١٨ و الأخير

2.1K 115 54
                                    

_

بسم الله الرحمن الرحيم ❤
#بقربك_مسكني 💛
رواية ^^

الفصل الثامن عشر (الأخير)

ويمضي العمر يا عمري
وأشعر أن في الأيام يوماً سوف يجمعنا
وأن الدهر بعد الصد سوف يعود يسمعنا
لأن هواك في قلبي سيبقي خالد المعني

*فاروق جويدة

ظل واقفاً بين الأشجار بعيداً عن مرمي بصرها ،،
يتأملها ..
أربع سنوات مروا ..
سنوات لا أعوام ..
فبُعدي عنك لا يُقدر سوي بالسنوات ..
أما الأعوام فهي ما سنقضيها سوياً من الآن ..

لكن فجأة انتفض قلبه وتسارعت دقاته ،، وهو يري ذاك الطفل يفاجئها بوردة ويركض لتركض ورائه في مرح ..
أمسكته برفق ورفعته لأعلي فقهقه بصخب ..
فتنزله بحرص وتقبّل وجنتيه بحُب ..
يشبهها كثيراً ،،
بياض الثلج في وجهه ،،
سواد الليل في عينيه ،،
والاختلاف ،، غمازتين وليس غمازة يتيمة
تسائل في مرارة ،، ممن ورث الغمازة الآخري ..

أطرق برأسه وعقله يخبره أنه لا يجوز أبداً اللوم ..
صرف نظره وبصره بصعوبة عنها وعنه ،،
لينظر ويبتسم بحنان ويهمس بشوق : أماه ..
طاولة صغيرة في حديقة بيت الإجازات ..
تلتف حولها نادية تصنع ملابس من الصوف بمهارة ،،
بينما سوسن تغمض عينيها مبتسمة وتمتم بذكر الله ،،
ورفيقه مروان يمسك بحاسوبه المحمول ويناظره بدقه ..
دق قلبه بعنف ليهمس : اشتقت ..
ليحيد بنظرها إليها مرة آخري ،،
مازالت تلعب مع هذا الصغير ،،
وعينيها تشعان فرحاً وسروراً
وغمازتها اليتيمة تظهر بوضوح ،،
إذاً إنها في حالة تامة من الرضا والسرور ..
أغمض عينيه بهدوء ،، لينتفض من مكانه علي صوت مألوف يقول بحذر : من أنت ؟
التفت ورائه مبتسماً ،، ليطالعه صاحب الصوت بدهشة وحذر وعدم تصديق ،،
ليقول بإبتسامة متسعة : إنه أنا يا عم سليمان ..
اتسعت عينا العم سليمان بدهشة وتوقفت الكلمات علي لسانه ،،
يريد أن يتحدث ولا يستطيع !
حتي تغلب علي نفسه وصاح بدهشة : معاذ ،، معاذ ،، لا أصدق ،، يا الله
عانقه معاذ بشوق ليبادله الأخر بالعناق والهتاف وصوت يبكي من الفرحة والشوق ..

توقفت ،،
توقفت مكانها ،، تسمع الكلمة ولا تصدقها !
هل قال أحدهم معاذ ؟
هل ينادي أحداً الصغير !
ولماذا ينادوه بكل هذ الشوق ؟
الصغير معها !
ظلت ممسكة بتوتر بيد الصغير الذي يطالبها باللعب معه مرة آخري ..
تصلبت مكانها ،، دقات قلبها عادت لتمردها بعد انقطاع سنوات ..
جفاف في الحلق ،، واضطرابات في النظر ،،
وهمسة من الصغير بصوته الطفولي : من هذا الغريب ؟!
ثم صرخة من الخالة تنادي باسم الغائب ،، الغائب للأبد ..
فالتفتت ورائها بغتة وتسمرت مكانها وكأنها تقف علي حافة الهاوية ..
صرخت نادية بفزع ،، بحرقة ،، بشوق : معاذ ..
اندفع إليها معاذ يحتضنها ودموعه تتشربها لحيتها الكثة ..
رفعت وجهها بيدها تتأكد من وجوده ،، من ملامحه ،، من هويته ..
تتلمس ملامح وجهها وكأنها ضرير يقرأ بطريقة برايل ..
ثم زرعته في أحضانها مرة آخري
وكأنه معطر برائحة الحُب والشوق وسيتطاير ..
كأنه رماد بخور العنبر وسيتساقط ..
هي في حُلم وتخشي الإستيقاظ ..
أغمض معاذ عينيه وهو يستمتع بدفء حضن والدته ..
وطنه هنا ..
بين ذراعي نادية وكفي ..
قال مروان بحماس ودموعه تتساقط : اتركيها لنا يا خالة ولو دقائق ،، اشتقنا إليه ،، والله اشتقنا ..
ترك معاذ وطنه ليحتضن مروان رفيقه ..
عناق مروان هو مرساه ..
تكلم مروان من بين دموعه : كيف ! ،، كيف يا أخي بالله عليك أنت هنا بيننا ..
رد عليه معاذ بحُب : يكفي أني هنا ..
قال مروان بشوق : يكفي ،، والله يكفي ..
توجه معاذ بأنظاره إليها ،، تجلس علي المقعد ودموعها تنهمر بسخاء وتفتح له ذراعيها ..
ابتسم معاذ لها بحنان وركض ناحيتها ويحتضنها بشوق ويهمس : زهرتي !
شددت سوسن من احتضانه وقالت بصوت مبحوح من البكاء : وأنت البستاني خاصتي الغائب .. ذبلت من بعدك يا حبيبي
نظر إليها في حب وقال : تركتِ في معية الله ..
ردت عليه بشوق : ونعم بالله
عانقها معاذ بحُب ..
في عناق سوسن يشم عبق الأزهار ..

بقربك مسكنيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن