الفصل العاشر

384 20 4
                                    

فيلا الحساينة - بعد يومين

صدحت الهلاهل أو الزغاريد كما تسمى في مصر عموما و الصعيد كذلك في فيلا الحساينة من قبل العاملات فيه ابتهاجا بزواج السيدين عصام و حسام و انتهاء الثأر بين عائلتي الحساينة و النجايدة التي كانت تجعل القرية كلها تقف على قدم و ساق .
الجميع يعمل بجد لأنهاء ترتيبات العرس قبل اليوم المحدد بكل جدية .
ذلك الأمر أثار امتعاض السيدة خديجة التي نهرت خادمتها أم فتيحي التي كانت هي الأخرى تصدح بالزغاريد وقالت لها حين خرجت من غرفتها و جلست في مقعدها المفضل في الحديقة :
- توقفي عن اخراج هذه الاصوات المزعجة و اجعلي الجميع يكف عن ذلك ايضا و ألا فأني سأعاقب الجميع أشد العقاب لم يكفي دخول عقربة واحدة بل ستدخل  عقربتين لبيت الحساينة ... آه أن النار لتشب في قلبي فيحترق لوجود تلك الحيتين السامتين هنا

فقالت أم فتيحي
- و لكنه يا سيدتي زواج السيدين و نحن نزغرد ابتهاجا بذلك .
فردت السيدة خديجة :
- زواج الندامة أ تحسبين ذلك زواج ؟ بل هو خيبة و سيخيبها كلا حفيدي فبعد ذلك الزمن الطويل من الثأر و الدم تدخلان ابنتي النجايدة الساحرتين كسيدتين للبيت يا خيبتي و حسافتي ..اجلبي لي قهوتي فلتكن قهوة سوداء لأن اليوم عزاء لا زواج هيا
ذهبت ام فتيحي لتنفذ طلب السيدة الكبيرة و هي تهز بيدها بدون فائدة لأن السيدة خديجة لم تنسى ما حدث على الرغم من مرور تلك السنوات .
شدت السدة خديجة بيدها على عصاتها التي كادت تكسرها لكثرة ضغط يدها عليها و هي تسترجع ما حدث قبل اسبوع حين دخل عليها عصام في غرفتها و ادلى بنيته الزواج من ابنة نبيل الحساينة يومها عقدت المفاجأة لسانها و حين استوعبت الأمر غضبت بشدة و لكن حين قال لها عصام أنه بزواجه من ابنة نبيل فأنه سيضعها تحت تصرفها تفعل بها ما تشاء فهي تستطيع أن تجعلها خادمتها فهو يهدف من هذا الزواج تمريغ انف ابنة النجايدة بالتراب و أهانتها و رد الصاع صاعين لها و لعائلتها ، حينها فقط هدأت السيدة خديجة حين استشعرت الحقد و الغل في حديث حفيدها عن ابنة النجايدة و وقتها فقط وافقت على ذلك الزواج و الذهاب لبيت النجايدة الذي لم تدخله مطلقا في حياتها و الذي كانت تتمنى دخوله شامتة بهم و لكن الظروف حكمت بغير ذلك .

_____________________________________________

قصر الحساينة - القاهرة
تحديدا غرفة المكتب

كان عصام جالسا على كرسيه المنجد بقماش المخمل الأحمر بأناقة و أمامه طاولته المصنوعة من خشب الصنوبر الغالي الثمن يتفحص عدة ملفات عندما فتح أحد الأدراج ليأخذ آخر عندما لفت انتباهه على ملف ذو غلاف شفاف يظهر منه صورة لفتاة و هي تركب دراجة هوائية أخذه بدلا من الملف الآخر آه أنه الملف الذي اعده له المخبر الخاص سمير الجندي عن عائلة نبيل النجايدةة فتحه و تناول الصورة و نظر أليها أنها لعدوته التي سوف يتزوجها في نهاية هذا الاسبوع لماذا لم يقرأه و اهمله بهذا الشكل و لكن لا بأس سوف يقرأه الآن و يعرف من هي ابنة النجايدة .
فتح اول صفحة و أخذ يقرأ عن مكان ولادتها و تاريخه و تحصيلها العلمي و هواياتها الطعام المفضل لديها و مكان سكنها في بغداد و السويد و مكان عملها و قرأ معلومات عن والدتها ثم تنبه الى شئ ذكرته أزل بنفسها عندما تحدث معها قبل أيام من أنها تحب شخصا و في التقرير الذي امامه لم يذكر شئ من هذا القبيل و هذا يعني أحد امرين أما أنها كانت تكذب أو أن سمير غفل عن هذا الأمر و لم يذكره و لكي يقطع الشك باليقين قرر الاتصال بسمير على رقم هاتفه الخلوي انتظر عدة ثوان حتى جاءه صوت نسائي يقول : ( عذرا .. الرقم المطلوب خارج نطاق الخدمة الرجاء الاتصال في وقت لاحق ) ثم تلتها صوت صافرة معلنة انتهاء الاتصال و عند ذلك قرر الاتصال على رقم هاتفه المنزلي ضغط عدة ارقام و انتظر الاجابة و هذه المرة قام صوت نسائي آخر بالرد على المكالمة و التي عرف من خلالها أن سمير غير متواجد في البلاد فهو في مهمة لمدة ثلاثة اشهر خارج مصر و حين طلب رقم هاتفه اجابته المرآة أنه لم يتصل بها بعد لتعلم رقم هاتفه .
شعر بالخيبة من عدم تمكنه من الاتصال بسمير ، شكر المرآة و اغلق الهاتف ثم فكر أنه يجب أن يعرف الحقيقة حتى لو اضطر لاستجواب ابنة النجايدة كما يسميها ثم تسائل في نفسه عندما قام من كرسيه ليقف عند النافذة المستطيلة الشكل التي تحتل الجانب الايمن من الغرفة :
- ( ما الذي يهمك أن كان لديها حبيب أم لا فهو أمر لا يعنيك و خاصة و ان زواجك بها حبر على ورق و لن يتطور )
ثم رجع و فكر :
- ( كيف لا يهم فهي سوف تصبح زوجتي و تحمل اسمي حتى و أن كان على الورق فهو شئ متعلق بكرامتي كرجل و كصعيدي ذا دم حار ) .

_____________________________________________

منزل النجايدة

كانت فريدة الوحيدة في هذا المنزل التي تشعر بالسعادة و الفرح فهي أخيرا ستكون زوجة لحسام و لو تم ذلك بشرط من ابنة خالها أزل حين وافقت على الزواج من عصام فهي لن تنسى لها موقفها هذا فأخذت تدندن اغنية مبهجة مليئة بالحب و الشاعرية و هي تقيس فستان زفافها و كان محتشما مكون من قطعتين متصلتين ببعضهما فالجزء العلوي ضيق ذا اكمام طويلة و فتحة عنق بيضوية  أما الجزء السفلي فكان واسعا و فضفاضا و طويلا من القماش المطرز بخيوط فضية كانت تبدو به كأميرة جميلة فأخذت تدور به امام المرآة و هي تسأل أزل عن رأيها بها فقد كانت الاخيرة جالسة في الغرفة لنتظر دورها في تجربة فستان زفافها و الذي اختارته بسيطا و طويلا و كلاسيكيا من قطعة واحدة بدون بهرجة و اختارت معه طرحتها ( البرقع ) و كانت طويلة بطول الفستان
رفعت أزل رأسها من على هاتفها و تطلعت نحو فريدة لتسوعب ما قالته للتو فهي قد شغلها رسالة انت من أمها فقالت باقتضاب :
- أنه جيد
- ماذا ؟ فقط جيد يا أزل
تنهدت أزل وقالت :
- اعذريني يا فريدة فلقد وصلتني رسالة من أمي شغلت بالي سأتصل بها حالا بعد اذنك .
و خرجت من الغرفة للتتجه نحو الصالة و تضغط على رقم امها اتاها الرد بعد فترة قصيرة لتقول :
- ألو ماما
صرخت أمها بدون مقدمات :
- ما هذا الذي كتبته في رسالتك يا أزل ؟
ردت أزل بهدوء محاولة امتصاص غضب أمها :
- الحقيقة .
علا صراخ أمها بدهشة لدرجة أنها ابعدت الهاتف عن أذنها :
- الحقيقة ؟ أية حقيقة يا أزل لقد سمحت لك بالذهاب لعائلة والدك للتعرف عليهم و ليس للزواج من اعداء والدك  اسمعي يا بنت جهزي حقيبتكِ في الحال و تعالي فورا الى السويد .
ردت أزل بجواب اغضب أمها أكثر :
- لن افعل لقد وعدت و لن اخلف وعدي
ردت الام من بين اسنانها :
- ما دام الامر كذلك سوف آتي و امنع هذا الزواج قبل حدوثه و تدمري حياتك بيدك

ثم اغلقت الخط بوجه ابنتها و الاخيرة تهالكت على الكرسي تتلمس العذر لأمها فهي تخاف على ابنتها من ان يغدر بها تنهدت و قامت الى غرفة جدها السيد اسماعيل لتعلمه بأتصال أمها و معرفة رأيه و استشارته فما أن وصلت حتى وجدت باب غرفته مواربا و خروج اصوات من داخل الغرفة ميزت الصوتين كان احدهما لجدها و الآخر نسائي أنها عمتها جليلة التي كانت تتحدث بخوف مما أثار استغرابها اقتربت اكثر لتسمعها تقول :
- و ماذا الآن يا ابي ما أن تأتي خديجة الحساينة حتى تكتشف السر الذي بقينا محافظين عليه بين جدران هذا البيت لسنين طوال ؟
فرد اسماعيل :
- اعلم سبب خوفك يا جليلة تخافين ان يسلب الحساينة فريدة ابنه اختك بهيرة و هشام الحساينة و لكن الحقيقة سوف تظهر في النهاية و بصراحة بالنسبة لي أرى أن يعلموا بالأمر فحمل ذلك السر بات ثقيلا على كاهلي و .....
لم يكمل لأنه سمع مع جليلة صوت أزل التي فتحت الباب و علامات الدهشة بادية عليها :
- فريدة ؟ ابنة عمتي بهيرة و هشام الحساينة ؟ كيف يعقل هذا ؟
توجهت جليلة نحو أزل تسحبها من يدها تجرها الى داخل الغرفة و تغلق الباب خلفها بعد أن اطمأنت عدم وجود من يسمعها غيرهما خارج الغرفة و قالت بخوف :
- ارجوك اخفضي صوتك لا نريد لأحد أن يعلم بهذا الأمر حفاظا على سلامة فريدة .
نظرت أزل الى عمتها بعدم تصديق جليلة النجايدة تتوسلها أن تخفض صوتها لا غير معقول ثم توجهت بنظرها الى جدها الممدد على سريره و قال بهدوء :
- اعلم يا أزل أنك تستغربين هذا الأمر الذي بقي طي الكتمان سنين طويلة و لكن ارجوك استمعي الى عمتك فهي ستروي لك ما حدث

جلست جليلة على الأريكة البلدية النظيفة و غرقت عيناخا بالدموع تسترجع الماضي و تقص قصة بهيرة الحزينة على مسامع أزل المنذهلة بكل كلمة كانت تنطقها .

أزل و عصام Where stories live. Discover now