الفصل الثاني عشر

5.8K 148 5
                                    




جلست تضع رأسها علي طاولة المطبخ وهي تسمع اخيها يودع اخر المعزين.... لا تتوقف عن البكاء مهما حاولت
قلبها يؤلمها .... غائر في صدرها وهي تقنع نفسها ان أمها... ماتت ... لم تعد في تلك الدنيا تواسيها بقلبها الأبيض ورحها الطيبة
لمسة قويةعلي كتفها نبهتها لوجود اخيها بجوارها...
ركع إبراهيم علي ركبتيه ليصبح في مستوي رأسها... وعيناه الدافئة تبث عيناها الأمان
( توقفي حبيبتي عن البكاء لقد شحب لونك وغارت عيناك...)
ثم احتضن كفيها في كفه وهو يهمس مقسما
( اعدك غفورتي مقسما بالله انك من الان اغلي امانة في رقبتي ليوم الدين)
وكم وفي بوعده لسنوات ..... لازالت تذكر تلك اللليلة حين سقطت مغشيا عليهالرفضها الطعام بعد عودتها من احدي الاجاازات ومفارقتها لشهاب
لم ينتظر إبراهيم ليلتها وصول الطبيب .... بل حملها كرضيعة بين ذراعيه وجري بها كالمجنون حتي اول حيهم حيث المركز الطبي....
اراحت غفران رأسها للوراء وهي تتمتع بحرارة الشمس تداعبها في حديقة المستشفى... ولا زالت ذكري اخ حنؤن تداعبها
هي اكثر من مدركة لخطورة خطواتها القادمة... لكنها ستحكم عقلها الان وبقسوة
بقسوة بدأتها مع رسالتها الصغيرة التي أرسلتها لابراهيم حين استفاقت
( امانة ابويك فرطت فيها لسنوات يا إبراهيم ... وستعود لبيت عائلتها حيث لن يهينها احد ثانية)
نعم عليها ان تكون قوية حاسمة في كل خطوة قادمة .... يكفيها ظلما لنفسها.... يكفيها ظلما لشهاب.
اسمه استجلب ابتسامة مرتعشة فوق شفتيها وهي تتذكر طلبه منذ يومين
" تزوجيني... الان" طلبه كان واضحا... متسلطا بنبرته الحانية
وللحظة ترددت.... ترددها فجر ينابيع بهجة في روح شهاب
والغام خوف في نفس حسن الذي هتف بعصبية
( شهاب.... لقد وافقت علي زيارتك لها ويعلم الله اني انتويت ان اقف معكمامن هذه اللحظة .... لكن هذا لايعني ابدا ان أوافق علي كارثة كالتي تتحدث عنها)
ايده معاذ بقوة ( نعم ياشهاب.... لنخطط لطريقة يصبح فيه زواجكما مقبولا من إبراهيم في مرحلة ما... لا ان نخسره للابد)
موافقة شهاب علي مضض لم تأت الا بعد إعلانها انها ستعود لمصر بمجرد خروجها من المستشفى
الأيام التي تلت لقاءهما الأول كانت لحظات بهجة وان حاول كلاهما ستر الخوف المتأصل من فراق جديد
كان شهاب يتعامل كخطيب اصيل وهو يخرج من المستشفى كل عدة ساعات ليعود بمختلف الأطعمة والحلوي والعصائر لها ولحسن ومعاذ......وحتي طاقم التمريض من الفتيات التي سحرهن ذلك الحبيب الأسطوري بعيونه الخضراء
اصابتها رجفة وهي تذكر رد فعل شهاب حين دخل هذا الصباح ليجد غزو وردي يملئ غرفتها
حافظ شهاب وهو يحييها ويحيي حسن علي ابتسامته الحانية التي لم تر يوما في جمالها .... ابتسامة كانت دوما ترافقها فيايامها تخفف غربتها
لكن تلك الابتسامة انحسرت عن عينيه وان كانت لازالت تعانق الشفتين بتكلف وهو يقرأ الكارت المصاحب لكل باقة تحمل جملة واحدة واسم
( رجاءا تحسني الان.... نعمان)
حاولت ان تتحكم في ملامحها فلايبدو الفزع عليها.... ويبدو ان البريئة تحمل داخلها صفات انثوية تخرج عند الحاجة منها المكر
( من نعمان هذا يا تري؟)هل كان صوته مختلفا! بدا لأذنيها وكأن صوت شهاب الحنون قد تحول لبرد صقيعي جمد اوصالها
لكنها اشارت ببساطة اثارت تعجب حسن
( انه شريك اخي.... لا اكثر)
هز رأسه ولازال الابتسامة المتكلفة نفسها علي وجهه
( وهل رأك من قبل هذ النعمان حتي يرسل لك الورد والدباديب متمنيا الشفاء بهذه الحرارة)
كانت أمها دوما تقول مثل ليدل علي الخوف الشديد" لو ذبحت الان لم يكن ليجد بجسدها نقطة دم واحدة"
كان هذا شعورها بالضبط وهي ترفع كتفيها نافية
( لا لم اره من قبل .... يبدو انه عرف ويريد مجاملة اخي لا اكثر)
لم تخش مما قالت .... وهي علي يقين ان طريقي شهاب ونعمان لن يتقاطعا ابدا.... لذا ردت علي نظرة العتب من حسن بنظرة قوية
اتسعت ابتسامة شهاب وهو يحمل الدبدوب المعانق لعلبة حلوي وهو يناوله للممرضة التي دخلت للتو معلنا بسيطرة
( هذه هدية من انسة غفران لك لتعبك معها انسة مني)
سعدت الممرضة كثيرا وهي تري علبة الحلوي القيمة وهمت تخرج قبل ان قول شهاب وهو يراقب اختلاجات غفران
( اما الورد فأرجوك استدعي عامل النظافة ليأتي ويجمعه في القمامة ..... فورا)


الاختباء هو الحل الأمثل..... هذا هو ما اقنعت به رحيق نفسها وهي تلزم ملحقهم بعيدا عن الجميع.... طلبا لهدوء النفس الذي غادرها مع كل مرة تلمح فيها هلال
هلال الذي بدوره لم يعطها سببا واحدا للراحة وهو يلاحقها وان كانت بالنظرات فقط او بالعبارات المبطنة التي تجعلها تذوب خجلا
كتلك المرة التي دخل فيها المطبخ حيث كانت تتناول الإفطار مع جدتها هزيمة.... فأنحني ونظراته مسلطة عليها علي يد جدته يقبلها
هامسا ( ماشاء الله جدتي ... تزدادين جمالا كل صباح.... يالك من محظوظ يا هلال يا ابن سهر ان كل هذه الفتنة من نصيبك)
لم تكن ندا له في تلك المعركة .... لذا اختبئت مؤثرة السلامة علي البهجة التي تنتابها كلما رأته وغازلها.
