الفصل الثامن والثلاثون

411 23 0
                                    

تململ في مكانه امام صندوق هاتف عام في احد الشوارع المزدحمة البعيدة حيث لن يعرفه فيها احد ولن يجد احد الوقت ليدقق فيما يقوله او ينتبه لو وسط مطحنة العمل التي يركض هؤلاء الناس فيها..
ورغم علمه بكل هذا ظل التوتر يتلاعب بأعصابه وعينيه تتجولان حوله بحذر كل ثانية ونظرات الناس الحائرة من استخدام شخص ما هاتف عام بعد ان اضحت الهواتف المحمولة في متناول الجميع حتي الأطفال  تجاهل نظراتهم متصنعا الثقة وكفه تغطي السماعة القريبة من فمه حتي لا يكون صوته واضحا تماما للطرف الأخر وقد اخفض صوته حتي لا يلتقط احد اي كلمة مما يقولها .......
:- كل الي هتعمليه انك هتخرجيها لنحية باب العمال وانا هتصرف من هنا انتي فاهمه...
وصله صوت انفاس مضطربة وصوت خطوات تتحرك ولم يأتي صوت من الطرف الأخر انتظر بغضب وهو يجز علي اسنانه يقاوم سبة بذيئة تود الخروج من فمه....
وعلي الجهة الأخري من الهاتف ارتجفت اوصالها وصوته المرعب الخفيض يصلها عبر الاثير داكن ككابوس مرعب ملطخ بالسواد مثل سواد روح محدثها...
تحركت عينيها باضطراب يمينا ويسارا بينما تتحرك الي منطقة منعزلة عن العاملين والمرضي لتسطيع الحديث بدون ان يسمعها احد واطرافها ترتجف برعب حتي وجدت باب المرحاض الخاص بالعاملين دقت الباب تتأكد انه فارغ ثم دلفت اليه مغلقة الباب خلفها وهي تهمس بتوسل  ...
:- ابوس ايدك ارحمني انا طلعت منها المرة الأولي بالعافية دول فتشو اوضة العاملين ولو كانو لاقو الزفت الي بتديهولي للمرضي كنت هروف في داهية... و النصيبة الي انت جايبها دي لو اتكلمت بكلمة واحدة عني هروح فيها حرام عليك انا مليش دعوة بحاجة بعد كدا مش هعرف اعمل حاجة  يا وليد انا هرضي بالقرشين الي بيجو من المستشفي وخلاص مش عاوزة فلوس تاني ابوس ايدك ابعد عني والنبي....
وصلتها لعنة غاضبة اصدرها من بين اسنانه وهو يهتف بها بصوت حاد زاد من طرقات قلبها التي تتقافز من الخوف....
:- بقولك ايه متخلينيش اوريكي وش عمر اهلك مشافو مني وافهمي الي بقولك عليه يا غبية البت دي لو فضلت في المستشفي انتي هتروحي في ستين داهية بجد فاسمعي الي بقولك عليه وخلصيني....
شهقة بكاء خفيضة هربت من بين شفتيها وهي تهمس برعب زلزل حروفها المختنقة....
:- بقولك  مش هعرف الحراسة اتشددت علي المستشفي من يوم ما عرفوا عن البت دي وقالبين الدنيا هنا وعاملين يفتشو الكاميرات والدنيا لبش ابوس ايدك دور علب حد غيري انت مش هتغلب يا وليد انما انا مش حمل نصايب......
انتفضت وصوته يصلها عنيفا غاضبا يبتلعها كمستنقع قذر هي من ألقت نفسها فيه...
:- النصايب دي هتنزل علي دماغك يا بنت الـ***** لو مسمعتيش كلامي انتي فاهمه مهو انا مش هروح فيها لوحدي يا روح امك...
لطمت وجهها بخوف بأحد كفيها وهي تندب افعالها.  .
:- يا لهوي.. يا لهوي قولتلك مش هعرف حرام عليك...
شخرة ساخرة صدرت منه وصوته يصلها كفحيح الثعابيه جعل جسدها يختض رعبا ودموعها تتسابق بالبهرب من عينيها المتسعة ويدها لا تكفان عن لطم وجهها والأخريتسند الهاتف لأذنها بارتعاش...
:- حرام عليا انا ومش حرام الفلوس الي اد كدا الي لهفتيها من يوم ما دخلت البت دي المستشفي.... انا قولتلك الي عندي يا نورة انا لو روحت في داهية هطربقها علي دماغك ودماغ الكل انتي فاهمه مهو الي عاوز العسل يستحمل قرص النحل يا حيلتها ....
كتمت فمها بيدها تمنع صوت شهقاتها من الخروج حتي لا يسمعها اي مز المارين امام باب المرحاض و لسانها لا يتوقف عن التوسل ...
:- طيب اعمل ايه بقولك بقو عينهم في نص راسهم هخرجها ازاي....ا صلا مش هلحق دا دكتور عادل هيبعتها بكرة مستشفي تانية...
سب بلفظ بذيء ثم صرخ بها بغضب...
:- وجاية تقوليلب دلوقتي يا بنت الـ*****.
سب مرة اخرة وهو يكاد يضرب الهاتف العام الذي يتصل منه بها بعرض الحائط لكنه تمالك نفسه حتي لا يلفت انتباه الناس الذين يمرون به وقال بفحيح غاضب....
:- تخرجيها انهاردة يا زفتة فاهمه الساعة اربعة بالدقيقة تخرج علي الباب ازاي بقي دا مش بتاعي انتي فاهمه الساعة اربعة حد هيستلمها من اودام الباب وقسما عظظا يا نورة لو منفزتب الي انا بقوله لوديكي انتي والب ملفوكي كلهم في ستين داهية انتي فاهمه  ....
اغلق الهاتف ولم ينتظر ردها وكل خلية فيه تشتعل غضبا  عليه التخلص من هذه الكارثة اليوم وبيد نظيفة فهو لن يعرض نفسه للخطر بعد كل هذا....
ليس بعد ....
لازال هناك الكثير لم يفعله...
انه اكثر من يستحق الحياة هو الذي يستحق المال والمتعة ولن يسمح لغبية كنورة او حقيرة كتلك الأخرى ان يفسدا حياته...
سينتهب من النصيبة هذه ثم سيأتي دور شقيقتها الفاتنة التي تمال نفسها ذكية فهو لن يتركها تفلت بفعلتها ابدا......
بينما في المشفي كانت ترتجف من شعر رأسها حتي اخمص قدميها ذعرا ...
لا تعرف ما الذي عليها فعله...
هي من جنت علي نفسها...
لكنها لن تترك نفسها للضياع...
انها في كارثة ....
كارثة لن تبقي ولا تذر...
ستنهي حياتها وهي لا تملك ان تمنعها....
لا تملك سوي اطاعت اوامر ذلك الشيطان الذي تحالفت معه برضاها طمعا في المال...
فحللت لنفسها ما حرمه الله والناس والانسانية...
وها هو العقاب ات فهي دائرة تدول والكل سيذوق من كأسه عاجلا او اجلا....
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
تسللت بخطي مرتجفة الي غرفة المريضة التي وقعت علي رأسها كنصيبة من السماء تتبعها زميلة اخري لها تعمل هي الأخري مع وليد كلتاهما تلتفان حولهما بخوف وقفت الأولي بجوار باب الغرفة من الداخل تتابع الخارج بصمت بينما الأخري اقتربت من الفراش الذي تستلقي عليه المريضة منكمشة ضئيلة كطفلة صغيرة والصمت يعم المكان حولهما لا يقطعه سوي صوت الأنفاس ودقات القلوب المرتعبة..
اسندت المريضة اليها وقد ساعدها نحول الأخيرة وخفة وزنها في تحريكها بسهولة الي الخارج تتحرك زميلتها امامهم تفتح الأبواب وترشدهم عبر الممرات المظلمة و استغلا الوقت المبكر ليقطعا التيار لدقيقة واحدة قبل ان يبدء التيار الاحتياطي بالعمل...
وصلا اخيرا الي باب العمال الذي تركاه شبه مغلق  حتي لا يصدر فتحه اي صوت وما ان خرجا منه حتي اقترب منهم رجل كان يقف في بقعة مظلمة مختفية قليلا عبر اشجار الوارفة المزروعة في حديقة المشفي...
استلم منهم الجسد المخدر يعمله كدمية ورحل بدون حرف تبعته احداهما و ركضت الأخرى الي الداخل تحاول الدخول سريعا الي اقرب مرحاض امامها قبل ان يعود التيار ومعه كميرات المراقبة....
قد تبدو الدقيقة وقت لا يعني شيئا..
