الفصل الأول

Start from the beginning
                                    

جاء المساء حاملًا لكل ساكن بهذا البيت العتيق مشاعر متباينة... شخصًا سعيدًا وآخر خائفًا... في إحدى الزوايا فتاة تنتظر الحب في لهفة... وفي زاوية أخرى فتاة تنتظر نهايتها علي يد من علمها الدلال يومًا. 
ولكن النيران والمراجل المشتعلة كانت من نصيب هلال... وهلال وحده. 
كان في مكتبه يعمل بكد كعادته وعادة كل رجال العائلة... الكل يعمل لأجل كيان ينمو باطراد دون توقف... "كيان عائلة عثمان" 
قاطع استرساله في بعض الأعمال الكتابية الخاصة بالاستيراد الذي هو اختصاصه، وصول رسالة على هاتفه... 
فتحها هلال ملهوفا وهو يعرف مرسلتها الشقية... لتتحول ملامحه من الحبور لعواصف الغضب وهو يقرأ: (قررت ارتداء ذاك الفستان الذي أهديتني إياه مؤخرًا... اقنعتني هانيا أنه رائع... حين تراني قل رأيك بصراحة) 
لعن هانيا وأفكارها المجحفة وهو يتذكر ذاك الفستان الفيروزي الذي رآه في إحدى أسفاره ليعيش ليلته يتخيل رحيق ترتديه له وحده... في بيتهما. 

حين وصل للحفل، دعا الله من قلبه أن يتحلى بشيء من الشجاعة، فيصعد لغرفتها ويقتحمها ثم بمقص كبير يجعل الفستان مهلهلًا. 
(غبي... يا هلال.. لم أقابل من هو أغبي منك... تذهب بنفسك تشتري لها هذا الفستان... ادعو الله ألا ترتديه). لكن يبدو أن هلال لم يكن على وضوء وهو يدعي، فقد رآها تخرج مترددة -والحرج يقتلها - من باب الحديقة... حبس أنفاسه وهو يرى قوامها الممتلئ معانقاً للفستان الفيروزي في جرأة... كشف الفستان القصير عن منحنيات خطرة تجعل ركبتيه ترتعشان..
(غض البصر يا سافل... ابنة عمك رحيق) 
وبخ نفسه وأطرق لأقل من ثانية في الأرض، لكن كمغناطيس انجذب بصره إليها... فلم يجدها. 
قام هلال مسرعا يبحث عنها... لن يسمح أبدًا أن تتجول بهذا الفستان في الحفل. كانت رحيق تجلس تلف ذراعيها تحتضن نفسها كعادتها حين تخاف أو تخجل. 
تنحنح يداري لهفته لتلك الجميلة، وقال بمرح مصطنع: (ما الأمر يا فاتنة؟ هل خفت أن يترك العريس العروس ويركض وراءك فاختبأت هنا؟) 
نظرت له بعتب والدمع يلمع بمقلتيها: (لماذا أهديتني هذا الفستان؟ أبدو فيه بشعة سمينة... سيسخر مني زين وعز كالعادة) 
جلس بجوارها فاحتكت يده بذراعها البض، فحك رأسه مستلهمًا الصبر والأدب. 
قال بصوت اجش: (لا تقولي هذا أبدًا، لست سمينة أو بشعة، أنت...) 
لم تدع له فرصة قاطعته كعادتها كالقطار السريع تهتف بحنق: (أتمني فقط أن يعجب أي رجل... أي ذكر حتى بي... أن ينظر لي ويرى أمامه..) 
قاطعها هلال تلك المرة بضربة قوية على رأسها، بعثرت شعرها الطويل فحملقت فيه بصدمة، 
وقف على قدميه أمامها وهتف وهو يشير إليها بغل جعلها تنكمش: (هل أنت مسطحة العقل!!! تجلسين جواري تتحدثين عن نظرات الرجال!) 
عبست: (ظننت أننا أصدقاء؟!) 
تنهد بحسرة، (لست عاقلًا بشكل كاف لأجلس أسمع حبيبتي تحكي عن الرجال... لست عاقلًا لكي أسمح بأن تخرجي بهذا الفستان ليمتع الرجال نفسهم بامرأتي ومنحنياتها المتعبة...) 
لم يخرج الصوت خارج عقله وقلبه... صوته يتردد بغل بحنايا روحه رافضًا كالعادة الخروج أمام رحيقه الفاتنة... ليس قبل أن تصير... 
قاطع أفكاره بريق يلف كاحلها، فسأل بحدة وانفاسه تخرج ببطء مع لمعانها: (ما هذا حيكا؟!) 
تابعت نظراته المتسمرة على كاحلها ببلاهتها، بلاهة تزيدها في عينيه فتنة، وهي تتعامل بطبيعة مشاغبة، غير مدركة لأثارها عليه. دوما كانت ترى في امتلاء جسدها صفة تجعلها غير مرغوبة من الجنس الآخر، ولم تلحظ يومًا كم أنه لم يتعلم عن النساء شيئًا إلا رغبته في احتواء جمالها الفريد يومًا. 
(إنه تاتوووو لامع)، صوتها لم ينبهه أن عليه إبعاد نظراته النهمة عن كاحلها... ما نبهه كان خبطة على مؤخرة رأسه قاسية، فأفزعته. 
كان عز يقف خلفه مضيقًا عينيه وهو يهمس بصوت لا يكاد يسمع: (هلا توقفت عن الحملقة، وإلا مضطر أن أتغابى ....)
تلجلج هلال بحرج وهو يسحب عز من يده يبعده عن رحيق: (لم أعد أتحمل يا رجل... أشعر بي) 
ربت عز على كتف صديقه هامسا بمواساة مزيفة: (اعذرني يا صديقي... تعرف رحيق خط أحمر عند جدك) 
زفر هلال وهو يحضن رحيق بعينيه (ساعدني يا رجل... لاتدع أحدًا يراها بتلك الطلة) 
ربت على كتفه تربيته سريعة قبل أن يهتف بصوت خشن (أنت يا بطة... هيا للأعلى... لا تحلمي بالخروج للحفل بهذا الفستان الخليع) 
خبطت رحيق قدمها بغيظ في الأرض وهي تهتف: (لا تناديني بطة ... وحده هلال مسموح له بهذا... ولا لن أغير فستاني) 
رقص قلب هلال طربًا وهو يسمعها تخصه بلقب تدليلها، ولكنه سارع يقف بين عز ورحيق وهو يرى ملامح عز تتلون بالوان حارقة وهو يهمس من بين أسنانه: (سأعد لثلاثة رحيق وإن وجدتك بعدها هنا... سأريك) 
(واحد...)، وهلال يتوتر من ألا تطيعه وتخرج في النهاية للحفل بهذه الطلة. 
(اثنان...)، هلال ينهار وهو يرى لمعة الدموع في عيني حيكا. 
وقبل أن ينطق عز ثلاثة، كانت رحيق تركض لغرفتها دون نظرة للوراء. 
نظر عز لهلال بزهو وهو ينحني بطريقة مسرحية معلنا: (نحن في الخدمة) 

عانق اشواك ازهاريWhere stories live. Discover now