-18-

9K 211 7
                                    

-18-
غمغم بدهشة :
-نيرة !
فبرقت ابتسامتها بسعادة من رؤيته, اقتربت خطوة اخري و قالت بصوت خافت :
-عامر !
ثم تابعت مسرعة :
-شوف تانت عاوزة اية و بعدين نتكلم..
شعر انه غير مستوعب بما يجري حوله, فنظر للعجوز و تساءل بوهن :
-عاوزة اية !
فيما ابتسمت العجوز قائلة :
-لا خلاص كدة يا بني حاسبني بقي
سارع بتنفذ امرها في دقائق, كان مرتبكا يريد ان يتخلص من الزبون في اسرع وقت, لتفهم ما يجري الآن, بين كل حين و اخر يتخطف نظرة اليها سريعا, فيجدها شاردة بالنظر اليه و بسرعة يداة و اضطراب نظراته, رحلت العجوز, فوقفت نيرة امامه و مدت يدها مصاحفة في خجل, لكن تفاجأت به يجذب يدها بقوة في عناق قوي, تغلغل بيده حول ظهرها متمسك بها, كحية تلتف حول فريستها, اتسعت عينيها من الصدمة, لكن ابتسمت داخل عناقه و تمتمت بحب :
-وحشتني..
فلم ينطق بشيء, تخبطت انفاسه الحارة في اذنها, فابتلعت لعابها و هي تشعر انها تغوص في هذا العناق الطويل, رخوت ذراعاة, لتنسحب بخفة من احتضانه.
-تعالي معايا نكلم في مكان احسن من هنا..
قالها بلهجة متهدجة و الابتسام تتعالي علي وجهه, فاماءت رأسها الموافقة دون اي تفكير و استسلمت لقبضة يده في تكبيل يدها..
                               ***
توقف بسيارته في مكانه المفضل, و سارا يتمشيان في ارجاء المكان و هي تحادثه و تقص عليه تفاصيل ايامها مع والدتها اللطيفة, كان سعيدا لسعادته الحماسية, ثم تغيرت نبرتها نوعا ما في القول.
-بس حسام فجأة جية اسبانيا و اتخانق مع ماما خناقة كبيرة..
جلس فوق صخرة, فجذب يدها لتجاوره الجلوس و هي تستعيد ذاكرتها في الحوار العنيف الذي دار بينهما..
                          ***
خرجت مهرولة من حجرتها و ركضت الي الصراخ المتعالي من غرفة المعيشة, وقعت عينيها علي حسام و كلوديا, كانت كلوديا تصرخ بحنق و هي تعترض :
-انت من طردها و قسوت عليها و الآن تريد استعادها لن اسمح لك حسام ابنتي ليست سلعة تستبدل, لن ابعدها عن احضاني بعد اليوم..
عقد حسام حاجبيه بعصب و قال باستهزاء :
-ابنتك! منذ متي و انتِ تعترفين بأن لك ابناء ! عجوز شمطاء تريدين تحسين افعالك في اخر ايامك!!
-لن تؤذيني ثرثرتك لن تستعيد ابنتي مهما كان..
اقتربت نيرة منهما, فوقفت كلوديا امامها و اعاقت طريقها و هي تقول بحزم :
-لن تعودي معه!
تطلعت نيرة نحو حسام, الذي ترجاة بالقول :
-ارجوكي يا نيرة ارجعي و محدش هيجي جمبك..انا اسف علي الي حصل بس وصية بابا انك تبقي في بيتنا..مش هنا! ارجوكي يا نيرة ارجعي و هتبقي حرة محدش له دعوة بيكي..
ردت نيرة بأسي و بلهجة تقاوم البكاء :
-حسام انا مرتاحة في العيشة مع ماما مش عاوزة ارجع متضغطش عليا و امشي مش عاوزة مشاكل..
-نيرة ارجوكي..
فقالت كلوديا منفعلة :
-ماذا يقول؟
اجابتها نيرة مختصرة و هي تدمع عينيها بتأثر.
-يريد ان اعود مصر, لأنها وصية بابا فاروق الا اتركهما و ان يرعاني علي اكمل وجه, كما كانت وصيته آلا اهاجر المنزل الا بعد انتهائي من الجامعة و القدرة علي الاعتماد علي نفسي..
-فاروق مات و انتِ الآن تحت حمايتي انا من هؤلاء..فاروق ليس بوالدك ليتحكم بحياتك..
اكثرت نيرة البكاء في صمت, فاحتضنتها كلوديا و هي تقول بلهجة منكسرة حانقة :
-يبدو انك تريدين العودة..و تركي! افعلِ ما شئت لست بآمرة عليك نِيِرة..
بكت بهستيرية, فتركتها كلوديا و رحلت دون بث كلمة, فاسرع حسام بالتوجه اليها باسما و قال :
-كدة انتِ بتفكري صح..صالحيها الاول و يلا نرجع مصر!
رفعت نيرة رأسها اليه بحدة :
-انا مش راجعة عشانك و مش عشان حد و زي ما وعدتني محدش ليه دعوة بحياتي ابدا فاهم يا حسام و وصل الكلام دة لأخوك..
                               ***
اسندت برأسها علي كتف عامر و قالت بابتسامة متوهجة :
-صالحت ماما و طمنتني انها الي هتتولي مصاريفي و مصاريف الجامعة لحد ما ارجع ليها تاني..
ثم اضافت و هي تمسك بيده و تعانقها بأصابعها :
-انا مرجعتش مصر عشان اخواتي..انا رجعت عشانك انت يا عامر
ضغط علي يدها بقوة و ابتسم صامتا, اقتربت نيرة منه و تركت قبلة هادئة علي خده, تلفت اليه مندهشا, عبرت له بحبها بتلك القبلة الصغيرة الي هيجت مشاعره, مال براسه علي شفاهها فلم تقاومه و لم تصيح او تبعده بخجل بل بقيت علي موقفها, دس شفاهه بين شفاتيه, فرأي انها مازالت علي حالها هادئة, تجرأ و قبلها, رغم استسلامها التام الرقيق, كان عنيفا في تقبيلها, قبلة لم تشعر بمثلها من قبل, عبر عن جميع مشاعره بها, ظل مطاولا في عناق بين شفاتيها, منع عنها التنفس, فتنفست بعبقه بقوة, احاطت عنقه بذراعيها, فتبعد لثوان و قال باسما و هو ينظر لوجهها المصبوغ بحمرة خجل :
-انا عازمك علي شرم الشيخ اخر الاسبوع..
فاتسعت عينيها غير مصدقة و قالت :
-بجد شرم الشيخ بقالي 3 سنين مروحتش صيفت..
اجابها باسما :
-طب تعالي معايا و هبسطك هناك..
تنحنحنت بحرج في القول :
-عامر انت اكيد عارف اني واثقة فيك, بس كلام الناس اننا نسافر لوحدنا دة هينزل سمعتي الارض..
فقاطعها مسرعا :
-لا لا مش لوحدنا دة انا و انتِ و صحابي من ايام الجامعة...في بنتين و 3 شباب..هاا تحبي تيجي معانا؟
فابتسمت ابتسامة واسعة و هي تجيب :
-طبعا..
ثم قالت بسعادة طفل :
-عامر نسيت اقولك..التنسيق ظهر الحمدلله و هدخل طب..
ازدرد ريقه, و سكت, اعتقدت ان السكوت هو علامة من علامات سعادته لكن تفاجات بنبرته الباردة و هو يقول :
-بجد مبروك!
شعرت انه غير سعيد بالمرة و ابتسامته مصطنعة فتساءلت مستغربة :
-مالك انت مش فرحان ؟
ليقول باضططراب :
-نيرة هو انتِ لازم تكملي تعليمك..
عقدت قرون حاجبيه و تساءلت باستغراب :
-نعم ؟
-اقصد ملوش لزوم الجامعة..
-وضح اكتر
قالتها مضطربا ليأخذ نفس عميق و يثرثر بكلام لم يعجبها بتاتا, لكنها ورثت عنه السكوت فسكتت مفكرة..
                          ***
تقف فتاة ترتدي ثوب التمريض, تمسك بيده و تميل بجسدها عليه في دلال و غنج و هي تطالب بمبلغ مالي كبير, فوافقها من دون تفكير و اخبرها لو احتاجت عيناه لأعطاهما لها, رقعت بضحكة قوية, فأخذ يطرح قبلاته فوق وجهها, حتي فتح باب المكتب, ابتعد ايهاب عنها, و اعتدل بالجلوس قائلا لممرضة في حزم مصطنع :
-حضري نفسك لعملية بليل..
فضحكت في خفوت و قالت بغنج غامزة بطرف عينيها :
-حاضر
دخل شاب طويل الي اقصي حد يمكن ان تتخيله, له عينان يتحير اكبر العلماء في تفسير لونها, تترواح بين زرقة البحر و خضرة الشجر, فيما يطفو لون رمادي ناعم في بعض الاحيان, كما كان شعره الاصفر يعطي جاذبية خاصة, وقعت بحبه جميع فتيات من قوة وسامته لكن الذي يغيظهن انه يكره الفتيات و لا يعيرهن اهتماما, مطلقا..
جلس علي المقعد المقابل مكتب ايهاب, و قال متسائلا بصوت هادئ رخيم, - نسيت التوضيح, ما يجعل الفتيات تتعلق به اكثر, صوته ذو حنجرة رجل حازم لكن هدوءه الجادي يعطي رونق جمالي خاص -.
-عملية اية الي بليل !
فرد ايهاب غير مكترثا :
-لا لا متقلقش عملية بسيطة..
ليعاود الشاب تساؤله مبتسما :
-انا شوفت نيرة من يومين..هي رجعت ؟
-اه رجعت التلات..
-طب اية التنسيق عمل معاها اية, اكيد طب زي اخوها
قالها الشاب ممازحا, فيما اجابه ايهاب ببرود :
-اه سمعت ان التنسيق جالها طب..بس هي محتارة بين طب و صيدلة..