بدت لعز في جلستها شاردة عي الاريكة ... تتلاعب في شعرها بأحدي يديها واليد الأخرى تضع في فمها حبات المكسرات بشرود
اقترب منها ينوي المشاغبة.... ولكن ارتعاشة ذقنها في دليل واضح انها تحبس دمعاتها قسرا جعله يفعل الغير متوقع
لف عز ذراعه حول رخيق بحنان وانحني يقبل شعرها وسط دهشتها العظيمة وهي تهتف
( عز يحتضنني ويقبلني؟ هل اخبرك احدهم اني سأموت)
ضربها علي ذراعها بغل وهو يصيح
( قطع لسانك يا فتاة ... اطال الله عمرك)
ضحكت مقهقة وهي تسأله ( هل تدعو لي ام علي؟)
ارتاح عز لضحكتها فقال بهدوء
( اشعر في بعض الأحيان ان اهتمامي بالجميع وانشغالي بأمور العائلة والعمل يجعلني مقصر جدا في حقك.... صحيح؟)
هزت رحيق رأسها نافية وهي تؤكد
( لا تفكر ابدا هكذا يا عز.... اعانك الله علي الدور الذي اعطاك له جدي منذ صغرك.... وبالرغم من انشغالك فأنت دوما بالقرب ... صحيح؟)
قلدت صوته وهي تقول كلمتها الأخيرة في إشارة لمواقفه مع هلال ومعها.
ناغشها وهويقبض حفنة كبيرة من المكسرات ويرميها في فمه ويقول بفم ممتلئ
( ألن تريحيني قريبا من مهمتي كدبور لا اتوقف عن الحوم حول رأس المسكين امنعه من اختطافك)
ضحكت مقهقهة لتعبيره الذي صحبه بصوت "زنة" الدبور.... ثم تنهدت بعمق وهي تبحث عن رد فلا تجد
بعثر شعرها وهو يتطلع فيها بحنان جعله اقرب شبها لجده
( كوني انانية رحيق... فالحب في كثير من الأحيان وفي صورته البدائية..هو الانانية)
هتفت رحيق مستنكرة ما يقول عز
( بالطبع لا يا عز.... الحب يعني التضحية والايثار.... الانانية شيء بغيض لا يمت للحب بصلة)
هز رأسه بسخرية لطفوليتها التي لازال يراها وهو يرفع قدميه يريحهما علي الطاولة
( اذا فلتتمسكي برأيك ولاقنعك برأيي.... ولنبدأ انستي بعرض علاقات الحب الأسطورية في نظرك... ونبحث عن الانانية التي قادت اليها)
عقدت رحيق ذراعيها امام صدرها وهي تقطب بتحدي في انتظار ما سيقول
( لنبدأ بأخاك المحترم الذي احكم اسره حول ماسته قبل ان يعلن شروطه حتي يضمن انها تورطت فيه تمام التورط...
وماذا عن قيس الذي لا اعتقد انه يسهر اللليالي يفكر في فارق السن بينه وبين بتول .... وبتول التي لا اتصورها معذبة الضمير لتلاعبها بقيس لسنوات حتي وضعته تماما حيث تريد)
بدا علي رحيق الاستغراق في تحليل مايقول فأنتهزها فرصة وهو يجهز عليها بمثاله الأخير
( اذا لم يكن في الحب قدرا كبيرا من الانانية المحببة ..... كتلك المرارة في نهاية كوب قهوة من يد جدتك هزيمة فأخبريني اذا... الم يكن من الانانية ان يوقع ابن العم الارمل والذي سبق له الزواج مرتين ابنة عمه الصغيره في حبه .... بل ويجعلها تربي له ابنا )
رفعت رحيق وجهها لعز بصدمة وهي تدرك ان مثاله الأخير ما هو الا ابويها فاستطرد وهو يبتسم مطمئنا
( ولكنه الحب... الذي يجعل المرء منا من الانانية بحيث يري نفسه بكل عيوبها واخطائها السبيل الأوحد لاسعاد الاخر)
كان ينطق كلمته الأخير حين لمح متلصصا يحوم حول الملحق.... فأبتسم بشيطنة وهو يحتضن رحيق بقوة مفاجئة... فلم تمر بعدها سوي ثانية قبل ان يقاطعهما طرقات عنيفة كادت تخلع الباب
دخل هلال كأعصار غاضب وعلامات الاجرام ترتسم علي وجهه وهو يدفع عز بغيظ صائحا
( هل علي ان اجدها كل دقيقة في احضانك انت او جدك.... يوما ما سأخذها وارحل من هذا البيت وتطلبون الاذن لكي تروها)
خبطت رحيق قدمها في الأرض بثورة
( ومن سيوافق علي هذا الهراء.... بعد الزواج سنعيش هنا.... لن استطيع الابتعاد عن جدي )
تجمدت ... وتجمد ...بينما عز يجلس مستريحا يراقب الموقف في فضول
تجمدت حين ادركت انها لتوها أعلنت موافقتها علي الزواج منه.... موافقتها علي ان تكون انانية... تطالبه بأغراقها في حبه حتي تطمئن... وتسلم مقاليد قلبها له.
تجمد حين ادرك انها وافقت علي فتح بابا ولو ضيقا... ليس غبيا متوهما انها تحبه كما يحبها... ولكنها الان في قبضته ليمارس عليها سلطان الحب وديكتاتوريته .... ماحيا ترهات ترددها ومخاوفها... زارعا مكانها بساتين ورد بلون خديها
تنحنح هلال عدة مرات ليخرج صوته متحشرجا وهو يهمس لها
( سأذهب الان لجدك وابيك ... لتكونين ايقونتي الان ووحدي للابد)
غمرها الخجل... الترقب... الخوف الممزوج بلهفة وهي تغمغم
( لكنك قلت لي قبلا انها ستكون خطبة... حتي نتأكد من مشاعرنا)
حمد الله في قلبه ان عز المزعج موجود في هذه اللحظة والا لكانت الان بين ذراعيه يطمئن قلبها الوجل
خرج صوته حارا وحروفه تعانق وجنتيها الموردتين
( لقد كذبت .... وها انا اعلن توبتي .... سأصلح خطأي واتزوجك فورا كرد اعتبار لكذبي علي ايقونتي)



استعدت هانيا للذهاب للدار.... وقد حرصت كما الحال الأيام السابقة علي اناقة غير مسبوقة فأرتدت بنطالا مزركشا بعد الوان استعارته من جميلة مع قميصا اسودا سرقته من دولاب هوينا .... ولأنه كانا فضفاضا طويلا كما الحال مع كافة ملابس هوينا
فقد ادخلته هانيا من داخل البنطال وزاد علي تفاصيله حزاما عريضا يحدد تقاسيم جسدها بدقة متناهية.
حين تطلعت بصورتها في المرآة رضت تماما عن النتيجة ولكنها قطبت وهي تدرك ان جدها وعز سيعترضان .... لذا قررت الخروج خلسة دون علم احد.
خرجت هانيا من غرفتها تمشي بهدوء شديد حتي كادت ان تصل للسلم المؤدي للاسفل الا ان صوت بكاء خفيض جدا جذب انتباهها ... بكاء تميزه من بين ألالف الأصوات لانه لايمر بقناتها السمعية وانما يمر بشرايين قلبها ويسبب انقباضه
زفرت بحنفق وهي تعود لغرفة هوينا وتقتحمها دون استئذان....
دهشت وهي تري هوينا لاتزال بملابس النوم المحتشمة جالسة فوق السرير تبكي...
( لماذا لم ترتدي ملابسك للذهاب للعمل؟ اتمني ان تكوني مريضة)
قالتها هانيا بأسلوب إبراهيم... كما تسميه أمها.... أسلوبا اكتسبته منه علي مر السنوات الماضية حتي لاتظهر اهتماما او عاطفة
ردت هوينا بوهن وانما باصرار
( لاتشغلي بالك بي.... اعتقد انك نسيتي وجودي أصلا منذ اتينا لهنا)
زفرت هانيا بنزق وهي تصيح بعصبية
( انا المخطئة اني اسأل عنك .... فلتبكي حتي تذوبي كالصابونة لا اهتم)
توقعت هوينا بعد هذه الجملة الوقحة من هاميا ان تلتف وتخرج غير مهتمة .... الا انها ارتمت علي طرف السرير وهي تعيد سؤالها بطريقة ألين وهي تراقب دموع هوينا التي لاتتوقف
( هيا اخبريني ما بك؟ هل انت مريضة فعلا؟)
هزت هوينا رأسها نافية وهي تتمتم بحرج حزين
( لا .... لقد طردت من عملي)
شهقت هانيا وهي تضرب صدرها في حركة ورثتها عن خالتها سهر
( ماذا؟ هل نسي ذلك الاحمق انك ابنة اخت معاذ؟ كيف يطردك؟)
ثم تطلعت فيها بشك وهي تسأل
( ماذا فعلت يا حزينة علي عمرك لكي يطردك ؟ لولا اني اعرف تزمتك لقلت اختلست)
لم تتوقف هوينا عن هز رأسها تنفي التهمة عن نفسها قبل ان تجهش بالبكاء وهي تهتف بصوت متقطع
( لقد..... احببته)
صاحت هانيا مصدومة وهي تقفز واقفة فوق السرير
( انت ؟ لا اصدق.... حتي انت يا ساهية يا داهية تحبين ؟)
شدتها هوينا بكل قوتها لتقع علي السرير وهي تكتم صوتها بكفها
( اخرسي ستفضحيني يا غبية)
وضعت هانيا كفها تكتم أنفاسها وهي تحاول السيطرة علي ضحكاتها العالية
( اعذريني يا اختاه...كنت اظنك ستقضين حياتك تخيطين الكورشيه مع امك... )
قالت هوينا بندم حقيقي وهي تنهض من جلستها
( انا المخطئة اني ظننتك عاقلة بما يكفي لاتحدث اليك)
شدتها هانيا وهي تصيح بشقاوة
( ان كنت تظنين اني سأتركك ببساطة تذهبين دون ات تقصين علي القصة بحذافيرها فأنت مخطئة..... هيا فضفضي بكل شيء)
وكم كانت هوينا فعلا بحاجة لرمي عبئها الثقيل علي اختها في تلك اللحظة... لذا بدأت بتردد هامس
( لا اعرف ياهانيا لما شعرت بذلك الشعور تجاهه هو دون أي رجل اخر .... ولكنه شعورا يغمرني يسيطر علي ... اني اريد ان ادخل حياته.... امحو وجع الماضي ... ماضي كان فيه وحيدا دوني)
عضت هانيا علي شفتيها وهي ترمش بعينيها سريعا علها تمنع دمعات تصارع للنزول... كلمات هوينا لمستها وهي تصف مشاعرها نحو يونس بكل دقة.
ولكنها عرفت في اللحظة التي تليها انه شتان ما بين ماضي هذا وماضي ذاك وهي تعود للصياح
( كان مسجونا؟؟؟ وقعتك سوداء.... سوداء جدا اختي الفاضلة)
استطردت هوينا بنزق وملل وكأن مسألة السجن تلك ماهي الا معضلة تافهة
( ليست تلك المشكلة ابدا.... المشكلة انه غامض جدا يا هانيا كما لو كان احد الجواسيس او شيئا كهذا القبيل.... يتحدث دوما بألغاز لا افهمها .. ولكني فقط اشعر بها تقض مضجعه)
حاجتها هانيا وكأنها تحاجي نفسها بكل قوة
( وهل كل هذه المشاعر وكل هذا الألم لاجله تعني استسلامك الشبيه باستسلام عمتك هذا حتي يضيع من بين يديك ويبحث عن اخري تداويه...)
ثم قالت بلوم
( الا اذا كنت انت من لاتحملينه محمل الجد او خجلانة من ماضيه؟)
اجابت هوينا بسرعة تنفي
( لا والله ابدا كيف تقولين هذا... انا فخورة به وبشخصيته المراعية للاخرين وبناءه لحياته بعد مصيبته بقوة ونجاح وكأن تلك الكارثة لم تكن)
كل كلمة كانت تعلنها توأمها كانت تقع علي قلب هانيا كبلسم .... وهي تنتفخ فخرا بحبيبها يونس الذيتنتطبث عليه كل كلمة مماقالتها هوينا
( اذا...) هتفت هانيا بحماس وهي تخبط علي السرير( ستعودين غدا للعمل.... بكل سيطرة وبكل قوة انثوية مدللة ... تعودين وتعلنين سيطرتك حتي يأتي زاحفا طالبا يدك من جدك)
ابتسمت هوينا بحالمية قبل ان تتوتر ملامحها وهي تسأل
( اوتعتقدين انهم سيوافقون عليه... هل تتصورين ان ابي سيوافق عليه كصهر؟)
اجابت هانيا بقوة وهي ترفع حاجبيها في تصميم وهي تعلن لاختها ولنفسها
( حين ستكون الحرب.... سيكون مخطئ اذا ظن انه سيجد منا غفران اخري....لا تعتقدي عزيزتي ان كل رجل هو شهاب.... سيشيب بجوارك في انتظار موافقة السيد الوالد.... علينا حينها فرض رأينا)
ثم حملت حقيبتهاتستعد للمغادرة وتعلن وهي تغمز لهوينا
( توأمتي الرقيقة... يبدو ان نصيبنا في الحب لن يقدم لنا علي طبق من فضة كما هو حال مياس ورحيق.... ولن يكون من نختارهم فتي ذهبيا كهلال او سعد اليتيم كزين .... لذا علينا استفزاز كل قوة فينا لمحاربة الجميع.... وأول من نعلن عليهم الحرب هذان اللذان يظننان انه لازال بإمكانهم الفرار)
وصلت هانيا الدار في سيارة اجرة كما خططت حتي لايراها جدها... ودخلت الدار وقلبها يخفق بسرعة كما لو انه يود الخروج
يخفق ترقبا لرد فعل يونس حين يراها ... تشعر بنفسها جميلة ومميزة... تشعر بالزهو لانها علي الطريق السليم لايقاعه بأنوثتها وجعله يتخلي عن تعقله.
خاب املها قليلا حين عرفت انه سيتأخر لعدة ساعات في عمله الاخر
( لا لا تحزني...) حدثت نفسها مشجعة( لاتفسدي هذه الهالة المثيرة التي تحيطك اليوم سيأتي)
لذا وعلي مدار اليوم كانت لاتزال محتفظة بالبهجة التي تشعرها وهي تنقلها بين العاملات وحتي بدور وهي تدندن لها بأغنية صباح
امشي فى السكة اشوف نفسي كده حلوة وروحي عجباني
واتمني اقابله ولو صدفه ويشوف تسريحتي وفستاني
واكلم نفسي واقول يمكن شافني وعنيه مش عرفاني
واهو بالشكل دي افكار ياما خالتني عايشه فى دوامة

وتضحك كلما ارادت بدور تنبيهها لان ملابسها ضيقة بعض الشئ.... ففي نظرها الأخيرة لاتفهم شيئا
وقفت هانيا في المطبخ بعد ان اجلست طفلا في الثالثة امامها تحاول اطعامه بشتي الطرق.... كان مريضا ويرفض حتي فتح فمه للشرب
الا انها مع اغانيها المبهجة وروحها الطفولية تمكنت من اطعامه بل واضحاكه أيضا غير مدركة للواقف خلفها يراقبها.
حين دخل يونس للدار اتجه كالمجذوب لصوت غنائها الصادح.... اصبح صوتها بالنسبة له كجرعة سكر لا يقو علي التخلي عنها بالرغم من انها مؤذية جدا لحالته.
ما ان رأها حتي شعر بدلو من الماء البارد ينسكب فوق رأسه .... وكم يكره الماء البارد
الغضب بداخله كان يغلي بشكل مخيف.... حتي انه فقد النطق تماما ولم يعد يملك قدرة علي صياغة كلماته.... وكان ذلك لصالحها
التفتت هانيا لتراه يقف امامها بملامح غامضة .... ملامح فسرتها بطريقة خاطئة تماما فتجرأت واقتربت منه تسأل بدلال
( ألن تقول لي كم ابدو جميلة اليوم! يوووونس)
اغمض عيناه لثانية ثم فتحهما وهو يقول بصوت جامد خفيض
( كنت انوي الصمت ولكنك انت من طلبت الكلام.... تبدين جميلة هانيا... بطريقة مبتذلة اشد ابتذال)
صدمة ألجمتها.... وهي تحاول استيعاب اهانته القاسية لكن الضربات لاتأتي فرادي
دخلت بدور مندفعة للمطبخ دون ان تدرك ما يدور وصاحت بهانيت تمد يدها بالهاتف
( اختك هوينا تحاول مهاتفتك ولاتردين فاتصلت علي هاتف الدار.... بسرعة)
تماسكت هانيا وهي تمد يد مرتعشة تلتقط الهاتف ... ويونس يهم بالابتعاد الا ان صوت هانيا وصيحتها اعاده
( ماذا؟ حسن هنا في البلاد....؟ ماذا تعنين سيأتي ليفاجئني؟)
وضعت الهاتف علي الطاولة وهي في حالة هستيرية لاتعي نظرات بدور المتعجبة ولا يونس الذي بدا كمن يوشك علي ان يصور قتيلا
كانت دون ادراك تشد القميص من البنطون تفرده بطوله حتي ركبتيها وتنزع الحزام من حول وسطها .... ثم فجأة وضعت كلتا يديها علي شعرها وهي تهتف بفزع
( سيراني اخي بلا حجاب.... سيقتلني يا بدور.... ارجوك هل تملكين حجابا إضافيا)
بالفعل تحركت بدور لتحضر الحجاب ولكن كلتاهما تسمرت مع صيحة يونس الذي بدا وكأنه اكتفي
( انتظري.... ) ثم التفت لهانيا وهو يقول بإشمئزاز واضح( هل تخافين الان من اخيك؟ نوبة تحديك لابيك انتهت الان ولم تريدين تحمل عواقبها)
خبط عل الطاولة بعنف وهو يستطرد
( ترتدين ما تردين بحجة التحدي.... تخلعين حجابك بحجة التمرد... والان تخافين من اخيك)
ابتسم بسخرية ( ألم تلحظي انك في كل هذا لم تغضبي سوي خالقك.... تتحدين البشر بإغضاب ربك.... والان لاتملكين حتي الفطرة السليمة لتخافي منه هو ؟)
همس أخيرا وهو يبتعد مغادرا ( خدعت فيك حقا)
جرت هانيا اليه وهي تبكي بحرقة غير مبالية بزينتها التي سالت بشكل بشع وقبضت علي مرفقه متوسلة
( لا ارجوك يونس لاتتخدث مع او تنظر لي همذا... انا احبك)
تنفس بعمق يرتشف الكلمة من بين شفتيها ... يسريها علي قلبه المحزون منذ زمن فينتفض... الا انه التفت يتطلع فيها بأسي واضح
( اسف انسة هانيا... لست غبيا لاظن ان مشاعرك ناحيتي ماهي سوي نوبة تحدي جديدة.... ربما نوبة التمرد الكبرى... رأيتيني ففكرت أي شيء قد يقض مضجع عائلتي اكثر من اربط نفسي برجل كيونس)
لم يزد حرفا وفقدت هي القدرة علي الكلام وهي تراه يبتعد

في الصالون الواسع تجمع اغلب افراد العائلة حول غفران و معاذ وحسن الذي لم يتوقف عن توجيه النظرات اللائمة لامه منذ صدم بهانيا دون حجاب
ود لو انه تعارك معها حتي يهدئ غله الا انها اختبئت بمجرد وصولهما في غرفتها. اما امه فكانت غير واعية لغضبه وهي لا تنفك تقبل رأس غفران باكية وهي تتمت ( انا السبب.... ماكان يجب ان اتركك وحدك كل هذا الوقت)
فترد عليها غفران بتربيتة وابتسامة
سأل معاذ ملهوفا ( اين سچي يا ام ملهم لم ارها منذ وصلت؟)
وقبل ان تجيب فاطمة التي انتعش الامل في صدرها لسؤال معاذ... كانت سچي تدخل مندفعة لاحضان معاذ بحنين
استقبلها معاذ بتلهف اب وهو يقبل رأسها
( ظننتك لن تأتي لتحييني!))
هزت رأسها تنفي
( كنت نائمة ولم توقظني امي كما وعدتني)
صوتها اتي مرتعشا قليلا وهي تعلن ( كنت بحاجة للنوم سچي خاصة ولم يغمض لك جفنا بالأمس.... حمدا لله لسلامتك معاذ)
رفع معاذ رأسه ببطئ لجميلة التي وقفت عند باب الغرفة وكأنها تستعد للهرب... بالرغم من انهم بالبيت ولا اغراب حاضرين الا انه ابتسم بسخرية التقطتها بسهولة وهو يلاحظ ماترتدي.... ملابس للخروج كاملة بداية من تنورة من الساتان الأزرق مع قميصا يماثلها في اللون وحجابا بلون السكر.
ليمعن في احراجها واهانتها لم يرد ... بل التقط حقيبة لمحل معروف ناولها لسچي وهو يعلن بصوت بارد
( خالي منصور كنت اتمني لو توافق علي طلبي للزواج من جميلة)
الصمت الذي عم الغرفة كان دليلا علي ان ليس كل الموجوددين بعلم بأصول الحكاية او حتي علي دراية بطلب سامر العجيب
زغرودة بهجة من كريمة شقت الصمت... زغرودة مردها ام تري في مطلب ابنها رجوعا احمد لاحضانها بعد طول اغتراب.
تحدث منصور بهدوئه المعتاد وهو يراقب قسمات معاذ الثلجية وملامح جميلة التي شحبت
( غالي انت يا ابن اختي وطلبك مجاب ان شاء الله ... لو كان بيدي... لكنك تعرف بالتأكيد قول رسولنا الكريم " الثيب احق بنفسها من وليها" لذا سؤالك توجهه لجميلة)
اتسعت عينا معاذ وملامحه تشتعل غضبا وهو يدرك ما يريده خاله.... يريد ان يرفع من قدر حفيدته امام العائلة المجتمعة
ضغط معاذ علي اسنانه حتي كادت ان تتكسر ونفسه ترواده بأن يرمي الامر برمته خلف ظهره ليمعن في اذلال من اذلته امام نفسه قبل الجميع
لكن التفاتة حانت منه لسچي التي لازالت علي ساقه جالسة وعيناها تبرق بفرح خالص لمايدور حولها
شيئا في تلك الصغيرة يستفز ابوته ويستنفرها.... فيجعله غير قادرا علي التسبب لها الا في سعادة
لذا خرج صوته مبحوحا... بحة ظنها الجالسون بحة حبور... الا جميلة التي فهمت كم يغالب معاذ نفسه في تلك اللحظة حتي لا ينفجر.... وقفت في انتظار حكمه مسلوبة الإرادة.... وستظل كذلك يتناقل مصيرها ما بين سامر وجدها ومعاذ.... ولا ملام سواها.
هطلت دمعة واحدة تبوح بمقدار الخزي الذي شعرت به في تلك اللحظة ... دمعة لم يسمح المهنئين حولها في تلك اللحظة بأن تأخيها بأخري.
اما معاذ فبإرادته تجاهل الموقف برمته ... كأن الفاتحة التي قرئت من لحظة لم تكن تخصه... وكأن التهاني ليست له
تجاهل كل هذا الإرهاق النفسي ودخل فقاعة لحظية سحبته اليها يد صغيرة وهمسات
( ألن تريني هديتي؟)
ابتسم معاذ لسچي وهو يسحب الفستان الأبيض المنفوش من الحقيبة ويريها إياه ( هل اعجبتك الهدية؟)
تطلعت فيه بإمتنان تخطي كثيرا عمرها الحقيقي وهي تقبله علي خده ( انت هديتي يامعاذ)
بعد قليل ودع معاذ امه ليرحل بالرغم من إصرار الأخيرة لان يبيت ليلته معها الا انه رفض
( اذهبي يا جميلة اوصلي خطيبك لسيارته)
لم تملك جميلة الشجاعة لترفض طلب أمها.... فهي بالتأكيد لن تبحث عن فضيحة جديدة في العائلة
لذا تحركت خلف معاذ الذي لم يبد أي تعبير بساقين من هلام
تنفست الصعداء وهي تغلق خلفه الباب الحديدي المفرغ وتهم بالعودة الا ان اسمها من بين شفتيه ارغمها علي التسمر امامه
التفتت وياليتها لم تفعل.... كان وجهه مسودا غاضبا وهو يهمس لها من خلف الباب الضخم
( ارأيت كم انا عطوف... احدثك من خلف باب حديدي لا ن الله وحده يعلم... كم ارغب في هذه اللحظة علي ايلامك...)
اغمضت عيناها تستقبل موجات الكراهية في صوته بلاحول وهو يستطرد
( اياك للحظة ان تعتقدي اني سأمررلك أي من تلاعبك القديم او أي من حيلك الملتوية.... لم اقبل بتلك الخطبة الا لاجل الصغيرة التي يعاملها والدها كبضاعة معطوبة لا يريدها.... اما انت.... فلا اهتم حتي وان احترقت في الجحيم)
انتهي من حديثه ووقف ينتظر منها ردا وصوت تنفسه يعلو في غيظ .... فما كان منها الا همسة مكتومة
( اراك غدا يا معاذ.... صحبتك السلامة)
ضرب معاذ البوابة بعنف وهو يسبها في نفسه.... اذا تنوي التعامل معه بالبرود والتجاهل
لايعرف انها ابتعدت سريعا لتنخرط في بكاء حار استمر لساعات النهار الاولي... وكل كلمة نطقها تخلف في روحها ندبة غائرة
ندبة لن تشفي وهي تردد لنفسها ( استحق... استحق)
اراح بهاء رأسه علي مسند المقعد الخلفي يرجو نوما استعصي عليه لايام... اما الان وهو في طريق العودة للبيت بعد انتهاء المهمة بنجاح .. أليس من حقه القليل من الراحة.
لم يكن لأرقه علاقة بالمهمة ... وانما بتمرية اثارت جدلا عميقا بين قلبه وعقله
ابتسم وصورة كاريكاتيرية ترتسم في عقله
صورة لمناظرة عنيفة كتلك التي تنصب لمرشحي الرئاسة بين قلبه وعقله.... والمحتكم اليه هي التمرية تقف خلف منصة خشبية تفصل بينهما
( جمالك خطف قلبي... وطعم ايامي تحلي بلونك) قالها القلب مغازلا فرمشت مهيره عينهيها بسرعة دليل خجل
( ولكنك يا احمق لم تكن يوما من العاشقين ولا أصحاب التنهيدات الحارة.... لذا سؤالي لك هل تتزوج الانسة) كان صوت العقل مزعجا جلفا جعل القلب ومهيرته يسدان الاذان من الضوضاء
ليرد بعدها القلب وهو يراقص حاجبيه غزلا
(ولما لا اتزوجها.... هل تتخيل حياة اجمل ؟)
ضحك العقل بإستخفاف
( أي حياة تلك! لقد اردت دوما ان تقف في الزواج والحب علي ارض صلبة.... فتاة من اصل طيب سهلة المعشر تكون تحت قدمي امك في ايامها الباقية.... هل تري في الانسة من هذا شيء؟)
هزت مهيرة الحكم رأسها نافية بأسف قبل ان تتلاشي ومعها الصورة الكاريكاتيرية كاملة
زم بهاء شفتيه وهو يصر علي نفسه
( نعم.... هذا هو الحق...هل اتخيل فعلا ان اتزوجها لاعود كما اتمني فأجدها بعد أسبوع او بعد شهر لازالت جالسة بجوار امي وجدتي علي الاريكة تشاهد المسلسل الهندي)
( لا ليست هذه هي مهيرة.... وانا لا ابحث عن زوجة اقابلها بين أروقة الوزارات تسعي لحل مشاكل العالم....لذا سأكون ذكيا وانسحب... بمجرد انتهاء المهمة سأبحث عن زوجة مطيعة تكون طوع بناني .... وحتي ذلك الحين ستقتصر مقابلاتي مع مهيرة لاقل تلقليل)
كانت السيارة التي توصله وزملائه قد وصلت لبيت صقر كما اوصي...
استقبله صقر كالعادة بحماس وسعادة... الا ان لمحة توتر جعلت بهاء يسأله بنصف عين مغلقة
( ماذا فعلت يا صقر... لماذا يبدو عليك التوتر... اعترف يا مصيبة)
ابتسم صقر وكأن لا شيء هناك ليقوله... ثم زاغت عيناه تبحث عن شيء يتطلع فيه ليبتعد عن عيني بهاء الثاقبة... وأخيرا زفر بحنق وهو يحك شعره المبتل
( اسمع. لقد طردت هوينا من العمل.... والان وقد عاد معاذ لا اعرف كيف ابرر له فعلتي)
حينها فعل بهاء الغير متوقع وهو يقترب من صقر يعانقه عناقا حارا وهو يخبط علي ظهره هامسا بصوت ادعي فيه البكاء
( والله كنت احبك أيها المأسوف علي شبابك صقر... لكن اعدك بعد فعلتك تلك وحين يكتشف معاذ السبب وراءها انك ستصير " صقر زائد شريطة سوداء")
لكمه صقر بغيظ وقبل ان يتحدث كانت أصوات شهاب ومعاذ تدل علي وصولهما فهمس له بهاء بجدية
( اذا دخل معاذ مقطب الجبين غاضب فأعرف ان ليلتك سوداء)
لم يدخل معاذ مقطب الجبين غاضبا فقط.... بل دخل اقرب لاعصار ينوي اقتلاع الأخضر واليابس. القي تحية عابرة علي بهاء وصقر ثم ارتمي علي كرسي بعيد
اقترب بهاء يعيد همسه لصقر وهو يسأله
( لم تقل لي بالضبط اين مدافن عائلتك حتي لا ابحث لك طويلا عن مدفن.... اكرام الميت دفنه كما تعرف)
دفعه صقر واقترب من معاذ.... فان لم يكن هو من يواجه ويعلن عن مواقفه برجولة.... فمن سيفعلها.
الا ان بهاء جذبه من ذراعه في اللحظة الأخيرة وهو يسأل معاذ بصوت عادي
( هل هذا سلام لائق لاصدقاء لم ترهم منذ أيام.... ام كما تقول امي" كنا نبيت في حضنك")
لم يرد معاذ فكان الرد المقتضب من شهاب الذي اعلن
( لقد خطب معاذ جميلة الليلة)
وجوم سيطر علي الأصدقاء بلا ادني فكرة عما يجب ان يقال.... فالتهنئة ستكون اسخف مايقال في ذلك الموقف.
لذا كان علي شهاب ان ينقذ الموقف بأعلان يحمل كثير من البهجة والترقب
( لقد عادت غفران معي هذه المرة)
صاح بهاء وصقر بحبور بينما ربت معاذ علي كتف شهاب معتذرا
( اسف يا صديق ... انقصت من فرحتك بسخافاتي)
أشار له شهاب برأسه ان لا يهتم.... دون ان يتخلي عن ابتسامته الهادئة.
التف الأربعة حول طاولة الطعام التي اعدها صقر بمجهوده الخارق... بأن اخرج الشطائر من الاكياس ووضعها في اطباق
( والان يا شهاب... ما خطوتك القادمة ان شاء الله؟)
سأل بهاء اخاه وهو يتمني له بقوة صلاح الحال
( لن انتظر ليوم اخر.... غدا ان شاء الله ستذهب امي للقاء رقية والحاجة هزيمة والحاجة كريمة .... وانا سأذهب لمصنع الحاج منصور واتفق معه ومع حسن علي خطوات فعلية...)
قاطعه بهاء وهو يرمي الشطيرة من يده
( وهل حضر حسن معكم؟) لم يحتاج سؤاله لاجابة فإجابته واضحة تماما....
يتذكر بهاء حسن من اخر زياراته.... اسماه حينها " چيمس دين" لوسامته التي أوقعت فتيات الحي كله والاحياء المجاورة في غرامه
والان حسن هنا في البلاد.... في بيت الحاج منصور... مع مهيرة.عندما وصلت أفكاره لهذا الحد صاح بحنق
( ما هذه الزحمة .... الا يشعر سكان هذا البيت بالكثافة السكانية.... )
ضحك ثلاثتهم لسخافة مايقول بهاء قبل ان يقول معاذ
( يا بهاء ياصديقي البيت اصبح اشبه بمستعمرة صغيرة مع كل تلك الإضافات التي يستمر خالي في اضافتها للبيت)
ولكن بهاء لم يكن مع ما يقول معاذ.... كان عقله يسافر تاركا إياه بلا عقل... وغيرته تتصاعد وهو يتخيل التمرية و" چيمس دين".

حيا صقر كريم ووالده بحبور وهو يستقل المصعد لمكتبهم في الصباح الباكر.... لقد وضع خطة واليوم يحصد اولي ثمارها.
خطته كانت كالتالي.... ابعاد هوينا عن الشركة.... اقصاءها عن تفكيره.... اقصاءها عن مشاعره.... والاهم اقصاءها عن أحلامه التي باتت تطارده فيها بتسلط لا يشبهها
دخل من باب الشركة وهو يكذب تلك الغصة السخيفة في قلبه ( كن رجلا.... اعتاد قلبك الفراق .... هل ستكون هوينا اغلي ممن فارقتهم.... ام انك نسيت ما علموك " الرجال لا تشعر بالوجع.... الغصة ليست لك يا صعيدي")
اخذ شهيقا وهو يدخل لمكتبها الخالي... يعاين طيفها قبل ان يسكنه غيرها
وقف مسمرا كالباب الذي استند عليه تماما... يحرك رأسه حركات مبهمة تدل علي صدمة وعدم فهم.
كانت هوينا تقف هنا خلف المكتب ترتدي القميص الأسود ذاته الذي ارتدته اختها بالأمس.... ولكن علي تنورة بيضاء واسعة ترفل حولها بنعومة ...حجابها الأبيض يؤكد ويصر علي ان الهالة التي تحيطها لازالت كما هي ... تجذبه وتردعه.
( ماذا تفعلين هنا؟ لقد طردتك وانتهينا...)
عقدت ذراعيها امام صدرها باصرار لذيذ وهي تقول
( لا لم ننته... انت طردتني بلا ادني سبب... لم أؤسئ لك او للشركة او حتي لاحد العالمين... لذا لكي اقبل الطرد لي شرطين)
لم تدع له الفرصة للتساؤل خوفا من ان تنسي خطبتها التي تدربت عليها طوال الليل
( اما ان تسبب الطرد... أي تذكر السبب واضحا بلا الغاز.... واما ان يوقع علي قرار الطرد السيد معاذ والسيد شهاب كشركاء لك هنا)
ولتؤكد علي قرارها جلست خلف المكتب وبدأت في العمل فعليا تاركة صقر مشدوها لقوة مطالبها
تنهدت الصعداء وهي تراه يلتف ليخرج من الكتب... الا انه لم يفعل ... فقط اغلق الباب بهدوء ثم بدأ يقترب منها بتؤدة
ازدردت ريقها بتوتر وخوف ... حتي وقف امامها تماما وانحني ليصبح في محاذاتها ليخرج صوته اجشا خشنا
( انت مصرة علي تعب قلبي هوينا ... لا اجد لذلك سببا سوي انك فتاة صغيرة لا تدرك ماهي مقبلة عليه)
اغمضت عيناها ببراءة وهي تهز رأسها بنفي
( لست صغيرة يا صقر ... وانا ادرك تماما ما انا مقبلة عليه)
ارتسمت علي ملامحه ابتسامة زلزلت مشاعرها وهو يحاول تخبئتها حول همسة جادة .... فكانت النتيجة حاجبين مقطبين وفم يقاوم ابتسامة وعينان تدعوانها للضياع.
( وما هو بالتحديد ما انت مقبلة عليه)
رفعت كتفيها وهي تقف بمشاغبة
( مقبلة علي اعمال كثيرة سيد صقر في شركة لم اطرد منها فأتركني لعملي رجاءا)
ضحك صقر... ضحك ضحكة حقيقية صافية تبدو وكأنها لم تخرج لسنوات.... ضحك لمشاغبتها اللذيذة
لم يعرف ان ضحكته تلك كانت ستودي بتعقلها وتجعلها تخر معترفة بحبه ...
تنحنح وهو يعتدل واقفا بطوله... يحل زرار قميصه الأول ويخلع رابطة عنق لم تنعم بملامسته سوي لنصف ساعة ثم يعها في جيبه بأهمال
( حسنا سنحرص علي ان نعود لعلاقة مهنية بحتة لها شروط بسيطة لن اتنازل عنها كصاحب عمل... أولا الحدود التي امدت عليها امثر من مرة... الحدوووود
ثانيا مممم...) حك ذقنه بتفكير قبل ان يسأل
( ألا يمكن ان نصل لحل وسط بين كيك الريد فيلفت و الخبز الشمسي الذي اعتدت اكله في قريتي )
ابتسمت بإتساع ووجهها يتوهج عيناها تلمع... عشقا ولكن الأخ لا يفهم
( حسنا بإمكاننا ان نسير الطريق بهوادة خطوة خطوة ونبدأ ربما بسكويت بالقرفة)
هز صقر رأسه بعناد وكأنها اهانته فسارعت هوينا ( حسنا حسنا مارأيك في كعك العيد مع السكر المطحون)
هز صقر رأسه موافقا وهو يسعل بطريقة ذكورية اضحكتها
( حسنا لا اري ما يمس رجولتي في كعك العيد..... لكن الحدود لا تنازل فيها اطلاقا)
اقسم انه سيتماسك.... عاد لمكتبه وهو يحاول الا يستدعيها لتأتي وتجالسه.... تتحدث معه عن أي شيء حتي وان كان تافها جدا... ولكن يعايش صوتها وهي تحدثه.
( لقد قلت علاقة مهنية بحتة.... ابحث عن حجة مهنية لتستدعيها)
الا ان حيرته لم تطل وهو يميز طرقاتها الرقيقة علي بابه...
دخلت هوينا للمكتب تحمل صينية صغيرة وضعت فوقها كوبا من الشاي الثقيل و... علبة صغيرة بها عدة كعكات.
فغر صقر فاه متسائلا ... عدلت حجابها بخجل وهي تضع عينيها ارضا
( أرسلت كريم ليشتري بعض الكعك من محل الحلويات القريب حتي اخبز لك بنفسي)
رجلا هو اعتاد الفراق... حتي اصبح رفيقه
رجلا هو اعتاد الألم .... وايقن انه لا يستحق سواه
صقرا هو اعتاد مرافقة الجوارح... والان تعرض عليه حمامة بيضاء غضة غصن زيتون
اقترب صقر من هوينا بأنفاس مضطربة .... وقف يحارب قلبه الذي وبخه بقسوة
( هل تحبها ياصقر... هل تحل لقلبك ما حرمته يوما علي قلوبا اكثر طهرا من قلبك)
الا انه كان في حال من التخدر اللذيذ ... فلم يسمح لنفسه بالغرق في اللوم
( تغرقيني بإهتمام يا هوينا .... ستكون كارثة لو اعتدت عليه)
لم ترد وقد سيطر عليها خجلها فانحنت تضع الصينية فوق الطاولة القريبة حين جذب انتباهها علبة سجائره الفضية مفتوحة فسألته باستغراب
( لماذ تبدو بعض سجائرك غريبة الشكل صقر؟)
تلاشي السحر وحل محله هلع المضبوط بجريمة.... فرفع حاجبيه وهو يحك رأسه لا يجد ما يبرر به
( مممم انها سجائر طبية بها اعشاب اشتريتها خصيصا لانها تريح الرأس قليلا) لم يكذب ولكنه تجمل
قطبت جبينها بأسي وعيناها تدعو لها قبل لسانها
( شافاك الله وعافاك .... اتم عليك نعمة الصحة دوما وابدا....من أي صيدلية تشتريها حتي احضر منها لامي وجدتي؟)
تخيل السيدة رقية والحاجة كريمة وهذه السيده العجوز زوجة الحاج منصور وقد دخنوا دواءه الخاص بالصداع ... وحاول جاهدا ان لاينفجر ضاحكا فقال بخطورة
( لا اشتريه من هنا.... لي أصدقاء يحضرونها مخصوص لاحلي من الهند) هزت هوينا رأسها بتفهم
ثم خرجت مصدقة تماما لما قال فهمس لنفسه
( ستحترق في نار جهنم يا صقر .... لقد صدقت فعلا)

عانق اشواك ازهاريحيث تعيش القصص. اكتشف الآن