الفصل الأول (ومرت سنوات عمري)

13.9K 263 5
                                    

سنوات من عمرنا تمر وتمر احيانا ناعمه و رقيقه كطيف ملون...
و احيانا اخري حزينة كئيبة  مليئة بالألم تمزقنا كنصال حادة....
و احيانا مليئة بالسعادة والأمل كإشراقة يوم جديد....
اليوم هو يوم من تلك الايام الملونة بطيف السعادة..
طيف لون قلب هديل مختار زوجة شريف مختار في ذكري زواجهم السابع و العشرون و عيد ميلاد شريف مختار الذي يصادف نفس اليوم...
شهور طويلة وهي تخطط لهذا الحفل الضخم الذي تريد صنعه لحبيب القلب الغالي....
زُينت قاعة الاحتفالات في ارقي الفنادق التابعة لعائلة مختار بجميع انواع الزهور الراقية والناعمة... زهور التيوليب..... و القرنفل ..... و الريحان و الجوري...... و اللافندر .....و بكم هائل من الفل و الياسمين الذي تعشقه هديل.. و وزعت بالونات بالون الابيض مع بتلات الازهار علي احواض المياه المنتشرة برقي في انحاء القاعة الواسعة  المضاءة بألوان رقيقة .....
انطفأت جميعها الا من نور فضي تم تسليطه علي سلالم الفندق التي ظهرت علي أولها سيدة الحفل الأنيقة هديل مختار وهي ترفل بفستان اسود طويل وراقي بقصه و قوره و مكياج هادئ تتأبط زراع زوجها الذي لا يظهر عليه ابدا تجاوزه للسابعة و الخمسين من العمر بقامته الطويلة الشامخة التي لا تقبل الانحناء و حلته المصممة خصيصا له ... .
رحبو بالضيوف - الذين تناثروا عبر القاعة الواسعة  - بحراره فكثير من الحاضرين من الاقارب والأصدقاء المقربين.
اقترب وقت اطفاء الشمع وافتتاح البوفيه الكبير.........
اغلقت الانوار جميعها و ساد الهرج في القاعة التي انتشر بها الصخب بكافة انواعه قطعه صوت   جيتار قوي يعزف بمهاره تبعه صوت طبول وبعض الألات الموسيقية  في تنسيق بديع ليس بصاخب ولا هادئ لحن شبابي عذب تخلله اصوات جميله .
(Happy birth day to you       ……..     ……… Happy birthday to you     …….    … Happy birthday to daddy ……… happy birth day to you  .....    ........
صرخ كل من في القاعة بحماس وصوت رقيق جميل يشعل الجو بأغنية غربية  .
  .oooooooooooooooh
صدحت تلك العبارة في انحاء القاعة مع ظهور الأضواء حول الفرقة الموسيقية الصغيرة المكونة من خمسة اشخاص ثلاث فتيات وشابان .
وفي صوت ناعم قالت احدي الفتيات برقه وهي تنظر نحو شريف مختار وزوجته......
My beast friend my dad
I am the luckiest girl in this world because you are my father  .
اغمضت عيناها بعد تلك العبارة الناعمة لتبدئ بالغناء بصوت عذب.....
Dad
I never told you how..
How much you mean to me What in the world would I do I just never made it through to you (to you, to you)
بصوت متناسق وجميل اكملت احدي الفتيات الأخريات الغناء بصوت مبحوح لطيف   :
   There goes a day
There goes a week So many goals I had to reach The more I did the less I cared The more I missed the love you shared

If life is a song:-
Somehow it's sa
I don't know the words without you dad (Cause) You've been on my mind all the time
: Home used to be just some walls that I knew But the truth is that home means nothing without
You
So I got to say
Won't you grow, oh, ohoho old Cause it's you, uh, uhuhuuu That I want, -ant, -ant to last Just as long as I need you here
0 "" dad( neele) ""
علت اصوات التصفيق بحماس في ارجاء القاعة مع نزول اعضاء الفرقة الصغيرة واقترابهم من هديل و شريف .
لتقترب احدي الفتيات من شريف ممسكتا بكفه بين يديها الصغيرتين لتقبله باحترام قائلة بحب ومرح
: كل سنه و انت اجمل و احلي بابا في الدنيا كل سنه و انت عمري يا كل عمري انا .
ضحك شريف بسعادة مختلطة بالفخر وعينيه تلتهمان ابنته الجميلة كالحلوى.
: تسلمي يا ملاكي ربنا يخليكي ليا يا عمري.
ارتفعت علي اطراف اصابعها تحاول الوصول لوجنته تقبله لكن فارق الطول بينهم جعله ينحني من اجلها لتقبله وهي تقول بحب....
: ربنا يخليك ليا.
تذمرت هديل مصطنعة الضيق بينما تحاول اخفاء دموع السعادة الباردة التي تشعر بها
: طيب و مامي ملهاش في الجو ده ولا الحب كلو لبابي بس .
التفتت الفتاة الصغيرة الي والدتها تبتسم بمشاكسة...
: هو في غيرك هنا يا هدهد دا انتي القلب كلو هو انا عندي اغلي من مامي برضو .
ضحكت هديل برقة بينما تقرص وجنت ابنتها بلطف..
:- بكاشة طالعة لشريف.... 
:- انا...
تصنعت الحزن متابعة بدراما حزينة...
:- دا انا طيبة والي في قلبي علي لساني...  انتي الي دايما ظلماني..
: احم.. احم انا تأثرت لحظة ابكي....
كان صوت خشن ينظر الي ملاك بحاجب مرتفع بسخرية لتخرج له لسانها بمشاكسة بينما تلتصق اكثر بوالدها الذي كان يضحك بعمق علي طرافة ابنته واصدقائها 
: لا صعبت عليا علي اساس عندك دم و بتتأثر اوي  .
رفع حاجبيه يستفزها متابعا..
: من عاشر قوما اربعين يوما يا سكر وانا اعرفك من اربع سنين للأسف  .
: لا يا سيف متكدبش احنا عارفينك وانت معندكش دم يعني العيب مش فينا خالص .
نظر سيف الي تلك الفتاه الجميلة التي ضربت كفها بكف ملاك....
:- بقي كدا يا تمارا ماشي يا تيمو بس ابقي دوري بقي علي الي يخلصلك الشغل الي بتركنيه وراكي كل شوية....
تصنعت المسكنة وهي تداعب خصلات شعرها البني الحريري...
:- حياة حبيبتي هتخلصهولي..
اشار بكفه لفتاة  تقف شاردة ليقول بصوت عال جذب انتباهها..
: دي دي بتنام وهي واقفة  .
رفعت الفتاة احد حاجبيها ثم قالت بغيظ وهي تلتفت عنه مرة اخري..
:  بطل غلاسه ورخامه يا بارد يا ابو دم تقيل وملكش دعوة بيا  .
ضحكت تمارا بصخب بيننا ترد له استفزازه...
:- اهو شفت حتي حياة اللطيفة الي مش بتزعل حد قالت انك دمك تقيل...
: دا انا دمي زي العسل هو في حد بيضحكم غيري اصلا يا شلة كئيبة..
ضحكت ملاك وهي تجيبه مؤازرة لصديقتها..
:- يا سيف اعترف انك اكتر واحد غلس في الشلة..
: بقي كدا و انا اللي كنت فاكر انك هتقفي جنبي ضد تمارا وحياة الي بتعملني معاملة مراة الأب كأنها مش اختي حبيبتي .
حياه بمرح : ولا اعرفك  يا حبيبي .
رفع حاجبه لها بتهديد ثم قال ببرود...
: طيب حتي راعي ان خطيبك واقف هياخد عنك فكرة انك مفترية وظالمه  .
ضحك اياد خطيبها بلطف بينما ينظر اليها بحب..  : هو في احلي من حياه ولا في زي حياه .....اما بنسبه لأن عندك دم او لا....... فدا معترف بي انت معندكش دم يا سيف هنكدب .
ضحك الجميع بمرح وسط تزمر سيف ومزاحه وضحكات ملاك ومشاكسات تمارا وحياه........ اطفئ شريف الشموع فرحا بوجود عائلته من حوله وكل منهم يتمني أمنية من قلبه لعلها تتحقق .......
انتهت  السهرة ليعود كل الي منزله وكل يحمل داخل قلبه حكاية .....
______________________________________
جالسة في شرفة منزلهم الواسعة ساهمه شارده عقلها يسبح في متاهات لا اول لها ولا اخر ......
تداعب فراء دبها المفضل لا تشعر بما حولها حتي اقتراب والدتها منها حتي لمست كتفها بحنان تخرجها من شرودها محاولة ألا تجفلها بينما همست لها بحب ما ان انتبهت لها...
: ايه سرحانه في ايه يا حبيبة مامي .
تنهدت ملاك ولم تجب للحظات ثم التفتت لوالدتها بابتسامة حلوة مجيبة...
: مفيش يا مامي عادي .
جلست هديل بجوارها تلامس خصلات شعرها الطويل وعينيها ثابتتان علي عيني ابنتها المتشابهة : علي مامي برضوا .
تنهدت ابنتها مرة اخري ثم اسندت رأسها لصدر والتها الحنون تاركة اياها  تداعب رأسها  بينما تخبرها بما يشغل بالها....
: انا بس قلقانه علي تمارا .
عبست ملامح هديل سائلة ابنتها بقلق..
: ايه اتخنقت مع باباها تاني .
هزت ملاك رأسها بإيجاب بينما تقول بانفعال رقيق..
: لسه مصر علي موقفه وعمال يضغط عليها عشان توافق تتجوز ابن عمها دا اسمو ايه ..... اه رضوان... انا بس نفسي اعرف هو الجواز بالغصب وبعدين هي الي بنته ليه يقف ضدها عشان ابن اخوه مهما كان بيحبه   .
: يمكن عشان هو بيحبها هي يا ملاك.... يمكن شايف انو شخص كويس وينفع لها .
ردت ملاك بغير اقتناع..
: من نحية ايه بالضبط انو عندوا فلوس وبيساعد باباها من الاساس في شغله ولا انو ابن عمها والكلام القديم دا  ولا من نحية انو معقد ومطلق واكبر منها في السن وهي مش متقبلاه  دا كفايه كلام طليقته عليه وكفاية ان طليقته تبقي اختها .
: مش معنا اني قولت انو هو شايف انه كويس يبقي انا شيفاه كويس بس الي انا شيفاه ان دي مش عيوب في رضوان بل بالعكس رضوان انسان كويس واخلاق ومش من حقك تحكمي علي حد من غير ما تعمليه دا غير ان الجواز والطلاق دا قسمه ونصيب وطليقته تبقي اختها في الرضاعة ومفيش علاقة مقربة بينهم عشان يبقي الوضع محرج  .
اندفعت تحتد مدافعة عن رأي صديقتها...
: بس يا ماما.....
ابتسمت والدتها تقاطع كلماتها المحتدة بأخري هادئة...
:_ يا لوكا اتعودي لما توجهك مشكلة تسمعي لكلا الطرفين ممكن فعلا تكوني ظالمة حد فيهم اذا كانت عيونا ممكن تخدعنا الناس مش هتخدعنا.....محدش بيشوف نفسه غلطان  ثم ان تمارا قوية وهتقدر تواجه مصيرها ولو هي فعلا مش متقبلاه خليها تواجهه اعتقد شخصية زي رضوان مش هتقبل انه يتجوز واحدن رفضاه  .
هزت ملاك رأسها بستسلام ثم قالت مغيرة الموضوع ..
:_ ماما احكيلي حبيتي بابا ازاي....
ضحكت والدتها بصخب ثم قرصت وجنة ابنتها مشاكسة..
.:_ تاني يا لوكا ...
:_ بحب اسمعها منك اوي.....
تنهدت هديل بحرارة وهي تضم  رأس ابنتها اكثر مستمرة بالعبث بخصلاتها الطويلة..
: جدتك كانت دايما تقول ان احنا عندنا لعنة لطيفة في العيلة انني بنقع في الحب من النظرة الاولي....  هي حبة والدي من النظرة الاولي وانا وقعت في حب باباكي من النظرة الاولي كمان رغم ان مقابلتنا عمرها مكانت لطيفة دايما كنت انا بتخانق انا حبيته عشان هو كان في كل حاجه تتحب كان فارس الأحلام الي استنيته سنين عمري كلها... حبيت انو حبني من غير ما يحاول يغيرني حبني بجنوني وشقاوتي وعصبيتي وحساسية مشاعري الزايدة.... حبني رغم اني مريت بأوقات مكنتش قادرة فيها احب نفسي وانا حبيتو اوي وبحبه اوي لدرجة اني حسيت ان كل حياتي من قبلوا مكنتش حياة شريف كان اول اولادي وحب حياتي وزاد حبي ليه لما حصلت مشكلة الأطفال.... انا كنت محتاجة اتعالج وهو صبر ووقف جنبي ودعمني في كل لحظة  الكل وقف ضدوا وحاولوا يفرقونا لكن هو مسمحش لأي حد بكدا انا كنت اضعف منو كتير ....اول مرة روحنا عند الدكتور فيها وقال ان المشكلة عندي انا....انهرت لكن هو وقفني وقالي هنصبر هنحاول وربنا هيعوضنا قالي ان اطفالة مني يا اما مش عاوزهم وربنا فعلا عوضنا بعد ما فقدت الأمل ربنا رزقني بيكي وبعد سبع شهور بس شرفتي انتي عشان تملي حياتي وحيات باباكي فرحه وسعاده واهو انتي كبرتي وبقي عندك واحد وعشرين سنه وبكرة هتكوني احلي عروسة  وحياتنا الحمد لله ماشيه كويس ........ ورغم كل المشاكل احنا مع بعض....
تنهدت ملاك بنعومه بينما تقول بحالمية...
: ياه يا ماما لو الاقي واحد يحبني زي بابا ما بيحبك  كدا ويشوف عيوبي مميزات مش يشوفني متهورة ومجنونه ومش مؤدبة زي ما نانا بتقول ....... و يكون في حنيت وحب بابا لعيلتو و جدعنت و شهامت و وسامت وحلاوة بابا حبيبي.
ضحكت هديل بينما تبعد رأس ابنتها عنها قائلة بمشاكسة..
: لا انا كدا اغير....  وبعدين هو فيه بس انت الي مش مقتنعة .
ارتجفت كف ملاك التي ضمتها امام صدرها بينما تجيب بحزم مخالف لشخصيتها المرحة..
: انا فعلا مش مقتنعة بالعريس دا ... ماما انتي اكتر واحدة عارفة الي مريت بيه وعارفة اني مش حابة اخوض التجربة دي تاني علي الاقل دلوقتي انا.... انا بشكر ربنا ان....
صمتت قليلا تستجمع باقي شجاعتها للتتابع...
:- انو سافر عشان اقدر اتخطي الموضوع بشكل اسرع وساعتها اوعدك هقبل باي عريس... .
تنهدت هديل بحزن بينما تلامس وجنة ابنتها داعمة...
:- الهروب مش حل يا ملاك لان هو رجع فعلت  .
خفق قلبها برعب وهي تلتفت لوالدتها بعيون متسعة تهدد بتساقط الدموع...
  : ماما .
: ايوه يا حبيبتي رجع و هيجي زيارة العيله بكره عشان كدا بقولك الهروب مش حل  .
: انا اكيد مش هاجي وانتي عارفه كدا........ العيلة اصلا مش هتفتقدني...  ارجوكي ساعديني.
هزت رأسها برفض..
:- الهروب مش حل يا ملاك لازم تواجهي متنسيش انو يبقي ابن عمتك وابن خالك في نفس الوقت ومش معني انكم مريتوا بتجربة فاشلة سوي انكو تتجنبو بعض بالمنظر دا... دا غير ان ابن اخويا حبيبي شهم وجدع وزي القمر و....
: الله الله قاعده تحكي في جمال ابن اخوكي و سيبه جوزك يا هانم.
التفتت كلاهما لوالدها الذي دخل الغرفة ثم جلس بجوار والدتها متابعا برقة وهو يرفع كفها يقبلها...
: طيب وانا مليش شويه من الكلام الحلو ده ولا ده عشان ابن اخوكي و بس .
: دا انت ليك الكلام كلو يا قلبي هو انا عندي اغلي منك يا روحي .
ضحكت ملاك ثم قالت بمرح...
: احم احم نستأذنو احنا .....احنا ناس سناجل ملناش في الكلام ده تصبحو علي الهنا .
ضحك كل من شريف وهديل وهم يتمنو لها ليله سعيده .
اختفت ملاك خارج الشرفه و لكن مالبثت ان عادت برأسها فقط. لتقول بسرعه قبل ان تركض عائدة الي غرفتها  حتي لا تسمع رد والديها ....
: و مش جايه بكرة .
تمددت علي فراشها وهي تستعيد وجهه الوسيم الداكن داخل عقلها...
(حارس ابن خالها وعمتها ) الذي يشبه المصارعين بجسده العضلي الذي يكاد يمزق ثيابه الرياضية التي عادة ما يحب ارتدائها...
لقد كانت دائما مشبهه بجون سينا ذلك المصارع الأشقر القريب له في الشكل لولا ان حارس لم يكن اشقر ابدا بل اسود الشعر مثلها بخصلات قصيرة انيقة تزيد من فخامة هيئته داخل زيه  الخاص بالجيش الذي كان يعود به من العمل في كل إجازة فيخطف قلبها كأنها المرة الأولي التي تراه فيها..
ويمزق قلبها كلما يكون عائدا الي العمل خوفا وقلقا عليه كأنه لن يعود ابدا...
لقد كانت دائما ما تشعر بالرعب حين يغيب...
يقتلها الحنين والاشتياق وتنتظر عقارب الساعة بهوس حتي تمر الايام ويعود في اجازته...
لقد كان......
(كان) يا لها من كلمة تختزل مرارة العالم اجمع داخلها...
تختزل الألم والفراق والحزن والتحسر...
كم كان من كان يوما لا يغيب ذكره...
كان تعني الماضي الذي تحاول نسيانه..
كان تعني حاضرا ملوثا بذكراه ومستقبلا تحاول فيه ان تكرهه...... فقط الكره هو كل ما يستحقه .....
لكن هل تكرهه حقا ؟؟!!.
هل يصح ان تكرهه... 
طاف بخيالها ذكري مر عليا فوق العشر سنوات...
ذكري لازالت محفورة داخر عقلها الذي كان وقتها في طور الطفولة بينما هو كان شاب وسيما يدرس في الكلية الحربية حيث كانت تعتبره بطلا عائدا من الحرب  كلما ذهبت مع والدتها لرؤيته فور حضوره كانت طفلة والديها المدللة والشقية لكنها كانت دوما ما تشعر بالرهبة منه فتقف بخوف تراقبه من بعيد....
في تلك المرة كانت تزورهم مع والدها وانطلقت بالبيت كالعادة تلعب بحرية فقد كانت تحب بيت عمتها دنيا حتي ذهبت الي غرفته المفتوحة لتقف كما المعتاد تراقبه بفضول مبهورة بكل حركاته التي لم تفهمها  ملتصقة بجدار جوار غرفته حيث كان ممددا علي الأرض يتمرن...
عيونها كانت مستديرة بانبهار كأنها تراقب بطلا خارقا..
لقد كانت تراه كذلك بالفعل...
رأها بطرف عينيه ليشير لها ان تدخل بينما يعتدل ليجلس علي الأرض وما ان اقتربت منه حتي قال بلهجة مداعبة بينما يمسك كفها الصغير الذي ضاع داخل كفه الضخمة
: كنت واقفه برة ليه ؟!..
: ك....كنت... كنت بشوفك وانت بتتمرن.
ابتسم لها وقال بلطف وهو يداعب انفها بأصابعه الخشنة...
: تحبي تساعديني.
نظرت اليه بتوجس ولم تفهم ما يعني لتسأل بحذر...
: اساعدك....  ازاي بجد......
:- كدا..
قالها بينما يختطفها من خصرها يرفعها عاليا كأنها اثقال وينزلها لتضحك بعمق ذهولا واستمتاعا...
و منذ ذلك اليوم و هي تذهب اليه كلما كان في المنزل و تساعده في تدريباته الشاقة فكانت تجلس مرة علي ظهره وهي تتكلم بكل ما حدث منذ ذهب الي العمل حتي عاد  و هو يرفعها بتمارين ضغط قاسيه حتي ينقلب فجأة لتقع علي الأرض ليدغدغها حتي تعلو ضحكاتها وتبلغ عنان السماء كثرا ما كان يفعل ذلك و احيانا اخري كان يرفعها بكلتا يديه كالأثقال ويلعب بها لصغر حجمها بينما كانت تضحك وتتعلق برقبته مع انها تعلم انه لن يفلتها ابدا و كم كانت مخطئة فهو قد افلتها ولكن لم يؤلمها جسدها الرقيق بل ألمها قلبها الذي تحول الي شظايا لا يمكن اعادة تركيبها .
نهضت من علي فراشها لتتقدم الي خزانة ملابسها لتفتح احد ادراجها الصغيرة لتخرج صورة صغيره نظرت اليها بدموع اغرقت عيونها بدون ان تشعر ثم همست لنفسها بحزن (اصابتني لعنتك ولكنها لم تكن لطيفة ابدا...  كانت قاسية بقد حنانك...  مؤلمة بقدر رعايتك..  مرعبة بقدر فقدك...)
عادت بنظرها الي صورته التي بين يديها لتغرق في ملامحه التي خطفت انفاسها دوما...
لم يكن اوسم رجل قد تقابله لكن في عينيها كان الأكثر وسامة علي الإطلاق...
بعينيه السوداء كالعقيق الذي اختارته لخاتمها وبالطبع لم تختاره لأنه يذكرها بعينيه  ....
حاجباه الكثيفان اللذان كان يرفعهما كلما غضب منها او تضايق من شيء فعلته..
انفه الشامخ كحد السيف...
وفكه العنيد الخشن وشفتيه المغويتين بابتسامتهما الساخرة....
تابعت همسها لنفسها وهي تجفف دموعها التي انهمرت علي صورته (لقد خنت العهود وقتلت الحب الذي بداخلي كسرت تمثال الخرافة الذي شيدته لك يوما وافقتني من وهم الانبهار برجل لا يخطئ  )
اعادت الصورة الي الخزانة تخفيها تنتظر ذلك اليوم الذي ستكون قادرة فيه علي احراقها....
عادت لتستلقي علي فراشها الوثير تحيطها الوسائد الناعمة التي تحبها لكنها لم تعطيها الراحة اليوم فكيف ترتاح وريح الذكريات تقتلها فكم من ذكري حلوة بالفراق اصبحت علقما..
  تسللت الدموع مختلطة بالذكريات الدافئة لطفولة وصبا كان هو بطلهما الأول والوحيد.
كان فارسها المغوار حتي تكسر سيف الفارس وكسر تمثال البطل لتبدأ مرحلة جديدة معه مرحلة التجاهل حيث يبتعد كلاهما عن بعضهما كأنهما امراض معدية تجاهل وقودها  نزيف قلبها الذي لم يتوقف حتي الآن واليوم الذي سيتوقف به ويختفي جرحه هو اليوم الذي ستنتهي به حياتهما  الي الأبد ...
تسلل النوم اليها من بين ذكرياتها واخر ما تتذكر هو تلك الأبيات التي لا تعلم من اين حفظتها ...
"
  ما زلت اجرع  دمعتي من غلتي
                  اخفي الهوي عن عازلي واصون
  حتي اذا صاح الغراب ببينهم
                     فضح الفراق صبابة المحزون
                                                      "

__________________

كل الدروب تؤدي اليكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن