الفصل التاسع عشر

6.9K 177 6
                                    

جلس محمد متوتراً يكاد يقتل أحدهم ،بين تلك الجدران البيضاء كل شيئ ممكن إلا قتل ذلك الباكي إلى جواره لم يكن ممكناً .

مرت ساعات طويلة أو ربما شعر بمدى طول الوقت بسبب حسابه بالدقائق وربما بالثواني ليشعر ببضعة ساعات تمر كالدهر .

بعض الممرضات يخرجن والبعض يدخلن ولا يخبره أحدهم أي شيئ ،فقط كلمات معدودة تخبره بألا يقلق وانا الحالة مستقرة .

عن أي إستقرار يتحدثون وهو رأى عمق الإصابة بعينية ومدى إقتراب الرصاصة من القلب إن لم تكن إخترقته ،حاولا الحفاظ على وجه القوة فليس هذا بوقت الضعف وليس هذا ما تحتاجه حسناء الآن .

تحرك أحمد بعيون تملؤها الدموع وقلب يملؤه الحزن والكمد ،قتل شقيقته بيديه حتى ولو بالخطأ ،حتى وإن لم تكن هي المقصودة في النهاية هو قاتل .

إتجه إلى مكان لم يدلف إليه بحياته ولو لمرة واحدة في حياته ،لم يشاهد والده يدلف إليه أيضاً بينما الأم المشكوك في حقيقتها لم تذهب إليه أيضاً .

مرت ساعات يصلي ويتضرع لله كي ينقذ شقيقته التي لم يرغب في شيئ سوى حقها ولكن للأسف تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن .

فبدلاً من أن تخترق نيران غضبه صدر المجرم إخترقت صدر الضحية ،مازال صوته في أذنيه كالطنين ،تخبره أنه توأمها وأنهم من ذات الرحم .

تلمس وجنتيه ليشعر بذلك السائل الملحي الدافئ لأول مرة في حياته ،لا يذكر أن بكى ذات يوم ،ربما بعض من الغضب والصراخ في طفولته ولكن الدموع شيئاً لم يعتاده مسبقاً .

يد حانية لطالما عشقها في صغره ربتت على كتفه بهدوء مع نبرة المرأة الحنون الوحيدة بحياته "يالا يا أحمد حسناء خرجت من العمليات ودخلت العناية المشددة ،بس تفيق وكل شيئ راح يكون بخير ".

إلتفت إلى نجوان بألم يكفكف دمعه بيديه ،غير مصدقً لما قالت أحقا ستصبح بخير بينما هي أومأت بهدوء وكأنها تقرأ أفكاره وتعي جيداً ما يدور بخلده .

سؤال صغير هو كل ما استطاع التفوه به "هو إنت عرفتي منين وجيتي إمتى؟ " لتجيب بذات الهدوء "محمد كلمني من حبة ووصلت من نص ساعة " .

تحرك معها أحمد مخدراً ،لا يكاد يشعر بحركة ساقيه من فرط الإرهاق بينما لم ينتبه لهاتفه الملقى بإهمال على أرضية المسجد فيضيئ بصمت بإسمها .

*****************
مضت أكثر من ست ساعات وهي تكاد تجن ،طلبته هاتفياً أكثر من مئاتي مرة حتى أصبح الهاتف مغلق ،بينما لم تجده بالشركة ومنى لا تعرف عنه شيئاً منذ أن خرج باكراً من المكتب .

للعرض فقطWhere stories live. Discover now