الفصل اﻻول

3K 47 6
                                    

بغداد شتاء عام 2008

كان يوما باردا كسائر أيام كانون اﻷول الشتوية ملبدا بالغيوم تنذر بهطول الامطار و كأن السماء توشك على البكاء على بلد ضاع بين براثن اﻷحتﻻل و تسلط اﻷحزاب و المليشيات التي باتت تتحكم بمصائر الناس. وفي أحد أحياء بغداد الهادئة جدا وكأنه حي خال من السكان أو مهجور بسبب هدوءه الغير طبيعي حي يقال له حي اليرموك ذو اﻷربع شوارع شارعان للذهاب و اﻵخران للأياب ، في أحد أزقته كان هناك بيت مبني على طراز الثمانينات من القرن العشرين مطل على شارعين أحدهما رئيسي واﻵخر جانبي وقفت فتاة في مطلع الثالثة والعشرين من عمرها عند شباك نافذتها المطلة على الشارعين تتطلع نحو السماء الملبدة بالغيوم الرمادية كانت ترتدي مﻻبس الحداد السوداء بسبب مقتل والدها اﻷستاذ الجامعي المرموق على يد مجهولين بعد خروجه من الجامعة بعد انتهاء الدوام الرسمي وفي أثناء عودته الى بيته كما كان يفعل عادة تعرضت له سيارة فيها مجهولون و ملثمين بأقنعة سوداء قاموا بأطﻻق النار عليه ليردوه قتيﻻ في الحال لقد كان جسمه به عدة طلقات قاتلة كما أن القتلة تركوا ورقة مكتوبة كانت عبارة عن تنفيذ للتهديد سابق لوالدها بترك البﻻد لكونه ليس عراقيا و أن العراق ليس بﻻده و كونه لم يتمثل ﻷوامرهم قاموا بتنفيذ الجريمة في وضح النهار ليكون عبرة لمن أعتبر ، كان هذا ما أخبرها به ضابط التحقيق المسؤول عن التحقيق في قضية والدها حيث سألها هي وأمها كل واحدة منهما على حدة أن كان لوالدها أعداء فأجابت كل منهما ب (ﻻ ) أي أن والدها كان رجﻻ مسالما جدا ليس له أعداء يكره العنف وأن ما حدث له هو عمل بشع ومحز في النفس أن يموت اﻷنسان قتﻻ من أجل ماذا لمجرد كونه ليس عراقيا فوالدها مصري اﻷصل قدم الى العراق في منتصف الثمانينات من القرن العشرين كانت البﻻد وقتها تخوض حربا طويلة اﻷمد مع ايران ومع ذلك فقد دق قلبه وقع في غرام البلد وأهله لدرجة تجعله يرفض الرجوع الى بلده اﻷم بعد أن أنهى فترة اﻷعارة فقد أستقر في العاصمة بغداد و أحب أحدى جميﻻتها و زواجه منها كان مضربا للأمثال في ذلك الوقت
،لقد شعرتا هي و أمها بأنهما فقدتا الدرع الذي يحميهما من غدر الزمان و قسوة الناس بمقتله ولقد مر حتى اﻵن ستة أشهر على ذلك اﻷمر ستة أشهر من الخوف من المجهول و عدم الشعور باﻷمان حتى جاء يوم اتصل فيه خالها من السويد حيث يقيم منذ ما يربو على15 عاما فقد هاجر من العراق منذ مطلع التسعينات القرن العشرين قبيل اندلاع حرب الخليج الثانية أو ما باتت تعرف باسم عاصفة الصحراء بحجة الدراسة ولم يعد مرة أخرى فقد اسس لنفسه حياة و عائلة و عمل في إقصى شمال الكرة اﻻرضية اتصل بأخته الوحيدة بعدما علم بمقتل صهره المفجع ؛ يومها تحدثت أمها معه وكان مع الحديث شهقات البكاء التي تصدرها جعلت من الحديث صعبا وغير مفهوم من قبله فتولت أزل هي الحديث مع خالها بعدما انشغلت أمها بالبكاء و النواح فلم تستطع أن تكمل الحديث فقالت لخالها وهي تغالب دموعها :
- لقد كسرنا يا خالي أبي كسرنا موته حطمنا فخسرنا كل شيء بعدما ضاع كل شيء .
فرد خالها قائﻻ عبر الهاتف :
- أعلم ذلك يا حبيبتي ولذا أتصلت بكما لأطلب من أمك شيئا و أرجو أن ﻻ تخيب لي طلبي
- ما هو يا خالي طلبك ؟
لقد طلب منهما في ذلك اﻻتصال أن تصفيا كل ممتلكاتها كل شيء وتأتيا للعيش معه في السويد فقالت له :
- ولكن يا خالي...
قاطعها قائﻻ :
- ليس هناك شيء اسمه لكن سوف تصفيان كل شيء وتأتيا الى ستولكهوم باسرع وقت
هدأت أمها قليلا وقالت لابنتها بعد اغﻻقهالسماعة الهاتف :
- ما هو الشيء الذي طلبه خالك سعد ؟
- لقد طلب أن نصفي كل ممتلكاتنا و نذهب للعيش معه في السويد
- وأنت يا أزل ما هو رأيك بذلك ؟
- لست أدري يا أمي فأنا مشوشة الذهن فمن ناحية طلب خالي معقول فالوضع هنا ﻻ يبشر بخير وبالعكس كلما تأخر الوقت كلما زادت اﻷوضاع سوءا القتل والدمار واﻷحتلال تستهلك البﻻد ومن ناحية أخرى كيف أترك ذكرياتي طفولتي دموعي وفرحي وقبر أبي الذي لم يمض كثيرا على ...( لم تستطع لفظ الكلمة فقد اختنقت الكلمة في فمها و احمرت عيناها بالدموع التي بدأت تهدد بالنزول شاركتها والدتها اﻷمر فاﻷمر صعبا عليها هي اﻷخرى أن تفقد زوجها ورفيق دربها وحبيبها بهذه الطريقة و أن يطلب منها أن تترك كل شئ وراءها و تذهب لقد مات جزء منها بموته هذا ما تشعر به ولكن لكي تضمن حياة بﻻ خوف من المستقبل و خاصة مع وضع العراق اﻵن عليها التخلي عن كل شئ وتذهب الى السويد كفكفت دموعها بيدها وقالت لابنتها :

أزل و عصام Where stories live. Discover now