الفصل السادس

387 19 10
                                    

قرية بني السويلم

نادت فريدة على أمها التي كانت في غرفتها في الطابق الثاني و هي تلهث مسرعة :
- أمي ..أمي ..
اسرعت السيدة جليلة بالخروج من الغرفة لتقابل ابنتها في الممر :
- ماذا هناك ؟ أ حدث لجدك شئ ؟
توقفت فريدة و هي تضع يدها على صدرها في موضع القلب لتأخذ نفسها و تقول
- كﻻ .. لم يحدث له شئ .
-أذن ماذا هناك ؟
- في اﻷسفل فتاة تدعي أنها ابنة خالي نبيل ؟
- ماذا ؟
ذهلت جليلة بعد هذه السنوات الطوال يذكر نبيل مرة أخرى في هذا المنزل فقالت :

- و أين هي الآن ؟

- في غرفة الضيوف مع جدي

نزلنا معا و توجهتا نحو غرفة الضيوف لتسمع كل منهما ما قالته الفتاة ( أزل ) لجدها مما جعلهما تفاجأن من تصريحها هذا الذي جعل السيدة جليلة تتسمر في مكانها .
كان السيد اسماعيل صامتا لا ينطق بحرف و مطرق الرأس يفكر في قول الفتاة أنها مستعدة للخضوع لذلك الفحص الذي يثبت انتسابها لعائلته و هذه الفتاة ليست محتاجة لكل ذلك فهو يعرف علم اليقين أنها ابنة نبيل و لديه أثبات على ذلك و لذا رفع رأسه نحو حفيدته فريدة و قال :
- فريدة احضري ذلك الصندوق الصغير من الدولاب
- و لكن يا جدي ...
قاطعها الجد بصرامة هادئة :
- فريدة نفذي ما طلبته منك و أجلبي الصندوق
ردت الفتاة على جدها على مضض :
- حسنا .
ثم غادرت الغرفة لجلب الصندوق من غرفة جدها
كان الجد يراقبها و هي تغادر ثم وجه نظراته نحو ابنته الواقفة كالصنم عند مدخل الباب وقال يخاطبها :
- و أنت لماذا تقفين هكذا أما أن تدخلي و تستمعي لكل ما يحدث هنا أو تنصرفي لأعمالك .
عبست جليلة ملامحها و قالت :
- بل سأدخل و أفضح كذب هذه المدعية
اشارت برأسها نحو أزل التي تفاجأت من عدائية عمتها التي وصفها والدها بأنها ذات قلب حنون يشبه قلب الأم و لكن ما تقوله لا يمت بصلة للحنان و مع ذلك تلمست لها العذر فهي لا تعرفها فبالتالي لا تستطيع ان تحكم عليها بشكل قاسي ، رأتها وهي تدخل و تجلس الى جانب جدها السيد اسماعيل بتوتر و ما هي ألا لحظات و عادت الفتاة التي تدعى فريدة و هي تحمل صندوقا من الخشب المطعم بالمينا و مزخرف بزخرفة هندسية جميلة و سلمته الى الرجل الطاعن في السن .
قال السيد اسماعيل موجها كلامه لابنته جليلة و ابنتها فريدة :
- انا اعرف أني طوال تلك السنين الفائتة منعتكما من الأيتان على ذكر نبيل في هذا البيت دون ذكر سبب لذلك كما اعتقدت فريدة و على وجه الخصوص انت يا جليلة منعتك من التفوه بحرف واحد مما حدث في الماضي خشية مني على حياة أخيك نبيل خاصة بعد موت بهيرة و صلاح لقد خفت عليه من أن تأخذ عائلة الحساينة ثأرها منه لذا طلبت من نبيل في ذلك الوقت ان لا يأتي الى البلد مطلقاً و لا يراسلنا كذلك و نصحته أن يضيع أثره لكي لا يجدوه و يقتلوه و لكن في يوم من الأيام جاءتني رسالة عن طريق صديق لي عندما فتحتها كانت توجد بها رسالتان الأولى من صديقي يعلمني بها بوصول رسالة من ابني يطلب منه فيها أن يرسل الخطاب أليّ عن طريقه و صديقي قام بذلك و عندما فتحتها بكيت كما لم أبك من قبل اشتياقا لولدي الذي حرمني الثأر و الكره من رؤيته و البقاء بالقرب مني يسندني في كبري و يدفنني حين أموت و يقف في جنازتي .. وها هي رسالته احتفظ بها هنا .
أخرج من الصندوق الصغير رسالة أصفرَت ورقتها ثم قال لأزل :
- خذي يا ابنتي أقرأيها ..
أخذت أزل الرسالة من السيد اسماعيل و فتحتها ،نظرت للحروف التي خطتها يد والدها فملأت الدموع عيناها و هي ترى خطه الذي تعرفه جيداً و بدأت بالقراءة :
- ( والدي العزيز ...
كنت قد منعتني من الكتابة أليك و لكني لم استطع ألا أن أخبرك بأحداث حياتي التي حدثت لي ..
فبعد أن أكملت دراستي الماجستير و الدكتوراه تنقلت بين المدن حتى استقر بيّ المقام ببغداد أدرس في جامعتها و تزوجت من أحدى بناتها فتاة من عائلة محترمة و اسمها مي و انجبت منها ابنتي الحبيبة أزل التي تملك ابتسامة اختي بهيرة الجميلة التي كلما رأيتها تذكرت بهيرة و طيبتها و تملك ايضا جمال والدتها و عنادك و رأسك الناشف لقد ارسلت لك مع هذه الرسالة صورة ابنتي أنها تبلغ من العمر ست سنوات اي أنها بسن الدخول الى المدرسة ....)
لم تستطع مواصلة القراءة بسبب الدموع التي ملأت عيناها فقالت :
- اعذروني لم استطع تمالك نفسي فهذه الرسالة اعادت لي الذكريات مع أبي رحمه الله .
ألتفت السيد اسماعيل نحو جليلة و فريدة الواقفتين بهدوء دون أن ينبسا بأي كلمة أزاء ما يحدث امامهما و قال :
- أذا كان لديكما ادنى شك بأنها ليست ابنة نبيل من الأفضل أن تخرساه لأنني اعرف أن هذه الفتاة هي ابنة نبيل و حفيدتي .
فقالت جليلة و كأنها تريد اثباتاً أكثر من ذلك :
- هناك صورة تحدث نبيل عن صورة ...
لم تكمل لأن اسماعيل قاطعها :
- بل صورتان و ها هما .
أخرج من الصندوق الصغير صورتان احداهما ملونة و الثانية بالابيض و الاسود نظر لهما قليلاً ثم اعطاها لجليلة لتفاجأ بهما فقد كانت الصورة الملونة لنبيل يحمل فتاة صغيرة شعرها كستنائي متوسط الطول و ترتدي فستان وردي اللون و خلفهما ظهر بلونات ملونة من الواضح أنها حفلة عيد ميلاد و الثانية لنفس الفتاة و لكن بعمر أكبر ربما الخامسة أو السادسة من العمر كانت قد ظفرت شعرها بجدائل و شرائط البيضاء تزين رأسها
نظرت جليلة نحو الفتاة الجالسة تارة و الى الصورة تارة اخرى لتتأكد أنها نفس الفتاة فلم تتغيير الملامح كثيراً سوى أنها أصبحت انضج و أجمل و لكن هناك شئ يجعل الفتاة تشبه بهيرة و لكن ما هو هذا ما حدثت نفسها به و قالت وهي تعيد الصورة لوالدها :
- طيب أنها تشبه من في الصورة و....
قاطعها والدها للمرة الثانية قائلاً :
- بالطبع هي كذلك لأن من في الصورة هي هذه الفتاة التي أمامك بشحمها و لحمها يبدو أنك لازلت غير مقتنعة حتى الأن يا جليلة .
اجابت جليلة و هي تهز رأسها بالموافقة :
- نعم لم اقتنع حتى الأن ..
صاح الرجل بابنته ينهرها بصوت صارم :
- جليلة
تدخلت أزل بينهما لكي لا تحدث مشكلة كبيرة بسببها :
- أرجوكما لا تتشاجرا بسببي يبدو أنه من الأفضل أن أجري التحليل لكي أزيل أي شك و أنا مستعدة لذلك لكي يطمئن الجميع
قال السيد اسماعيل بصرامة و عناد الصعيدي :
- لا لن تفعلي ذلك و أنا اعرف تمام المعرفة انك ابنة نبيل و على الجميع تقبل هذا الامر عاجلا أم آجلا أ فهمت يا جليلة ؟

أزل و عصام Where stories live. Discover now