وقت يمر متب قبل ان تلحظه...
لكنه بدي لها كعام من الرعب...
شكل لحظة كانت كشبح يهدد حياتها...
يهدم كل ما حاولت بنائه وينبئها بسنوات من الجحيم في السجن ليفني شبابها ويضيع كل شيء حتي الأموال التي ماربت لأجل الحصول عليها مضحية بكل نفيس....
اجهشت في بكاء لم تستطع كتمه وكل خلية فيها تنتفض....
لقد انتهي كل شيء عاد التيار وذهبت البلية التي كانت في رقبتها ولن يعرف اخد انها هي من فعلتها وستختفي غدا او بعد غد بعيدا عن المدينة بل بعيدا عن البلد كلها اذا امكن...
لماذا اذا لازال قلبها وجسدها ينتفض وشيطانها يحدثها ان لا شيء انتهي بل ان البداية الحقيقية لم تأتي بعد.....
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
تعالت صافرات الشرطة وسياراتها تنهب الطريق نهبا تقطع سكون الليل المرعب في مطاردة خلف تلك السيارة التي حولت مسارها بشكل مريب ما ان رأت الكمين الذي قلل الظلام من ضخامته فلم يلاحظ صاحب السيارة انه كان قريبا بقدر مكن الضابط من رؤيته....
انطلقت السيارة بسرعة خطرة تقطع الطريق الصحراوي المهجور تحمل داخلها جسد مرتعب واخر ساكن بهدوء كجثة هامدة ..
رفع هاتفه اللاسلكية يستمع لصوت المجند الذي يطارد سيارة الرجل...
:- الراجل رمي حاجه من العربية علي بعد نص متر يا باشا وشكله حاجه كبيرة....
اشار بيده لمجند اخر ليركب السيارة الأخري وركب بجواره هو الأخر تاركا الكمين لزميل له وبعض المجندين...
هبط من السيارة يرفع سلاحه امام وجهه يتحرك ببطأ في المنطقة التي اشار اليها الجندي وعلي ضوء مصباح كهربي يمسكه المجند اقترب من المكان الذي ظهر به كومة بيضاء بتفاصيل بشرية جعلته يشير للمجند ليتحركا بحذر خطوات بطيئة واذنيه تحاول التقاط اي حركة ولكن لا شيء سوي خطواتهم وصمت الصحراء المرعب...
عقد ما بين  حاجبيه بتعجب وكل خطوة يقترب بها من الكومة تتشكل اكثر علي هيئة بشرية صغيرة كأنه طفل متكوم حول نفسه  او....
امرأة...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
أبلغ عزيزًا في ثنايا القلب منزله..
أنى وإن كنت لا ألقاه ألقاه...
وإن طرفي موصول برؤيته...
وإن تباعد عن سكناي سكناه...
يا ليته يعلم أنى لست أذكره....
وكيف أذكره إذ لست أنساه... ♡
دخل الي المشفى حيث يداوم في الصباح ورأسه يضربه الصداع بلا رحمة...
ايام طويلة مرهقة للروح والجسد تمر عليه فتجعله  يترنح كالسكارا وخمره القلق، الرعب، الندم، الاشتياق والكثير الكثير من حبها ...
ومع كل هذه المشاعر المرهقة نفسيا يأتي تعبه الجسدي فهو لا يذوق النوم الا ساعات تعد علي اصابع الكف الواحد صباحا في العمل مرغما وفي المساء اما يبحث عنها او يجتمت مع اصدقائها ايضا ليتناقشا عما وصلوا اليه از يكون في عيادته ايضا مضطرا للعمل فمرضاه لا ذنب لهم....
لا ذنب لأحد فيما يعانيه....
بل انه يحمد الله علي وجود عمله الذي يشغله عن التحرك في درب الجنون بخطوات سريعة...
فعقله لا ينفك يرسم ألف حكاية مرعبة وألف كابوس يغذيه شيطان الرعب داخله خوفا علي قطعة الروح الغائبة....
لو فقط يطمئن علي سلامتها...
ان يعلم فقط انها علي قيد الحياة...
ان يراها و لو من بعيد...
ان تعود سالمة حتي لو عوقب علي غبائه ببعدها لكن علي الأقل سيكون علي علم انها بخير.....
انه  لا يملك من امره شيء سوي الدعاء والصلاة لله ليعيدها سالمة...
حتي لو كان لا يستحقها...
فلتعد فقط ويقسم انه سيعوضها علي كل كلمة غبية نطق بها وكل كلمة كتمها داخل قلبه ولم يقولها لها ..
شهر ونصف لا يعلم عنها شيء...
لم يسمع صوتها المبحوح وهي تحدثه او تشاكسه او حتي تغني بصوتها العذب داخل غرفتها بينما يستمع اليها بصمت من خلف الجدار الذي يفصل بين غرفتيهما...
انه لم يخبرها ان صوتها حينما تندمج في الغناء يصبح عاليا بقدر يجعله يسمعها...
لم يخبرها انه كان يجلس علي فراشه الملتصق بالحائط يمسك في يدك كتاب وفي اليد الأخري كوب قهوة يستمع باستمتاع لصوتها الرائع ولكلماتها التي تزلزل كيانه من كم المشاعر التي تغلفها بها....
كانت تسليه بغنائها ودندنتها حتي قبل ان تجمعهما الشجارات او الصداقة من بعدها  ...
لم يخبرها انه كان يستمع لعزفها علي الكمان بألحان تشبه ليالي تشرين الحزينة فتدور به في متاهات الذكريات...
لقد اشتاق لتلك الدوامة التي تسقطه فيها ابتسامتها التي ترسم قلوبا مضيئة داخل عينيه...
ولعينيها التي تشرق كشمس الصباح فتضيء يومه كلما التقت بعينيه...
ولشعرها المجنون الذي لا تحتويه اي ربطة بالكون فيسافر النسيم عبره حتي يصل اليه محملا بعطرها الفواح...
لقد جمعه بورود اكثر مما علمت فقد شاركها نفس القصة الحزينة لانفصال والديه لكن في سن اصغر منها وبمأساة اقل فقد كان في العاشرة وبعد عام من الانفصال تزوجت والدته من زوجها الحالي وسافرت معه الي الخارج تاركتا ابنها مع والده الذي لم يخفي يوما غضبه من انفصاله عن زوجته ...
لن ينكر انه حينما اصبح اكبر واكثر وعيا تفهم قرار والدته وحقها في اختيار حياتها كما تريد وان انفصال والديه لا يعني بالضرورة ان احدهما كان سيئا فوالده وجد الحب الحقيقي والزواج الدافئ بعد ثلاث سنوات من الانفصال وعاش حياة لطيفة حتي وفاته لكن هذا لم يقلل ابدا من الجرح الذي تركه انفصالهما داخله...
فكلاهما وجدا الحياة التي يريدانها وهو بقي في المنتصف لا يعلم الي اي الفريقين يتجه..
من يسمع...
ومن يستمع اليه....
حتي وجد ان الأفضل ان يبعد نفسه عن كلاهما حتي لا يتهمه احدهما انه يميل للأخر...
فأصبحت الوحدة شعار يعمل به من عمر الخامسة عشر حتي الأن...
لا تنتظر من احد شيء فالبقاء بمفردك هو الأفضل..
لم يكن غبي او ساذج ليعتقد انه لن يتزوج في حياته فهذه سنة الحياة ولن يخالفها...
لكنه كان يعتقد انها ستكون خطوة متأخرة حينما يشعر بالإحتياج للزواج كرجل يريد سلسال له علي الأرض...
وستكون خطوة مخطط لها جدا بعد كثير من التفكير و بعد دراسة كاملة لشخصية من سيرتبط بها...
وبعقله العلمي وضع مواصفات ارادها في تلك التي ستكون زوجته يوما ما واما لأولاده اولها ان تفهم ما يعنيه بحياة مستقرة فلا تبحث عن الحب كوالدته ولا تتحكم في حياته كوالده امرأة تمثل الأم والزوجة المثالية  هادئة لطيفة لا تهتم بالحب وهذه الرفاهيات التي قد لا يحصلوا عليها ....
كانت كل صفة فيها تختلف تماما عن ورود...
القصيرة ذات العيون الجريئة التي زلزات الأرض تحت قدمية من أول نظرة القتها بلا اهتمام نحوه...
لقد طالت به الليالب وهو يبحث عن سبب واحد لجنون نبضاته اذا تسلل صوتها صدفة الي مسامعه...
سبب واحد فقط ليختل توازنه ما ان تقع عينيه علي ملامحها الناعمة التي تشبه ألف فتاة غيرها الا انها لا تشبههم....
فليس هناك من يملك عينين بلون عينيها كأنها عنبر سائل يترقرق تحت اشعة الشمس....
لا احد يملك ابتسامتها التي تضرب قلبه كالاعصار..
ولا احد يملك روحها التي تملئ الكون بهجة وهي تبكي من داخلها دما.....
لا احد يشبه ورود...
ولا يوجد اي سبب لجنونه الذي يتلبسه بفضلها فيعود كمراهق احمق يتصرف بسذاجه ولا سيطرة له علي تصرفاته امامها...
يجاري جنونها وتهورها ومشاكساتها كأنه طفل منبهر بعالم الكبار فيقلدهم بحماس...
ورود هي النقيض لحياته المرتبة المملة الباردة...
هي اعصار  حطم كل ما امن وخطط له لسنوات...
ولكن بغبائه اضاع فرصته في الحصول علي الدفء
...
في انهاء شتاء حياته الذي طال وحضور الربيع ليغمره برائحة الورود....
تنهد بعمق يبعد هذه الأفكار عنه هو لم يخسرها...
فلتعد سالمة وسيحارب لتعود اليه لتعلم كل كلمة يخفيها  في زحام قلبه.....
اتجه الي مكتبه بخطوات شاردة ليستعد لبداية يوم طويل من العمل لعل العمل يشغل عقله قليلا عن افكاره التي لا تنتهي ...
بعد ساعات من العمل المتواصل قاطعه اتصال من زميل له يعمل بقسم الطوارئ  بينما هو قد استلم العيادات الخارجية لليوم . 
:- صباح النور يا رؤوف..
:- طارق احنا محتاجينك بسرعة في قسم العمليات...
انعقد حاجبيه بحيرة انه لا يعمل في قسم الجراحة ولا يتجه اليه تقريبا الا لحالات نادرة لطلب استشارة من طبيب المخ والاعصاب سأل بتعجب ...
:- قسم العمليات  ؟!  ...  ليه... 
سمع تنهيدة صديقه العميقة وصوته المضطرب الذي نقل الاضطراب الي دقات قلبه والقلق يدب دبيبه فيه...
:- انا بعت دكتور سيد هيمسك مكانك في العيادة  وتعالي بس علي علي الاوضة رقم (....)  وانت هتفهم كل حاجة...
شعور بعدم الراحة تسلل اليه وهو يتحرك بخطوات متثاقلة داخل اروقة المشفي حتي وصل الي قسم الجراحة  الذي استقبله فيه زميله وصديقه منذ ايام الجامعة...
:- في ايه يا رؤوف انا قلقت فعلا من طريقة كلامك...
تنهد صديقه بعمق ويده تمتد لتلمس  كتفه بمواساة داعمة كأن ما سيقوله سيحتاج الي قوة ما..
:- انا في الحقيقة مش عارف اقولك ايه لكن في.....
قطع كلماته كأنه يبحث عن صيغة لطيفة يجمل بها الكلام لكنه لم يستطع لهذا اشار الي الغرفة التي يقفان بالقرب منها وقال بضيق...
:- قريبتك الي كنت بتدور عليها جات من دقايق في حالة خطر هي فـ...
ارتفع مستوي الادرينالين داخله الي اقصي حد وعينيه تتسعان وقلبه يخفق بعنف وهو يستمع الي كلمات صديقه التي تتلاشي شيئا فشيئا كأنه يفقد القدرة علي السمع وعينيه مثبتتان علي باب الغرفة الأبيض المغلق  ...
ترك صديقه الذي لازال يحدثه وتحرك بخطوات متثاقلة كأنه يتجه الي هلاكه بعينين مفتوحتين وقد ثقلت قدماه كما ثقل قلبه الذي اصبح كأنه يزن طنا من الحجارة...
خطوة اخري ويصبح قادرا علي اقتحام الغرفة...
ولكن قدميه تسمرت علي الأرض وصوت أزيز طويل يخرج من الغرفة...
صوت يعرفه جيدا...
صوت النهاية...
توقف كل شيء من حوله..
الأصوات..
الحركات...
الانفاس...
حتي دقات قلبه هيء اليه انها توقفت ايضا...
فقد اختنق كل نفس داخله غير قادر علي الخروج من رئتيه..
كل شيء توقف وابتلعه الصمت....

كل الدروب تؤدي اليكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن