل قبل أن يستدير و يبدأ العدو مجدداً ويلحقه الأخرون تاركين نجوم عيني الطفلة ليتساقطو كالشهب.

نهضت لتلحق بهم مجدداً فلا خيار لها ولا مكان لها سوى عند عجوز القرية الهرم فهو الوحيد الذي اعتنى بها من بعد مأساة وفاة والدتها منذ سنوات خلت. رغم أنها كانت بالرابعة من العمر حينها إلا أنها بدأت بالعمل مع العجوز في حقوله وحتى الآن، لن تهرب وتنكر مجهوده بسبب مجموعة من الأولاد الذين يكرهونها ويؤمنون بحكايا خرافية مشؤومة.

نيـوتروبيـاWhere stories live. Discover now