الفصل الاخير

7.6K 160 4
                                    



نفس الجلسة كل يوم لثلاث ساعات ... لاتمل خلالهم غفران من محاولة يائسة لقراءة وفهم تلك العائلة الغريبة
كيف يصيبها الملل وهي لاتفهم اي منهم! لاتفهم شوق وابتسامتها الواسعة وانما المزيفة
لاتفهم عشق الجامدة كأي جماد .. لاتصدر منها ادني اشارة عن حياة في ذلك الجسد المريض بالهزال الشديد
لاتفهم غرام الصغيرة التي ترفض حتي الدخول لغرفة والدتها ولو لبضع ثوان من الثلاث ساعات
حتي شهاب والذي تظنه معها كتاب مفتوح ... تراه هنا فلا تجد سوي واجهة باردة تخفي خلفها قسوة عجيبة
ربما استنكرتها في البداية ولكن مع الوقت... عرفت ان له كل الحق
فشادية التي كانت تغيب عن الوعي لفترات قد تمتد لساعات.. لم تفق مرة فتسأل عن ابنة او ابن... وانما تسال بوقاحة عن طبيب وسيم ل" يقبلها"
برر الاطباءو طاقم التمريض باستهزاء ماتقول لاهتزاز العقل بسبب المرض... الا ان نظرات ابناءها وبناتها حكت عمرا كاملا قضوه في ... هذا الخزي
( اخي... محمد زوجي راض تماما ان ابيت مع .. شادية لاوفر ماتدفعه للممرضات)
( لن.. تبيتي معها ياشوق... ) في كل مرة يكون رد شهاب علي طلب شوق المتحرج واحدا( فأنا اعرف انك تفعلينها تحرجا مني او توفيرا للمال ... ليس لاجلها... كما اني افضل وجودك في بيتك معززة مصونة حتي لو اهدرت اخر ما املك )
ثم يربت علي خدها بحنانه الدافئ ممازحا
( وليكن في علمك اخيك ليس فقيرا... يوما ما ستأتين لمصر وترين هذا بعينك)
ربما كانت تلك هي للمرة الوحيدة التي اتسعت فيها ابتسامةشوق بلا زيف...وانما ببارقة امل قبل ان تقاطعهما عشق بجفاف مرير
( ستموت شادية وتعود انت لبلدك وترمينا خلفك... فلا تطلق اي وعود في هذه المرحلة سيدي)
شهقت غفران لقسوة ما قالت عشق بينما زاغت عينا شوق بتصديق... حتي غرام رفعت عينيها عن كتابها للحظات قبل ان تعود للغوص فيه ثانية
اتجه شهاب لعشق بصرامة جعلتها دون ان يطلب مضطرة للوقوف علي قدميها لمواجهته وهو يرفع سبابته لوجهها واعدا او محذار بشئ من الحدة
( سترين... سترين يا عشق ... فأنا لن اتحدث عن غيب في علم الله وحده... لكن الايام ستريكي)
كانت تلك المحادثة التي جرت في اليوم السابق من المحادثات النادرة بين الاخوة والتي طل من بين جنباتها شيئا من التفاعل
اما الوضع في المجمل... كتلك اللحظة التي تراقبهم غفران فيها... يعيشونها كأغراب جمع بينهم موقف لازالوا في غير اعتياد عليه
عادت بعينيها تراقب زوجها... الرجل الوحيد المتبقي لاخوته هنا بعد عودة نور وبهاء... وفي غياب محمد زوج شوق الدائم... بالرغم من شكها انها تلمحه مرتين او ثلاث بين ممرات المستشفي اثناء اليوم الا انها لا تملك الجزم
" شهاب" ناجته غفران بعينيها " كيف عشت عمرا بأكمله لا اري منك سوي جنبا واحدا... ملمحا بسيطا من كيان معقد .. هو انت"
لقد اثبت لها شهاب في خلال الايام السابقة انها حقا لم تعرفه يوما... او عرفت منه قبسا لا يكد يغطي ربع شخصيته الغنية
فبعيدا عن الحنان والصبر الذي طالما لمسته فيه في علاقتهم الطويلة... عرفته الان حازما بشئ من الشدة في بعض المواقف... غامضا لا يمكن قراءته بسهولة... لايلين حين يري نفسه علي حق.
" كل تلك اللمحات..." ارتمسمت ابتسامة خجلي علي وجه غفران ووجها يتخضب خجلا" ولا يمكن ان نهمل جانبك الشغوف سيد شهاب"
لمح من بعيد وهو يجلس جوار غرام... في صمت كعادة الصغيرة الا انه يجلس بصبر علها تتخلي يوما عن صمتها.. لمح ابتسامتها الخجول فاتسعت ابتسامته الجذلي وكلاهما يفكر فيما حدث قبل ساعتين
وقفت غفران تعدل من عبائتها امام المرآة ليتجها هي وشهاب في رحلتهما اليومية للمستشفي
طق... طق... طق.. ركزت غفران في مصدر ذلك الصوت الرتيب لتكتشف انه من النافذة المطلة علي المطبخ
سارعت غفران للنافذة تفتحها لتستغرق ضحكا وهي تري شهاب وقد جلس متربعا فوق طاولة المطبخ وفي يده حبات البندق التي يقذف بها النافذة
اشار لها بلهفة
( لماذا اغلقت النافذة! ألاتعرفين اني احب التلصص عليك !)
ضحكت غفران بمشاغبة
( اعرف... لذلك كفتاة مهذبة اغلقت النافذة حتي امنعك من التلصص... وكما تري فقد ارتديت ثيابي ولا يوجد ما تتلصص عليه)
حك حينها شهاب ذقنه مدعيا التفكير قبل ان يعود فيشير بمكر
( عقابا لتزمتك ذلك ستخلعين ملابسك وترتدينها من جديد ... وانا اراقب)
شهقت غفران بخجل وهي تضحك بتورد
(احلم يا حبيبي ... لن يحدث هذا ابدا)
راقبها شهاب بابتسامة غامضة لبرهة قبل ان يقول كلمة اخيرة في تحد سافر ( امنعيني !!!)
حين لم يقدم علي اي حركة ألتفتت غفران لتكمل استعدادها... فقط لتراه في المرآة وهو يقف علي طاولة المطبخ ويقفز قفزة واسعة يصبح معها داخل غرفتها
صرخت غفران برعب وهي تلتفت تجري لحضنه تطمئن انه بخير
حضنها كان خائفا يحتمي فيه... وحضنه كان مرحبا يعوض ما ضاع في البعد 

عانق اشواك ازهاريحيث تعيش القصص. اكتشف الآن