الفصل السابع عشر

4.7K 133 1
                                    



وصل البيت قبيل موعد زيارة شهاب بساعات ... أراد ان يستشف موقف خاله وزوج اخته تجاه صديقه
يتمني ان يصل الجميع للحل الذي يرضي شهاب ويسعد قلبه.... فقد طال شقائه حتي بدا الأيام الماضية كمن علي حافة التداعي
اخذت الدهشة معاذ وهو يدخل من باب الحديقة ليري زيد ابن اخته الأصغر واقفا في منتص الحديقة تحت شمس العصاري
ببذلة سوداء كلاسيكية يعرف ان الشاب الصغير يرتديها للافراح تحت تهديد السلاح.... ولكنه في تلك اللحظة يقف بها يتصبب عرقا
ووجهه المحتقن وحدقتيه المحمرة دليل الإصابة علي ضربة شمس قريبة
اقترب منه مشفقا وهو يصيح
( لما تقف هكذا يا زيد ... ستصاب بالتسلخات كما كنت صغير ونضطر ان نغرقك ببودرة الأطفال... ادخل للبيت استحم بالماء البارد وارتد ملابس خفيفة)
رد زيد دون ان يتحرك بفم معوج مغلق
( لن اتحرك ياخالي.... ستجبرني علي الإعادة للمرة الالف وقد تعبت فعلا)
هنا فقط لاحظ معاذ سچي التي تقف علي بعد تلتقط لزيد مئات الصور بالكاميرا الحديثة بين يديها قبل ان تقفز بين الأشجار وتحاول التقاط المزيد من هناك وهي تصرخ
( زيد تحرك بالضبط خمس خطوات ... لاتزد واحدة عنهم.... وانت يا معاذ من فضلك اخرج من الاطار)
تحرك معاذ بالفعل وقد أصابه الموقف برمته بغصة...
( هل يعيد التاريخ نفسه؟ ستصبح يا ابن المارد لعبة في يد الصغيرة بعينيها الرمادية... كما كنت وكما كانت أمها)
لكن بداخله اتخذ قرارا بلا رجعة... لن يسمح بهذا ابدا
فتحت له سهر الباب الخشبي واستقبلته كعادتها بالاحضان والقبلات التي دوما تتبعها سعلة قوية من عدي بمعني " كفي والا.."
كان المشهد خلفها مضحك للغاية وهو يري رحيق الممتلئة تقف فوق طاولة السفرة تلمع دلايات الثريا العتيقة وهي ترتجف خوفا من السقوط علي الجدة هزيمة المرتعبة لاجلها بينما منتهي تشجع بدكتاتورية
( نعم هكذا افضل... عليك تعلم كل اعمال المنزل طالما أصبحت علي وشك الزواج)
اما اسفل الطاولة تماماكانت هوينا بمنشفة كبيرة تمسح البلاط القديم والذي رفضت هزيمة استبداله برخام
خرجت هوينا التي اطلقت شعرها الأسود ليقينها ان زيد لن يأت الا بعد ان تكون سچي قد قضت عليه ... من اسفل الطاولة تقترب من خالها بنظرة بريئة يختلط فيها الرجاء بالامل وكأنها ترجوه " اعرف ان الطريق صعبا... فكن حليفي وحليفه"
لم يملك معاذ سوي ان جذب رأسها الفاحم يقبل مقدمته وهو يهمس مشاغبا( محظوظ ابن الصعيدي... امامه يكون لسانك فصيح طلقا... امامنا تأكله القطة) فجرت من امامه تختبئ في مكانها الأول تحت الطاولة
( جدتي... خالتي رقية تسأل هل نبدأ في تسوية المحشي؟) تسمرت بعدها جميلة امام معاذ تماما وقد شلتها صدمة وجوده
اما هو فمبهور الانفاس... تائه... كانت ترتدي جلبابا منزليا قديما باهتا بلون اسود... وجهها المتعرق من حرارة المطبخ... شعرها المشعث بلونه الأحمر الفاقع
( احمر فاقع) كانت همسته المستنكرة هي مانبهها للموقف الذي وقفت سيدات المنزل يراقبنه بغمزات شقية
جرت جميلة تختبئ في المطبخ وهي تبحث عن حجابها وسط دهشة غفران ورقية
اما معاذ... فقد تأثر... فقد تبعثر
لقد مرت سنوات لم يرها فيها في حالتها الطبيعية تلك بلا إضافات الاثارة في شبابها ... وبلا إضافات الاناقة الحالية
مرت سنوات منذ رأي ذلك الوجه الذي فتن رجولته... وجه كان له وحده دون سواه
تمالك نفسه سريعا وهو يسارع خلفها الخطوات ليدخل المطبخ لكن هوينا وقفت امامه بجسدها الضئيل تمنعه
رفعت كتفيها بمشاكسة " اعذرني ... عمتي بالداخل"
فهتف بغيظ وكل مايشغل خاطره هو رؤيتها ثانية قبل تغير من هيئتها شيء فهتف بحنق
( احمر فاقع يا جميلة؟ لا ينقصك سوي بذلة جلدية سوداء لتكوني كات وومن... سأنتظرك هنا لدقيقة قبل ان اقتحم المطبخ ... هيا)
حانت منه التفاتة ليري النظرات المحدقة فيه بنظرات مشاكسة وابتسامات موحية ... فبرر ثائرا
( لون شعرها بشع ... يجب ان اوبخها عليه)
انفجرن بالضحك لتبريره الواهي قبل ان تقول سهر بمكرها المعتاد
( وبخهها يا اخي طبعا... النساء يحببن التوبيخ ) ضربتها منتهي علي ظهرها وهي تداري ضحكتها بيدها بحياء
شعر كمن سكب فوق رأسه دلوا من الماء البارد ... فأثر الابتعاد منتظرا في غرفة الصالون المغلقة
بعد اقل من دقيقة دخلت جميلة تقدم خطوة وتؤخر خطوتين...
لم تكن قد غيرت من مظهرها شيء سوي حجابا لفته حول شعرها بأحكام.
وقفت امامه كمذنبة لاتدري ماذنبها وهو... هو يبعد نظراته عنها خوفا من شوق تفجر بداخله وقد يظهر في تلك النظرات.
( انا اسفة فعلا يامعاذ..... والله لم اعرف انك بالخارج) صوتها المرتعش بخوف واضح اثار انتباهه فرفع وجهه متسائلا فأستطردت
( لم اقصد مثلا ان... ان..)
فهم ما ترمي اليه بإرتباكها الواضح تحاول نفي التهمة عنها
( لم تقصدي ان تلعبي بمشاعري كما كنت تفعلين قديما) قالها وهو يقف امامها بسطوة
( وهل تعتقدين ان جلبابا قديما وشعر مشعث قد يثيرون اهتمامي؟)
لم ترد ولم يستطرد... كيف يخبرها انها اذا ظنت ذلك بالفعل.... فظنها في محله تماما
فجأة ضربه خاطر... حول كل الشوق المستعر واللهفة الحارقة ... لرغبة فجة في الايذاء
لذا عاد لمجلسه الأول... واضعا ساقا فوق ساق وهو يسأل بتجبر أراد ان يبدو به غير مهتم
( هل كانت تلك هي الطريقة المتبعة مع ... ؟)
لم ينطق الاسم... كان الامر اصعب واقسي من ان يتحمله ... وخياله يرسم صورة يتمني لو ضرب رأسه بالحائط امامه حتي تتلاشي
جرت اليه ودون لحظة تفكير كانت تركع عند قدميه تترجاه بتذلل لا يليق بها ابدا
( ارجوك يا معاذ... لاتأت علي ذكر الماضي)
رفعها بسرعة من ذراعها كارها ان يراها عند قدميه... كارها ماتلفظ به
( هل مات الماضي؟) صاح بها بثورة حارقة وهو يجذبها للنافذة الزجاجية الضخمة لازال قابضا بقسوة مفرطة علي ذراعها مشيرا لحيث سچي تقف في الحديقة
( لا يا جميلة... ها هو الماضي يعيش يتنفس واسمه سچي)
هزت رأسها رافضة وملامحها القوية لاتبالي بالدموع
( لا سچي ليست ابنته... سچي ابنتك انت يامعاذ)
شيطان تلبسه فلم يعد يري او يسمع... لم يعد هو معاذ بل كان كتلة من العذاب المختزن ... القهر لسنوات
دفعها لتسقط علي الكرسي المقابل وهو يزأر بعنف
( لاتقولي تلك الجملة ثانية.... لااتذكر اني نلت منك سوي بضع قبلات مسروقة محرمة... ام تري نومتيني ونلت مني ليلة لا أتذكر منها شيئا)
عادت تقف وقد بلغ منها الجنون مبلغه... لقد خرجت عن تعقلها تماما وهي تبادله الصراخ بصراخ غير واعية لما تقول
( لا ... هي ابنتك لاني لم اكن يوما سوي في احضانك... في كل مرة كان يأخذني سامر غصبا... كنت اهرب اليك بعقلي وقلبي وحواسي.... كنت انطق اسمك فيزداد جنونه ويزيد من اعتدائه حتي افقد الوعي بين يديه... لا لم اكن افقد الوعي بين يديه ... لا كنت بين يديك انت ... انت )
زاد صراخها امام تسمره لاعترافاتها
( انت... كنت انت هناك طوال الوقت... لم يكن هو ولا لليلة... ولا للحظة ... هل فهمت؟)
فتحت رقية باب الصالون بعد ان وصل صراخهما المبهم للخارج فجرت اليها تحتويها قبل ان تنهار
وقف معاذ منكث الرأس لدقيقة قبل ان يهمس بصوت وصلها ووصل رقية واضحا
( اذن خنتيني معه حين كنت لي... وخنتيه معي في خيالك حين كنت زوجته... هذا مايجعلك سيدة جميلة خائنة من الطراز الأول)
والتف خارجا من الغرفة ... مبتعدا عنها قبل ان يرتكب جرما في حق نفسه وحقها

عانق اشواك ازهاريحيث تعيش القصص. اكتشف الآن