الفصل الثالث عشر

5.5K 135 3
                                    




ركن بهاء سيارته امام بيت الحاج منصور في انتظارمهيرة ليذهبا لمقر عملهما ...بعد ان هاتفها في الصباح الباكر يخبرها استدعاء القائد العاجل جدا لهما
لم يستدعيهما القائد علي عجلة.... هو من أراد ان يراها في اقرب وقت ....خاصة بعدما اخبرته دلال ان مهيرة زارتها عدة مرات خلال غيابه وشهاب.
خرجت تسير ببطء متعمد ... خوفا من السقوط خاصة وانها ارتدت حذاء ذي كعب يصل للعشر سنتيمترات استعارته من جميلة خصيصا لليوم هل تكذب وتدعي انها لاتهتم بنظرته لها! لا هي صريحة تماما مع نفسها وقد ازعجها تماما تلميحاته اكثرلقصر قامتها كما فعل في لقاءهم الأول
حياها وحيته ولخيبتها لم يعلق علي طولها الذي زاد في غيابه وانما ادار محرك السيارة وقاد بهدوء غير معتاد
( اخبرتني والدتي انك زرتها عدة مرات في سفري!)
سأل بصوت بعيد .... ليس سؤالا وانما تقريرا ولكنها كانت اكثر من مرحبة بقطع الصمت وسماعها صوته الذي افتقدته فأجابت بحماس
( نعم لقد استمتعت جدا برفقتها هي والجدة.... كنا نقضي ساعات في الحكي بلا ملل)
لم تنتظر منه سؤالا عما حكت فيه مع والدته وانما استطردت بإبتسامة حالمية
( لقد قصت علي قصة شهاب وغفران منذ اللقاء الأول ورغبة شهاب وفي ترك المدرسة لكي يتزوجها ثم الحادث...)
ثم تبدلت ملامحها وهي تعلن بمشاغبة
Pl واخبرتني عن سر تسميتك السفاح.... من كان يصدق ان السيد بهاء حامي حمي البلاد اخذ هذا الللقب في طفولته لضربه الفتيات وتكسير العابهن)
نعم كان هذا هو سر التسمية ليتغير السبب في شبابه لاجادته التصويب علي الأهداف المتحركة لكنه لن يثير ذعرها بهذا التصريح
وانما افضي بسر اخر
( نعم كنت افعل هذا غيظا حين اري نظرات امي المشتاقة لفتاة... واراقب لمعة عينيها وهي تراقب تحركاتهن والعابهن...لينتهي بها الحال مع جيش من الاجلاف)
ضحكت مهيرة ضحكة اسرت لبه التائه فيها أصلا
( جيد انها لم تحاول الانجاب بعد نور والا كان هناك نصف دستة من صنفكم)
اخذته الدهشة وهو يبتسم لها باستغراب
( ماذا؟ ألم تخبرك امي انها ليست امي التي ولدتني وانما هي زوجة ابي)
شهقت مهيرة مصدومة وهي تصيح به
( مستحيل انت تخدعني )
ضحك بهاء لصدمتها وهو يقول
( لا والله هي الحقيقة.... الم تلاحظي ابدا ان فارق السن بينها وبين شهاب مثلا ليس كبيرا لهذه الدرجة )
( لا لم احظ ظننت انها من تلك النسوة التي لا يظهر سنها عليها..... ولكن هل انت متأكد)
اقسم بهاء وهو يضع يده علي قلبه
( اقسم لك اني متأكد .... كنت في السابعة حين تزوجت ابي لذا أتذكر جيدا... )
ارتكزت عيناه علي ملامحها الغارقة في تفكير عميق
( أتذكر فتاة سمراء أتت لمنزلنا .... تري فينا هبة من الله ومنحة... واعتقد انها كانت اجمل مااعطانا الله )
كانت مهيرة الان تراقب قسماته الغارقة في عذوبة ليست منه.... وانما من عظم حبه لتلك السيدة التي احبها بقوة.... وكان قلبها يتضخم مع اعترافه المرسوم علي وجهه قبل ان ينطق به لسانه
( لقد احببتها بقوة... نعم يحبها نور لانها الام الوحيدة التي عرفها.... يحبها شهاب لانها كانت ترياقا داواه.... اما انا فحبي لها مختلف.... انا اخترت بكامل ارادتي ان احب تلك السيدة من أعماق قلبي)
وضعت مهيرة يدها علي فمها تحاول التماسك حتي لاتجهش بالبكاء تأثرا وهو يستطرد
( احببتها فتمنيت ان أكون انا من يهديها ما ارادت دوما.... لذا منذ صغري احلم بأن اتزوج فتاة تحب امي حبا جما وتكون لها الابنة التي تمنتها)
كان يشعر بإرادته مسلوبة تماما امام دموعها التي كان لها عليه غريب الأثر... اصابته بتخدر عجيب وتلك القطرات تختلط بسمارها المسكي فيكاد يستنشق عبيرها.
لذا غمغم بأعين مغمضة وإرادة تاهت مع ذلك العبير
( انت تحبين امي كما اري.... بل اكاد اجزم ان من يراكما معا سيعتقد انكما اما وابنتها.... لذا اريدك ابنة لها نسخة مصغرة منها )
حين لم ترد فتح عيناه للنصف فقط كعادته وهو يراقب تسمرها دون حركة
( هذه طريقتي لطلب يدك .... حتي لا يكون هنا أي إلتباس في طلبي)

يبتسم... هو يعتقد انه يبتسم كأبله سيراه من يراه اضحوكة
لا يدرك انه يبتسم مغلق الفم مطبق الشفتين بحاجب واحد لاعلي.... ابتسامة مخيفة
الا انه يبتسم منذ ما يقرب العشرين دقيقة منذ غادرت هوينا المكتب تاركة خلفها صقرا يكاد يحلق خلفها ينتزعها انتزاعا من محيطها الامن.... يزرعها بعيدا عن أي عائلة سواه
نعم سيكون عائلتها الوحيدة .... فلا يصيبه الهلع من ان يقصيها عنه أبا او اخا
( ياالهي...) حك رأسه بقوة ولازالت الابتسامة البلهاء المخيفة علي وجهه ( انا هالك لامحالة)
وبدلا من ان تدعه يفيق من نشوته ... دخلت هوينا للمكتب بعد طرقة مقتضبة... وعلي غير عادة اتجهت للاريكة وجلست فوقها بتوتر.
قبل ان يسأل اجابت وهي ترفع كفيها بمحاذاة كتفيها ( ها انا امامك حتي لا تتهمني ثانية بتخطي الحدود)
ثم استطردت بتوتر ولازالت المرة السابقة بتبعيتها تترائ امامها
( سامر بالخارج في انتظار معاذ...لذا...انا هنا اعلن بكامل الاستسلام والتسليم احترامي للحدود)
اذا هذا هو الحب! تسائل صقر وهو يشعر بقلبه يتضخم و البهجة التي تغمره... تلك البهجة الحقيقية التي لايمكن لاي من سجائره ان تحققها
اقترب وجلس بجوارها علي الاريكة بعيدا ... امال رأسه للجانب وحاول ان يخرج صوته هادئا قدر الإمكان الا انه خرج خشنا حتي انها انتفضت قليلا
( هل تخافين مني هوينا!)
هزت رأسها نافية بتدلل
( لا أخاف منك.... أخاف ان اغضبك .... ليس خوفا من غضبك ولكن خوفا عليك .... فانت حين تغضب عيناك تحمر ووجهك يتعرق بعروق نافرة.... بالفعل أخاف عليك)
لم يرد عليها بل تاه تماما عن الواقع مع الوان قوس قزح التي تطايرت حوله في سذاجة
( تخاف علي..... تخاف علي)
هتافها ما اعاده للواقع
( صقر.... هل نسيت سامر !)
وقف بتبرم ليخرج لذلك الصفيق يري ماسبب حضوره المتكرر .... ندائها الناعم هو ما استوقفه
( صقر .... هل أكون اتخطي الحدود اذا طلبت منك التريث مع سامر... اشعر به منكسرا...)
ضيق عينيه بشر ووجهه خير دليل علي ثورة قادمة. فهتف بصوت خفيض مخيف
(نعم تتخطين الحدود .... وتلعبين معي في عداد عمرك وعمره.... مالك انت به تشعرين ولا تشعرين)
كتمت ضحكة وهي تتذكر كلمات يوما قرأتها تتسأل هل هذا شعوره بها حقا ام انها هي من تهيئ ذلك لنفسها
*أحبك.. لا أدري حدود محبتي.. طباعي أعاصير.. وعواطفي سيل.. وأعرف أني متعب ياصديقتي.. وأعرف أني أهوج.. أنني طفل.. أحب بأعصابي، أحب بريشي.. أحب بكلي.. لا أعتدال، ولا عقل*
( انا لم اخطئ في أي شيء الان .... لقد دخلت لمكتبك بمجرد حضوره ولكني اتحدث معك انت .... اشعر وكأن به هما ثقيلا.... اراه موجوعا وانا لا احب ان اري هذا في انسان.... أي انسان)
زفر بقوة وهو يحاول صدقا ان يتمالك غيرته الفجة .... غيرة تربي عليها وكانت سببا في ضياعه يوما
ولكن للأسف يشعر بمارد غيرته يخرج الان ليعصف بتلك الرقيقة .... يزيحها من علي قدميها كأعصار.... يخبئها بين نبضاته.... او كخطاب وردي في جيب قميصه قوق القلب....
لذا غادر مسرعا.... غادر لانه عرف بداخله ان بقاءه للحظه اخري سيعني اعترافا لازال يبحث له عن صيغة.... صيغة لاتصدمها فيه


متعب .... ذلك التعب الذي يضرب خلايا عقلك قبل الجسد ... ولايبدو ان هناك سبيلا للراحة
( حين تذنب في حق احدهم... يظل الذنب كشخصا معلقا فوق كتفيك .... يرهقك ويكسر ظهرك) سمع تلك الجنلة في فيلم مرة والان ... فوق ظهره ثلاثة اشخاص
معاذ.... ذلك الصديق الذي يختلف عن كل من عرف في حياته المترفة.... ابن البلد الذي يتخذك صديقا دون أي مقابل أيا كان.
لم يتخيل سامر يوما ان يؤذي شخصا كما اذاه.... فمابالك اذا كان من اذاه هو معاذ نفسه.... معاذ الذي كان له دوما نعم السند.
لقد ظل يبرر لنفسه لسنوات يدللها ويهديها انه لم يخطئ في حق صديقه.... وان المذنبة الوحيدة هي جميلة التي استفزت رجولته حين اتته باكية
الا انه كاذب .....لقد تلاعب بها كما تلاعبت به... اوقعها كما اوقعته... وعرفن كلاهما خسر منذ تلك اللحظة التي اغلق فيها باب الجناح الملكي ليلة زفافهما... ليواجه نظرتها الحائرة... نظرة تسأله من انت وتخبره ان مكانه لن يكون هنا ابدا.
والان لو كانت كتفيه من خرسانة لن تتحمل ذنبه الأكبر... ذنب يحنيه ويذل عنقه.... سچي.
لم يلحظ وهو غارق في رثاء الذات دخول صقر الذي راقبه لوهله قبل ان يستدير مغادرا المكتب وداخله تساؤل ( اتكون هوينا محقة فعلا؟ لا يبدو سامر بخير )
اختار معاذ هذه اللحظة ليلج المكتب بأناقة كئيبة
كور صقر لسانه داخل فمه وهو يرفع حاجبيه امتعاضا من صديقه... ولم يكتف بالايماء بل قال
( اتعرف معاذ الأيام الماضية معك أصبحت اشبه بالحياة مع امراءة مات زوجها في الحرب ولها ابن عاق وابن ضال.... وابنة ....)
قاطعه معاذ باستخفاف
( كفي كفي وصلتني الصورة.... الحياة معي كئيبة... اذا كنت تلومني ضع نفسك مكاني وتعايش مع مصائبي)
اقترب منه صقر بابتسامة صفراء وهو يغمغم
( اكبر مصائبك في انتظارك في الداخل)

دخل معاذ متحفزا لوجود سامر .... الذي وقف بدوره بمجرد دخول الأخير وهو يرفع كلتا كفيه باستسلام
( لم آت للعراك معاذ.... هاتفني السيد منصور واخبرني انكما اتفقتما علي كل شيء يخص ارتباطك بجميلة)
انقض معاذ عليه ممسكا بتلابيبه وهو يزمجر بغضب
( من الان فصاعدا بالنسبة لك اسمعا ام سچي او من الأفضل ان لا تتحدث عنها. أصلا... لست مصلك بلانخوة او رجولة)
ثم تركه مبتعدا... ليفاجئ به يترنح قليلا قبل ان يجلس علي الاريكة بارهاق ولكن معاذ الذي وصل غضب لأوجه وهو يري نفسه العوبة بيد سامر وجميلة استطرد بغل
( لازلت غير قادرا علي تخيل ان هناك رجلا يتنازل عن ابنته بهذه الدناءة)
أجاب سامر بصوت مختنق ورأسه منحنية بين كفيه
( لم تكن سچي لي يوما لاتنازل عنها)
صمت ثقيل اغرق الغرفة قبل ان يسأل معاذ بصوت حذر وان حمل اطنانا من الفزع المخبئ جيدا
( هل تعني.... اقصد هل تريد التشكيك في كون سچي ابنتك)
تطلع فيه سامر بنظرة ضربته بمقتل.... وهو يتمني من صميم قلبه ان لايراها ولا في عين ألد اعدائه
( سچي ابنتك يامعاذ... لقد ربتها أمها كما لكنت ستربيها انت.... اتعرف
بالرغم من لسچي ملامحي الا اني انظر لها فأراك.... ربما هو إحساس الذنب اللعين.... )
وقف سامر بقليل من الترنح الذي لاحظه معاذ.... كما لاحظ نحوله الشديد ونظراته التائهة
( سأسافر بعد يومين.... لن اسقط القضية الا حين ترسل لي قسيمة الزواج... )
وفي حركة مفاجئة مد يد يقبض علي مرفق معاذ المندهش من حالة سامر العجيبة
( سچي يامعاذ)
لم يزيد حرفا وان كانت نبرته اليائسة حكت الكثير..

بالرغم من مغادرة سامر لفترة الا ان معاذ ظل في مكتبه غارقا في تفكيره في كل ماقال سامر وجملة واحدة تتردد بداخله بصوت عالي جعله يسحب هاتفه ويكتبها كرسالة ويرسلها
( أي شيطان تكونين لتصلي برجلا لحالة كما حالة سامر الان)
جاءت إجابة جميلة سريعة
( هل اصبح هو الملاك وانا الشيطان؟)
تبجحها أصابه بالغليان فلم يرسل رسالة بل هاتفها وبمجرد ان سمع صوت فتح الخط هتف باحتراق
( لا ادري أي حرب نفسية شنتيها علي سامر ليصاب بهذا الاهتزاز... لكن دعيني اقسم لك اني امامك محصنا تماما يا جميلة)
كانت هي الأخرى ثائرة لدفاعه او شفقته علي سامر .... لذا قبس من تمرد قديم طفي علي السطح وهي تستفزه
( لاتقسم علي شيء لمجرد انك بعيد عنه....في مأمن من تأثيره)
ندمت علي ما تفوهت به في نفس اللحظة وهي تعض علي اصابعها لغباء ماقالت
اتتحداه! اتحاول التبجح بتأثيرها الذي لم يعد!
لذا لم تتفاجئ وهي تسمع ضحكته.... ضحكة تخيلت ملامحه فيها.... عيناه مفتوحتين علي وسعهما... وخطوط جانبيهما بارزة
شفتيه مفترقتان ولكن اسنانه مطبقة بحقد
حقد تجلي في صوته وهو يقول بصوت اشبه بفحيح
( لا تقلقي يا مدام جميلة... حتي وان كنت قريب.... سأجيد تأمين نفسي بكافة الدروع.... واولها ان اتزوج فتاة لطيفة تليق بي.... ولن تملكي الرفض)


وقف شهاب بابتسامته الهادئة يحل إشكالية بين رجل وزوجته برزانة وتعقل والاهم دون التدخل
كان الزوج يصر علي ان القماش الذي اختارته زوجته سيلتصق بجسمها بطريقة لاتليق.... وهي تصر انها ستفصله كموديل واسع جدا
كان شهاب يتابع وهو مطرق الرأس .... قبل ان يقول بهدوء مادا يده
( اختيارك رائع سيدتي.....ارجوكي اعطيني القماش كي اقصه لك)
مدت السيدة يدها بانتصار.... وقبل ان ينفجر الزوج كما بدا انه سيفعل .... هز شهاب رأسه بتحسر واضح
( للأسف سيدتي لايمكن ان ابيعك هذا القماش.... لقد افسده التخزين)
ثم نادي احد العاملين ليضع القماش في المخزن
هز الزوج رأسه لشهاب شاكرا لانقاذه من مشكلة وشيكة
قاطع شهاب اتصال هاتفي فابتعد ليرد علي نور
( اخي الكبير اللطيف بشكل مبالغ فيه)
رد شهاب التحية الصاخبة
( اخي الصغير المزعج بشكل مبالغ فيه.... ماذا تريد؟)
( تؤتؤتؤ اهذه طريقة تتحدث بها لمن يحمل لك اخبارا رائعة)
اتسعت ابتسامة شهاب وهو يري والده يشير له ليجلس امام مكتبه
( خيرا ياطبيب المجانين... ما اخبارك الرائعة)
همس له نور بصوت خفيض
( هناك شخصا جعلني اقسم علي ان لا اخبرك ان اخت زوج هذا الشخص تزورنا....وداعا)
انهي نور المحادثة... فنظر شهاب للهاتف بحيرة فاستدركه والده
( لقد جعلته يقسم .... لكن لم يجبرني احد علي القسم.... غفران وام حسن في بيتنا تزوران امك)
انتفض شهاب واقفا وهو يجذب مفاتيح السيارة ويندفع خارجا وهو يشرح بكلمات متقطعة انه عائد للمنزل
( شهاب...) ناداه اصلان بسخرية لطيفة( من رأيي ان تترك السيارة وتستقل سيارة اجرة.... يبدو ان الاسم وحده يصيبك بالترنح)
ابتسم شهاب لاباه بخفة وهو يتجه للسيارة المركونة قريبا.... انشغاله بلقاءه القريب منعه من ملاحظة ذلك الرجل ذي الهيئة الغريبة يدخل محل والده.
جلست غفران بجوار رقية وامام دلال التي استقبلتها بحفاوة اثلجت قلبها....
لقد تخوفت دوما من ان تكرهها دلال لكل ماحدث بينها وبين شهاب.... وفوق كل هذا كونه اعرض عن الزواج لاجلها.
الان استقبال دلال الدافئ لها كان خير دليل علي ان قلبها لا يحمل لغفران سوي المحبة
عيناها تمسح البيت بحثا عن بصماته... وكانت احلي تلك البصمات هي تلك الصورة العائلية التي تجمع الاب وأولاده الثلاثة
فأشارت لها ممازحة( لماذا لا تظهرين في الصورة خالتي دلال؟ هل هي صورة الجيش الخاصة بعمي اصلان وأولاده؟)
ترجمت رقية إشارات غفران لدلال التي لاتجيد لغة الإشارة .... فضحكت الأخيرة وهي تعلن بفخر
( هل تتصورين ان يسمح اصلان او أيا من أولاده ان أكون في صورة يراها الرائح والغادي؟ لي صورة تماثلها وانا معهم لكنها مخبأة في دولابي...! )

طقات الباب قاطعت الحوار الشيق... طرقات ميزتها دلال بسهولة لتطلب من غفران وهي تدلك ركبتها
( اعذريني يا غفران .... افتحي الباب حبيبتي... خالتك دلال لم تعد تقو علي الوقوف)
توجست رقية من طلب دلال ..... وخاصة وهي تري غفران تتجه للباب تلتف حولها عباءتها السوداء
فتحت غفران الباب فندت عنها شهقة صغيرة وهي تراه مستندا علي الحائط بجوار الباب يعيد رسمها بعينيه الحانية
( عشت هذه اللحظة في خيالي مرار وتكرارا حتي اني اريد مد يدي ولمسك للتأكد انها حقيقة هذه المرة)
استفاقت غفران من غرقها الاختياري في خضرة عيناه وابتعدت خطوة للوراء فرفع كفه امامه وهو يهز رأسه وصوته المتهدج هامسا
( لا تخافي لن المسك .... فهذا خصيصا خط اللاعودة عندي)
رفعت وجهها بتساؤل وغير فهم
اخفض صوته اكثر حتي كادت ان تجزم انه لايصلها كصوت وانما كنسمات أنفاسه تضرب بشرتها فتترجمها لحروف
( الاتفهمين يا دميتي البريئة؟ حين تكونين وحدك تخيلي رجلا محروووم من حبيبته لعقود.... تخيلي حين يأتي ذلك اليوم الذي تكون فيه حلاله ماقد يفعل هذا المحروم.... وحين تتخيلين ماتتخيلين.... اعرفي ان مابي اقوي واعنف)
كانت تلك المرة الأولي في علاقتهم الطويلة التي يتحدث فيها شهاب عن لمسات او حرمان.... فكانت كلماته مربكة لها .... مربكة وشغوفة.
دخلت غفران مسرعة وتبعها شهاب الذي ما ان رأته رقية حتي حدجت دلال بنظرة لوم ردت عليها دلال مدافعة
( والله لم اخبره بشئ لقد جاء صدفة)
هزت رقية رأسها بعدم تصديق وهي تقف مشيرة لغفران
( حصل خير يا دلال.... هيا ياغفران لنعود ... لقد مكثنا طويلا علي أي حال)
وقفت دلال تجابهها وهي تصيح بغيظ
( والله لن يحصل هذا... واذا خرجت الان لن تكوني صديقتي ولا اعرفك.... ماهذه القسوة يابشر.... الا يحق للأولاد بعد كل هذا البعد والفراق ان يجلسا قليلا مع بعضهما..... خذ يا شهاب خطيبتك وقفا في الشرفة)
كادت رقية ان تعترض الا ان دلال لم تدع لها فرصة وهي تجذبها لتجلس
( اجلسي ولا تكوني مجحفة كزوج.... اقصد كاشخاص اخرين... لن يأكلها في الشرفة.... كما ان امي ام اصلان تنام علي الاريكة بجوار الشرفة)

تقدمها شهاب حتي دخلا لشرفتهم الواسعة... ووقفا متجاورين علي بعد...
من يري الارتباك المختلط بخجل وراتباك لايصدق ان كلاهما تخطي الثلاثين
( دوما كنت اقف هنا في الشرفة اراقب القمر واحدثه .... واصبر نفسي انك ترين نفس القمر)
ابتسمت غفران بخفر... تحول لانزعاج وهي تري فتاة جميلة تخرج للشرفة المقابلة .... لذا اشارت بسرعة
( هل انت متأكد انك كنت تخرج للقمر في السماء ام للقمر في الشرفة المقابلة)
ضحك شهاب بجذل
( قمر ! أي قمر وفي حياتي شمسا أحرقت مشاعري بشوقا اتي علي الأخضر واليابس فلم اعد صالحا لسواها)
ثم سألها بلغة الإشارة وكأنه يحتويها في عالم يخصهما وحدهما
( هل تغارين ؟)
اخفضت راسها حياءا وهي تهز رأسها
( يبدو اني اغار وهذه خصلة لم اكن اعرفها بنفسي)
اخذ شهاب نفسا عميقا ... بدا لها كأنه يصارع حتي تظل ابتسامة عينه دافئة... ملامحه هادئة... الا انها لمحت في وجهه وعيناه شيئا اخافها
( اما انا فأكتشفت غيرتي منذ سنوات أطول من ان تتذكريها.... اكتشفتها وانا اراك في حفلات العائلة بثوب منفوش قصير وزينة الكبار... تلونين خديك وشفتيك...
غيرة تشبه الاسيد الحارق ... وكبرت وكبرت غيرتي معي من صورتك الطفولية.... لصورتك كفتاة تتفتح فيها وردات الانوثة فتثير جنوني خيالاتي في بعدك... وانا اري بعين هواجسي نظرات الاعجاب او حتي الغرام...اتدرين ماكنت افعل وقتها لاطفي ناري... كنت احطم واكسر واغضب بعنف بغيض لايشبهني)
( اما الان فكلما استبدت بي غيرتي... اصلي او اتصدق وانا ادعو الله ان يحفظك لي)
ضيق عيناه فاصبحت مع انعكاس الشمس عليها اشبه بعيني فهد مثيرة للرهبة
( ولكن مؤخرا وانا اراك قريبة لحد لم نصل اليه من قبل اشعر وكأن غيرتي الغاضبة تطفو للسطح ثانية)
ابتلعت ريقها بخوف وهي تتذكر مواقف مرت بها مع نعمان.... ان عرف شهاب بأقلها سيكسر الكثير واوله عظامها
( انت تخيفني شهاب) رغما عنها ارتعدت يدها وهي تشير .... ابتسم شهاب... ابتسامة لاتشبه ابتسامته الحانية .... ابتسامة غامضة مهيبة
( حين يصل الامر لغيرتي عليك .... خافي يا غفران.... هذا اسلم لك ولي)


حين وصلت رقية وغفران للمنزل الكبير .... كان هناك اجتماع قمة نسائي في المجلس الكبير... بلا أي ذكر في المنزل كله
جلست هزيمة علي كرسي مرتفع بسبب داء المفاصل.... كريمة وفاطمة تفركان أوراق النعناع الجافة فتتحول لمسحوق ناعم انتشر عبيره في الغرفة الواسعة ... اما الفتيات فأنشغلت كل مجموعة في حديث جانبي... حتي مياس وبتول نادرتا التواجد في هذا الوقت جلستا تتحدثان في صوت خفيض مائع حديث متزوجات
تحمدت رقية في قلبها لجمال عائلتها وترابطها بل وتبنيها لمهيرة وغفران في احتواء نادر.... حين رن هاتفها للمرة التي لم تعد تعرف عددها
( اعطيني هذا الهاتف.... وجب تدخلي) كانت تلك كلمات هزيمة وهي تمد يدها بحزم لم تملك رقية معه الرفض.... فران الصمت علي المجلس والكل يتسمع ماستقول الجدة
( السلام عليكم... اهلا يا أبا حسن كيف حالك... بخير نحمدالله... من قال انها تقاطعك ولاتريد التحدث معك؟
لا المسكينة نائمة بعدما عادت من عند الطبيب.... الضغط مرتفع جدا.... ويشك الطبيب في انها أصيبت بداء السكري من الحزن والقهر... مع السلامة ياولدي )
كانت رقية تتنقل بنظرات مصدومة مابين بناتها واخت زوجها ... قبل ان يقطع الصمت صوت هزيمة الحاسم
( حيلة الانثي الاقدم.... اذا ضاقت بك السبل والحيل .... اصطنعي الاغماء...اذا اتي مسرعا فهو شار)
ضحكت الفتيات وصفقت مهيرة كفيها بسعادة
( الله عليكي ياجدة هزيمة ياخبرة)
اما سهر فكانت كالجالس علي جمر وهي تشير لهزيمة بتعجل
ابتسمت هزيمة والتي بالرغم من سنوات عمرها التي تعدت نصف العقد السادس الا ان لمحة جمالها الراقي لازالت تزين محياها... خاصة حين تبتسم.
( يا منتهي..) رفعت كنتها الهادئة رأسها بسرعة تلبي النداء(عندك جوهرة تحافظي عليها لنا تسعة عشر عاما.... والان نريد استعادتها... فهل تبخلين علينا بها)
ردت منتهي بصوتها المميز جدا بنعومته
(انا وجوهرتي لك يا خالتي.... لكن جوهرتي لازالت صغيرة واخشي عليها المسئولية)
الفتيات الأصغر سنا فقط هن من تهن في الحوار الا ان الكبيرات كن يبتسمن بسعادة وترقب
اجابت هزيمة بحنكة
( وانت بسنها كنت مسئولة عن طفل وزوج... وكنت ببطن ممتلئة)
مالت مهيرة علي هانيا تسألها بصوت خفيض
( هل تعايرها انها كانت سمينة؟)
تدخلت سهر بحماس واندفاع
( ما بك يا منتهي؟ هل ترفضين هلال لرحيق؟ والله لو رفضت لاخذها رغما عن انفك)
فتحت رحيق فمها باندهاش وهي تري فرحة زوجة خالها وحماسها لموافقة منتهي التي رفعت كتفيها بإستسلام لسهر
( يا بنتي افهمي انا لا ارفضن انا موافقة... ولكن يجب ان نسأل عروسنا)
لم تدعها سهر تنهي جملتها وهي تزغرد بصوت عال مبتهج وخطواتها تقترب من رحيق تغنرها في احضانها بقوة
( حبيبتي رحيق موافقة.... هل ستكسرين قلب خالتك وترفضين؟)


تجمعت الاسرة في المساء في احتفال بسيط بخطبة رحيق وكذلك جميلة وقرئت الفاتحة علي ان يكون زفاف معاذ وجميلة بعد أسبوعين ومعها خطبة رسمية لهلال ورحيق حتي يتم الزواج بعد سنتين.

وجدت نفسها تسير معه تحت اعين الجميع السعيدة للمرة الاولي بعد ان استأذن هلال ان يتحدثا علي انفراد.
جلست وجلس امامها علي طاولة الحديقة... يراقب بنظرات مبهورة حبيبة قلبه التي طالما تمناها
فستانها الأسود الرقيق بكم قصير من الدانتيل المخرم يصل لمرفقها... فستان يرسم انحناءاتها التي اهلكته شوقا
زينة وجهها الرقيقة من خط أيلانير فوق العين وصبغة شفاه بلون احمركانت.... كاملة في نظره.
( لا اصدق اننا أخيرا اصبحنا خطيبين رسميا.... بالرغم من اني تمنيت ان يوافق جدي علي اقتراح امي لعقد قران)
لم تتمالك حينها نفسها وهي تعبر عن دهشة وارتياح اكتنفنها من الصباح
( لم أتوقع ابدا ان توافق امك بهذه السهولة.... بل وهي المتحمسة لزيجتنا بهذا الشكل.... ظننتها ستتمني لك الأفضل)
تلاشت ابتسامة هلال وتقدم في جلسته منها وهو يسأل بصوت غامض
( عفوا اعيدي ماقلت ثانية؟)
ارتبكت رحيق لمواجهة صوتا ووجها من هلال تعرفه جيدا.... وجه الغضب
( اعني انها كانت دوما تقول انها ستزوجك ست الحسن والجمال... لانك)
خرج صوته من بين اسنانه هادرا وهو يعنفها
( وانت كالعادة لاترين نفسك هكذا... وترين انه من المفترض ان ترفض امي زواجنا)
لم ترد .... فمن الاسلم حين يغضب شخصا ما بهذا الشكل ان لا نرد
( أولا يا انسة حيكا انا رجل لاتزوجني امي ولا يرغمني ابي
ثانيا ورغم انفك تمنتك امي زوجة لي منذ عرفت بمشاعري تجاهك بل ودعت لنا بان نجتمع علي خير دوما
ثالثا وهو ما يهمني حقا... اياك يا رحيق.... اياك ان تشعري شخصا يوما أي شخص حتي وان كانت امي انك قليلة
لانك لست كذلك ابدا... انت الاغلي قدرا عندي والاعلي مقاما بين كل البشر)
جذبت كفه وهي توشك علي البكاء نادمة
( هل ازعجتك تلك الدرجة...هلال ارجوك لاتنزعج رجاءا)
حاول الالتزام بوجه الغاضب الا انه لم يعد يتحمل فقال بتقطيبة عابثة
( انت من تجذبين يدي اليك هل لاحظت؟ انت من تجريني جرا للغواية.... وانا لن اتعبك واقاوم)
افلتت يده بسرعة ثم ضربته عليها بغيظ خجول
( توقف عن تلك التلميحات المعيبة...)
ضحك بخفة وهو يحاول جذب يدها يده الا انها لم تمكنه
( قطعا سأتوقف عن التلميحات وابدأ بالعمل فورا...)
صوت رسالة علي هاتفه قاطع محاولاته الحثيثة ان يحتضن كفها الصغير المكتنز بين كفيه
( " وجه غاضب" انا اراقبك من نافذة المنزل .... والله ان لم تتهذب لأتي اليك وأريك مقامك)
اكتنف هلال الغيظ الشديد وهويري اسم المرسل بالرغم من عدم حاجته لتأكيد " عزووز"
لم يرد برسالة بل وقف وهتف بصوت عال وهو يتطلع في احدي النوافذ
( لقد أصبحت خطيبتي.... اخبط راسك في حائط غرفتك يا عز)
فتح عز بالفعل احدي النوافذ العلوية مادا رأسه خارجها ليهتف بصوت يوازي صوت هلال
( هل اصبح الامر هكذا! انتظرني فقط انهي عشائي وأحيل حياتك لجحيم...) ثم تناول قضمة كبيرة من شطيرة كانت بيده واستطرد
( انتظرني.... تبقي قضمتان وسأتي لأودبك يا أبو كف رقيق وصغير)
شدت رحيق هلال من قميصه الأبيض ليجلس وهي تهمس
( هلال اجلس ارجوك.... اريد ان اخبرك شيئا مهما قبل ان يخرج الجميع لتناول الكيك في الحديقة)
بالرغم من غيظه من عز الا انه تناساه متوعدا وجلس يستمع اليها وهو يلتفت كل لحظة لعز الذي اكد علي عدم تزحزحه من وقفته المتطفلة وهو يجلس علي حافة النافذة بطفولية
( هلال.... تحدثني دوما عن انه يجب علي الوثوق في نفسي اكثر صحيح؟)
هز هلال رأسه وهو يبتسم لها مشجعا حين لاحظ ارتباكها
( لقد فكرت فيما اريد فعله لتقوية ثقتي بنفسي وبجسمي الذي هو نقطة ضعفي)
همس بحرارة اخجلتها
( ونقطة ضعفي انا الأخر وحياتك)
أشار لها ان تستطرد بعد ان حدجته بنظرة قاتلة
( انا فكرت كثيرا ووجدت ان علي القيام بشئ احب فعله واتمني ان اتقنه.... لذا بحثت علي الانترنت ووجدت مدرسة لتعليم الرقص بأنواعه للإناث فقط طبعا)
رد فعله كان مزعج وغير متوقع حيث انه انفحر ضاحكا وهو يخبط كفيه باستمتاع حتي دمعت عيناه
( هلال توقف عن الضحك... هل تسخر من فكرتي ! ام تري وزني لا يليق بالرقص؟)
توقف بالفعل عن الضحك وهو يضيق عيناه ناظرا اليها ثم رفع سبابته محذرا
( رحيق لثاني مرة في اقل من ساعة انبهك لثاني مرة رحيق ان تنتبهي لنظرتك المشوشة لنفسك... والتي ستتسبب في ان اشج رأسك نصفين يوما واخرج عقلك ارتبه بطريقة افضل واعيده للداخل...
اما الان فهذه هي اخر مرة احذرك ان تؤلي كلامي كما ترغبين لاني لن اراقب كل ما تفوه به امام زوجتي خوفا ان تفهمني بطريقة خاطئة)
زوجته...! هل قال زوجته حقا! نست كل ماتفوه به لتعترف لنفسها ان تلك الكلمة احلي ماسمعت من اوصاف
( زوجة هلال عدي) امالت رأسها بإبتسامة رقيقة وهي تراقب ملامحه الوسيمة... عيناه اللامعة والتي كانت سببا في كنيته (الفتي الذهبي) ولكن نظراتها تخطت ملامحه وهي تسجل صفاته الرائعة صفة تلو الأخرى
الشهامة... الايثار... التحضر الذي لا يخلو من نكهة العنجهية الشرقية ذاتها... الحنان
( افهم من هذه النظرة انني نلت قليلا من الرضا)
انتبهت لصوته الرائق وحاولت الخروج من حالة الهيام التي انتابتها فجأة
( لم ترد علي ماقلت .... سأرسل لك رقم وعنوان المدرسة وبإمكانك التأكد من كل تفاصيلها قبل ان اشترك)
ضرب كفيه وهو يقول مندهشا
( لاحول ولاقوة الا بالله.... الم تجدي سوي الرقص لتزيدي ثقتك بنفسك.؟ ما رأيك بالذهاب للدار مع هانيا؟ او تعلم الكورشية مثلا)
اجابت بمهادنة رقيقة
( ولكن تلك هي الطريقة التي اخترتها لازيد ثقتي بنفسي وبشكلي.... كما ان كثير من التجارب اثبتت ان الرقص يساعد فعلا علي رفع معنويات الفرد.. ... ثم اني لا أقول سأرقص في الشارع او امام أشخاصا اغراب...)
رمت ورقتها الأخيرة بحرفية بنات حواء في الارضاخ
( سأرقص في مدرسة مؤمنة مئة بالمئة بزي محترم... ثم ارقص بعدها لزوجي وحده)
لن تنسي ما حيت تعبير وجهه في هذه اللحظة ... عيناه تبرق بخطورة... وملامحه تلون بجدية عجيبة ... اما أنفاسه المتهدجة فكانت دليلا قاطعا ان رحيق الصغيرة اصابت وترا خطيرا
( رحيق...لا تتلاعبي معي ببراءة في هذه النقطة خصيصا .... فما ستكتشفينه عني قريبا اني رجل شغووووووف)
خروج العائلة للحديقة واندفاع سچي اليهم كانت نجدة وصلت اليها في الوقت المناسب

تحول الاحتفال البسيط في الحديقة لمهرجان مسائي حافل بين مشاغبات عز وهلال التي لاتنتهي ونقاشات مهيرة الساخنة في حقوق المرأة والطفل
وقفت هند تعبئ مع عمتها وامها اطباق الحلوي لتوزعها علي افراد العائلة دون ان تظهر وجومها وهي تلاحظ خطيبها اكرم ينأيي بنفسه عن الباقيين ويتخذ مقعدا بعيدا ملاذا له
لكزتها عمتها منتهي بحنو ( اتركي الاطباق يا هند واذهبي لتجلسي مع خطيبك.... ليس علي طبيعته اليوم ابدا)
حاولت التملص في توتر الا ان اقتراب أمها مع نظرة متوعدة جعلها تتجه مرغمة لحيث اكرم
راقب اكرم مايحدث من بعيد بعين نصف مغلقة... وقلب منقبض
رأها تقترب في خطواتها الهادئة وملامحها المرسومة لاتشي بشئ كعادتها
وكأن كل خطوة تأخذها لتقترب منه.... سنة مضت يتذكر فيها عشقه لها
حتي الان لايعرف متي كانت اللحظة الحاسمة التي اعلن فيها قلبه استسلامه ورمي راياته مسلما بحب هند ابنة عدي
كل مايعرفه انه تربي في هذا البيت الذي قضي فيه اغلب أيام الطفولة والمراهقة مع اعز أصدقائه زين ..... زاد من هذا الترابط العلاقة الطيبة التي تربط الاسرتين حتي ان أبا اكرم ينادي الحاج منصور " ابي"
لم يكن هناك ذلك الاختلاط القوي بينه وبين فتيات البيت .... الا ان هند كانت دوما موجوده .... رابضة في ثنايا قلبه وعقله ليعترف انه بها مغرم
وجاءت لحظة الاعتراف حين اتاه صديقه يوما منهارا يعترف
( اكرم ليس لي سواك لاخبره بمعضلتي.... انا مغرم بإبنة خالي)
انحبست يومها انفاس اكرم ومر بدقائق تمني فيها الموت.... لا ليس الموت.... وانما التلاشي كأنه لم يكن هنا يوما علي هذه الأرض
الا انه بصعوبة وجد صوته الذي خرج مكتوما بآه
( وهل تعتقد ان هند تبادلك المشاعر).... في البداية تطلع فيه زين بغباء قبل ان يقول
( ومال هند ومالي .... انا احب مياس)
فماكان من اكرم الا ان ضرب ظهر صديقه ليتفوه باعتراف لنفسه قبل ان يكون لصديقه
( جيد... لاني احب هند وكانت ستصبح كارثة اذا احببتها انت الاخر)
وها هو يخطبها منذ سنة كما أراد دوما وتمني.... وقد اصبح بإمكانه " فتح بيت" خاصة وهو يعمل في احد البنوك بمرتب جيد واشتري شقة صغيرة لطيفة تناسبهم.... ولكنه هو وهو وحده من يؤجل إتمام الزواج
اقتربت هند من اكرم تسأل بجديتها المعتادة
( لماذا تحلس بعيدا يا اكرم.... ارسلتني عمتي لاطمئن عليك)
ابتسم اكرم بسخرية مريرة
( اعرف ان عمتك من ارسلتك.... لاتقلقي لن أتصور او يجمح خيالي لاعتقاد انك انت من تريدين الاطمئنان علي)
اغمضت عينيها ... غير متفاجئة علي أسلوبه الذي تعتاده منذ فترة
عرف انه ألمها بشكل او بأخر لذا وقف وهم بالابتعاد وهو يزفر بنزق
( سأرحل يا هند الان لان كلامي اصبح سخيفا ولا اريد ايلامك)
اعتاد علي ان تتركه يذهب.... اعتاد علي ان تدعه ينهي مكالمتهم الهاتفية ... اعتاد علي عدم اهتمامها .... لذا ظن حين سمع همستها المرتجفة بأن " انتظر لاتذهب" انه بالتأكيد يهلوس من شدة اشتياقه لاهتمامها... فلم يلتفت بل تابع طريقه وقطع خطوتين
لكنها كانت اسرع منه وهي تقطع طريقه واقفة امامه برأس مرفوع وذقن عالية تهمس بأسنان مغلقة في صرامة
( لن تذهب.... انهيها الان )
اتسعت عيناه متفاجئا... رغم جمودها الذي قتله لسنة الا انها لم تكن يوما الا تلك الفتاة اللطيفة خانقة التهذيب
سأل باستنكار
( ماذا تعنين؟)
رفعت حاجبا لاعلي وهي تعقد ذراعيها امام صدرها بحسم عنيف ذكره بأبيها
( سننهي تلك الخطبة الان يا اكرم... لقد تحملت منك سوء المعاملة لفترة وانا ابرر لنفسي انه ربما تكون مرهق في العمل.... لكني افهم الان انك تماطل في عقد القران او إتمام الزواج ..... لذا لننهي تلك الخطبة الان واذا اردت مني انهائها فلك ذلك لاعفيك الحرج مع عائلتي)
ولتثبت له جديتها التفتت عائدة لحيث جدها او ابيها.
وقف اكرم مسمرا .... وقد اخذه عامل المفاجأة تماما أصابه بشلل مؤقت
هند التي تحدث بالشوكة والسكين تنفعل وتهدد بعذا الشكل؟
ماذا سيفعل الان حين تعلن رفضها استمرار الخطبة امام أهلها ؟ فإذا كان واثقا من شيء هو ان عائلة منصور لاترغم فتياتها علي الزواج
غاص قلبه في قدميه فاقدا القدرة علي الحركة وهو يري خطوات هند لا تتوقف وقد أصبحت في دائرة العائلة بالفعل
( غبي.... هل ستتركها تضيع بهذه السهولة)
وأخيرا عاندت قدماه عقله المتخشب لينطلق راكضا خلفها عله يمنعها من الوصول لجدها.
اما هند التي لم تتوقع منه ابدا هذا التراخي..... تصورت انه سيركض خلفها يمنعها من الإعلان عن فسخ الخطبة
ولكنه لم يفعل
وهي لم تعد تدري ما عليها فعله.... كل خطوة تقربها من رجال عائلتها المجتمعين تعصر قلبها عصرا
ومع ذلك هي ابنة عدي عبدالحميد.... تملك روحه الثائرة وكرامته العنيدة
لذا استمرت في خطواتها بلا تباطئ او تلكؤ
وهي تدعو الله ان يلهمها الحل ....الذي يمنعها مما هي مقبلة عليه
( تعالي ياهند خذي طبق الحلوي وتناوليه كله)
صوت جدتها هزيمة تشتكي نحافة هند كما تفعل دوما كان اشبه ببرق انار عقل الأخيرة .... بالحل المناسب
( حيلة الانثي الاقدم.... اذا ضاقت بك السبل والحيل .... اصطنعي الاغماء...اذا اتي مسرعا فهو شار)
فاغمضت عيناها تستسلم لجاذبية الأرض وهي تضرب جسدها النحيل عند قدمي ابيها.

انتهى
استغفرك ربي و اتوب إليك 

عانق اشواك ازهاريحيث تعيش القصص. اكتشف الآن