و قبل ان يجيبه, قال ايهاب بضيق مغيرا الموضوع :
-عليّ..شوفت اوضة رقم 395..حالتها خطيرة تعالي اوريك الملف..
استغرب عليّ من اغلاق اي موضوع عن نيرة لكنه قال :
-تمام..وريني
                                 ***
جلست علي فراشها و الاوراق متناثرة امامها, لا تعرف ماذا عليها ان تفعل, هي تريد طب, و هو يأبي و يقول "طب يعني 7 سنين, و امتياز و كلام فاضي و في الاخر هقعدك في البيت اه طبعا اومال انتِ فاكرة اني هسيبك تنزلي مثلا الساعة 2 بليل عشان حالة و بتاع..انا هقدر اصرف عليكي ملوش لزوم لشغل المستشفيات و مرمطة كل يوم..بلاش طب شوفي صيدلة", استطاع اقناعها بأن الصيدلة اسهل و في حالتها فقط يمكن ان يوافق علي عملها, و سيوفر مال لشراء صيدلة بأسمها الخاص, لكن في المساء و بينما هي تفكر وحدها, شعرت باختناق, هي لا تحب "صيدلة" هي تريد "طب", لا تحب من يتحكم بأجنحة احلامها, و يقصقصها كما يحلو له, بل تريد ان تتحرر, لقد استطاعت التحرر من قيود ايهاب و حسام نوعا ما, ترددت فيما تكتب في الاستمارة و اخذت تعض علي شفاهها بضيق و انفعال و تقرقض في اظافر اصابعها من شدة الارتباك, فجاة امسكت قلمها بدون اي تفكير, و سجلت بعناد "طب"..
                            ***
سعدت لسعادة شقيقها بقدوم نيرة, و شاركته الفرحة بسعادة حقيقة, فساعدت والدتها في صنع الحلوي الذي يحبها, و هي و بلا شك "الكنافة", جلست جوار خالها - في تجمع العائلة اليومي- و قدمت اليهم اطباق الكنافة من صنع انمالها, ثم قالت مشاكسة :
-عامر..عيد ميلادي ناقص عليه 20 يوم..جهزلي الهدية من دلوقتي احسن..
نظر اليه متسائلا, فتابعت :
-الاول, عيب اوي يبقي اخويا رسام و عمره ما يرسمني..
ليجيبها هازئا :
-يا حبيبتي انا معرفش ارسم بني ادمين..لسة مجربتش ارسم حيوانات
لتنظر بسمة الي نبيل حانقة :
-شوفت يا خالو..شوفت قصده اية..
ضحك الكل بقوة و قهقة, فظلت عابسة ليقول مهاب :
-طب عاوزة اية في عيد ميلادك
شعرت بالحرج من تدخل مهاب بالموضوع, و ازداد خوفا من نظرة عامر الثاقبة, فقالت بصوت خافت :
-الاول عاوزة عامر يرسمني رسمة حلوة و بعدين عاوزة السلسلة الدهب الي عجبتني يا عامر و انت عارف اية هي بالظبط..و آخ نسيت عاوزة الموبيل الجديد الي نزل من كام يوم..
ثم قالت بضيق طفولي :
-و اوعي متجبش انت بقيت تشتغل و بقي معاك فلوس كتير..
فقال بلا مبالة :
-هو انتِ فاهمة اني قاعد علي بنك..مش هجيب حاجة انا لسة جايبلك هدية امبارح
فزفرت بضيق, ليضحك و هو يهز رأسه معاندا انه لن يأت لها بشئ, فجأة قالت و قد تذكرت شيئا هاما :
-خلاص مش عاوزة الهدايا دية...بس طلعني معاك شرم الشيخ
ليقول ناهيا :
-دة مستحيل معايا صحابي شباب و مش هينفع تيجي..
لتتساءل :
-يعني مفيش بنات طالعة معاكم!
-في بنات..بس مش هتطلعي معايا برضه..عيب عايزة تطلعي مع صحابي!
لتصمت حزينة, و تنكس رأسها في الارض بلا اي كلمة, فيما كان يتابعها مهاب و قد تفهم ان عامر يغار عليها من اي شاب, الآن توضحت الصورة كاملة و ادرك ما سر تحول بسمة في الحديث معه..عامر السبب!!
                           ***
انتهت من شراء ثياب جديدة و ملابس بحر قصيرة نالت اعجابها, كانت سعيدا ليس بالسفر لشرم الشيخ بل لسفر مع عامر بذاته, التمعت عينيها بلمعة سعادة و هي تتذكر اول قبلة بينهما, شردت بابتسامة لكن تفاجأت بمن يحادثها :
-اية الضحكة الحلوة دية..
رفعت نظرها لمتكلم, ثم ابتسمت بسعادة قائلة :
-عليّ ازيك !
فقال بابتسامة خجولة :
-ازيك انتِ يا نيرة وحشتيني..!
*
*
*
يتبع
أستنوني بكرة مع 3 فصول تانين

مدمن قلبكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن