هيلانة سيداروس

Start from the beginning
                                    

أنبثق عن هذا الاجتماع لجنة فنية أكدت على ضرورة الاهتمام بتاريخ مصر، تاريخ الكنيسة القبطية، مبادئ الديانة المسيحية واللغة القبطية والأخلاق.

عودة إلى تعليم د. هيلانة :
نظراً لتوفقها في دراستها وتمتعها بذكاء شديد أرسلها والدها للالتحاق بالقسم الداخلي بمدرسة السينية بالقاهرة ثم التحقت بعد ذلك بكلية إعداد المعلمات إذ لم يكن أمامها اختيار آخر سوى هذا الطريق. كانت مدة الدراسة بهذه الكلية أربع سنوات، وكانت جميع التلميذات يقمن بالقسم الداخلي كما كان التعليم مجانى. في تلك الكلية كانت ناظرة المدرسة والمدرسات جميعهن إنجليزيات باستثناء مدرس اللغة العربية فقد كان شيخاً يرتدى الزى الأزهرى.

بعد أن أنهت دراستها بالسنة الثانية بكلية إعداد المعلمات تم ترشيحها على بعثة حكومية للسفر إلى إنجلترا لدراسة الرياضيات!! وذلك نظراً لتوفقها في هذا العلم. فرحت جدا هيلانة بهذا الترشيح كما أن أسرتها وافقتها على السفر لما توسمت فيها من نبوغ وعبقرية في التفكير الرياضي.

من الرياضيات إلى الطب عدل
سافرت هيلانة إلى إنجلترا لدراسة الرياضيات وبعد فترة من بداية دراستها علمت أن الدراسة ستقتصر على ما يعادل شهادة إتمام الدراسة الثانوية في مصر وفي نهاية الدراسة ستحصل على حطاب يحدد تخصصها!! غضبت هيلانة لهذا الأمر وسارعت بإرسال خطاب إلى المستشار الثقافى (أو الملحق الثقافىكما كان يطلق علية في ذلك الوقت) بالسفارة المصرية بلندن تطلب فيه موافقته على رغبتها في العودة إلى مصر لاستكمال دراستها هناك. وحدث أنة بعد مضى أسبوع من إرسال خطابها هذا حضر السيد المستشار الثقافى إلى المدرسة بلندن – التي كانت تدرس بها – وطلب مقابلتها وقدم لها عرضاً لدراسة الطب وكان قد تأسست في مصر في ذلك الوقت جمعية كيتشنر Kitchner التذكارية بهدف إقامة مستشفى للمرضى من النساء فقط وعلى أن تتولى إدارتها طبيبات مصريات فقط ولهذا تقرر تدريب فريق من الطالبات المصريات بإنجلترا وقد أخُتيرت هيلانة واحدة من أعضاء هذا الفريق.وافقت هيلانة على هذا الترشيح الجديد كما وافقت أسرتها أيضاً. وبعد أن اجتازت هيلانة الامتحان النهائي للمرحلة الثانوية بإنجلترا التحقت بمدرسة لندن الطبية للنساء مع خمس مصريات أخرىات – كان ذلك عام 1922. كان تقدمها لدراسة الطب في إنجلترا سبب دهشة الأساتذة الإنجليز. ولأنهم أشفقوا عليها من مشقة دراسة الطب عرضوا عليها أن تتخصص في مجال التعليم في رياض الأطفال!! لكنها رفضت بإصرار وقبلت التحدى بدراسة الطب.

كانت الاسابيع الأولى من دراستها في الطب، شاقة للغاية إذ كانت مادة التشريح Anatomy تسبب لها آلاماً وضيقاً. لكن بعد فترة تقبلت نوعية الدراسة في الطب واجتازت فترة الدراسة بنجاح وتفوق وفي عام 1929 أصبحت طبيبة مؤهلة لممارسة مهنة الطب وهي تبلغ من العمر 25 عاماً.

عادت هيلانة إلى مصر عام 1930 ومعها شهادة الطب والتوليد من الكلية الملكية البريطانية والتحقت للعمل بمستشفى كيتشنر بالقاهرة. في ذلك الوقت كانت الطبيبة المقيمة بالمستشفى إنجليزية وبعد أن عادت إلى وطنها شغلت د. هيلانة مكانها بكفاءة.

وفى عام 1935 بعد أن انتهت الفترة الإلزامية التي ينبغى أن تقضيها في المستشفى، عرض عليها د. على بك فؤاد العمل في رعاية الطفولة مع فتح عيادة. وتذكر د. سلمى جلال، أن الدكتور عبد الله الكاتب شجعها وعاونها على فتح عيادتها في باب اللوق بالقاهرة وفي نفس الوقت كانت تقوم بعمليات الجراحة والتوليد بالمستشفى القبطى بالقاهرة بناء على طلب من الدكتور نجيب باشا محفوظ – رائد علم أمراض النساء والتوليد بمصر. كان من بين آلاف الأطفال الذين ولدوا على يديها الأستاذ الدكتور طارق على حسن نجل صديقتها الرائدة في علم الكيمياء الدكتورة زينب كامل حسن.

في كثير من الأحيان كان يتم استدعائها – في منتصف الليل – لمساعدة سيدة على وشك الولادة، فكانت تقود سيارتها الخاصة بنفسها – في وسط دهشة المارة – وتذهب لمقر إقامة السيدة للوقوف بجانبها.

لذلك كانت ترى الطب مهنة صعبة تحتاج إلى تضحيات كثيرة وانه بدون الرغبة الشديدة في دراسة الطب يصعب الاستمرار فيها.

ما أحوجنا – في هذه الأيام – إلى تلك الروح الإنسانية الصادقة في مهنة الطب.

في العمل الوطني:
عندما قامت ثورة 1919 شاركت هيلانة وهي أبنه الخامسة عشرة من العمر في المظاهرات التي قادتها بعض الفتيات والسيدات في ذلك الوقت، وبعدها استمرت في المشاركة في الكفاح الوطني للمرأة المصرية ضد الاحتلال الإنجليزى. وكانت تتردد على منزل الزعيم سعد زغلول الذي عُرف باسم "بيت الأمة"، حيث كانت تشارك في اجتماعات الحركة النسائية بقيادة السيدة صفية زغلول من أجل مناهضة الاحتلال الأجنبي ومقاطعة البضائع الإنجليزية ثم انضمت إلى جمعية هدى شعراوى.

في العمل الاجتماعى :
بعد أن تجاوزت السبعين من عمرها رأت انه ليس من الصالح لمرضها أن تستمر في العمل إذ أن الشيخوخة كانت قد أدركتها فأستقالت من عملها وانضمت إلى الجمعية الخيرية القبطية للعمل الاجتماعى. تلك الجمعية التي اهتمت بإنشاء المستشفى القبطى بالقاهرة كأول مستشفى وطنية في مصر وذلك بغرض توفير مكان لإقامة المرضى المصريين وقد تم افتتحاها عام 1926. وبعد ذلك بعدة سنوات بدأت تظهر مستشفيات وطنية أخرى بالقاهرة والإسكندرية مثل مستشفى المواساة بالإسكندرية والمستشفى القبطى بالإسكندرية ومستشفى الجمعية الخيرية الإسلامية بالعجوزة... الخ.

في فترة عملها بالجمعية الخيرية القبطية اهتمت بترجمة العديد من الكتب للأطفال ومشاهير الرجال.

كانت في الفترة الأخيرة من حياتها تعيش في شيخوخة صالحة، بعد أن خدمت الوطن بصفة خاصة والإنسانية بصفة عامة بأمانة كاملة.

وفى صباح الخميس 15 أكتوبر 1998 انتقلت بسلام من عالمنا الأرضي إلى عالم الخلود مدينة الأحياء.

المرأة عبر التاريخ Where stories live. Discover now