٧

1.3K 63 2
                                    

_

بسم الله الرحمن الرحيم
#بقربك_مسكني
رواية ^^

الفصل السابع

وأخذت أنظر في الطريق
وكاد يغلبني البكاء
كنا هنا بالأمس
كان الحب يحملنا بعيدا للسماء
ما أتعس الدنيا
إذا احترقت زهور العمر
في ليل الجفاء

فاروق جويدة

غرفة تغرق في الظلام . وتغرق معاها صاحبتها بدموعها التي لا تنضب ولا تجف .. شهقات تعلو .. وقلب يتوجع .. وعقل لا يصدق ما حدث ..
تخلي عنها معاذ ..
جملة بسيطة تتكون من ،،
فعل يخنقها .. وحرف جر .. يجر معه ضمير يعود عليها .. واسم تعشق صاحبه رغم كل ما فعله منذ ساعات ..
اخذت تحرك رأسها رافضة غير مصدقة .. تريد ان توقف الحوار الدائر في عقلها .. فانصاعت لعقلها .. وعادت بذاكرتها للوراء قليلاً ..

كانت تجلس معه في المطعم .. تأكل بشهية مفتوحة جداً .. وتستلذ بالطعام .. وكأنها فتاة صومالية تعاني مجاعة .. وكان هو يناظرها كل حين وأخر بقلق وخوف واشتياق رغماً عنه .. حتي رفعت رأسها عن طعامها لتلتقي أعينهما .. أطالت بتول النظر .. بينما معاذ ارتبك وأخفض رأسه ..
فقالت بتول بمرح : اعذرني معاذ .. لقد انشغلت عنك بالطعام .. لأول مرة أكل بهذه الشهية ..
أومأ لها معاذ مبتسماً ..
فاكملت بهدوء :أشكرك معاذ علي وجودك بجانبي ..
فابتلع معاذ غصة في حلقها ..
فقالت بتول بمرح : انا اثرثر كثيراً ونسيت بأنك تريد أن تتحدث معي .. اعذرني أنا فرح جداً لأنك معي الآن .. لا أريد أن أكف عن الحديث معك ..
تنحنح معاذ ثم قال بهدوء : بتول
لم يستطع اكمال الحديث .. فوضع يده علي وجهه وتنهد بعمق
قلقت بتول وقالت : ماذا هناك معاذ .. لقد أقلقتني ..
نظر اليها بعينين ضائعتين وقال : أنا أعيش في جحيم
انتفض قلبها وقالت بجزع : بعيد الشر عنك معاذ .. أخبرني ما بيدي ولن اتأخر .. صدقني !
نظر اليها متردداً وقال بتساؤل : حقاً ؟
أومأت بتول برأسها ..
فقال بهدوء : هل أنتِ سعيدة بكونك السندريلا ؟
جف حلقها وقالت بتردد : نعم .. سعيدة معاذ
قال بألم : ولكني لست سعيد أبداً بتول .. أشعر بذنب عظيم يثقل علي صدري .. يعيق تنفسي !
نظرت له بجزع وتساؤل ..
فاجاب سؤالها الصامت : بتول .. أنا من شجعتك علي خطوة خلع الحجاب لتكوني السندريلا ..
ثم ضحك باستهزاء وقال : وقتها لم أكن أعلم بأن السندريلا الحقيقية هي مسلمة عفيفة متمسكة بحجابها الصحيح في زمن الفتن ..
قالت بتول بتساؤل : لم أفهم المطلوب مني معاذ ..
رد عليها بهدوء : اعلم بأن الأمر صعب عليكِ جداً .. ولن تستوعبيه تماماً .. لكن اتمني يا بتول أن تكوني سندريلا حقيقية ..
قالت بتول باستنكار : تقصد أن اتنازل عن دور السندريلا .. وارتدي الحجاب مرة أخري
قال معاذ بتوسل : أتمني جداً .. فهذا سيخفف من نار جحيمي ..
هربت بتول بنظراتها في ارجاء المطعم .. تستنكر ما طلبه منها .. تفكر .. السندريلا هو حلم حياتها التي لا تصدق أنه تحقق .. كيف تتخلي عن حلمها ؟ كيف تتخلي عن أنفاسها ؟ كيف تعود لتمسك الأدوار الفرعية .. كيف تأتيها البطولة وتتركها من أجله .. من أجل معاذ ؟
نظرت إلي عينيه .. فوجدت عذاباً ووجعاً لا ينتهيان .. انتفض قلبها ورق لمرأي معاذ .. حبيبها وسكنها وآمانها .. هي لا تفهم تماماً كلامه .. لكنها ستحاول من أجله .. من أجل أن يختفي هذا العذاب وذاك الوجع من عينيه .. معاذ يستحق .. يستحق أن تضحي بحلمها من أجله ..
أطرقت رأسها وقالت مرغمة : سأفكر معاذ .. سأفكر في الأمر
ورفعت نظرها إليه وأكملت : من أجلك
ابتسم معاذ ثم قال بهدوء : من أجل رضا الله .. بتول
أومأت له برأسها ..
فأكمل بهدوء : لقد تأثرت بموت حاتم كثيراً .. ما كنا لنفترق إلا وقت عودتنا لمنازلنا .. وأيضا ما كنا لنجتمع علي طاعة أبداً .. كنا غافلين عن أمور ديننا كثيراً .. لم نكن نصلي .. كنا نصوم برتابة .. ما كان يُعتبر صوماً من الأساس .. فقد كان نهارنا نوم وليلنا مرح وشغب .. لم نفكر في حساب وعقاب .. لم نفكر في جنة أو نار .. تربينا وتعلمنا علي أن المسلم يدخل الجنة .. وتغافلنا عن ماذا يفعل المسلم ليصل للجنة ؟
تنهد معاذ بوجع وأكمل : حتي مات حاتم أمام عيني .. أحرق رئتيه بالتدخين ليحرقه التدخين عند الموت .. مات وتركني أحلم به كل يوم .. احلم بموته .. وبالنيران وهي تُفحم جسده .. مات وتركته انا أيضاً .. تركته في مكان ضيق مُظلِم .. لا يؤنسه فيه قرآن ولا تشفع له صلاة ..
أحرقت النار حاتم وأحرقت معه ذراعي وتركت لي ندوباً تذكرني بذلك اليوم .. ندوباً سأظل سعيداً بها لأنها أرشدتني لطريق كان يجهله قلبي وتعلمه نفسي التي ما كانت لتصدق أن تسلكه يوماً ..
تسائلت بتول بحيرة : أي طريق معاذ ؟
رد عليها بهدوء : طريق الله
ابتلعت بتول ريقها في صمت ..
فأكمل معاذ بهدوء : ولقد قررت يا بتول ان اتخلي عن كل شئ يحول بيني وبين هذا الطريق ..
اطرق رأسها في صمت ثم قال : تخليت عن صُحبتي حتي أتمكن من ديني وأعود إليهم ناصحاً .. تخليت عن التصوير حتي أستطيع ان اوظفه بطريقة لا تغضب الله ..
صمت وقال بتردد : وأنتِ بتول سأتخلي عنكِ
اندهشت بتول ونظرت إليها بصدمة وقالت غير مصدقة : تتخلي عني ؟
قال معاذ في سرعة : ليس كما فهمتِ
مازالت بتول مندهشة غير مصدقة وضحكت باستهزاء : إذن أنا شيئ يحول بينك وبين طريق الله
قال معاذ بحزم : توقفي بتول .. وافهمي مقصدي جيداً
لم تتوقف بتول عن الضحك حتي دمعت عيناها فنظرت له بعتب : اي مقصد أفهم وأنتَ تقول سأتخلي عنكِ بتول ..
قال معاذ بهدوء : بتول .. اسمعيني جيداً .. علاقتنا هذه خاطئة .. مشاعرنا لا ضير فيها ولكننا نترجمها بشكل خاطئ تماماً .. أنتِ ليس بزوجتي لأخرج معكِ وأمسك يديكِ وأبثك كلمات الشوق والغرام .. ليس بزوجتي لأتحدث معكِ عبر الهاتف ليلاً ونهارا .. ليس بزوجتي لأنتهك عذرية قلبكِ وأخون الله فيكِ ..
ثم اكمل بتوسل : انا اريد ان احافظ عليكِ بتول ..
سالت دموع بتول علي وجنتيها بصمت وقالت بوجع : أنت كاذب يا معاذ .. أنتَ لم تحبني يوماً .. تيقنت ذلك اليوم .. لو كنت فعلاً تحبني وتريد ان تحافظ عليّ كما تقول .. فلم لا تتقدم لخطبتي ؟
بهت معاذ وقال بهدوء : لأني لست مستعداً لهذه الأمور
ضحكت بتول بسخرية ودموعها تسيل وقالت : ماذا ؟! هل مازلت تتدرس شخصيتي حتي تقرر ؟
تنهد معاذ وقال : لاني يا بتول اعتبر نفسي قد دخلت الإسلام جديداً .. أنا مازلت لا أفقه شيئاً .. مازلت أحبو كطفل ناحية طريق الله .. بدأت أتعلم ألف باء في الدين .. وبالتالي انا غير مستعد تماماً او جاهلاً في تكوين أسرة مسلمة صالحة ..
مسحت بتول دموعها وقالت بكبرياء سوسني : وما المطلوب الآن ؟
قال معاذ بهدوء : أن نبتعد عن بعضنا البعض .. لا نرهق مشاعرنا في لحظات حب وقتية تغضب الله .. نبتعد بتول لعلنا نلتقي يوماً
وقفت بتول وقالت ببرود : لكَ ما تريد .. معاذ
تنهدت بعمق وقالت بهمس حاد : فلتعش وحدك في جحيمك معاذ .. وسأظل سندريلا كما حلمت .. وليزاد جحيمك جحيماً
وأمسكت باقة الورد وألقتها ارضاً ودهست عليها ورحلت بكبرياء تلملم بقايا أنثي ظنت بأن من أحبها طعنها من الخلف ..
.................
فلتنسي ولأنسي
حباً خرج لنور وكله ظلام
فلتتغافلي ولأتغافل
عن مشاعر أدمنت قلوبنا ترجمتها حرام

بقربك مسكنيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن