الفصل الأول

12.7K 184 7
                                    

الفصل الاول 

(حرام أن يسمى هذا بيت ...إنه سوق...سوووق) صرخ هلال بالأخيرة وهو يدس رأسه بين الوسائد عله يمنع أصوات الضوضاء من الوصول إليه... بلا فائدة 
(سوق يا عديم التربية!) صوت جده منصور جعله ينتفض في فزع راميًا الأغطية والوسائد من فوقه، قبل أن ينتبه أن من معه في الغرفة هو... عز. 
بغل رماه هلال بوسادة وهو يصيح بحنق: (منك لله يا أخي...لقد فزعتني يا ثقيل الظل) 
كان عز مستغرقًا في الضحك لمنظر هلال المشعث المرتعب ليقول من بين ضحكاته (إذا كنت جبان هكذا، لماذا تعيب في القصر الملكي؟) 
كان غيظ هلال قد وصل لأوجه، خاصة وهو يرى عز يستخدم بأريحية شديدة عطوره الغالية....لذا انقض عليه ينتزعها وهو يقول من بين أسنانه: 
(كم مرة علي أن أحذرك من الدخول لغرفتي... واستعمال أشيائي ... كم مرة؟!) 
أجابه عز بلا مبالاة- يشتهر بها: (ما ذنبي إذا كانت غرفتك ومحتوياتها أفضل من غرفتي. طالما الوضع هكذا ستراني كل يوم.) 
بالرغم من أن أحجام الغرف كلها تقريبا متساوية، إلا أن تميز غرفة هلال أتى من شخصه هو ...ذلك لأنه على عكس عز الصبياني... هلال يعشق الأناقة والهندمة. 
صاح هلال بحنق: (إذا دخلت غرفتي ثانية... لن تنتهي على خير... وعطوري... سأوصلها بالكهرباء) 
ضحك عز باستفزاز (ماذا ستفعل يا محترم حين يمتلئ البيت بالأطفال... سيكون حينها مستشفى مجانين!) 
جلس هلال فوق سريره وهو يقول بعمق: (لا أتخيل سببًا واحدًا يجعلني أستمر في العيش هنا بعد الزواج... بالرغم من أني سعيد لزواج مياس وزين في منزل منفصل إلا أني لم أتخيل أن يكونا أول من يطالب بهذا، ظننت أن يسبقهما لهذا بتول وقيس!) 
اعلن عز بحكمة: (ذلك يا عزيزي لأنك سطحي... لما قد تفكر بتول في ترك منزل تعود إليه من عملها لتجد كل شيء معد لراحتها... مستحيل طبعًا) 
ثم التفت ليجد هلال يعود للتمدد على سريره بكسل، فيكون دور عز ليقذفه بالوسادة هاتفًا: 
(هيا يا ولد... جدك في انتظارنا لتوزيع مهام اليوم) 
نزل هلال لحيث مجلس جده بعد أن ابدل ملابسه المنزلية بملابس عملية أنيقة، مستعدًا بكل ثقة ليومه الحافل... إلا أنه لم يكن مستعدًا لما رآه. 
كان جده يجلس في مجلسه المفضل، والذي برغم تجديد أثاث المنزل كاملًا عدة مرات إلا أن هذا المجلس العربي الأثري المكون من أرائك منخفضة متراصة لازال يحتل الغرفة الرئيسة
كان الحاج منصور يجلس على إحدى الأرائك، ممدًا ساقيه للأمام براحة بينما رحيق أصغر حفيداته تجلس متربعة عند قدميه تمسدها له بحنان. 
شعرها المنسدل على ملامحها لم يمكنه من رؤيتها... ولكن شيئًا غير جسدها الممتلئ أو ملابسها المألوفة هو ما جعل هلال مدركًا لوجودها في الغرفة، كان هذا هو شعوره بأن نبضات قلبه تبعثرت... بأن حرارة تنتابه في نصف جسده الأيمن يقابلها برودة في النصف الأيسر. 
(تعال يا هلال... البيت بيتك) 
نبهه عز بغمزة، من استغراقه في تأملها قبل أن يلاحظه جده... التفت له الجد ورحيق كلاً بتعبير وجه مختلف. 
أما رحيق فقابلته بتلك الابتسامة التي يعرف أنها تخصه بها دون سواه... ابتسامة بمعني، ( أهلا صديقي... شقيقي... أبي ... ابني... أي مسمي غير... حبيب) 
وأما الجد فكان يبتسم ابتسامة العارف ببواطن الأمور. قبل أن يشير له أن يجلس دون كلمة: 
(أرأيت يا رحيق؛ يريدون ترك بيت جدك العجوز. لم يعد البيت يستهويهم) 
نقل هلال نظرات قاتلة لعز، الذي نفى بحركة رأس أن يكون قد أوصل كلامه لجده. 
(لا تقلق حبيبي... لن أترك البيت أبدًا ...أعدك سأبقى فيه لآخر عمري) 
كانت تلك رحيق التي وعدت بقوة وحماس طفولي يميزها ليؤمن هلال دون تفكير: 
(لن أترك البيت أبدًا يا... يا جدي) 
لم تكن نظراته وهو يعد موجهة حتى لجده، كانت موجهة لتلك الغافلة التي تمسد قدمه، موجهة لتلك التي يتمناها. 
انفجر عز ضاحكًا وهو يلاعب حاجبيه بسخرية: ( صحيح رجل يا هلال... رجل وكلمتك واحدة.) 
قال منصور بصوته الحازم ساحبًا قدمه برفق: (هيا يا صغيرة... اذهبي لتساعدي الفتيات... فاليوم زفاف أخيك وابنة خالك...أي أن واجباتك مضاعفة) 
أجابت رحيق وهي تعتدل بحماس، وتلملم شعرها بيد بينما يدها الأخرى تعدل من عباءتها المنزلية التي أهداها لها هلال من إحدى أسفاره. 
كانت عباءة سوداء بها رسمات * ميكي ماوس* بيضاء صغيرة، وقبعة ظهر حمراء لها أذنين كما الشخصية الكارتونية. 
بالرغم من أنه اضطر لشراء هدايا لكل فتيات المنزل إلا أنه لا يستطيع رؤية ما يليق بها إلا وسارع في شراءه. لذا تنهد بحنان وهي تمر بجواره كعادتها وجنتيها المكتنزتين حمراوان بلذة. 
(ألن تتوقف يا ابن عدي عن التنهدات والنظرات المائعة تلك!) قال منصور بصوت خفيض إنما واضح الشدة. 
تأفف هلال في سره بينما يتطلع بعز المراقب بابتسامة سمجة. 
(صراحة يا جدي لا أجد سببًا واحدًا يمنعنا الآن من طلب رحيق من عمي قاسم... لقد انهت سنتها الأخيرة في المدرسة بمجموع مرتفع جدًا يؤهلها لأفضل الكليات...) 
قاطعه جده بتململ لهذا الحديث المكرر مئات المرات وهو ينهض مستندًا على عصاه ليغادر الغرفة بعد أن أعلنها صارمة: (لن يفتح هذا الموضوع مع أي شخص إلا حين أقرر أنا... لن نكرر أخطاء الماضي) 
ضحك عز مقهقها وهو يخبط هلال المتميز غيظًا على ذراعه هاتفًا: (قرر جدك إعلان توبته على يدك... يبدو أن طريقك مسدود مسدود مسدود) 
كان عز يغنيها بأعلى صوته النشاز وهو يشد هلال لخارج المجلس ليتفاجأ بأمه تقف أمامه متربعة في غيظ. 
سارع إليها يحتضنها بكلتا ذراعيه لتختبئ بجسدها الضئيل داخل حناياه... بالرغم من كون عز ليس في طول هلال أو زين إلا أنه لا زال أطول من أمه التي لم يتغير جسمها كثيرًا مع مرور السنوات... إلا من إصابة رجلها في ذاك الحادث. 
(أمي الوردية الجميلة... صباح جميل يا غيمتنا ال...) قاطعته منتهى بضربات متتالية على صدره وذراعه وهي تهتف بغيظ: (كم مرة علي أن انبهك ألا تستخدم تلك الكلمات) 
عاد عز يلاعب حاجبيه وهو يقول بخبث: (إذًا يحق لقاسم ولا يحق لي..) 
هرب عز راكضًا قبل أن تناله بضرباتها لتهتف في إثره: (اذهب للبحث عن العريس حتى نقضي مشاغلنا)، ثم التفتت بنبرة مغايرة تمامًا تتسم بنعومة ومحبة فياضة، وهي تلف هلال بذراعها من وسطه معلنة: (أما أنت يا حبيب عمتك فتعال لتشرب القرفة باللبن من يدي قبل خروجك للعمل حتي تصبح هادئًا إنما ذكيًا نشيطًا) 
لم يعترض هلال كعادته على قرفة عمته أبدًا. 


عانق اشواك ازهاريحيث تعيش القصص. اكتشف الآن