الفصل الثاني

8.3K 160 14
                                    

الفصل الثاني 

- لن تصدقي ما حدث بالأمس! 
= ماذا؟ هيا أخبريني بسرعة. 
- لقد نفذت هانيا تهديدها فعلًا... وحضرت الحفل بلا حجاب وقد قصت شعرها قصيرًا جدًا... لا أدري ما قد تكون ردة فعل أبي وحسن إذا ما عرفا. 
= ماذا فعلت رقية؟ 
منهارة... ولكن جدي منصور أصر أنّ هانيا تحتاج لوقت وفرصة... وألا يتدخل هو. 
قطبت غفران جبينها بقلق... وخوفها على ابنة أخيها يأكل قلبها. 
هانيا... صغيرتها المتهورة، على ماذا تنوي المزعجة الجميلة؟! 
وفي ثوان تلاشى تقطيبها وهي تعض شفتيها بحياء... وعينيها تغيم بحنين وهي تطبع الأحرف لهوينا على هاتفها... 
= هل رأيته بالأمس؟ هل جاء شهاب؟ 
توترت هوينا على الجانب الآخر، بالرغم من المسافات التي تفصلهما عن بعض، ولكن هل ستستطيع الكذب، هل تخبرها ببساطة عن لهفته حين دخل الحفل يبحث بعينيه عن غفران بين البنات؟ هل تخبرها عن هذا الأسى الذي أجاد إخفائه بابتسامته البلاستيكية؟ لا لن تخبرها... لذا طبعت بسرعة 
- نعم حضر... يبدو كما هو... تعرفين أني لن أدقق النظر لرجل. 
لم تتلق الرد لوقت... 
كانت هوينا تعرف جيدًا ما تمر به عمتها على الجانب الآخر. رأتها عدد لا يحصى من المرات وهي في تلك الحالة، حالة من الحنين الموجوع... حنين مجرد من الحنان... حنين قاسي يذبح ببطء شديد... وإلا لما استمر كل تلك السنين. 
= حضر حسن... أحادثك ثانية هوينا. 
وقبل أن تصلها كلمة التوديع من هوينا كانت تغلق الهاتف كله لتضعه على الطاولة بهدوء. ونفس الابتسامة البلاستيكية التي كانت منذ سويعات على فم شهاب، مرسومة على شفتي غفران، تواجه بها حسن المقترب منها محملًا بالأكياس الورقية لمطعم قريب. 
وضع حسن الأكياس على الطاولة الخشبية الصغيرة في ردهة الشقة الصغيرة، التي يستعملها ووالده كمكتب لإدارة أعمالهم المختصة في أدوات الحفر، التي يعتبر إبراهيم ومن بعده حسن من أشهر السائقين في تلك المهنة. 
(لا يعني أني جررتك معي في يوم إجازة لمساعدتي أنا وأبي في كل أعمالنا المتعلقة، ألا نكافئك بوجبة محترمة.) 
ابتسمت لحسن بحب جارف وهي مدركة لكل ما يحاول فعله. بداية من إصراره على اصطحابها للعمل حتى لا تبقى وحيدة... مرورًا بكل مزحاته التي توقن أنه يبذل مجهودًا خارقًا حتى يعبر عنها... فحسن أبعد ما يكون عن المازح. 
تعرف أنه يكره وحدتها... وبقاءها كل هذا الوقت وحيدة في المنزل بلا اختيه وأمه. 
(هيا لن أدعك تفلتين من إلحاحي إلا حين تنهين كل طعامك)، كان يفرغ الطعام من الأكياس بعد أن جثى على ركبتيه أمامها لا تفصله عنها سوى الطاولة. 
كان حسن لا يزال في محاولاته لرسم ابتسامة على شفتيها، ابتسامة حقيقية. يتحدث بحماس غريب عنه... يحرك يديه ويمزح و... فجأة خرج الأمر عن سيطرته لتفلت منه علبة تحوي صلصة حمراء ملطخة عباءتها السوداء. 
كان حسن خجلًا، وهو يحاول تنظيف العباءة، بينما هي ولأول مرة منذ زمن تضحك ضحكة حقيقية على حركاته المحرجة. 
(غفران توقفي عن الضحك وساعديني في تلك الورطة... إذا خرج أبي ورأى هذا المشهد فلن يكون سعيدًا أبدًا) 
كانت لا تزال مستغرقة في الضحك، بينما يمسك هو بمنديل ورقي يمسح الصلصة عن ذراع العباءة؛ 
(السلام عليكم ورحمة الله... هل جئت في وقت غير مناسب) 
صوتًا ذي سطوة... من تلك الأصوات التي تجعلك دون سبب، خجلًا من تصرفاتك الصبيانية. 
توقفت غفران عن الضحك وهي تضع عينيها في الطعام أمامها بعد أن استرقت النظر لصاحب الصوت... كان رجلًا في جلباب أسود وغترة بيضاء... بدا لها -خاصة مع ذقنه التي يخالط شيبها السواد- في الأربعينيات. 
(أهلًا سيد نعمان... لا تقل هذا أرجوك المكان مكانك.) 
صمته لثوان مع صوت حسن الممتعض بالرغم من مجاملته، جعلها ترفع عينيها التي بدت لذلك الناظر واسعة جدًا... واسعة كبئر من العسل الأسود الرائق... 
صدمت غفران من نظرات ذلك النعمان الغريبة، ما بين غضب و... إعجاب... لذا سارعت بخفض عينيها ثانية... 
تتشاغل بطعامها بينما صوت حسن يتردد في أذنيها واضح النبرة... شيئًا من الغيرة والحمية... شيئًا من التبرير... وكثير من الحمائية... صوت رجل يكره أن يُنظر لمن يخصونه نظرة خاطئة: (كنت كما ترى أتناول طعام الغداء مع... عمتي.) 

عانق اشواك ازهاريحيث تعيش القصص. اكتشف الآن